أجرت اللقاء ـ ياسمين خلف:
نواصل اليوم، حديثنا مع الفنانة صديقة عباس في سرد ذكرياتها، والتي توقفنا فيها معها عند مرحلة تخرجها من الجامعة عام 1979م وعودتها لأرض الوطن قبيل إندلاع الحرب الإيرانية العراقية نسألناها اولاً عن الصعوبات التي واجهتها في تلك الفترة؟ حيث قالت:
المرض الذي نخر قواي، وألزمني الفراش فترة من الوقت! الا انني وبعد ان استرجعت بعضا من صحتي واصلت مسيرتي ومشواري بعنفوان وقوة.. فالغربة تجعل الفرد وحيدا محاطا بمسئوليات جمة علي عكس الطالب الذي يدرس وهو وسط أهله، ويساعدونه ويذللون الصعاب امامه في سبيل اكمال دراسته، وكذلك الامر يختلف من دولة لاخري فأختي مثلا التي كانت تدرس في دولة الكويت الشقيقة، تسكن في سكن راق ونظيف، ولديها مخصص دراسي يعينها علي توفير احتياجاتها، علي عكس وضعي في العراق كما ان حالة والدي المادية بسيطة خصوصا ان ثلاثة من ابنائه في المرحلة الجامعية والرابع كان في الطريق اليها، ولم أتمتع بوجود مخصصات مادية، وكنت اعتمد علي ما احصل عليه من أهلي قبل سفري، ومنها مصروفاتي من تذكرة سفر، ومشتريات ومواصلات، ومما ساهم في التقليل من مصروفاتي الزي الموحد في الجامعة.
وفي الاجازة اذهب لشمال العراق لأقضي مع الطلبة والطالبات اجازتنا، والتي تستمر لثلاثة اسابيع نرجع بعدها للجامعة لنأخذ نتائجنا، لنحملها لأهلنا في البحرين.
كنت أدرس الطلبة مادة المجالات !
ہہ الأيام: وبعد عودتك من الغربة، واحتضانك للوطن، هل وجدت ابداعاتك النور؟!
** صديقة عباس:
لم أكن بعد متفرغة لذلك، فكانت مشكلة العمل هي من فرضت نفسها وبرزت علي السطح!
وعملت مدرسة الا انني لم أكن مرتاحة لوضعي، فالتخصص الذي قضيت فيه سنوات في الغربة لدراسته لم اطبقه علي طلبتي! فلم ادرس حينها مادة الكيمياء، فأحسست بالاحباط، وتسلل الي نفسيتي، ولكني أبيت ان استسلم، فلجأت الي وزارة التربية والتعليم لاشكوها الحال، طالبة منهم تفقد امري، فعجزوا عن الحل! فلا مجال لي لتدريس الكيمياء، وقبلت بالوضع، وكنت ادرس نحو 14 حصة مجالات، و6 حصص علوم للصف الخامس الابتدائي.
ہہ الأيام: اي ان قوله تعالي وعسي ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم ينطبق عليك؟!
** صديقة عباس:
بالضبط، ففي حصص المجالات اندمجت مع الثنر والفورملين والالوان، وصقلت نفسي بدورات في التلميع والتحنيط، حتي كدت ان أنسي ما درسته في الجامعة في تخصص الكيمياء!!.
ہہ الأيام: وهل أسعدك ذلك الوضع؟!
** اسعدني، ولكني تمردت عليه، فليس من المعقول ان احمل شهادة علمية وادرس الفن! والذي بإمكاني ان ازاوله كهواية! وكان تعاملي مع الاطفال صعب، فطلبت مرة اخري نقلي للمرحلة الثانوية، وحصلت اخيرا علي حصص الكيمياء باعتبار ان اغلب المدرسات يفضلن الاحياء لسهولته اذ ما قورن بالكيمياء. الي ان احسست بالتعب والارهاق في التدريس عام 1984، وعزمت علي ترك التدريس والتفرغ للفن، الا ان عائلة البسام عفاف والمرحومة عزيزة اقنعتاني بعدم ترك التدريس، خصوصا ان الفن لا يمكن الاعتماد عليه كمصدر للرزق الثابت، وفكرت مليا بتلك النصحية التي لن انسي فضلهما علي فيها.
الخطوط والألوان تداهم أفكاري
ہہ الأيام: وما الذي شدك للفن التشكيلي؟
صديقة عباس:
الفن يجري في دمي لدرجة انني عندما ألقي بجسدي المنهك علي السرير تبدأ افكاري بالتمركز في عقلي، وتبدأ الخطوط والاشكال الهندسية والألوان بتغطية بصري.. كنت فيها متخبطة، ولا اعرف من اين ابدأ، وكيف سأستمر! الا ان الصدف في حياتي تلعب دورا يحسدني عليه الكثيرون.
ہہ الأيام: وكيف ذلك؟!
