المتقاعدون.. ونظرة من خارج أسوار العمل مشاكلنا تختلف عن مشاكل جيل اليوم

 استطلاع – ياسمين خلف:

مشاكلنا بالأمس تختلف.. فلم نركض وراء الراتب الضخم ولا العلاوات والترقيات.. مشاكلنا كانت أكثرها تتمحور حول الاضطهاد والتفريق.. بكلماته التي حملت من رائحة الماضي الشيء الكثير تحدث عبدعلي محمد قمبرعامل متقاعد من شركة نفط البحرين بابكو منذ عام ٨٨٩١م.
كلماته تلك فتحت لنا آفاقا للاستطلاع حول مشاكل الموظفين قبل أعوام أو قبل عشرات الأعوام لمقارنتها مع مشاكل الموظفين اليوم.. قد تكون »ذكريات« وقد تكون جروحا قد التأمت وبرأت، ولكننا حتماً نقصد من ورائها معرفة أثر السنين على المشاكل العمالية!.
فرجوعاً الى »عبدعلي« ورجوعاً الى شريط ذكرياته إذ قال بعد تنهيدة زفرها وزفر معها ذكريات مرة: كنت الوحيد المواطن ما بين تسعة موظفين أجانب، خمسة منهم إنجليز وأربعة هنود، وكنت أعمل في دائرة الحسابات.. ذقت طعم التفريق فيما بيننا كموظفين وكان ذلك عام ٢٥٩١، فالقانون الداخلي للشركة يمنعني من أن تدخل السيارة التي تقلني للداخل، فأضطر الى المشي لمدة ٠١ دقائق للوصول الى الباب، أما الموظفين الأجانب فالسيارة تأتي لهم وبرأس الخدمة الى داخل الشركة!!.

قبل زمن جمال عبدالناصر

يضحك كما لو كان يضحك على ماض لم يعد يؤثر فيه، ويضيف:
حتى تدخين السجائر داخل المكتب ممنوع عليّ أنا فقط دون الغير، وإن أردت ذلك عليّ أن أدخل دورة المياه لأدخن، والأدهى والأمر إن الماء البارد كان ممنوعاً عليّ، في حين باقي الموظفين يتمتعون بالشراب البارد المنعش، فحتى في فصل الصيف حيث الجو اللاهب كنت أشرب الماء الساخن!!.
وعلى الرغم من كوني أعمل تحت مسمى »محاسب« إلاّ أنهم يسمحون لي فقط بساعتين يومياً في ممارسة هذه الوظيفة وبعدها وخلال ٦ ساعات أعمل كفراش لهم في المكتب.. يستطرد ليقول: هذا الكلام طبعا قبل زمن »جمال عبدالناصر« أما بعد عام ٦٥٩١ فقد سمحوا لي بشرب الماء البارد.. وفي ما يتعلق بالسيارة وإضطراري للمشي لعشر دقائق فلم يحركوا ساكناً حولها.. حتى بدت الأوضاع تتحسن شيئاَ فشيئاً في الستينيات والسبعينيات.

تحديت الزمن

كنت في عملي أسابق الزمن كما لو كنت في سباق الفورمولا واحد! فإن لم أسبقهم سبقوني مما جعلني تحت ضغط نفسي كبير.. جاءت تلك الكلمات على لسان ميرزا أحمد علي – مدير استثمار في بنك ومتقاعد تقاعداً مبكراً منذ ٥ سنوات مضت وتابع بقوله: كنت أعمل في البورصات الدولية، وكانت كل ساعة تمر بمثابة سباق للسرعة كسباق الفورمولا واحد! والتي جعلتني تحت خيار صعب إما المواصلة بهذا الاسلوب المنهك والتضحية بصحتي وإما التقاعد المبكر وكان الخيار الثاني هو ما اتخذته.
ومشاكلنا نحن كبار الموظفين تختلف بالتأكيد عن تلك التي يعاني منها صغار الموظفين، فمع وصول الموظف لمراتب عالية في الوظيفة عليه العمل بشكل سريع متحدياً الزمن والوقت اللذين يضعانه في ضغط نفسي محطم. خصوصاً إن عملي وتعاملي مع أموال الناس، وهو عديل الروح وأي خطأ محسوب، عمل أو وظيفة لها متاعبها وهمومها ومشاكلها ولكنها تختلف باختلاف الشخص ومدى تركيزه عليها ومدى تحمله النفسي لضغوطها.

