كتبت – ياسمين خلف:
لم يكن سهلاً اطلاقاً الدخول لعالم المدمنين، ولم تكن عملية اقناعهم بالهينة، فبعد ثلاثة اسابيع من محاولات الاقناع والتي فشلت مع أغلبهم استطعنا معايشة حالتين فقط، واللذين رفضا بالبداية الرجوع بذاكرتهما لماضي اعتبراه صفحة قاسية قد طويت، ولا داعي لتذكرها ان لم يكن من تذكرها معني أو هدف، وبعد اقناعهما اليكم كما جاء علي لسانهما طريق الإدمان الذي سارا عليه وكيف صار حالهما اليوم.
بمرارة اقسي من العلقم قال …. بدأت خطوتي في الادمان خجولة بشرب علبة بيرة أو أكثر كل ستة أو ثلاثة أشهر، كنت حينها لم يخط الشارب في وجهي بعد، كنت حينها في الثالثة عشر من عمري، ولم يكتشف أحد من أهلي أمري، فقد كنت أخرج مع نفر من أصدقائي في رحلات للبلاج، ونخيم في البر، وكان أمر توفير المال هيناً يسيراً، بخمسة أو ستة دنانير لن يرفض أهلي اعطائي اياها بحجة الرحلة الجماعية، وهكذا استمريت وعلي هذا المنوال سرت حتي غدوت في الصف الثاني الثانوي.عندها لم أكمل مشواري الدراسي كأقراني الأسوياء، وكانت حياتي فوضي في فوضي، وكنت مستمتعاً بتلك الفوضي، لم اعرف حينها بعد المعني الحقيقي القاتل للإدمان، كنت أظن خطأ إني اعاني من مشاكل في حياتي، ولم أعلم اني أنا المشكلة في حد ذاتي، كنت اعتقد ان ابي رجل شرير، يكرهني علي الرغم من كونه مربي أجيال مدرس ، كنت أعتقد انه يضربني لأنه يكرهني حتي النخاع ولم أعلم أنه يريد مصلحتي وتأديبي، فكلما خطوت خطوات أوسع في الإدمان كلما زادت تخيلاتي وشكوكي التي لا تمت الي الحقيقة والواقع بصلة.
روجت المخدرات وأدمنتها
وبطيش طلبت من والدي اخراج رخصة سياقة لأقود سيارة، فقال لي أصبر وان اردت اتعب علي نفسك لتنال ما تريد، حينها كنت أشعر في قرارة نفسي بأنه يكرهني، ولأحصل علي ما اريد اخترت طريقاً شائكاً، طريق ترويج المخدرات، واعتبرت الأمر تحدياً بيني وبين والدي، حيث اعتقدت انني بهذه الطريقة سأتمكن من استخراج رخصة القيادة وشراء سيارة بل شراء كل ما أريد، وقد اشتري من حوالي بالنقود فتقربت في البداية من المتعاطين للمخدرات، وأخذت ابني علاقة صداقة معهم، وعرفت عن طريقهم كيفية تعاطي المخدرات، وتعاطيت أول جرعاتي عندما كان عمري 17 سنة وكان الهيروين أول المواد المخدرة التي تعاطيتها وتلاها الحشيش وأنواع أخري بالاضافة لإدماني علي الكحول.
بتنهيدة أكمل: خسرت الكثير، منها خسرت أهلي وخسرت أمي التي انطوت علي نفسها، خوفاً من نظرات الناس وخسرت ثقتي بنفسي، وليس هذا وحسب، خسرت 6 فرص لإكمال دراستي عبر دورات من العمل حيث أرجع بخفي حنين ولا أكملها، حتي بيت الحكومة الذي حصلت عليه خسرته، لم تكن حياتي كأصدقائي الذين بنوا حياتهم علي أسس سليمة، باختصار لم أكن كغيري!
