من يصدق ان هناك من يعيش في منزل، مطبخه وحمامه أعزكم الله في مكان واحد!! لا يفصل بينهما أي حاجز سوي طابوقتين فقط! ولكم أن تتصوروا حالة الأم النفسية وهي تارة بين أبنائها الصغار الذين يتناوبون علي استخدام الحمام، وتارة بين إعدادها للوجبات الغذائية لأبنائها وزوجها.. الأم وفاء محمد علي درويش 27 عاماً – تقول وهي تصف حالتها: لا أشتهي الأكل الذي أعده في مطبخي، فرائحة الحمام أثناء إعدادي للأكل تقضي علي كل شهية للأكل قد تنتابني، وكما يقولون يد بالأكل واليد الأخري مع الأطفال، فأي رغبة للطعام بعدها يا تري!! .
ما هي قصتهم؟!
بصراحة.. مررنا وزرنا بيوتاً عدة لإجراء بعض الاستطلاعات والتحقيقات الصحفية، ولم يصادفنا قط بيت كهذا البيت! الدهشة التي باغتتنا أثناء رؤيتنا للمنظر المقزز جعلتنا نفتح آذاننا لسماع حكاية هذه الأسرة بكل انتباه، وها هي قصتهم..
وفاء الأم متزوجة من ابن عمها علي – 32 عاماً ولهما من الأبناء ثلاثة، مريم 8 سنوات وزهراء 5 سنوات وحسين سنتين، تزوجا قبل عشر سنوات، وكانت بداية حياتهما في شقة بإيجار قدره 55 ديناراً، لم يبقيا فيها غير تسعة أشهر، بعدها نقلا حاجياتهما الي بيت والد الزوج! ولأن المنزل يعج بساكنيه، والذين وصلت أعدادهم لي أحد عشر فرداً، فقد بقيا فيه سنة وسبعة أشهر ثم ضاقا ذرعاً بأوضاعهم المأساوية ، فبحثا عن شقة تأويهما، فكان لهما ما أرادا حيث وجدا واحدة بسعر 40 ديناراً، وعلي الرغم من أنها ليست بحالة جيدة إلا أنهما قبلا بها لمناسبة سعرها مع ظروفهما المادية، فالزوج راتبه 240 ديناراً، يذهب منه 81 ديناراً للقرض الذي عليه لأحد البنوك، والزوجة لا تعمل.
وهذا الحال أيضاً لم يدم طويلاً، فبعد أربع سنوات رجعوا الي بيت والد الزوج، والذي يضم أربع غرف ومطبخ وحمام، ما أن تدخل هذا المنزل حتي تخترق الرائحة النتنة للمكان أنفك.. فالبيت والذي بني في عام 1930 متشبع بالرطوبة، وجدرانه متصدعة وآخذة في التساقط، بل ان مياه المجاري تفيض وتتسرب داخل غرف المنزل، ولذلك فإن عمر السجاد لا يطول كثيراً، ويضطرون الي تغييره بين الفينة والآخري ناهيك عن الحشرات والقوارض التي غزت المنزل وأخذت تلهو وتعبث في حاجياتهم.
بضحكة خجولة وحزن واضح في العينين قالت وفاء : أمي توفيت، وأبي متزوج من أخري ولي أخت وثلاثة أخوة أشقاء، بالاضافة الي أخوات غير شقيقات، سكنوا فترة من الزمن في شقتي، إذ أن أخواني الأولاد لا يمكنهم السكن في بيت والدي مع زوجته وبناته، وكانت حالتنا صعبة، حيث صرنا ثمانية أشخاص في حجرتين!
عملت فترة في توصيل الاطفال للمدارس نظير أجر قليل، ولكثرة المسئوليات التي ألقيت علي كاهلي اضطررت مرغمة علي ترك تلك الوظيفة، خصوصاً ان ابنتي عندما تعود من مدرستها لا تجد من يستقبلها في المنزل، فتبقي تحت أشعة الشمس خارج المنزل تنتظرني، وإبني الرضيع والذي كان عمره آنذاك ثمانية أشهر كنت أصطحبه معي في الصباح الباكر وفي الفترة الظهرية في الباص، لعدم وجود من يعتني به غيري، فتلسعه أشعة الشمس اللاهبة، فاضطررت حفاظاً علي صحة ابني وسلامة إبنتي لترك تلك الوظيفة التي كانت تخفف عنا مصروفات الحياة الصعبة.
