نشرت فى : مايو 2017

أن تكون رسولا

​تفقدت حقيبتها، فجن جنونها، أين محفظتي؟ لابد أن واحدة من الطالبات قد امتدت يداها طويلاً فسرقتها، جرت نحو غرفة الإدارة شاكية الطالبات، فالمحفظة كانت في الحقيبة، وليس لها بطبيعة الحال أرجل لتخرج منها! هدأت المشرفات من روع المعلمة وبدأن بجرد ملفات الطالبات، باحثات عمن لهن سوابق، فكان لهن ما أردن، إحدى الطالبات لها سوابق! إذن هي السارقة بعينها، ولا أحد سواها!. وجهت لتلك الطالبة الاتهام، نكرت، ورفضت الاتهام جملة وتفصيلا، واقسمت بأغلظ الأيمان بأنها بريئة ولكن لا أحد منهن صدقتها. هددوها باستدعاء ولي أمرها، ولم تجد أدمعها بالتوسل بعدم ارتكابها لذاك الجُرم. مرت ساعات الدوام المدرسي ثقيلة على الطالبة المحطمة نفسياً، والمشهر بها بين الطالبات بأنها السارقة التي لم تحترم مربيتها. وعادت المعلمة للمنزل وهي حنقة على الطالبة لتفاجأ بأن المحفظة لم تبرح مكانها، وهي على طاولتها في المنزل!. هل سيفيد بعد كل ذلك اعتذار المعلمة للطالبة؟ وهل هدية ستقدمها لها مثلاً لتعبر من خلالها عن أسفها سيبرئ الجرح العميق الذي تسببته لتلك المراهقة التي وبلاشك غرقت حتى أذنيها في الخجل أمام زميلاتها ولذنب لم تقترفه أصلاً؟ وإن كانت من ذوات السوابق، فهل ذلك يعطي الحق للمعلمة اتهامها قبل التأكد التام من ارتكابها لهذه الجريمة؟ أليس من واجب المعلمة -كمربية فاضلة- أن تتأكد من جميع الأماكن التي ارتادتها لتتفقد ما ضاع منها، قبل أن توجه سيل اتهاماتها للطالبة؟

إن تصرفا بهذا التسرع، الفاقد للتأني، لا يتناسب مع شخصية المربي، الذي عليه ان يكون قدوة لطلبته، والذي غالباً ما يترك أثراً نفسياً عميقاً لديهم طوال أعمارهم. فطالبة مثل تلك، حتى وإن تابت والتزمت بالسلوك السوي، إن احاطتها هذه النظرة الشكاكة في تصرفاتها، وعدم تصديقها هل سنتوقع منها التوبة النصوح؟ 

إن كان المربون يرددون دوماً شطر البيت الشعري:

كاد المعلم أن يكون رسولا.. عليهم فعلاً أن يكونوا كذلك، وأن يقتدوا بالرسل بأخلاقهم والتي منها بألا يقذفوا طلبتهم ويتهموهم جزافا!، مثل هذه النماذج السلبية بين المربين حتماً لا تشمل الجميع، فهناك نماذج جميلة، تؤكد على أن بعض المربين يتحلون بخُلق عظيم، يحبب الطلبة بهم، ويحببهم بالمادة الدراسية التي يدرسونها، وكم هو جميل تعبير طلبة إحدى المدارس الإعدادية في إحدى الدول الخليجية، عندما حضروا جميعاً حفل عقد قرآن مدرسهم، بل واحتفوا به مبتهجين عندما حضر أول درس له معهم بعد قرآنه، مقدمين له الهدايا والحلوى، ومرددين له أهازيج الزواج، وكل ذلك يعكس مدى معاملته الجميلة لهم. 

ياسمينة: لا نعمم، ولكن لنذكر بأن للمعلم هيبة، ولوظيفته قدسية عليه أن يحترمها، ليُحترم.

وصلة فيديو المقال 

https://www.instagram.com/p/BTd_5XYDRPu/

​تفقدت حقيبتها، فجن جنونها، أين محفظتي؟ لابد أن واحدة من الطالبات قد امتدت يداها طويلاً فسرقتها، جرت نحو غرفة الإدارة شا...

إقرأ المزيد »

الجماد أغلى من بعض البشر 

عند الإشارة الضوئية، وحالما توقفت السيارات لضوئها الأحمر، قفز أحد الشباب من مقعده ليتفقد مقدمة سيارته، التي كما يبدو أنها تعرضت لضربة خفيفة أو ما شابه في هيكلها الخارجي أثناء قيادته لها، أخذ يتفحص، ويمسح بيده عليها مراراً وهو ينفخ عليها ليتأكد إن ما من شيء قد أصابها، تنفس الصعداء وطفق إلى مقعده مرة أخرى قبل أن ينزعج السّواق الآخرون من تأخره في تحريك سيارته. 

تصرف هذا الشاب جعلني أفكر ملياَ، ماذا لو تصرفنا جميعاً كما تصرف هذا الشاب، ليس مع سياراتنا بالطبع، ولكن مع بعضنا البعض كبشر، ماذا لو حملنا لبعضنا البعض ذات المشاعر التي نحملها لبعض مقتنياتنا من الجماد، والتي بعضها نغليها فنحافظ عليها، ونبعدها عن كل ما قد يتلفها أو حتى يحدث فيها أي خدش أو ضرر. 

