نشرت فى : مايو 2018

المنسيون

سنوات طويلة قضتها شابة تعاني من أحد الأمراض المزمنة على سريرها الأبيض في المستشفى، فلا علاج لها، ولا حتى بصيص أمل أن ترد لها عافيتها التي تتدهور مرة بعد مرة، تزورها فتستقبلك بابتسامة وضحكات، قلما تجدها عندنا نحن عندما نصاب ولو بوعكة صحية عابرة! ترحب بك وتجاهد نفسها لتنطق بعض الكلمات التي لا تخرج من فيها إلا بشق الأنفس، فرغم عزلتها وزيارات أهلها المتقطعة المتباعدة إلا أنها لم تضجر يوماً ولم تعتب على أحد، إن جاء وقت توديعها تقرأ في عينها مدى حاجتها لمن يؤنس وحدتها، ولكنها قط لم تطلب من أحد البقاء معها أكثر، فمن يريد البقاء معي فذلك يسعدني ويدخل أكبر فرحة في قلبي، ومن يريد الذهاب فلن أجبره على البقاء، تلك العزة والكرامة التي تبثها إليك كلما هممت بالرحيل عنها، والذي قد يكون الوداع الأخير لها.

اليوم، وبعد كل هذه السنوات، تصاب هذه الشابة بالاكتئاب، لم تعد تأكل ولا تشرب، ولم يجد الأطباء غير أنبوب يغرز في أنفها لتغذيتها منعاً لموتها جوعاً، الكلمات البسيطة التي كانت تقولها أصبحت أصعب في الخروج من فمها، وبات أمر رحيلها لبارئها وشيكاً، وإن كانت الأعمار بيد الله، إصابتها بالاكتئاب بعد كل معاناتها من مرضها اللعين الذي قضى على أكثر حواسها أمر لم يكن مستبعداً أبداً، و”عفيه” عليها أنها لم تصب به قبل ذلك، فنحن ورغم ما ننعم به من صحة وعافية، إلا أننا ومن أقل مشكلة نقع في دوامة اكتئاب.

هذه الشابة مثلها الكثير، ولا نستثني كبار السن في دور العجزة، هم بحاجة إلى من يخفف عنهم وطأة المرض، ليس بالأدوية والأغذية وتمارين العلاج الطبيعي التي يحتاجونها بطبيعة الحال، إنما بشخص يتجاذب معهم الحديث، يقرأ لهم الصحف، أو حتى القصص، ينقل لهم ما تنقله الفضائيات من أخبار، يشاركهم متابعة المسلسلات التلفزيونية، يحدثهم عن آخر التطورات في العالم، العالم الآخر الذي يبدأ من باب غرفتهم بالمستشفى إلى جميع ما وراء ذلك… نحن بحاجة إلى موظفين مهمتهم تبديد الملل والوحدة عن مرضى منسيين.

ياسمينة:

استحداث وظيفة للقيام بهذه المهمة في المستشفيات ودور العجزة أمر مهم.

وصلة فيديو المقال

https://www.instagram.com/p/BjJrRs8HU6d/

سنوات طويلة قضتها شابة تعاني من أحد الأمراض المزمنة على سريرها الأبيض في المستشفى، فلا علاج لها، ولا حتى بصيص أمل أن ترد...

إقرأ المزيد »

لا نحب الفقراء

يقولها بعضنا دون خجل، وبصراحة ودون كذب، «نحن لا نحب مساعدة الفقراء، وإن فعلنا ذلك فهو على مضض.. رياء أحيانا، وتجملاً أحياناً أخرى، بل في أحايين أخرى غروراً وإتيكيت». يده ثقيلة لو سأله محتاج عن فتات مما أغناه الله به، ومما لا يغني ولا يسمن من جوع، ولكنه لا يجد أية مشكلة لو ترك «بخشيشاً» لنادل في مطعم، بعد أن يدفع مبلغاً لا بأس به على وجبة لا تساوي أبداً ما أكله حقيقة، النادل هو الآخر موظف بأجر بسيط، وهو الآخر سيفرح كثيراً من تلك «البخاشيش» التي تأتيه كرزق يعينه على غلاء الحياة، لكن في نهاية المطاف هو يتسلم راتباً ثابتاً -ولو كان قليلاً – نهاية كل شهر، عكس ذاك المتسول أو حتى المتعفف الذي لا يجد عملاً يقتات منه، وكلنا يعلم حجم مشكلة البطالة، فلا داعي لتنهر من يسألك حاجة، وتطلب منه بدلاً من السؤال العمل، فتلك قضية أخرى.

يشتري هدايا فاخرة بمبالغ عالية لأنه سيهدي غنياً، ومن العيب أن يهديه شيئا رمزيا أو بسيطا، لكنه عندما يفكر أن يهدي ذاك الفقير فإنه سيبحث عن أرخص هدية، وإن لم يكن كذلك وضع أي شيء لا يريده، زائدا عن حاجته في كيس وأهداه إياه، فهو فقير وإنسان بسيط وكثير عليه أي شيء، رغم أن الأول قد يركن تلك الهدية ولا تملأ عينه، ولن يتوانى أصلاً عن رميها إن لم تعجبه، والثاني يمكن أن نكسب من ورائه الأجر إن غلفنا الهدية بنية الصدقة، وأهديناه ما يمكن أن يسعده أولاً، ويعينه ويساعده ثانياً.

