كتبت – ياسمين خلف:
ما أقسي الثواني والدقائق التي تمر، مخلفة وراءها حلماً مقتولا وفرحة مخنوقة!
وما أقسي النظرات التي تكون لابن عاجز حتي عن سماع أبويه يناديانه ويلاعبانه، وما اقسي المواقف التي تجعل الابوين يبكيان بدل الدموع دماً، وهما يسمعان ابنهما الوحيد يتساءل عن صوت المطر أو عن صوت شروق الشمس او غروبها!!
السمع أحد نعم الله علي البشر، ووسيلة للتواصل لا يمكن لأحد نكرانها، وسالم بدر طفل عمره عامان واربعة اشهر، كل دقيقة تمر من حياته محسوبة، وكل ساعة زمن تذهب وبلا رجعة يعني انه يواجه تحدياً لمستقبل قاسي ومر، لن يغيب عنا انه أصم منذ الولادة! وقد يقول الكثيرون وماذا بعد فالكثيرون مثله، ونحن ومن خلال اسطرنا القليلة سنعرف معاناته ومعاناة أهله ومخاوفهم، وعن اذا ما أمكن تخطي اعاقته أم لا؟!!
اكتشفنا صممه
وعمره عام واحد!!
بدر والد الطفل سالم، بدا عليه الاصرار لمواجهة عجز ابنه عن السمع، متعلقاً بأمل عمره عامان، يتلاشي يوماً بعد يوم ،ذلك ما استشفيناه من كلامه عندما قال: الأمل موجود ما دام عمر ابني لم يتعد الأربع سنوات، بعدها ستزداد مشكلته وستسوء فوق سوءها وعن السبب قال: طفلي الآن لا يسمع اي انه لا يفقه كلامنا ولا يدركه، واذا ما استمر الحال علي ما هو عليه سيكون عاجزاً عن التواصل، وسيتخلف عن اقرانه، ولن يلتحق بالمدرسة، اذا حان وقتها! يسكت برهة ويكمل: اذا ما تم علاجه قبل الاربع سنوات من عمره سيكون بإمكاننا أن نؤهله للكلام ليكون اهلاً للاندماج مع اقرانه والجلوس علي مقاعد الدراسة وتلقي علومه كحق من حقوقه.الأمل.. موجود!!
ابنك أصم!! قلنا له هاتين الكلمتين والتردد واضح في لهجتنا فقال: ولكن الأمل موجود وذلك ما أكد عليه الأطباء، فعلاج ابني كامن في عملية زراعة القوقعه، وللأسف لا يوجد اخصائيون في مملكة البحرين يجرون هذه العملية المصيرية بالنسبة لابني سالم ولكنها متاحة في الدول الاخري، قد تسألوني وما يمنعك من شد الرحال والسفر الي حيث العلاج المتاح!! وسأقول لكم: لو كان ذلك يسيراً لما تأخرت ثانية واحدة التي تحسب بلا شك من عمر ابني، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة فالعلاج مكلف لدرجة ترهق كاهلي، فالعملية تكلف نحو عشرين الفاً، وهذا المبلغ وان اقترضت ربعه لن اتمكن من توفير الباقي منه، فراتبي مع القروض التي لم انته من سدادها بعد لن يؤهلني لاقتراض مبلغ يزيد عن الخمسة آلالاف دينار كحد اقصي!!
وزارة الصحة تتجاهلني!!
ولماذا لم تلجأ لوزارة الصحة في موضوعك؟! سألناه فأجاب بحرقة: ومن قال انني لم أطرق بابها مرات ومرات، فقد تقدمت بطلب منذ شهر أكتوبر لعام 2002م، ووضع اسم ابني ضمن الاسماء الاخري علي قائمة الانتظار، بحجة عجز الوزارة المالي الذي يمنعها من ابتعاث جميع الحالات للعلاج في الخارج.
وحتي هذه اللحظة لم يبشرني أحد بخبر يثلج صدري، ومع ذلك لم أيأس، وبعثت برسالتين لوزير الصحة اناشده النظر في قضيتي دون جدوي، وتم تحويلي لقسم العلاج في الخارج، ووعدني خيراً ولم أري نوراً… والغريب في الأمر إن الديوان الملكي أمر الوزارة بضرورة علاج ابني علي نفقتها، والوزارة لم تنفذ الامر، وكلما استفسرت عن السبب يمنوني خيراً دون أن أري فعلاً.