** صديقة عباس:
مثلا كنت في زيارة لإحدي مدرسات الاشغال والاعمال اليدوية، وكانت تضع ورودا صغيرة جدا لتصنع بها لوحة، بل وكان بيتها مليئا بالاعمال الفنية التي اثرت في نفسيتي كثيرا، وكنت اشاركها في ذلك، وكنت كلما طلبت مني شراء بعض المواد، والتي كانت مكلفة بعض الشيء اسارع لشرائها. وحدث ان زارتها احدي الفنانات وكانت اسبانية الجنسية، والتقيت بها في منزلها، فأعطتني بطاقة عملها، وذهبت لزيارتها ورحبت بي كثيرا، وعرفتني بدورها علي فنانة اخري، بل وعرفتني علي عائلة خنجي التي تميزت فيها ثلاث فتيات بالفن، وكأن الاقدار تجرني من فنانة لاخري.. وفي احدي زياراتي للفنانة الاجنبية في شقتها التقيت بمجموعة من الفنانات، واللاتي اخذن يرسمن في اركان مختلفة فأحسست بشعور غريب قد استولي علي كياني، وعرفت عن طريقهن أسس الرسم، فأنا لم ادرس الفن اكاديميا، وما امتلكه من قدرة علي الرسم لا تعدو كونها رغبة وهواية، المهم تعرفت كذلك علي انواع الالوان، والطرق العلمية الصحيحة في الرسم بعد محاولات عديدة استخدمت خلالها عددا من المواد والالوان الراقية.
بدايتي الحقيقية ظهرت
مع تعرفي علي نعيمة فخرو
ہ ہ الأيام: وهل نجحت في محاولاتك الأولي؟!
** صديقة عباس:
تضحك وتقول بلهجة التلميذ الذي يتعلم من معلمه: اتذكر كيف انني تعبت علي لوحة، ووضعت تلك الفنانة علامة خطأ علي اللوحة بالكامل فسألتها بنبرة المحزونة عن السبب الا انها ضحكت علي وقالت ستعرفين بعد مدة لماذا قمت بذلك الفعل!
ہہ الأيام: اي ان بدايتك الاولي لم تظهر في تلك الفترة؟!
** صديقة عباس:
ظهرت مع تعرفي علي نعيمة فخرو التي كانت ترسم بالفحم، ومنها رسمت اللوحة الاولي فالثانية، حتي اخذت يدي تتعود علي مسك الفرشاة.. واثناء تلك الفترة سمعت ان الفنانين يجمعون مبالغ مالية، ولم ادرك لم؟! فالامر الذي لا يعنيني لا يدفعني الفضول لمعرفته، وتلك هي عادتي! وعلمت كذلك ان هناك معرضا سيقام اذ انني لم أعلم ان المشاركة فيه تستلزم مني دفع مبلغ من المال! فذهبت للمعرض ولوحتان في يدي، وتفاجأت عندما وجدت لوحات الفنانين كلا في زاوية! وتم ابلاغي بان كل شيء قد انتهي، فجررت ذيولي وهممت بمغادرة المعرض، واذا بصوت احداهن يدعوني للبقاء، لوجود ركن يمكنني ان اعرض فيه لوحاتي ولحسن حظي كان في المقدمة، واحسست بمدي رضا الله عني، خصوصا انني لم ادفع لاشارك معهم، لا لعدم رغبتي في ذلك بل لعدم علمي بالموضوع، ومع انتهاء المعرض اشتري احدهم احدي اللوحتين، فكانت فرحتي بذلك كبيرة جدا.
استعدت لوحتي البكر
ہہ الأيام: وهل كان بيعك للوحة دافعا لك لمواصلة الفن؟!
** صديقة عباس:
بل ان بيعي لها سبب لي القلق!! فإحساس الفنان بانه ترك عمله دون مقابل، كما لو ترك ابنا له في الخلاء! لقد تعبت في لوحتي كثيرا، والتنازل عنها هكذا ودون مقابل يؤلمني! سألت عن المبلغ او حتي وصل به، ولم أجد جوابا شافيا، فسألت عن اللوحة التي قررت بعدها الا اتنازل عنها، وطلبت استرجاعها، وعندما استعدتها رجعت لي الطمأنينة والراحة النفسية، خصوصا ان الامر متعلق بأول عمل فني لي، ولو حدث ذلك للوحاتي الاخري لما اهتممت، ولكنها اللوحة البكر في حياتي.
ہہ الأيام: أما زالت موجودة لديك؟!
** صديقة عباس:
موجودة وكلما نظرت اليها اكتشفت قصورا فيها، واود ان اضيف عليها بعض اللمسات، ولكنني اتردد وامتنع، فأنا لا اريد ان اضيف اي اضافات علي لمساتي الأولي.
ہہ الأيام: وهل انضممت لجمعية من الجمعيات الفنية آنذاك؟!
** صديقة عباس:
لا، فقد كنا فريقا فنيا لا نمت للجمعيات بصلة، حتي ان اعضاء الجمعيات ينظرون الينا نظرة استغراب وانتقاد! الي ان رحلت المدرسة الاسبانية راكيل فحاولنا ان ننخرط مع تلك الجمعيات.
ہہ الأيام: تدربتِ علي يد عدد من الفنانين الاجانب، هل لذلك اثر مغاير علي فنك بالمقارنة مع غيرك من الفنانين؟!