كرامات ربي عليَّ اليوم كثيرة
يقول: عند سماعكم بأن المدمن ضرب أو سرق أو اي شيء آخر صدقوا، فهو شخص مخدر يقوم بكل شيء دون احساس أو ارادة فالإدمان ليس بالإمر السهل اليسير، حاولت ان اتخلص من ادمان الهيروين بالتعويض عنه بالكحول الذي وضعته كبديل، ومع ذلك فشلت وعدت لادمان المخدرات مرة أخري، حاولت ان اشغل نفسي بالهوايات واشتريت طراداً ودخلت البحر، لعبت كرة القدم أخذت مزرعة وربيت فيها الحيوانات ومع ذلك لم أتمكن من التخلص من الإدمان، أخذوني أهلي لبيت الله الحرام وحاولت ان اتقرب الي الله وفشلت، كل ذلك لأني لم أكن اعي الحقيقة ان المشكلة تكمن فيَّ أنا، الي ان ذهبت لإحدي الدول الخليجية والتقيت بأخصائيين اجتماعيين، كانوا يزورونني كل يوم، وفي كل مرة يحاولون ان يعرفونني بأساس المشكلة وأين توجد وكيف أواجهها، بقيت هناك لمدة شهر، حتي تعافيت ورجعت وأنا مليء بالعزيمة، مليء بأمل التغيير نحو الأفضل.
وبنبرة مختلفة قال مواصلاً: اليوم أنا شخص جديد، حياتي تغيرت لدرجة أني أخجل من الله علي النعم والكرامات التي يغدقني بها، فبعد أن كانت أمي تخجل من العالم بأسرة كوني أنا ابن بطنها، اليوم تفتخر بي وتقول وهي تبكي أمشي أمام الجميع مرفوعة الرأس لأنك ابني، وبعد ان كنت استلف الدينار والدينارين ممن حولي حتي بات الجميع يتهرب مني ما أن يروني، اليوم أنا من يقرضهم بالآلاف!
وليس هذا فحسب فقد تم تكريمي مؤخراً في عملي وكل عام أسافر، ففي العام الماضي ذهبت الي تركيا واليونان، وهذا العام سأذهب لهاواي ولوس انجلس والهند، وبعد ان كنت ظالماً لزوجتي وأبنائي اليوم تراني أفرغ نفسي بعد العمل لأهلي واسرتي لدرجة أنني أغلق الهاتف ما أن تطأ قدماي عتبات المنزل.
أبي وأخي مدمنا مخدرات وكحول
تلك كانت قصة شاب نطويها، لنفتح قصة أخري لشاب ترتيبه الرابع بين ثمانية أخوة منهم خمسة صبيان وثلاث بنات، ذاق مرارة وقسوة الفقر، ولم يرحمه والده المدمن علي الكحول يقول: نشأت وتربيت في كنف أسرة لا يتلكم فيها الوالد الا بالضرب والشتم، كونه فاقداً للوعي اثر ادمانه للكحول، عاملنا جميعاً بقسوة حتي زرع الخوف في أحشائي، وجعلني أشعر بأني غريب في هذا الكون، فأثرت علي نفسي الإنطواء والعزلة، ففي الوقت الذي ينتظر فيه الاطفال في المرحلة الابتدائية جرس الفسحة للخروج من قاعة الدرس ومغادرة الكرسي، كنت أحبس نفسي في ذاك الفصل مبتعداً عن كل من حولي من أقراني، وكنت حينها لا أعرف كيف أتأقلم مع البيئة من حولي، وظللت علي هذا المنوال فترة طويلة من طفولتي.