قصتنا قصة
وأثناء جولتنا في المنزل أخذت وفاء تشير بإصبعها الي الجدران التي تهالكت وتسربت الرطوبة اليها وكذلك مياه المجاري! تقول بحرقة: دفعنا ما نملكه لتغيير سقف الغرفة وها هي الفئران تجول وتدور داخله فالمنزل قديم ومهما حاولنا ترقيعه لن نقوي، بل ان الحشرات بكل أنواعها تعيش بيننا، ومنها تلك الحشرة السامة الأصلة والتي حتي وان قطعناها أرباً لا تموت! ولا يمكننا ان نقضي عليها الا بالحرق.. والفئران، وما أدراكم ما الفئران التي قضت علي الأخضر واليابس في المنزل، ولذلك فإن في كل ركن من أركانه تجدون مصيدة للفئران، لعل وعسي تصطاد إحداها.
اعتصمت.. كآخر حيلة لي
يلتقط خيط الحديث زوجها علي الذي قال: المنزل قديم جداً ولا تهوية فيه غير نافذة واحدة يتيمة! التصدعات لم نتمكن من صدها، فمياه المجاري ترتفع مسببة تشبع الجدران بالرطوبة التي أدت للأسف الي تلف الجدران وتساقط طلائها، ناهيك عن مياه الأمطار التي تهددنا كل شتاء!! .
يسكت برهة ويكمل: مؤخراً وقبل أشهر بنينا حماما داخل غرفة نومنا، ولعدم وجود مجارٍ فيه ولا سخان للمياه لم نتمكن من استخدامه بكثرة.
بعد تنهيدة أخرج من جيبه رقم طلبه في وزارة الاشغال والاسكان (رقمه 5007)، وأخذ يقول: تقدمت بطلب في عام 1994 ولم أكن أعلم حينها بالفرق بين الوحدة والقسيمة السكنية، وعندما أدركت الفرق غيرتها من وحدة الي قسيمة، وكانت الضريبة هي أن نخسر سنة من تاريخ تقديم الطلب للوزارة، فتقدمت برسالة للوزير المهندس فهمي الجودر أطالب من خلالها تعجيل الطلب لعدم ملاءمة المنزل للسكن باعتباره بيتا غير صحي، وطالبنا بلجنة بحث لدراسة الحالة، وللأسف لا مجيب ولا أذن سمعتنا.. وعندما أدرجت أسماء المستفيدين من خدمات الاسكان لهذا العام في شهر ديسمبر، ولم يكن اسمي ضمنها، تحطمت امالي، فاعتصمت مع الأهالي في قرية كرزكان كآخر حيلة لي.
ياسمين خلف
Catop
2004-04-09
من يصدق ان هناك من يعيش في منزل، مطبخه وحمامه أعزكم الله في مكان واحد!! لا يفصل بينهما أي حاجز سوي طابوقتين فقط! ولكم أن تتصوروا حالة الأم النفسية وهي تارة بين أبنائها الصغار الذين يتناوبون علي استخدام الحمام، وتارة بين إعدادها للوجبات الغذائية لأبنائها وزوجها.. الأم وفاء محمد علي درويش 27 عاماً – تقول وهي تصف حالتها: لا أشتهي الأكل الذي أعده في مطبخي، فرائحة الحمام أثناء إعدادي للأكل تقضي علي كل شهية للأكل قد تنتابني، وكما يقولون يد بالأكل واليد الأخري مع الأطفال، فأي رغبة للطعام بعدها يا تري!! .
ما هي قصتهم؟!
بصراحة.. مررنا وزرنا بيوتاً عدة لإجراء بعض الاستطلاعات والتحقيقات الصحفية، ولم يصادفنا قط بيت كهذا البيت! الدهشة التي باغتتنا أثناء رؤيتنا للمنظر المقزز جعلتنا نفتح آذاننا لسماع حكاية هذه الأسرة بكل انتباه، وها هي قصتهم..
وفاء الأم متزوجة من ابن عمها علي – 32 عاماً ولهما من الأبناء ثلاثة، مريم 8 سنوات وزهراء 5 سنوات وحسين سنتين، تزوجا قبل عشر سنوات، وكانت بداية حياتهما في شقة بإيجار قدره 55 ديناراً، لم يبقيا فيها غير تسعة أشهر، بعدها نقلا حاجياتهما الي بيت والد الزوج! ولأن المنزل يعج بساكنيه، والذين وصلت أعدادهم لي أحد عشر فرداً، فقد بقيا فيه سنة وسبعة أشهر ثم ضاقا ذرعاً بأوضاعهم المأساوية ، فبحثا عن شقة تأويهما، فكان لهما ما أرادا حيث وجدا واحدة بسعر 40 ديناراً، وعلي الرغم من أنها ليست بحالة جيدة إلا أنهما قبلا بها لمناسبة سعرها مع ظروفهما المادية، فالزوج راتبه 240 ديناراً، يذهب منه 81 ديناراً للقرض الذي عليه لأحد البنوك، والزوجة لا تعمل.