وظائف »تقصف العمر«

فالأعمال والوظائف تختلف فهناك وظائف مريحة يستطيع الموظف خلالها قراءة الجريدة أو الجلوس لساعات بدون عمل ولكن هناك أعمال ووظائف »تقصف العمر« كعملي السابق مثلاً وإن كان المردود المالي مجزٍ إلاّ أنه لا يقارن بصحة الفرد فزوجتي في كثير من الأوقات كانت تقول لي خذ سريرك معك في المكتب؟! وهي محقة فأنا كنت أعمل منذ الثامنة صباحاً وحتى الثانية عشر من منتصف الليل، وبعد أن أرجع المنزل، ومن كثرة تعبي أرمي بنفسي على الكرسي في الصالة! فقد كان عملي يبعدني عن أسرتي وعن أهلي وعن حياتي الاجتماعية.
السنة الواحدة من عمر الانسان اذا »ولت« لن تعود، أما الفلوس إن ذهبت فقد تعود، فعلى الانسان اغتنام دقائق عيشه ليستمتع بها ما استطاع. صحيح أن المقربين أو الأهل قد يلومونه على تركه للوظيفة التي تدر عليه أموالاً جيدة، ولكن عليه اتخاذ القرار الذي يصب في مصلحته كما فعلت أنا، تقاعدت مبكراً وأزاول أعمالي الحرة حالياً.

مرت أيام العمل بسلام

عامان ونصف منذ أن تقاعدت بروين قمبر من وزارة المالية – إلاّ أنها وكما قالت وهي تحاول جاهدة أن تتذكر: لا أذكر مشاكلنا في العمل لقد نسيتها بالفعل.. ربما لأنها لا تختلف عن باقي الموظفين كونها لا تتعدى مشاكل ضعف الراتب وغياب العلاوات، وكلها مشاكل عادية والحمد لله لم تصادفني مشاكل تذكر فقد كنت مرتاحة مع مسئولي وهم كذلك.
مكملة: عملت عشرين عاماً، وعندما رأيت إن الوقت قد حان للتفرغ لأبنائي تركت العمل لأستغني عن الخادمات، فراتبي التقاعدي والحمد لله يكفي احتياجاتي الحياتية ولا أطلب أكثر من ذلك.
تضحك وتتابع أتذكر قصة حدثت لي في العمل وكان حينها المدير في إجازة سفر، وكان علي أن أمنع أي شخص من دخول مكتبه، وحدث وأن الموظف المنيب عنه أراد دخول مكتبه فمنعته فحدثت مشادة بيننا بكيت على اثرها.. ولكن بعدها عادت المياه لمجاريها.. ومرت الأيام بسلام..

عهداً »بوليسياً!«

خرجت من عمل لأزاول الأعمال الحرة مكان أخي بعد وفاته، فتقاعدت مبكراً من عملي في »بابكو« وكان ذلك منذ ٨٢ عاماً.. بهذه الكلمات بدأ محمد علي الغسرة حديثه وتابع: خلال فترة عملي كانت أهم مشاكلنا العمالية تتمثل في قلة الحرية في التعبير أو الكلام »فقد كان عهداً بوليسياً بكل معنى الكلمة، فإن أردنا التعبير عن بعض ما يختلج في نفوسنا لجأنا الى مكان بعيد عن الأعين للتعبير عنها.
كنا صغاراً في السن، وجمال عبدالناصر القائد الفذ يزيد من حماسنا، فكنا نتجرأ على الموظفين الأجانب لدرجة أنهم كانوا يخافون منا وإن كانوا رؤسائنا، فقد كانت حقبة لا تنسى. خصوصاً إننا كنا لا نرضى بأي إهانة أو هضم لحقوقنا.
لم نكن نعاني من المشاكل التي يعاني منها الموظفون اليوم، فقد كنا قنوعين نرضى بالمعاش القليل، على عكس موظفي اليوم الذين يجاهدون من أجل زيادة الرواتب والحصول على العلاوات والترقيات، ربما هناك مشاكل يعاني منها الشباب اليوم والتي منها عدم الفهم الصحيح للوظيفة الموكلة اليهم، وهي فجوة كان بالامكان تلافيها بتدريبهم على أيدي الموظفين القدامى الخارجين على المعاش أو المتقاعدين أما نحن فلم تكن مشاكلنا مع جهة العمل وإنما مع الناس لطبيعة عملنا كمفتشين في البلدية.
كان هذا رأي فضل المبارك – موظف سابق في بلدية مدينة عيسى – ومتقاعد منذ ٤ سنوات وبه اختتمنا استطلاعنا هذا.  2004-05-01 