بأسي ممزوج بألم قال: أتذكر بإحدي الليالي ان والدي بعد ان لعبت الخمرة برأسه وبدأ يضربنا ويضرب والدتي طلع علينا الصبح، وأمي المسكينة التي لا حول لها ولا قوة كعادتها صباحاً اعطتني 50 فلساً وسندويشاً وودعتني قبل ذهابي للمدرسة وقالت كلمة ترن حتي اليوم في أذني حيث قالت: اخذ بالك من نفسك وكيف اني لمحت الدمعة المتحجرة في عينها، المتيبسة بالخوف والذي اشعل فتيل البركان داخلي، فوالدي لا أتذكر منه غير الضرب، والسكر، ولم يأبه يوماً لزيارة مدرسيني في المدرسة يوم لقاء الآباء واليوم المفتوح! فكان همه الوحيد الشرب وخلق المشاكل وكم اتمني ان يكون لي أب كغيري من الأطفال يسمعني ويلعب معي ويسعي لتلبية احتياجاتي.
ضربت والدتي
ايتصور أحدكم انه كان يدفعني ويحرضني علي ضرب والدتي بعد ان يشبعها رفساً وضرباً، لدرجة انه في يوم من الأيام بعد ان ضربها اعطاني عصاة لأضربها، ومن خوفي منه أخذت العصاة وضربتها ضرباً هيناً، فثارت ثائرته فأخذ مني العصاة وقال وهو يهوي عليها بالضرب: لا تعرف كيف تضرب، انظر كيف الضرب حيث يكون! فأخذ يضربني ويضربها بجنون.
وعن ادمانه وأولي خطواته فيها قال: بدأت بشم الغراء وكان عمري حينها تسع سنوات تقريباً، وكم كنت اشعر بالفخر كوني أشم تلك المادة المخدرة والتي غطت علي مشاعر الخوف والانطواء لدي، ولأشبع غروري ولأشبع حاجاتي لأشعر بأنني رجل بدأت في التدخين بعد ان كنت اكره حتي رائحتها، بدأت أتفاخر بين رفاقي رفاق السوء كوني أدخن وبقيت اشفط واخرجه من انفي، حتي دفعني الفضول وحب التجربة الي شرب الكحول، يتنهد ويكمل: اتذكر اني مع أول مرة شربت فيها الكحول بدأت أفرغ مافي جوفي، وشعرت بأني اغادر الدنيا وأني سأضع نهايتي بنفسي، وبعد ان فقت، قلت في نفسي بأن هذا النوع لا يناسبني، وبعدها بفترة أخذت أجرب أنواعاً من المنشطات وأنواعاً من الحشيش.
مات أخي بجرعة زائدة
بعد هنيئة قال مكملاً: لي أخ كان هو الآخر مدمن مخدرات وكان دائماً ينصحني كونه أكبر مني، ودخل عالم الإدمان قبلي، كان يقول لي ان كنت تشرب الكحول فلا بأس، ولكن اياك ثم اياك من المخدرات اللعينة، ومع ذلك لم أجد لتلك النصيحة جدوي معي، بل كنت اتفاخر أمام أصدقائي كوني اتعاطي الهيروين، ولم أكن حينها أعلم الي أين تأخذني المخدرات، والي اي مصير تقذفني اليه، الي ان وصلت لمرحلة تعاطي المخدرات عبر الحقن، وكنت حينها اشعر بأني أخيراً وصلت للفن الراقي وكنت حينها اعتقد ان تلك اللحظة أسعد وأجمل لحظات حياتي.