ہہ صديقة عباس:
بالفعل تدربت علي ايدي فنانين اجانب، ومنهم كذلك فنان كوري، دربني علي رسم البورتريه، واستخدام الالوان والخطوط، وانضممت لمركز الفنون لفترة امتدت لعام ونصف العام، وتعلمت خلالها علي عمل مجسمات بالجبس علي يد مستر كواك وهو الآخر كوري الجنسية، فالرسم عندي مزيج من جنسيات مختلفة.
وانضممت كذلك لجمعية الفن المعاصر التي كان اتجاهها الفني نحو الطبيعة.. وانخرطت فيه، واخذت ارسم في الهواء الطلق، وكانت اولي تلك الرسمات لطفلة في مدينة حمد، ولا أزال احتفظ بذلك العمل. وللاسف كان التكتل هو ما يميز اعضاء هذه الجمعية، بل كانت الانشطة قليلة لا تشبع شغفي للفن، حاولت ان اجمع الفنانات تحت سقف معرض واحد، ولم أجد التشجيع منهن، بل الرغبة كانت معدومة، فقدمت استقالتي!
ہہ الأيام: وهل بحثت بعدها عن ذاتك الفنية في جمعية اخري؟!
ہہ صديقة عباس:
لم أكن اعرف نفسي جيدا، فانضممت لجمعية الفنون التشكيلية، وكان اتجاههم نحو الرسم التلقائي بالتنقيط، وكانت لي مشاركات، اكثرها وقعا علي قلبي تلك اللوحة الصغيرة التي تمثل بستانا زراعيا دولاب وممرا عند القلعة، وقد اشتراها الشيخ راشد، وبعث ذلك في نفسي ثقة كبيرة.
ہہ الأيام: وهل كانت لك مشاركات في المعارض الفنية الخارجية؟!
** صديقة عباس:
لقد شاركت في معرض صلالة مع وفد بحريني، ونظمت خلالها ندوة عن الفن في البحرين، والتي لاقت اهتمام واعجاب المشاركين من الفنانين.
البعض يضع العراقيل أمام الفنان!
ہہ الأيام: ألم تفكري بإقامة معرض مستقل، لتأخذ لوحاتك حقها من البروز الاعلامي؟!
** صديقة عباس:
لم يغب ذلك عن ذهني، وطلبت اقامة معرض مستقل، واشترطوا علي ان يحتوي المعرض بما لا يقل عن 30 لوحة، وكنت كالنحلة التي لا تكل ولا تتعب من العمل، الا ان كل ذلك ضاع هباء، خصوصا مع العراقيل التي يضعها البعض امام الفنان! فهل يعقل ان تسافر لجنة التحكيم، وكلما هاتفتهم لا يردون علي اتصالاتي؟! تلك التصرفات احبطتني ودفعتني الي جمع اللوحات وارجاعها للمنزل، فمن يريد ان يطلع علي الاعمال سيطلع عليها، أما انا فلن اطلب من أحد اي تقدير!!
ہہ الأيام: وتحت اي سقف تجمعين هذه اللوحات الكثيرة؟!
** صديقة عباس:
كنت اضعها في البيت، الا اني ومع كثرتها ومعارضة اخي لوجودها في المنزل اضطررت مرغمة علي نقلها لمنزل أختي بعد ان طلبت هي ذلك مني، حتي وجدت وبمساعدة احدي صديقاتي ملحقا استأجرته من احد البيوت، فآوي اليه كلما اردت الخلوة مع لوحاتي وفني، واجمع لوحاتي بين جدرانه، وبذلك استرددت لوحاتي التي تبنتها مني اختي، لاجمعهم تحت مظلتي.
ولكن بدأ المكان يضيق علي، وانا ابحث حاليا عن مكان اكبر، علي ان يكون في الطابق السفلي، فكل الخيارات التي امامي في الطابق الثالث، والعمارات غير مزودة بمصاعد كهربائية، وممرات السلالم ضيقة، فتكون عائقا في نقل لوحاتي من مكان لآخر.
أغلب الفنانين يهتمون
بالكـــم وليـــس بالكيــــف!
ہ ہ الأيام: كونك مدرسة هل تجدين الوقت الكافي لممارسة الفن؟!
** صديقة عباس:
الجمع بين الفن ومهنة اخري عملية في غاية الصعوبة، وخصوصا عندما يتعلق الامر بامرأة، فالفن يحتاج الي تفرغ وهذا ما أنوي فعله بعدما اتقاعد.
ہہ الأيام: وهل لك مشاركات مع فنانين تشكيليين؟!
** صديقة عباس:
حاولت ولكني فشلت! ويؤلمني ان اقول ان اغلب الفنانين اليوم يهتمون بالكم وليس بالكيف، بل ان الانانية تستولي عليهم، فقد حدث ان ناقشت احدي الفنانات في امر فتح معرض مشترك، ولم تبالِ للأمر، وآثرت افتتاح معرض مستقل لها! حاولت حضوره ولكني تخلفت لوفاة احدي الطالبات اللاتي ادرسهن في المدرسة، فلم تكن نفسيتي تتقبل حضور معرض للفن، واحدي الطالبات لتوها قد لقيت مصرعها.
