في زاوية من مجلس عزاء كانت تجلس، يمر عليها المعزون محاولين تخفيف وطأة الجلل التي هي فيه، كنت أحسب كما علمت وجئت لها من أجله، إن ابن عمتها هو المتوفي، وصعقت عندما علمت انه وبالاضافة الي وفاة ابن عمتها، تعزيها النسوة علي فقدانها أخيها!!
سحابة الدهشة والاستغراب خيمت علي، ولم اترك العزاء إلا بعد ان عرفت ما الذي يجري !!
فما الذي جري؟!
صوتها المخنوق من العبرات التي تحجر بعضها في قلبها ونزفت البعض الآخر من مقلتيها عبرت عن مأساة عمرها، الا وهي القضية التي أثرت ان أفجرها خلال هذا الملف، قضية الأهل المنسيين، والفئة المحرومة الغريبة وهي في عقر دارها!!
رغم ما بها كانت تقول: أخي توفي ولا أعرف حتي أين مجلس العزاء الذي أقيم من أجله، أو حتي الطريق المؤدي الي بيته!! زوجته ابعدته عني وانا أخته الوحيده والعزباء أعيش الغربة وأنا في وطني، الجيران وأهل الخير هم من يسألون عني، ويوفرون لي احتياجاتي المعيشية والتي ولولاهم لمت قبل أواني، وأخي الآخر توفي العام الماضي ولم أره ايضا، ولتعاسة حظي انه وبعد فراق بيننا وعدم سؤاله عني لسنوات، قرر زيارتي قبل ان يحج الي بيت الله، وحدث انه زارني في داري إلا ان الله لم يشأ لي برؤيته قبل وفاته، فقد كنت خارج المنزل فغادر الباب بعد ان طرقه كما غادر الدنيا بعدها بليلة.
تلك المرأة العجوز من عائلة عريقة ولها جذورها في البحرين، اي أنها وبدل القريب لها أقرباء عدة، إلا ان الجميع قد لهي في زحام وزقاق الدنيا، متناسين صلة الرحم ! ذلك نموذج وهناك نماذج تدمع العين ويدمي القلب عند سماعها.
قبل سنوات لا تتعدي عدد أصابع اليد، كنت في زيارة لدار رعاية المسنين ضمن فريق الهرات في المدرسة، وأتذكر ولا أظن إنني سأنسي إنني وخلال تجولنا وتقديمنا الهدايا لفئة العجزة، قدمنا احداها لاحدهم وهو الآخر من عائلة لها صيتها في البلاد، وكان عمره لايتجاوز الاربعين او حتي الخامسة والثلاثين كاحد تقديراتي العمرية، والدهشة ملأت أعيننا نحن الزهرات وسألنا عن سبب اندساس هذا الشاب بين العجزة، وكان جواب الباحثة الاجتماعية آنذاك انه قد تعرض لحادث، كسر ظهره علي أثره، وأصبح عاجزاً عن الحركة، ففضل أهله الأغنياء تركه في الدار وعدم السؤال حتي عنه بدلاً من جلب خدام يخدمه، وهم قادرون علي وضع بدل الخدام الواحد عشرة .
لا أخفي مدي رعبي من المستقبل والذي أتمني أن لا يكون مصيري كمصير هؤلاء!! وان كنت لا أعتقد ان أهلي اطال الله في اعمارهم سيكون هذا موقفهم من عجزي لا سمح الله ولكن تلك القصص التي نسمعها يوميا، تسرب المخاوف فينا حتي النخاع، فهل مثل هؤلاء كانوا سيعلمون بمصيرهم هذا!! بالطبع لا، ولكن ومن خلال هذا الملف أتمني ان يتعض البعض، ويتوبوا عن أفعالهم، وان يتذكروا دائماً انه وكما تدين تدان، وان الزمن دوار، وان طال باع الظالم حتما لن يدوم.
فئات كثيرة بيننا محرومة وغريبة في وطنها، تنتظر لفتة كريمة من ذويهم، والتي وكما اعتقد انها ستنسيهم ما عانوه في سنوات طويلة هي فترة هجرات أهلهم عنهم، والامثلة كثيرة ولكن من يلتفت إليها. فليرجع الابن لابيه وامه اللذين مهما فعل من أجلهما لن يجزيهما الفضل، وليتذكر الأخ أخيه المعاق الذي تناساه بعدما رماه في احدي الدور، ولتتذكر الام امومتها وترجع لابنها الذي لم يلق بنصيب طيب في دار الدنيا، والذي اراد الله له ان يعيش معاقا لا حول له ولا قوة ! ويكفي ان تعلمي ان الجنة ستكون من نصيبك إذ ما صبرت علي ما ابتليتِ به، قد يقول البعض، وأي أم هذه؟! ومحال أن تكون موجودة علي ارضنا الطيبة، ولكنها وللاسف كذلك، وكمثال عليه، خبر نشر في احدي الصحف المحلية العام الماضي، وكان لام تخلت عن وليدها، وكذلك الأب، لمجدد انه طفل معاق، فتولت الجدة مسئولية تربية حفيدها المعاق مستنكرة فعل ابنة بطنها !!
والعبرة للعاقل..
ياسمين خلف
Catfeat
2004-01-03
في زاوية من مجلس عزاء كانت تجلس، يمر عليها المعزون محاولين تخفيف وطأة الجلل التي هي فيه، كنت أحسب كما علمت وجئت لها من أ...
أحدث التعليقات