 استطلاع – ياسمين خلف:

مشاكلنا بالأمس تختلف.. فلم نركض وراء الراتب الضخم ولا العلاوات والترقيات.. مشاكلنا كانت أكثرها تتمحور حول الاضطهاد والتفريق.. بكلماته التي حملت من رائحة الماضي الشيء الكثير تحدث عبدعلي محمد قمبرعامل متقاعد من شركة نفط البحرين بابكو منذ عام ٨٨٩١م.
كلماته تلك فتحت لنا آفاقا للاستطلاع حول مشاكل الموظفين قبل أعوام أو قبل عشرات الأعوام لمقارنتها مع مشاكل الموظفين اليوم.. قد تكون »ذكريات« وقد تكون جروحا قد التأمت وبرأت، ولكننا حتماً نقصد من ورائها معرفة أثر السنين على المشاكل العمالية!.
فرجوعاً الى »عبدعلي« ورجوعاً الى شريط ذكرياته إذ قال بعد تنهيدة زفرها وزفر معها ذكريات مرة: كنت الوحيد المواطن ما بين تسعة موظفين أجانب، خمسة منهم إنجليز وأربعة هنود، وكنت أعمل في دائرة الحسابات.. ذقت طعم التفريق فيما بيننا كموظفين وكان ذلك عام ٢٥٩١، فالقانون الداخلي للشركة يمنعني من أن تدخل السيارة التي تقلني للداخل، فأضطر الى المشي لمدة ٠١ دقائق للوصول الى الباب، أما الموظفين الأجانب فالسيارة تأتي لهم وبرأس الخدمة الى داخل الشركة!!.

قبل زمن جمال عبدالناصر

يضحك كما لو كان يضحك على ماض لم يعد يؤثر فيه، ويضيف:
حتى تدخين السجائر داخل المكتب ممنوع عليّ أنا فقط دون الغير، وإن أردت ذلك عليّ أن أدخل دورة المياه لأدخن، والأدهى والأمر إن الماء البارد كان ممنوعاً عليّ، في حين باقي الموظفين يتمتعون بالشراب البارد المنعش، فحتى في فصل الصيف حيث الجو اللاهب كنت أشرب الماء الساخن!!.
وعلى الرغم من كوني أعمل تحت مسمى »محاسب« إلاّ أنهم يسمحون لي فقط بساعتين يومياً في ممارسة هذه الوظيفة وبعدها وخلال ٦ ساعات أعمل كفراش لهم في المكتب.. يستطرد ليقول: هذا الكلام طبعا قبل زمن »جمال عبدالناصر« أما بعد عام ٦٥٩١ فقد سمحوا لي بشرب الماء البارد.. وفي ما يتعلق بالسيارة وإضطراري للمشي لعشر دقائق فلم يحركوا ساكناً حولها.. حتى بدت الأوضاع تتحسن شيئاَ فشيئاً في الستينيات والسبعينيات.

تحديت الزمن

كنت في عملي أسابق الزمن كما لو كنت في سباق الفورمولا واحد! فإن لم أسبقهم سبقوني مما جعلني تحت ضغط نفسي كبير.. جاءت تلك الكلمات على لسان ميرزا أحمد علي – مدير استثمار في بنك ومتقاعد تقاعداً مبكراً منذ ٥ سنوات مضت وتابع بقوله: كنت أعمل في البورصات الدولية، وكانت كل ساعة تمر بمثابة سباق للسرعة كسباق الفورمولا واحد! والتي جعلتني تحت خيار صعب إما المواصلة بهذا الاسلوب المنهك والتضحية بصحتي وإما التقاعد المبكر وكان الخيار الثاني هو ما اتخذته.
ومشاكلنا نحن كبار الموظفين تختلف بالتأكيد عن تلك التي يعاني منها صغار الموظفين، فمع وصول الموظف لمراتب عالية في الوظيفة عليه العمل بشكل سريع متحدياً الزمن والوقت اللذين يضعانه في ضغط نفسي محطم. خصوصاً إن عملي وتعاملي مع أموال الناس، وهو عديل الروح وأي خطأ محسوب، عمل أو وظيفة لها متاعبها وهمومها ومشاكلها ولكنها تختلف باختلاف الشخص ومدى تركيزه عليها ومدى تحمله النفسي لضغوطها.