ہہ الأيام: اجد ان الاحباط واليأس هو ما في نبرة صوتك؟!
ہہ صديقة عباس:
الاحباط اصابني من عدم اكتراث الجمعيات بالفنانين، وعدم اعطائهم حقهم، فهل يعقل انني احمل عشر لوحات من والي السيارة تحت اشعة الشمس اللاهبة، وانقلها عبر سيارتي وكانت حالتي الصحية علي كف عفريت! اتعرفون ماذا فعلت رجعت الي المنزل وكسرت لوحاتي وأعمالي.
ہہ الأيام: ورغم ذلك مازلت تواصلين فنك؟!
** صديقة عباس:
بل مازلت اشارك في الجمعيات، ففي عام 1998، طلبت مني احدي الجمعيات المشاركة في معرض البر لدار الرعاية بحيث يكون 50% من ريع المعرض للاعمال الخيرية، ووافقت لكون المعرض خيريا.
ہہ الأيام: هل لنا بموقف لم ولن تنسيه؟!
** صديقة عباس
موقف حدث لي عام 1995، حيث كنت ابحث عن احدي اللوحات، كما لو كنت طفلا يبحث عن لعبته.. ووجدتها فوق حامل خاص، وقد قدمتها للمرحوم يوسف الشيراوي، كنت في غاية السعادة، وان لم احصل علي مقابل نظير هذه اللوحة التي بذلت فيها جهدا، وتركت عليها بصماتي.. وانا في طريقي للمنزل بعد نهاية دوامي في العمل، واذا بمتصل يخبرني بأن المرحوم يوسف الشيراوي قدم لي هدية، وهي عبارة عن تذكرة سفر الي باريس، وهي تذكرة مفتوحة لعام كامل، ودخلت الفرحة في قلبي بهذا التقدير الذي لقيته، ورسمت لنفسي رحلة استمتعت واستفدت منها كثيرا.
الموسيقي والرسم
والشعر أمور مهمة في حياتي..
ہہ الأيام: الموسيقي كذلك اخذت ترسم خطوطها علي حياتك، اخبرينا عن هذه التجربة؟!
** صديقة عباس:
تجربتي جميلة جدا، فقد كنت اشارك مع الفنان خالد الشيخ في اغنياته، عبر الغناء الجماعي الكورس كما اني انضممت لمعهد موسيقي وتعلمت العزف علي آلة الكمان.
ہہ الأيام: الرسم اذاً هو من استولي عليك اكثر من عزف الكمان والموسيقي؟!
** صديقة عباس:
أري نفسي في الرسم اكثر، وان لم أجده في طريقي لجأت الي العزف علي الكمان او علي البيانو، او لجأت لكتابة الشعر الذي سأبدأ في نشره عبر الصحف.
ہہ الأيام: هل لنا ببعض من كتاباتك؟!
* صديقة عباس:
منها: بدأ الغضب ينمو في احشائي مثل عشب البحر، حشائش رفيعة سوداء كنت أراها تسبح داخل المياه الزرقاء تترسب في القاع ثم تطفو، تلفظها الامواج فوق الشاطئ، تجف تحت الشمس مثل الثعابين او قراميط البحر الميتة، أغمض عيني، اتفادي الضوء مع ان الليل مظلم، اخفي عن أبي شيئا لا اريد ان يراه، اهما عيناي كنت اخفيهما خشية ان يري فيهما احشائي حيث العشب الراسب في القاع بلون الحبر!!
ہہ الأيام: لما كل هذا الحزن وانت تملكين مواهب يعجز غيرك عن امتلاكها؟!
ہہ صديقة عباس:
مواهبي هي انتصاراتي، وان لم يشأ القدر لي بالزواج وتكوين اسرة، الا انني راضية بقدري. ولكن ان تخلص للغير ويغدروا بك، ان تحافظ علي مواعيدك ويخلفوها، ان تتكلم بعفوية وصدق ويصد الاخرون عنك وتعيش في وحدتك ويتجاهلك اقرب المقربين لك، فذلك ما لا ارضاه، وحزني ليس وليد اللحظة، بل هو ناتج عن تراكمات بعيدة، والسعادة لا تأتي من شيء واحد، فهي تأتيك بغتة وترحل عنك بغتة.
تخلوا عن الصمت المريع
كلمة أخيرة قدمتها الفنانة صديقة عباس في ختام حديثها:
الناس خارج خارطة الفنان، وبينهم وبينه مسافات كبيرة وفجوات عميقة، والطموح الذي افتقدوه ما زال موجودا لدي الفنان الحق، ونصيحة مني للشباب اهمس بها في آذانهم حاولوا التعرف والانفتاح علي الغير للتزود بخبراتهم ومعارفهم، وحاولوا البحث عن الثقافة والتخلي عن ظاهرة الصمت المريع الذي يسود الاوساط الاجتماعية .