لما لا نتفقد ذاك الأخ الذي قد سمع منا كلاماً دون قصد فأزعجه، فنتأكد أن تلك الكلمات لم تضره نفسياً أو تحبطه، لما لا نتأسف لتلك الأخت التي جُرحت مشاعرها بقصد أو حتى دون قصد، فنعتذر منها كي لا تترك تلك الكلمات ندوباتها على مشاعرها. لما لا نعتذر لذاك الزميل الذي قد فهمنا خطأ، وأثر ألا يقترب منا أكثر بعد أن أخذ موقفاً دون علمنا. تلك الزوجة والزوج وبعد سوء الفهم والخلاف والشجار لما لا تكون الكلمات الحانية أولى الكلمات التي يتقربون فيها من بعضهما البعض، بدلاً من توجيه سهام الانتقادات، والرمي باللائمة كل على الآخر، وكأن المشاعر أرخص وأقل أهمية من كل ما نقتنيه من جماد يعز علينا كسياراتنا الفارهة، أو مجوهراتنا وقطع الأثاث النادرة أو حتى ملابسنا التي نعتز بها وخصوصاً لدينا نحن الفتيات. 

ليتنا نعلم ونتعلم أن الكلمة التي تخرج وتجرح تترك ندوباتها في أنفس الكثيرين، وجرحها يكون غائراً في النفس كلما كانت تلك الكلمة من عزيز أو قريب، قد ينسى من تكلم وجرح، ولكن لن ينساها قلب من كُسر ولم يجبر. ليتنا نتعظ فكما لممتلكاتنا والجماد من حولنا عمر افتراضي فالبشر أعمارهم أقصر، وإن العمر قد لا يمهلنا لنقول عذراً لم أقصد! عاهد نفسك أن تعامل من تحب على أقل تقدير كما تعامل ذاك الجماد الذي لا يتنفس. 

ياسمينة: مهما كان نوع الجماد الذي تقدسه، قل إن عائلتي، وأهلي واصدقائي إلى نفسي أقرب. 
وصلة فيديو المقال 

https://www.instagram.com/p/BTQfw26jHPI/

عند الإشارة الضوئية، وحالما توقفت السيارات لضوئها الأحمر، قفز أحد الشباب من مقعده ليتفقد مقدمة سيارته، التي كما يبدو أنه...

إقرأ المزيد »

وانتحرت اﻹنسانية 

​بغض النظر عن الأسباب التي دعت الخادمة الأثيوبية إلى الإقدام على الانتحار في إحدى الدول الخليجية، وبعيداً عن حالتها النفسية وقواها العقلية اللذين سلباها حُسن التصرف حينها، هل أصبح هوس التصوير للتفاعل مع المتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أهم بكثير من حياة البشر عندنا؟ هل اللايكات باتت أكثر متعة لدينا من مد يد العون ومساعدة الآخر، أو حتى إنقاذه من هلاك هو مقدم عليه لا محالة؟ هل تحجرت القلوب لدرجة متابعة مشاهد ما قبل الموت؟ وكأن الموت أصبح مشهداً تُقتنص لحظاته لنصوره ونشاهده ونحن مسترخون على كراسينا الوفيرة، وليكون مادة دسمة لإطلاق النكات و«المسخرة» على إنسان فقد عقله في لحظات وقرر إنهاء حياته!. 

مؤمنة بأن الإنسان المقدم على الانتحار يصل في لحظات إلى مرحلة الجنون التي تفقده عقله فلا يدرك حجم ما هو مقدم عليه من إزهاق روحه بنفسه، فسيل العواطف القوية هي التي تجرفه لا أفكاره العقلية، وبالتالي أنت تتعامل مع إنسان مريض حد الجنون، وثني مقدم على الانتحار عملية ليست بالسهلة وأشبه بمحاولة إقناع طفل بعدم التهام حلوى في قبضة يده.

لا ننكر الموقف الصعب الذي وضعت فيه صاحبة المنزل تلك «المعزبة» والتي لا تحسد عليه إطلاقاً، فليس من السهل أبداً مواجهة موقف إقدام شخص على الانتحار، فسرعة التصرف وحسنه قد لا يملكها الكثيرون منا في مثل هذه المواقف، ولكن ما يثير الاستغراب حقاً هو إنها وكما يبدو من نبرة صوتها خلال عملية التصوير إنها لم تكن مرتبكة، وهي تلتقط الثواني الأخيرة من حياة تلك الإنسانة، التي وكما يبدو إنها وبعد أن قررت أن تضع حداً لحياتها، وواجهت الموت وجهاً لوجه استرجعت عقلها وأخذت تطلب النجدة والمساعدة، وبدلاً من أن تتدارك «المعزبة» صاحبة المنزل الموقف، وتستجيب لنداء إنسانة تستغيث، وتحاول ولو لمجرد المحاولة أن تنقذ حياتها، تركتها لتصارع الموت لوحدها، لتتفرغ هي لعملية التصوير، والتعليق على المشهد! والتي كان عليها وكأضعف الإيمان أن تكسب وقت ذاك التصوير في طلب نجدة رجال الشرطة أو الدفاع المدني أو أي شخص آخر يمكن أن ينقذها. 

ياسمينة: لطف الله بهذه الإنسانة فلم تلق حتفها، ولكن من بيننا من فقدوا الإنسانية والرحمة، وفقدوا أنفسهم وهم أحياء. 
وصلة فيديو المقال 

https://www.instagram.com/p/BSoHJj8DkPc/

​بغض النظر عن الأسباب التي دعت الخادمة الأثيوبية إلى الإقدام على الانتحار في إحدى الدول الخليجية، وبعيداً عن حالتها النف...

إقرأ المزيد »