بدأ الجو في البحرين في سباقه المحموم في تسجيل أعلى درجات الحرارة، وبدأ اللاهوب ‘’يصلخ’’ جلودنا ويرهقنا، أسأل من يتطلب عمله الخروج للشارع ساعات الظهيرة ‘’الحارقة’’، فلا مكيف سيارة ينفع ولا الملابس القطنية تجدي، وحده التأفف من يشهد على فداحة الوضع الذي قد يأخذنا للحلم في وضع البحرين بالكامل في إطار زجاجي عازل للحرارة ‘’ومكيف بعد’’ والله يعيننا على شهر أغسطس/ آب حيث تسجل أعلى درجات الحرارة والرطوبة في المملكة.
لن يتغير الوضع طبعا فقدرنا أن يكون موقعنا الجغرافي قريب من أشعة الشمس، ولكن ‘’أرحم ترحم’’ فالآسيويون ممن يعملون في المنشآت والطرقات أكثر كما أعتقد من يذوق طعم تلك الحرارة والرطوبة، فمواد البناء والإسفلت وغيرها من المواد التي أجهلها تزيد من هذا الشعور، ومن واجب المقاولين القائمين على تلك المشروعات أن يوفروا على الأقل أدنى مواصفات الحماية لهؤلاء العمال من أشعة الشمس، إذ إن الإحصائيات المحلية تؤكد أن الغالبية العظمى من المصابين بضربات الشمس هم من الآسيويين. مشهد رأيته بأم عيني ولا أظنني سأنساه، حيث لم يجد عمال آسيويون مكاناً لأخذ قسط من الراحة غير حفرة في الأرض انتهوا لتوهم من حفرها، غطوا في سبات أشبه بالموت لا النوم، بعد أن غطوا وجوههم بخرقة بالية، متناسين الحرارة والرطوبة والغبار هنا وهناك، أليس بالإمكان مثلا توفير خيمة صغيرة لهؤلاء يتفيأون فيها ويأخذون قيلولة أو حتى يأكلون فيها غذاءهم، هل ستكلف تلك الخيمة المقاولين شيئا؟ ولم لا توفر لهم قبعات وملابس تتوافر فيها مواصفات السلامة، ولم لا توفر لهم السوائل الباردة التي تعوضهم عما يفقدونه في ساعات عملهم تلك.
هؤلاء العمال المغتربون لحفنة من الدنانير ‘’بشر’’ ولابد من النظر في وضعهم، فيومهم يبدأ مع مغادرة الطيور لأعشاشها، ولا يعودون إلى غرفهم الأشبه بعلب السردين حيث يتراصون فيها إلا مع انهيار قواهم، حيث إن أغلبهم يكابد ليضاعف أجره ويسترزق من هنا وهناك، ليتمكن من إرسال دنانير متواضعة إلى أهله، وكم واحد منهم فضل الموت باختياره وانتحر، على أن يواصل حياته بالوتيرة ذاتها.
مع ساعات المغرب تأتي الشاحنات لتقلهم إلى حيث مساكنهم، وهو مشهد آخر لابد من وضع حد له، عشرات يتراصون في خلفية الشاحنة المكشوفة، بعضهم لم يقاوم النوم من التعب فاستسلم له، فتجدهم يترنحون يمنة ويسرة، كلما دعس السائق الكابح، ماذا سيحدث لو تعرضت الحافلة لحادث أليس من المحتمل أن تسجل كارثة؟ كثيرا ما كنت أقرأ الكلام في عيونهم عندما أكون بالسيارة خلفهم ‘’وغالبا ما كنت أحاول أن أبتعد لأتحاشى المنظر’’ وكأنما يلعنون الدنيا التي جعلت منهم عمالاً بسطاء يستقلون الحافلة يوميا بعد أن تعصرهم الشمس وتستنفد ما بقي منهم من طاقة، ولنتذكر دوما بأننا جميعا مساءلون.
بدأ الجو في البحرين في سباقه المحموم في تسجيل أعلى درجات الحرارة، وبدأ اللاهوب ‘’يصلخ’’ جلودنا ويرهقنا، أسأل من يتطلب عم...
أحدث التعليقات