Catcelep
2004-02-05
أجرت اللقاء ـ ياسمين خلف:
نواصل اليوم، حديثنا مع الفنانة صديقة عباس في سرد ذكرياتها، والتي توقفنا فيها معها عند مرحلة تخرجها من الجامعة عام 1979م وعودتها لأرض الوطن قبيل إندلاع الحرب الإيرانية العراقية نسألناها اولاً عن الصعوبات التي واجهتها في تلك الفترة؟ حيث قالت:
المرض الذي نخر قواي، وألزمني الفراش فترة من الوقت! الا انني وبعد ان استرجعت بعضا من صحتي واصلت مسيرتي ومشواري بعنفوان وقوة.. فالغربة تجعل الفرد وحيدا محاطا بمسئوليات جمة علي عكس الطالب الذي يدرس وهو وسط أهله، ويساعدونه ويذللون الصعاب امامه في سبيل اكمال دراسته، وكذلك الامر يختلف من دولة لاخري فأختي مثلا التي كانت تدرس في دولة الكويت الشقيقة، تسكن في سكن راق ونظيف، ولديها مخصص دراسي يعينها علي توفير احتياجاتها، علي عكس وضعي في العراق كما ان حالة والدي المادية بسيطة خصوصا ان ثلاثة من ابنائه في المرحلة الجامعية والرابع كان في الطريق اليها، ولم أتمتع بوجود مخصصات مادية، وكنت اعتمد علي ما احصل عليه من أهلي قبل سفري، ومنها مصروفاتي من تذكرة سفر، ومشتريات ومواصلات، ومما ساهم في التقليل من مصروفاتي الزي الموحد في الجامعة.
وفي الاجازة اذهب لشمال العراق لأقضي مع الطلبة والطالبات اجازتنا، والتي تستمر لثلاثة اسابيع نرجع بعدها للجامعة لنأخذ نتائجنا، لنحملها لأهلنا في البحرين.
كنت أدرس الطلبة مادة المجالات !
ہہ الأيام: وبعد عودتك من الغربة، واحتضانك للوطن، هل وجدت ابداعاتك النور؟!
** صديقة عباس:
لم أكن بعد متفرغة لذلك، فكانت مشكلة العمل هي من فرضت نفسها وبرزت علي السطح!
وعملت مدرسة الا انني لم أكن مرتاحة لوضعي، فالتخصص الذي قضيت فيه سنوات في الغربة لدراسته لم اطبقه علي طلبتي! فلم ادرس حينها مادة الكيمياء، فأحسست بالاحباط، وتسلل الي نفسيتي، ولكني أبيت ان استسلم، فلجأت الي وزارة التربية والتعليم لاشكوها الحال، طالبة منهم تفقد امري، فعجزوا عن الحل! فلا مجال لي لتدريس الكيمياء، وقبلت بالوضع، وكنت ادرس نحو 14 حصة مجالات، و6 حصص علوم للصف الخامس الابتدائي.
ہہ الأيام: اي ان قوله تعالي وعسي ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم ينطبق عليك؟!
** صديقة عباس:
بالضبط، ففي حصص المجالات اندمجت مع الثنر والفورملين والالوان، وصقلت نفسي بدورات في التلميع والتحنيط، حتي كدت ان أنسي ما درسته في الجامعة في تخصص الكيمياء!!.
ہہ الأيام: وهل أسعدك ذلك الوضع؟!
** اسعدني، ولكني تمردت عليه، فليس من المعقول ان احمل شهادة علمية وادرس الفن! والذي بإمكاني ان ازاوله كهواية! وكان تعاملي مع الاطفال صعب، فطلبت مرة اخري نقلي للمرحلة الثانوية، وحصلت اخيرا علي حصص الكيمياء باعتبار ان اغلب المدرسات يفضلن الاحياء لسهولته اذ ما قورن بالكيمياء. الي ان احسست بالتعب والارهاق في التدريس عام 1984، وعزمت علي ترك التدريس والتفرغ للفن، الا ان عائلة البسام عفاف والمرحومة عزيزة اقنعتاني بعدم ترك التدريس، خصوصا ان الفن لا يمكن الاعتماد عليه كمصدر للرزق الثابت، وفكرت مليا بتلك النصحية التي لن انسي فضلهما علي فيها.
الخطوط والألوان تداهم أفكاري
ہہ الأيام: وما الذي شدك للفن التشكيلي؟
صديقة عباس:
الفن يجري في دمي لدرجة انني عندما ألقي بجسدي المنهك علي السرير تبدأ افكاري بالتمركز في عقلي، وتبدأ الخطوط والاشكال الهندسية والألوان بتغطية بصري.. كنت فيها متخبطة، ولا اعرف من اين ابدأ، وكيف سأستمر! الا ان الصدف في حياتي تلعب دورا يحسدني عليه الكثيرون.
ہہ الأيام: وكيف ذلك؟!
