اجرت الحوار – ياسمين خلف:
كثير من الفنانين والشعراء يجدون انفسهم وحيدين في عالم لا يفهم، لا يقدرهم، لا يحسون افراده بما يبدعونه مثلهم! فنجدهم، وإن اندمجوا مع المجتمع تذمروا، وافرغوا كل تلك المشاعر في لوحات او اوراق، هي كما يرون الاقدر علي فهمهم ومشاركتهم لهموم حياتهم.. الفنانة صديقة عباس منصور الفضل احداهن ولا يمكننا ان نستثنيها من اولئك الفنانين او الشعراء.
، فهي وبالاضافة لكونها مدرسة كيمياء واحياء في مدرسة الحورة التجارية للبنات، رسامة وعازفة بل ولها محاولات في كتابة الشعر. هذه الانسانة تجمع عددا من الفنون التي وجدتها المتنفس الوحيد الذي يمكنها من خلاله التعبير عما يجول في اغوار اغوار نفسها.. كانت لنا جلسة مطولة معها، استمرت لساعات، وتصفحنا خلالها صفحات حياتها الشخصية والفنية منذ ان انتهت من دراستها الثانوية، واقبالها علي الحياة الحقيقية، فلنسمعها ولنقترب اكثر من حياة هذه الفنانة ذات القلب الطيب.. بل والطيب جدا
ہہ الايام: متي كانت خطواتك الاولي في عالم الفن، وكيف كانت؟!
** صديقة عباس:
يرجع ذلك لسنين عمري الاولي، حينما بدأت ارسم البورتريه، حيث امسك بطبشوري وسبورتي الصغيرة، وأرسم بتشجيع من خالي جاسم رحمه الله، الذي تولي مهمة تربيتي والاهتمام بي، والاكتشاف الحقيقي لهذه الموهبة كان في السنة النهائية لي في المرحلة الثانوية وكان ذلك في عام 1975، حيث كلما رسمت مدرسة الاحياء خطا علي السبورة لحقتها عيني في حركتها. وانا بطبعي هادئة لا تصدر عني اي حركات مخالفة، وان كان بداخلي مخزون، والذي لا اعرف بالضبط ماهيته الحقيقية.. وعندما حان وقت دخولي الجامعة لم تكن فكرة الالتحاق بكلية الفنون واردة في بالي اطلاقا!
الدراسة بوابة
دخول علي المشاكل الأسرية!
ہہ الايام: ألم تجدي التشجيع علي الانخراط في هذا المجال الذي جري في عروقك مجري الدم؟!
** صديقة عباس:
المسألة الاساسية هي ان التعليم وبشكله العام كان يلاقي رفضا من قبل الاهالي في البحرين آنذاك! فالجامعة غير متوافرة في البحرين، وفكرة الدراسة في دولة اخري امر صعب، وبوابة دخولي علي مشاكل مع الأهل وخصوصا بالنسبة لي، حيث كنت اعاني من مشاكل صحية، جعلت اهلي يقلقون علي كثيرا.
الا انني وبرغبة جامحة في نفسي لاكمال الدراسة اصررت علي موقفي، وقلت في نفسي فليفعلوا ما يفعلون الا انهم لن يثنوني ويثبطوا رغبتي في اكمال دراستي وان لجأوا الي تحطيمي بلجوئهم الي عميد العائلة، كلامي هذا يحزنني ذكره، الا انه هو الواقع الذي عايشته.
واثناء الاجازة الصيفية، بعد تخرجي من الثانوية العامة، سعيت انا واختي للبحث عن عمل، وكنا نمشي مسافات طويلة من أجل ذلك تصل في كثير من الاحيان الي التنقل من المنامة قلب العاصمة الي الجفير، وكل ذلك بحثا عن عمل ما، ووجدناه بعد جهد جهيد، وكانت فرصة يتيمة وكان علينا الاختيار، اما انا او اختي، فتنازلت لأختي عنها، الا انها رفضت العمل، فلما قالت كلمتها تلك، رفضت انا الاخري، واصررت علي الدراسة بصورة اكثر.
وبعد فترة، بعض من صديقاتي واختي مني قبلن في جامعة الكويت، واخريات كذلك قبلن في جامعة سوريا، وكنت حينها أحس بمسئولية كبيرة، وانني الكبري من بين اخوتي، وفي ذات الدفعة تخرجت انا واختي وعمتي! وجميعنا كنا نتوق للدراسة، كان قبول اختي في جامعة الكويت وسفرها دافعا لأصر علي موقفي امام أهلي، وكذلك سفر عمتي بعدها بأسبوعين لجمهورية مصر العربية، وواجهت انا بالذات وكما ذكرت معارضة سيئة كوني مريضة وسبق وان ضاعت علي سنة دراسية لاجرائي عملية جراحية.
أصبح السفر واجب علي؟!
قدمت اوراقي لجامعة بغداد وكنت باتخاذي هذا القرار بمعية صديقتي وجارتي.. وحصلنا علي القبول وكانت فرحة ذلك انستني التخصص الذي سأنخرط فيه! فالمشكلة في الدراسة بحد ذاتها، وقد حلت.. ومسألة ماذا سأدرس لم تكن واردة لدي في تلك الفترة! وجاء يوم سفري، وكان في العشرين من شهر اكتوبر، كنت حزينة في داخلي واحسست برغبة في البقاء بين اهلي، لاحساسي بثقل المسئولية التي سوف تقع علي انا وحدي في الغربة! وكأنها تري تلك اللحظات تقول وهي تبتسم : اخذت عمتي ترتب اغراضي في الشنطة وانهالت علي الامانات التي كان الاهل يريدون ايصالها لابنائهم وبناتهم في العراق وحينها كان قرار السفر ليس بيدي بل واصبح واجب علي القيام به.