وظائف »تقصف العمر«

فالأعمال والوظائف تختلف فهناك وظائف مريحة يستطيع الموظف خلالها قراءة الجريدة أو الجلوس لساعات بدون عمل ولكن هناك أعمال ووظائف »تقصف العمر« كعملي السابق مثلاً وإن كان المردود المالي مجزٍ إلاّ أنه لا يقارن بصحة الفرد فزوجتي في كثير من الأوقات كانت تقول لي خذ سريرك معك في المكتب؟! وهي محقة فأنا كنت أعمل منذ الثامنة صباحاً وحتى الثانية عشر من منتصف الليل، وبعد أن أرجع المنزل، ومن كثرة تعبي أرمي بنفسي على الكرسي في الصالة! فقد كان عملي يبعدني عن أسرتي وعن أهلي وعن حياتي الاجتماعية.
السنة الواحدة من عمر الانسان اذا »ولت« لن تعود، أما الفلوس إن ذهبت فقد تعود، فعلى الانسان اغتنام دقائق عيشه ليستمتع بها ما استطاع. صحيح أن المقربين أو الأهل قد يلومونه على تركه للوظيفة التي تدر عليه أموالاً جيدة، ولكن عليه اتخاذ القرار الذي يصب في مصلحته كما فعلت أنا، تقاعدت مبكراً وأزاول أعمالي الحرة حالياً.

مرت أيام العمل بسلام

عامان ونصف منذ أن تقاعدت بروين قمبر من وزارة المالية – إلاّ أنها وكما قالت وهي تحاول جاهدة أن تتذكر: لا أذكر مشاكلنا في العمل لقد نسيتها بالفعل.. ربما لأنها لا تختلف عن باقي الموظفين كونها لا تتعدى مشاكل ضعف الراتب وغياب العلاوات، وكلها مشاكل عادية والحمد لله لم تصادفني مشاكل تذكر فقد كنت مرتاحة مع مسئولي وهم كذلك.
مكملة: عملت عشرين عاماً، وعندما رأيت إن الوقت قد حان للتفرغ لأبنائي تركت العمل لأستغني عن الخادمات، فراتبي التقاعدي والحمد لله يكفي احتياجاتي الحياتية ولا أطلب أكثر من ذلك.
تضحك وتتابع أتذكر قصة حدثت لي في العمل وكان حينها المدير في إجازة سفر، وكان علي أن أمنع أي شخص من دخول مكتبه، وحدث وأن الموظف المنيب عنه أراد دخول مكتبه فمنعته فحدثت مشادة بيننا بكيت على اثرها.. ولكن بعدها عادت المياه لمجاريها.. ومرت الأيام بسلام..

عهداً »بوليسياً!«

خرجت من عمل لأزاول الأعمال الحرة مكان أخي بعد وفاته، فتقاعدت مبكراً من عملي في »بابكو« وكان ذلك منذ ٨٢ عاماً.. بهذه الكلمات بدأ محمد علي الغسرة حديثه وتابع: خلال فترة عملي كانت أهم مشاكلنا العمالية تتمثل في قلة الحرية في التعبير أو الكلام »فقد كان عهداً بوليسياً بكل معنى الكلمة، فإن أردنا التعبير عن بعض ما يختلج في نفوسنا لجأنا الى مكان بعيد عن الأعين للتعبير عنها.
كنا صغاراً في السن، وجمال عبدالناصر القائد الفذ يزيد من حماسنا، فكنا نتجرأ على الموظفين الأجانب لدرجة أنهم كانوا يخافون منا وإن كانوا رؤسائنا، فقد كانت حقبة لا تنسى. خصوصاً إننا كنا لا نرضى بأي إهانة أو هضم لحقوقنا.
لم نكن نعاني من المشاكل التي يعاني منها الموظفون اليوم، فقد كنا قنوعين نرضى بالمعاش القليل، على عكس موظفي اليوم الذين يجاهدون من أجل زيادة الرواتب والحصول على العلاوات والترقيات، ربما هناك مشاكل يعاني منها الشباب اليوم والتي منها عدم الفهم الصحيح للوظيفة الموكلة اليهم، وهي فجوة كان بالامكان تلافيها بتدريبهم على أيدي الموظفين القدامى الخارجين على المعاش أو المتقاعدين أما نحن فلم تكن مشاكلنا مع جهة العمل وإنما مع الناس لطبيعة عملنا كمفتشين في البلدية.
كان هذا رأي فضل المبارك – موظف سابق في بلدية مدينة عيسى – ومتقاعد منذ ٤ سنوات وبه اختتمنا استطلاعنا هذا.  2004-05-01 

عن الكاتب

تدوينات متعلقة

اكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.