** صديقة عباس:
مثلا كنت في زيارة لإحدي مدرسات الاشغال والاعمال اليدوية، وكانت تضع ورودا صغيرة جدا لتصنع بها لوحة، بل وكان بيتها مليئا بالاعمال الفنية التي اثرت في نفسيتي كثيرا، وكنت اشاركها في ذلك، وكنت كلما طلبت مني شراء بعض المواد، والتي كانت مكلفة بعض الشيء اسارع لشرائها. وحدث ان زارتها احدي الفنانات وكانت اسبانية الجنسية، والتقيت بها في منزلها، فأعطتني بطاقة عملها، وذهبت لزيارتها ورحبت بي كثيرا، وعرفتني بدورها علي فنانة اخري، بل وعرفتني علي عائلة خنجي التي تميزت فيها ثلاث فتيات بالفن، وكأن الاقدار تجرني من فنانة لاخري.. وفي احدي زياراتي للفنانة الاجنبية في شقتها التقيت بمجموعة من الفنانات، واللاتي اخذن يرسمن في اركان مختلفة فأحسست بشعور غريب قد استولي علي كياني، وعرفت عن طريقهن أسس الرسم، فأنا لم ادرس الفن اكاديميا، وما امتلكه من قدرة علي الرسم لا تعدو كونها رغبة وهواية، المهم تعرفت كذلك علي انواع الالوان، والطرق العلمية الصحيحة في الرسم بعد محاولات عديدة استخدمت خلالها عددا من المواد والالوان الراقية.
بدايتي الحقيقية ظهرت
مع تعرفي علي نعيمة فخرو
ہ ہ الأيام: وهل نجحت في محاولاتك الأولي؟!
** صديقة عباس:
تضحك وتقول بلهجة التلميذ الذي يتعلم من معلمه: اتذكر كيف انني تعبت علي لوحة، ووضعت تلك الفنانة علامة خطأ علي اللوحة بالكامل فسألتها بنبرة المحزونة عن السبب الا انها ضحكت علي وقالت ستعرفين بعد مدة لماذا قمت بذلك الفعل!
ہہ الأيام: اي ان بدايتك الاولي لم تظهر في تلك الفترة؟!
** صديقة عباس:
ظهرت مع تعرفي علي نعيمة فخرو التي كانت ترسم بالفحم، ومنها رسمت اللوحة الاولي فالثانية، حتي اخذت يدي تتعود علي مسك الفرشاة.. واثناء تلك الفترة سمعت ان الفنانين يجمعون مبالغ مالية، ولم ادرك لم؟! فالامر الذي لا يعنيني لا يدفعني الفضول لمعرفته، وتلك هي عادتي! وعلمت كذلك ان هناك معرضا سيقام اذ انني لم أعلم ان المشاركة فيه تستلزم مني دفع مبلغ من المال! فذهبت للمعرض ولوحتان في يدي، وتفاجأت عندما وجدت لوحات الفنانين كلا في زاوية! وتم ابلاغي بان كل شيء قد انتهي، فجررت ذيولي وهممت بمغادرة المعرض، واذا بصوت احداهن يدعوني للبقاء، لوجود ركن يمكنني ان اعرض فيه لوحاتي ولحسن حظي كان في المقدمة، واحسست بمدي رضا الله عني، خصوصا انني لم ادفع لاشارك معهم، لا لعدم رغبتي في ذلك بل لعدم علمي بالموضوع، ومع انتهاء المعرض اشتري احدهم احدي اللوحتين، فكانت فرحتي بذلك كبيرة جدا.
استعدت لوحتي البكر
ہہ الأيام: وهل كان بيعك للوحة دافعا لك لمواصلة الفن؟!
** صديقة عباس:
بل ان بيعي لها سبب لي القلق!! فإحساس الفنان بانه ترك عمله دون مقابل، كما لو ترك ابنا له في الخلاء! لقد تعبت في لوحتي كثيرا، والتنازل عنها هكذا ودون مقابل يؤلمني! سألت عن المبلغ او حتي وصل به، ولم أجد جوابا شافيا، فسألت عن اللوحة التي قررت بعدها الا اتنازل عنها، وطلبت استرجاعها، وعندما استعدتها رجعت لي الطمأنينة والراحة النفسية، خصوصا ان الامر متعلق بأول عمل فني لي، ولو حدث ذلك للوحاتي الاخري لما اهتممت، ولكنها اللوحة البكر في حياتي.
ہہ الأيام: أما زالت موجودة لديك؟!
** صديقة عباس:
موجودة وكلما نظرت اليها اكتشفت قصورا فيها، واود ان اضيف عليها بعض اللمسات، ولكنني اتردد وامتنع، فأنا لا اريد ان اضيف اي اضافات علي لمساتي الأولي.
ہہ الأيام: وهل انضممت لجمعية من الجمعيات الفنية آنذاك؟!
** صديقة عباس:
لا، فقد كنا فريقا فنيا لا نمت للجمعيات بصلة، حتي ان اعضاء الجمعيات ينظرون الينا نظرة استغراب وانتقاد! الي ان رحلت المدرسة الاسبانية راكيل فحاولنا ان ننخرط مع تلك الجمعيات.
ہہ الأيام: تدربتِ علي يد عدد من الفنانين الاجانب، هل لذلك اثر مغاير علي فنك بالمقارنة مع غيرك من الفنانين؟!