وبعد سفري لجامعة بغداد وبالاحري الليلة الاولي لي في بغداد، وفي الاعظمية بشكل خاص، استلقيت علي سريري في الظلام الحالك، واذا بالافكار تأخذني يمنة ويسرة، حتي اقبل الصباح حاملا معه حياة جديدة، حياة ملؤها التفاؤل والامل مع جيل من نفس السن ونفس الاهداف، ولقلة ، وسائل الاتصال وبدائيتها لم أجد غير القلم والورقة لأفضي فيها لعمتي كل تفاصيل ما يحدث لي في الغربة.
لم أقبل في جامعة بغداد..
قابلت رئيس اتحاد الطلبة، الذي حاول ان يفهمني بأن الاقبال علي الجامعة كبير جدا، وقد لا احصل علي القبول فيها واحصل عليه في جامعة اخري في العراق، ولم ابالِ كثيرا بذلك علي عكس ما توقعه مني، فالدراسة في الجامعة هو الحلم في حد ذاته، وسواه لم يؤثر في نفسيتي. وفي الحرم الجامعي وفي جامعة البصرة تحديدا في كلية العلوم ساعدني احد معارف اهلي في تنظيم الجدول الدراسي، وعملية التنقل بين القاعات، وذلك اذ ان الوصول اليها يتطلب اخذ عبّارة وذلك لبعدها، فهي تقع القاعات الدراسية قرب الحدود الايرانية في منطقة تسمي التنومه . فقد كان لي نعم الأخ الذي ذلل لي الصعاب التي كانت تواجهني، واخبرني كذلك بافتتاح كلية التربية، التي كانت فرصة القبول فيها كبيرة لحداثة افتتاحها.. حينها تذكرت مدرسة الاحياء وهي ترسم فقررت ان احذو حذوها وادرس الاحياء.
ہہ الايام: وهل وجدت ضالتك في الرسم في هذا التخصص؟!
** صديقة عباس:
بل في الاتحاد الذي كنت اذهب اليه في الفترة المسائية بعد الظهر ، حيث كنت اشارك في الانشطة والمعارض المتاح فيها بالرسم، بل كنت ارسم واكتب الشعارات الاعتراضية للمسيرات الطلابية التي نشطت في تلك الفترة. وكنت حينها الطالبة البحرينية الوحيدة التي شاركت في مثل هذه الانشطة، والتي ناقشها الكثيرون هناك، خصوصا تلك الرسومات التي تحمل بين طياتها شعارات وطنية اي في الوقت الذي ناقش غيري بصوته، كنت اناقش برسوماتي ولوحاتي.
الزي الموحد
قلل من مصروفاتي
ہہ الايام: وما هي الصعوبات التي واجهتها في تلك الفترة؟!
** صديقة عباس:
المرض الذي ينخر قواي، ويصعب قدرتي، ويلزمني الفراش فترة من الوقت! الا انني وبعد ان استرجع بعضا من صحتي اواصل مسيرتي ومشواري بعنفوان وقوة.. فالغربة تجعل الفرد وحيدا محاطا بمسئوليات جمة علي عكس الطالب الذي يدرس وهو وسط أهله، ويساعدونه ويذللون الصعاب امامه في سبيل اكمال دراسته، وكذلك الامر يختلف من دولة لاخري فأختي مثلا التي كانت تدرس في دولة الكويت الشقيقة، تسكن في سكن راق ونظيف، ولديها مخصص دراسي يعينها علي توفير احتياجاتها، علي عكس وضعي في العراق كما ان حالة والدي المادية بسيطة خصوصا ان ثلاثة من ابنائه في المرحلة الجامعية والرابع كان في الطريق اليها، ولم أتمتع بوجود مخصصات مادية، وكنت اعتمد علي ما احصل عليه من أهلي قبل سفري، ومنها مصروفاتي من تذكرة سفر، ومشتريات ومواصلات، ومما ساهم في التقليل من مصروفاتي الزي الموحد في الجامعة.
وفي الاجازة اذهب لشمال العراق لأقضي مع الطلبة والطالبات اجازتنا، والتي تستمر لثلاثة اسابيع نرجع بعدها للجامعة لنأخذ نتائجنا، لنحملها لأهلنا في البحرين.
ہہ الايام: وهل أثرت الحرب الايرانية العراقية علي مسيرة دراستك؟!
** صديقة عباس:
كنا نشم رائحة الحرب علي الحدود، خصوصا اننا كنا في منطقة التنومة ، وهي قريبة من الحدود العراقية الايرانية، الا انه ولرحمة الله تخرجت عام 1979، وهي سنة اندلاع الحرب بين الدولتين.
Catcelep
2003-12-12
اجرت الحوار - ياسمين خلف: كثير من الفنانين والشعراء يجدون انفسهم وحيدين في عالم لا يفهم، لا يقدرهم، لا يحسون افراده بما...
أحدث التعليقات