يكمل: كنت أحقن نفسي مرة في الأسبوع أو مرتين في البداية، حتي وصلت الي مرحلة الحقن كل يوم، بل قمت أبحث عنها كالمجنون، كنت أكذب وبدأت أتعرف علي اشخاص لم أفكر يوماً أنني سأعرفهم، وذهبت أماكن لم ازرها قبل ذلك، كنت فعلاً أري نفسي أتدمر يوماً بعد يوم، وخسرت العمل الذي حصلت عليه بعد عناء، ورأيت أمي علي فراش الموت، أردت ان تكون لي حياة كغيري من الشباب، فلجأت لعدة طرق لأتخلص من الإدمان وفشلت، فقدت علاقتي بأخواني وأخواتي، حتي أبي المدمن كان يتألم من وضعي، الي ان جاء ذلك اليوم الذي اتذكره بكل تفاصيله السوداء الكئيبة، يوم قبضت علي شرطة مكافحة المخدرات، وحينها وفي قرارة نفسي كنت أقول: لقد قبضوا علي أخي وبالتأكيد هو من أبلغهم عني! وأنا في تفكيري ذلك قطع حبل أفكاري ضابط الأمن الذي قال لي الا تخاف علي حياتك وعلي سمعة أهلك؟ بعدها أخذوني الي غرفة كان بها شخص مغطي بوشاح أبيض ورفعوه ليكشفوا لي عن وجه أخي الأكبر الذي فقد حياته اثر تعاطيه لجرعة زائدة، وأوقفت بعدها في سجن انفرادي متر X متر لمدة ثلاثة أشهر، وتعاهدت علي نفسي يومها بأني لن أرجع لذلك العالم البغيض عالم المخدرات والمسكرات، ومع ذلك لم أكن عند وعدي، خرجت من السجن، ومباشرة توجهت أجد ضالتي من مخدرات وكحول، وظللت أتعاطي في كل مرحلة أمر بها، بل وفي اليوم عدد من المرات، تغيب الشمس أتعاطي، أتكلم مع أحداهن أتعاطي، أحزن أتعاطي، أخرج أتعاطي، باختصار أتعاطي لأي سبب كان.
لجأت للسحرة والمشعوذين
يقول مكملاً: لجأت لخيرة الأطباء لأتوقف عن الإدمان، ولجأت لرجال الدين، وذهبت الي بيت الله ولم أتب ولم أتوقف عن الإدمان، حتي ظن أهلي بأني مسحور، فباعت أختي ذهبها وسافرنا للخارج وأغدقنا المال دون جدوي، لدرجة إني بعد ان ارجع من تلك الجلسات اتعاطي في الشقة، فالخوف والاحساس بالفشل والاحباط كان يلازمني، ومشكلة الادمان عميقة وكبيرة أكثر مما يتصور البعض ولا تصفها الكلمات، الي ان عرفت ان هناك مركزاً بإحدي الدول الخليجية التي لجأت اليها وتغيرت حياتي بـ 180 درجة، وكونت علاقة قوية مع ربي، وتحسنت علاقتي بأهلي وأسرتي بل وتحسنت علاقتي بالمجتمع من حولي، وأسعي أنا اليوم للوصول للكمال بسيري علي خطي مستقيمة بعيدة عن عالم المخدرات والكحول الذي حطم حياتي وبدون مبالغة فخرجت من النار الي الجنة وأحمد الله علي ما أنا عليه اليوم، وعرفت أن الإدمان مرض وليس من العار طلب العلاج، وامكانية التخلص منه يسيرة لمن اراد.
يقول وبلهجة متفائلة: أنا سعيد اليوم وأجد الحياة ممتعة أكثر مما كانت عندما كنت مدمناً، اضحك وأفرح وأحزن كغيري من ةه الحلال التي تقبل مشاطرتي باقي سنوات عمري، تتقبل الماضي المؤلم الذي عايشته، تثق بي وتثق بأنني حتماً لن أعود بأي حال من الأحوال الي ذلك العالم، ان تجربتي القاسية والمدمرة، خلقت بداخلي ينبوعاً من الحب والعطاء الذي لن ابخل به علي من تقبل بي كزوج.
في النهاية
قد يعتقد البعض انها قصص من نسج الخيال لغرابة تفاصيلها ولكنها حقيقية، قد تتكرر كل يوم في بيوت لا يعرف اسرارها غير خالق ارواح ساكنيها، ولكنها بالفعل قصص تستخلص منها عبرة، فلا حياة سوية مع المخدرات.
Catsocaff
2005-03-12
كتبت - ياسمين خلف: لم يكن سهلاً اطلاقاً الدخول لعالم المدمنين، ولم تكن عملية اقناعهم بالهينة، فبعد ثلاثة اسابيع من محاول...
إقرأ المزيد »
أحدث التعليقات