ہہ صديقة عباس:
بالفعل تدربت علي ايدي فنانين اجانب، ومنهم كذلك فنان كوري، دربني علي رسم البورتريه، واستخدام الالوان والخطوط، وانضممت لمركز الفنون لفترة امتدت لعام ونصف العام، وتعلمت خلالها علي عمل مجسمات بالجبس علي يد مستر كواك وهو الآخر كوري الجنسية، فالرسم عندي مزيج من جنسيات مختلفة.
وانضممت كذلك لجمعية الفن المعاصر التي كان اتجاهها الفني نحو الطبيعة.. وانخرطت فيه، واخذت ارسم في الهواء الطلق، وكانت اولي تلك الرسمات لطفلة في مدينة حمد، ولا أزال احتفظ بذلك العمل. وللاسف كان التكتل هو ما يميز اعضاء هذه الجمعية، بل كانت الانشطة قليلة لا تشبع شغفي للفن، حاولت ان اجمع الفنانات تحت سقف معرض واحد، ولم أجد التشجيع منهن، بل الرغبة كانت معدومة، فقدمت استقالتي!
ہہ الأيام: وهل بحثت بعدها عن ذاتك الفنية في جمعية اخري؟!
ہہ صديقة عباس:
لم أكن اعرف نفسي جيدا، فانضممت لجمعية الفنون التشكيلية، وكان اتجاههم نحو الرسم التلقائي بالتنقيط، وكانت لي مشاركات، اكثرها وقعا علي قلبي تلك اللوحة الصغيرة التي تمثل بستانا زراعيا دولاب وممرا عند القلعة، وقد اشتراها الشيخ راشد، وبعث ذلك في نفسي ثقة كبيرة.
ہہ الأيام: وهل كانت لك مشاركات في المعارض الفنية الخارجية؟!
** صديقة عباس:
لقد شاركت في معرض صلالة مع وفد بحريني، ونظمت خلالها ندوة عن الفن في البحرين، والتي لاقت اهتمام واعجاب المشاركين من الفنانين.
البعض يضع العراقيل أمام الفنان!
ہہ الأيام: ألم تفكري بإقامة معرض مستقل، لتأخذ لوحاتك حقها من البروز الاعلامي؟!
** صديقة عباس:
لم يغب ذلك عن ذهني، وطلبت اقامة معرض مستقل، واشترطوا علي ان يحتوي المعرض بما لا يقل عن 30 لوحة، وكنت كالنحلة التي لا تكل ولا تتعب من العمل، الا ان كل ذلك ضاع هباء، خصوصا مع العراقيل التي يضعها البعض امام الفنان! فهل يعقل ان تسافر لجنة التحكيم، وكلما هاتفتهم لا يردون علي اتصالاتي؟! تلك التصرفات احبطتني ودفعتني الي جمع اللوحات وارجاعها للمنزل، فمن يريد ان يطلع علي الاعمال سيطلع عليها، أما انا فلن اطلب من أحد اي تقدير!!
ہہ الأيام: وتحت اي سقف تجمعين هذه اللوحات الكثيرة؟!
** صديقة عباس:
كنت اضعها في البيت، الا اني ومع كثرتها ومعارضة اخي لوجودها في المنزل اضطررت مرغمة علي نقلها لمنزل أختي بعد ان طلبت هي ذلك مني، حتي وجدت وبمساعدة احدي صديقاتي ملحقا استأجرته من احد البيوت، فآوي اليه كلما اردت الخلوة مع لوحاتي وفني، واجمع لوحاتي بين جدرانه، وبذلك استرددت لوحاتي التي تبنتها مني اختي، لاجمعهم تحت مظلتي.
ولكن بدأ المكان يضيق علي، وانا ابحث حاليا عن مكان اكبر، علي ان يكون في الطابق السفلي، فكل الخيارات التي امامي في الطابق الثالث، والعمارات غير مزودة بمصاعد كهربائية، وممرات السلالم ضيقة، فتكون عائقا في نقل لوحاتي من مكان لآخر.
أغلب الفنانين يهتمون
بالكـــم وليـــس بالكيــــف!
ہ ہ الأيام: كونك مدرسة هل تجدين الوقت الكافي لممارسة الفن؟!
** صديقة عباس:
الجمع بين الفن ومهنة اخري عملية في غاية الصعوبة، وخصوصا عندما يتعلق الامر بامرأة، فالفن يحتاج الي تفرغ وهذا ما أنوي فعله بعدما اتقاعد.
ہہ الأيام: وهل لك مشاركات مع فنانين تشكيليين؟!
** صديقة عباس:
حاولت ولكني فشلت! ويؤلمني ان اقول ان اغلب الفنانين اليوم يهتمون بالكم وليس بالكيف، بل ان الانانية تستولي عليهم، فقد حدث ان ناقشت احدي الفنانات في امر فتح معرض مشترك، ولم تبالِ للأمر، وآثرت افتتاح معرض مستقل لها! حاولت حضوره ولكني تخلفت لوفاة احدي الطالبات اللاتي ادرسهن في المدرسة، فلم تكن نفسيتي تتقبل حضور معرض للفن، واحدي الطالبات لتوها قد لقيت مصرعها.