نسبة نجاحها 100%
الطفل سالم ليس الوحيد طبعاً، ولكنه نموذجاً لعشرات المحرومين من نعمة السمع، فهل هناك أملاً لأن يسمع كما ادعي والده؟! أم أنها آخر ما يمتلكة ليتشبث به، ومن أجل ذلك طرقنا أبواب العلم وتحدثنا مع الدكتور احمد جاسم جمال – استشاري إذن وأنف وحنجرة في مستشفي السلمانية الطبي الذي اكد ان نسبة نجاح مثل هذه العمليات 100% ولا مجال لنسبة اخري، عدا المضاعفات التي قد تصاحب أي عملية جراحية، مشيراً الي ان هناك 15 حالة تم علاجها بنجاح في البحرين، إلا ان المشكلة تكمن في ارتفاع تكاليف مثل هذه العمليات والتي تصل فيها قيمة الجهاز المراد زرعة في القوقعة الي 10 الألف دينار، داعياً فئات المجتمع الي التكاتف في سبيل اعانة مثل هذه الحالات، وعن التفاصيل الطبية المتعلقة بحالة سالم قال: ان ما يحتاجه الطفل سالم هو زراعة جهاز في قوقعة الاذن لانه طفل اصم منذ الولادة، والذي يختلف عن حالات الضعف السمعي، والتي يمكن علاجها بوضع سماعة الأذن العادية التي تكبر الصوت .
لغة الإشارة سبيلهم
ويكمل: العالم الصامت الذي يعيش فيه سالم وغيره من الصم يكون سبباً في عدم قدرتهم علي تعلم الكلام، ولذلك تكون لغة الاشارة هي سبيلهم، والمشكلة الاخري التي يواجهونها هي ان شريحة كبيرة من الناس وهم الأغلبية لا يعرفون هذه اللغة الاشارة مما يصعب علي الاصم الاندماج مع المجتمع.
والحل؟! سألناه فأجاب: الحل موجود بزراعة قوقعة في الاذن وهو جهاز الكتروني يرسل موجات كهربائية تثير عصب السمع، ومع الوقت يربط بين هذه الموجات الكهربائية والكلام فيبدأ بالتحدث والاندماج مع افراد المجتمع. أما عن السن المناسب لاجراء هذه العملية قال الدكتور جمال موضحا: كلما كان التشخيص والعلاج مبكراً كلما استطاع الطفل السمع والتحدث والكلام ومن ثم الاندماج مع المجتمع، وكلما تعود علي العالم الصامت كلما كانت فرصة تعلمه اقل بل ستؤخره عن ركب اقرانه، ومن الأفضل اجراؤها قبل سن الخامسة حتي تتاح الفرصة للطفل تعلم الكلام لينظم مع اقرانه في صفوف الدراسة.
وعن حجم المعاناة قال: هناك الكثيرون ممن يعانون من الصمم بعضهم الآن قد تقدم العمر به والبعض منهم ما زالوا صغار في مراكز التأهيل، وهناك العشرات ايضا حديثي الولادة، مشيراً الي ضرورة الوقاية من هذا المرض، والتي تبدأ منذ فحص ما قبل الزواج باعتبار ان الصمم يرجع لعوامل وراثية ناتجة عن زواج اقارب يعاني احد افراد عائلتهم من هذا المرض، ومؤكداً علي ضرورة أخذ الحيطة والحذر من الادوية التي تتناولها الحامل، وخصوصا في الثلاثة الاشهر الاولي من الحمل، ويقول مضيفاً: هناك عوامل اخري تسبب هذا المرض منها تأخر الولادة لرفض الام اجراء عملية قصيرية، مما يتسبب في نقص كمية الاوكسجين التي يحتاجها الجنين مسببه له عجز سمعي كلي.
وعن موقف وزارة الصحة من الموضوع قال الدكتور جاسم : هناك خطوات جادة من قبل الوزارة، والتي اتجهت نحو تشكيل لجنة خاصة لدراسة وبحث المشكلة داعياً في نهاية حديثه مؤسسات المجتمع باختلاف انواعها للتكاتف ودعم مثل هذه الحالات لتأهيلها ودمجها مع فئات المجمتع.
بقي ان نقول ان الطفل سالم ينتظر مساعدة تمكنه من السماع يوما ما صوت والدته وهي تدعو له بالتوفيق والرجوع سالماً!!
2004-01-21
كتبت - ياسمين خلف: ما أقسي الثواني والدقائق التي تمر، مخلفة وراءها حلماً مقتولا وفرحة مخنوقة! وما أقسي النظرات التي تكون...
أحدث التعليقات