في المحلات وخصوصا عندنا نحن معشر النساء قصة، فلا نتوقف من ترديد “كم آخر، آخر كم” للبائع البسيط ذي البضائع الأبسط، ونفرح وكأنما كسبنا جولة إن هو رضخ وقبل بتخفيض السعر رغبة في البيع، وبدون أن ننبس بأية كلمة نخرج بطاقتنا الائتمانية عند محاسب المحلات الكبرى، حتى دون أن نسأل عن قيمة ما سندفعه، وندفع المبالغ الفلانية… فكم نحن فقراء في تفكيرنا، وكم نحن منافقون في تصرفاتنا وأخلاقنا، فالمظاهر سلبتنا إنسانيتنا.

ياسمينة:

الفقراء ليسوا بحاجة إليك، بقدر ما أنت بحاجة إليهم.

وصلة فيديو المقال https://www.instagram.com/p/Bi3pzv6ne9W/

يقولها بعضنا دون خجل، وبصراحة ودون كذب، «نحن لا نحب مساعدة الفقراء، وإن فعلنا ذلك فهو على مضض.. رياء أحيانا، وتجملاً أحي...

إقرأ المزيد »

إحمد ربك أنك عزوبي

جملة لا ريب أنها تتردد على مسامعك كل حين إن كنت عازباً ولم تدخل بعد عُش الزوجية، خصوصاً إن أحاطك قوم من المتزوجين المتذمرين والساخطين على أزواجهم، أو ممن يحنون إلى حياة العزوبية، وما اقترن بمفهومها من الحياة بدون مسؤولية. متى تتزوج؟ سؤال هو الآخر يحمل وجهين، إما من محب يتمنى أن تكون سعيداً بوجود شريك – أو هكذا يظن – أو من حاسد وغيور يتمنى أن تقع في فخ كان قد سبقك إليه.

تقول: سئمت من سؤالها المتكرر عن زواجي، حتى اعتدت عليه، إلا أنها ذات مرة قالت عكس ما أتوقعه منها دائماً: “لا تتزوجي، ابقي هكذا أفضل”! فعندما سألتها عن سبب تغير قناعاتها قالت مازحة بجد: “لم أكن أحبك، والآن أحبك، كنت أريدك أن تذوقي مما نذوق من تعب وسهر وقهر، واليوم وبعد أن أحببتك أريد لك السعادة فلا تتزوجي”، هي تحب صديقتها بلاشك، ولكن مزجت الحقيقة بالكذب الذي أرادت أن توصل من خلاله فكرتها، وزادت بالقول إنها لو لم تتزوج باكراً لكانت اليوم أكثر رشاقة وجمالا، ولكانت تقتني أحدث السيارات، ولكان راتبها لها لا لزوجها وأبنائها الذين لا يتركون لها فلساً نهاية الشهر.

كثيرون يعتقدون أن حياة “العزوبي” بلا مسؤولية، وهل منا في هذه الحياة من يكون بلا مسؤولية؟ فحتى الطفل الصغير له مسؤوليات بما يتناسب مع سنه ووضعه، ربما هناك أزواج متهاونون لا يتحملون أية مسؤولية، وربما هناك عزوبي يحمل مسؤولية أسرة، فليست حياة الجميع متساوية، والحكم جزافاً واعتباطاً على أن كل عزوبي بلا مسؤولية حكم غير عقلاني أبداً.

المشكلة ليست في كونك متزوجا أو عزوبيا، فالسعادة والهناء والراحة غير مرتبطة بتاتاً بحالة الفرد الاجتماعية، رغم أن أكثر الدراسات العلمية تؤكد أن الزواج يطيل العمر وأن المتزوجين أكثر سعادة من العزاب، بل إن المشكلة في عدم الرضا عن الواقع وعدم تقبله، وتوقع أن لو عاش عكس وضعه لكان أسعد وأكثر استمتاعاً بالحياة، وكل ذلك نابع من جحود نعمة في اليد، ومد العين لما في يد الآخرين.

كن قانعاً حامداً ما أنت عليه، فلو كانت العزوبية أكثر نفعاً لك من جميع النواحي لما كتب الله لك الزواج وإنجاب الأبناء، ولو كان الزواج أسعد لك لكنت من المتزوجين، لابد أن تؤمن بأن الله ليس بظلام للعبيد، وأن كل ما كُتب لك في هذه الحياة خير لك.

ياسمينة:

“لمن يرى أن زواجه غلطة، فالله حلل الطلاق، ولمن يتحسر على الزواج فالدنيا مليانة عرسان”.

وصلة فيديو المقال

وصلة فيديو المقال

جملة لا ريب أنها تتردد على مسامعك كل حين إن كنت عازباً ولم تدخل بعد عُش الزوجية، خصوصاً إن أحاطك قوم من المتزوجين المتذم...

إقرأ المزيد »