ہہ الأيام: اجد ان الاحباط واليأس هو ما في نبرة صوتك؟!
ہہ صديقة عباس:
الاحباط اصابني من عدم اكتراث الجمعيات بالفنانين، وعدم اعطائهم حقهم، فهل يعقل انني احمل عشر لوحات من والي السيارة تحت اشعة الشمس اللاهبة، وانقلها عبر سيارتي وكانت حالتي الصحية علي كف عفريت! اتعرفون ماذا فعلت رجعت الي المنزل وكسرت لوحاتي وأعمالي.
ہہ الأيام: ورغم ذلك مازلت تواصلين فنك؟!
** صديقة عباس:
بل مازلت اشارك في الجمعيات، ففي عام 1998، طلبت مني احدي الجمعيات المشاركة في معرض البر لدار الرعاية بحيث يكون 50% من ريع المعرض للاعمال الخيرية، ووافقت لكون المعرض خيريا.
ہہ الأيام: هل لنا بموقف لم ولن تنسيه؟!
** صديقة عباس
موقف حدث لي عام 1995، حيث كنت ابحث عن احدي اللوحات، كما لو كنت طفلا يبحث عن لعبته.. ووجدتها فوق حامل خاص، وقد قدمتها للمرحوم يوسف الشيراوي، كنت في غاية السعادة، وان لم احصل علي مقابل نظير هذه اللوحة التي بذلت فيها جهدا، وتركت عليها بصماتي.. وانا في طريقي للمنزل بعد نهاية دوامي في العمل، واذا بمتصل يخبرني بأن المرحوم يوسف الشيراوي قدم لي هدية، وهي عبارة عن تذكرة سفر الي باريس، وهي تذكرة مفتوحة لعام كامل، ودخلت الفرحة في قلبي بهذا التقدير الذي لقيته، ورسمت لنفسي رحلة استمتعت واستفدت منها كثيرا.
الموسيقي والرسم
والشعر أمور مهمة في حياتي..
ہہ الأيام: الموسيقي كذلك اخذت ترسم خطوطها علي حياتك، اخبرينا عن هذه التجربة؟!
** صديقة عباس:
تجربتي جميلة جدا، فقد كنت اشارك مع الفنان خالد الشيخ في اغنياته، عبر الغناء الجماعي الكورس كما اني انضممت لمعهد موسيقي وتعلمت العزف علي آلة الكمان.
ہہ الأيام: الرسم اذاً هو من استولي عليك اكثر من عزف الكمان والموسيقي؟!
** صديقة عباس:
أري نفسي في الرسم اكثر، وان لم أجده في طريقي لجأت الي العزف علي الكمان او علي البيانو، او لجأت لكتابة الشعر الذي سأبدأ في نشره عبر الصحف.
ہہ الأيام: هل لنا ببعض من كتاباتك؟!
* صديقة عباس:
منها: بدأ الغضب ينمو في احشائي مثل عشب البحر، حشائش رفيعة سوداء كنت أراها تسبح داخل المياه الزرقاء تترسب في القاع ثم تطفو، تلفظها الامواج فوق الشاطئ، تجف تحت الشمس مثل الثعابين او قراميط البحر الميتة، أغمض عيني، اتفادي الضوء مع ان الليل مظلم، اخفي عن أبي شيئا لا اريد ان يراه، اهما عيناي كنت اخفيهما خشية ان يري فيهما احشائي حيث العشب الراسب في القاع بلون الحبر!!
ہہ الأيام: لما كل هذا الحزن وانت تملكين مواهب يعجز غيرك عن امتلاكها؟!
ہہ صديقة عباس:
مواهبي هي انتصاراتي، وان لم يشأ القدر لي بالزواج وتكوين اسرة، الا انني راضية بقدري. ولكن ان تخلص للغير ويغدروا بك، ان تحافظ علي مواعيدك ويخلفوها، ان تتكلم بعفوية وصدق ويصد الاخرون عنك وتعيش في وحدتك ويتجاهلك اقرب المقربين لك، فذلك ما لا ارضاه، وحزني ليس وليد اللحظة، بل هو ناتج عن تراكمات بعيدة، والسعادة لا تأتي من شيء واحد، فهي تأتيك بغتة وترحل عنك بغتة.
تخلوا عن الصمت المريع
كلمة أخيرة قدمتها الفنانة صديقة عباس في ختام حديثها:
الناس خارج خارطة الفنان، وبينهم وبينه مسافات كبيرة وفجوات عميقة، والطموح الذي افتقدوه ما زال موجودا لدي الفنان الحق، ونصيحة مني للشباب اهمس بها في آذانهم حاولوا التعرف والانفتاح علي الغير للتزود بخبراتهم ومعارفهم، وحاولوا البحث عن الثقافة والتخلي عن ظاهرة الصمت المريع الذي يسود الاوساط الاجتماعية .
Catcelep
2004-02-05
أحدث التعليقات