وهذا الحال أيضاً لم يدم طويلاً، فبعد أربع سنوات رجعوا الي بيت والد الزوج، والذي يضم أربع غرف ومطبخ وحمام، ما أن تدخل هذا المنزل حتي تخترق الرائحة النتنة للمكان أنفك.. فالبيت والذي بني في عام 1930 متشبع بالرطوبة، وجدرانه متصدعة وآخذة في التساقط، بل ان مياه المجاري تفيض وتتسرب داخل غرف المنزل، ولذلك فإن عمر السجاد لا يطول كثيراً، ويضطرون الي تغييره بين الفينة والآخري ناهيك عن الحشرات والقوارض التي غزت المنزل وأخذت تلهو وتعبث في حاجياتهم.
بضحكة خجولة وحزن واضح في العينين قالت وفاء : أمي توفيت، وأبي متزوج من أخري ولي أخت وثلاثة أخوة أشقاء، بالاضافة الي أخوات غير شقيقات، سكنوا فترة من الزمن في شقتي، إذ أن أخواني الأولاد لا يمكنهم السكن في بيت والدي مع زوجته وبناته، وكانت حالتنا صعبة، حيث صرنا ثمانية أشخاص في حجرتين!
عملت فترة في توصيل الاطفال للمدارس نظير أجر قليل، ولكثرة المسئوليات التي ألقيت علي كاهلي اضطررت مرغمة علي ترك تلك الوظيفة، خصوصاً ان ابنتي عندما تعود من مدرستها لا تجد من يستقبلها في المنزل، فتبقي تحت أشعة الشمس خارج المنزل تنتظرني، وإبني الرضيع والذي كان عمره آنذاك ثمانية أشهر كنت أصطحبه معي في الصباح الباكر وفي الفترة الظهرية في الباص، لعدم وجود من يعتني به غيري، فتلسعه أشعة الشمس اللاهبة، فاضطررت حفاظاً علي صحة ابني وسلامة إبنتي لترك تلك الوظيفة التي كانت تخفف عنا مصروفات الحياة الصعبة.
قصتنا قصة
وأثناء جولتنا في المنزل أخذت وفاء تشير بإصبعها الي الجدران التي تهالكت وتسربت الرطوبة اليها وكذلك مياه المجاري! تقول بحرقة: دفعنا ما نملكه لتغيير سقف الغرفة وها هي الفئران تجول وتدور داخله فالمنزل قديم ومهما حاولنا ترقيعه لن نقوي، بل ان الحشرات بكل أنواعها تعيش بيننا، ومنها تلك الحشرة السامة الأصلة والتي حتي وان قطعناها أرباً لا تموت! ولا يمكننا ان نقضي عليها الا بالحرق.. والفئران، وما أدراكم ما الفئران التي قضت علي الأخضر واليابس في المنزل، ولذلك فإن في كل ركن من أركانه تجدون مصيدة للفئران، لعل وعسي تصطاد إحداها.
اعتصمت.. كآخر حيلة لي
يلتقط خيط الحديث زوجها علي الذي قال: المنزل قديم جداً ولا تهوية فيه غير نافذة واحدة يتيمة! التصدعات لم نتمكن من صدها، فمياه المجاري ترتفع مسببة تشبع الجدران بالرطوبة التي أدت للأسف الي تلف الجدران وتساقط طلائها، ناهيك عن مياه الأمطار التي تهددنا كل شتاء!! .
يسكت برهة ويكمل: مؤخراً وقبل أشهر بنينا حماما داخل غرفة نومنا، ولعدم وجود مجارٍ فيه ولا سخان للمياه لم نتمكن من استخدامه بكثرة.
بعد تنهيدة أخرج من جيبه رقم طلبه في وزارة الاشغال والاسكان (رقمه 5007)، وأخذ يقول: تقدمت بطلب في عام 1994 ولم أكن أعلم حينها بالفرق بين الوحدة والقسيمة السكنية، وعندما أدركت الفرق غيرتها من وحدة الي قسيمة، وكانت الضريبة هي أن نخسر سنة من تاريخ تقديم الطلب للوزارة، فتقدمت برسالة للوزير المهندس فهمي الجودر أطالب من خلالها تعجيل الطلب لعدم ملاءمة المنزل للسكن باعتباره بيتا غير صحي، وطالبنا بلجنة بحث لدراسة الحالة، وللأسف لا مجيب ولا أذن سمعتنا.. وعندما أدرجت أسماء المستفيدين من خدمات الاسكان لهذا العام في شهر ديسمبر، ولم يكن اسمي ضمنها، تحطمت امالي، فاعتصمت مع الأهالي في قرية كرزكان كآخر حيلة لي.
ياسمين خلف
Catop
2004-04-09
أحدث التعليقات