قضية المسنيين.. التصدع حين يستهدف المجتمع .. الباحثون الاجتماعيون ينظرون إلي عمق الهوة

استطلاع – ياسمين خلف:
عندما يلهث الاهل وراء المسئولين بغية الحصول علي تصريح يخولهم ترك احد افراد عائلتهم في دور الرعاية، وعندما يغير البعض منهم ارقام هواتفهم بغية التنصل من المسئولية والهرب بل والاختفاء عن اعين ذويهم، وعن اي من يسألهم عنهم وعن شؤونهم، وعندما يرد عليك احدهم بوقاحة قائلا: لميت اريح لنا وله فاعلم ان ذلك ناقوس خطر يدق في جسم مجتمعنا المتصدع والمتشرخ بفعل سلوكيات البعض من الافراد.
فما هي نظرة الاجتماعيين لهذه الظاهرة، وكيف يصورونها من واقع معايشتهم او دراستهم للظاهرة!!

مراكز مضيئة
تتحول لبؤر ظلام

ابواب التوفيق تغلق في وجه العاق وان حسب انه قد ملك الدنيا وحاز علي مافيها من ملذات. بهذه الانطلاقة بدأ محمد محمود البقالي – الباحث والمرشد الاجتماعي في مدرسة النعيم الثانوية للبنين – ورئيس جمعية دعم الطالب وعضو جمعية الاجتماعيين البحرينية كلامه، وعن اثار تلك السلوكيات الشاذة علي المجتمع قال: يصاب المجتمع بالتصدع والتفكك الاجتماعي ينتجه لتفكك نظامه الاسري، فالاحباط هو ما يحس به الوالدان جراء تنكر ابنهما لهما، فهما يتطلعان الي الاحسان، ويؤملان الصلة بالمعروف، فيتفاجئان من تناسي ابنهما لجميلهما عليه في طفولته، فيعجب بشأنه وفتوته ويغره تعليمه وثقافته، ويترفع بجاهه ومرتبته ، فيريا تأفف ابنهما وتبرمه ومجاهرته بالسوء والفحشاء من القول والسلوك، يقهرهما وينهرهما! يريدان الوالدن حياته، ويريد هو موتهما حتي يصلان الي تمني لو كانا عقيمين، تئن لحالهما الفضلية، وتبكي من اجلهما المروءة، بدلا من رؤية ابنهما يعاملهما بطريقة مخجل!!
وبذلك فبدل ان يكون الفرض من ايواء المسنين هو توفير ملجأ لهم عند فقدانهم لاسرهم او اقاربهم، حوله العاقون من الابناء الي بؤر سوداء بعدما كانت دور ومراكز مضيئة. وذلك مؤشر علي كون الامر ما هو الا تصدعا اجتماعيا، وليس الحال افضل بالنسبة للمسن الذي لم يدخل دور العجزة، بل قد يكون حاله ادهي واعظم وامر، اذا ما كان كالكرة التي يتقاذفها الابناء بحسب الظروف والامزجة، فيظل ينتقل من بيت لآخر في وقت هو في امس الحاجة الي الاستقرار والراحة.
ويسترسل البقالي بقوله: الهوة ستكون جدا كبيرة ما بين الابناء والآباء، فسيجد الابن حينها يتخلي عن كامل واجباته اتجاه والديه، بدءا من ترك الزيارات وسوء المعاملة الي قطع النفقة، والمسن في امس الحاجة في هذا العمر الي الرعاية النفسية قبل الرعاية الصحية، غير انه لا يظفر بكليهما، فيظل في ركن الدار مهملا، وان ضاق به الحال وشعر بالملل من طول وكثرة التقلب علي فراشه طالبا شيئا من الترفيه فتقمع رغباته وتستمر مطالبه، والنتيجة في كل الاحوال ليست في صالح المسن .. وبنوع من الاسي اخذ يقول: كم نحن بحاجة الي توعية تستهدف ابناء اولئك المسنين في الاربطة ودور الرعاية ودور العجزة، وكم نحن بحاجة الي إشعارهم بفداحة الجريمة التي يرتكبونها بحق انفسهم وبحق آبائهم.

البعض بالكاد
يتذكرون اهلهم

وللوقوف علي حجم مشكلة تناسي الاهل اباءهم او ابناءهم او حتي اخوانهم واخواتهم، توجهنا الي مدينة المحرق، وبالتحديد لمستشفي المحرق للولاده ورعاية المسنين، وتحدثنا مع ام كلثوم القصاب – الباحثة الاجتماعية في الدار، والتي اكدت علي ان هناك فئة من المرضي بالكاد اهلهم يتذكرونهم، والبعض الاخر بالمقابل يجدون اهتماما بالغاً من قبل ذويهم، وبلغة الارقام قالت: هناك نحو 102 مريض، يتوزعون علي اجنحة، منها ثلاثة للنساء، واثنين للرجال، وبالتحديد هناك نحو 22 سريرا في جناح مريم ساتر، و 24 سرير في جناح صفية كانو، بالاضافة الي 25 سريرا في وحدة الاقامة الطويلة، و 22 سرير في الجناح الثاني، وهو خاص بالرجال، و 9 اسرة في جناح آخر وهو خاص بالنساء. في حين ان هناك نحو 13 حالة رجال و 7 حالات نساء علي قائمة الانتظار، واكبر المرضي المقيمين في الدار عمره مائه عام، في حين ان اصغرهم لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره.

افاجئهم في عقر دارهم

وعن الآلية التي عن طريقها تتفقد فيها زيارات المرضي قالت: هناك سجل خاص بزيارات الاهالي، وعن طريقه اعرف من من الاهالي قد زاروا المرضي، وان حدث ولم يتم تسجيل المعلومات تلك، اتفقد بنفسي الامر، وذلك بسؤال الممرضات المناوبات، وان حدث ولاحظت ان هناك تقصيرا من قبل احد الاهالي اتجاه مريضهم، اهاتفهم بنفسي كي ادفعهم للزيارة والتي هي مهمة بالنسبة لنفسية المريض، وفي كثير من الاحيان اجد ان الهاتف المسجل لدينا ملغي، فأضطر الي اللجوء الي وحدة السجل السكاني، واخذ العنوان ورقم هاتف الاهل الجديد عن طريق رقم البطاقة السكانية.. واذهب لقعر دارهم لاناقشهم في امر انعدام الزيارة لاعرف الاسباب واحاول حلها.
سألناها اذا ما كان هناك تجاوب من قبل الاهل قالت مجيبة: فئة كبيرة منهم تتجاوب، والفئة الاخري لا نجد منهم ادني تعاون، فهمهم الاكبر كان الركض واللهث للحصول علي سرير للمريض في الدار، وما ان يحصلوا عليه حتي ينسوا ذلك المريض ويلغونه من حياتهم… بل ان الطامة الكبري ان بعضهم بعد ان يعرفوا رقم هاتف المستشفي والدار، لا يردون علي مكالماتنا، فنضطر ان نخدعهم ونتصل بهم عبر هواتفنا النقالة، وكل ذلك حتي نستطيع التحدث معهم، واقناعهم بضرورة الزيارة واهميتها.
وبأسي بالغ اكملت: اكثر الحالات الموجودة في الدار لا يزورونهم اهلهم، ونحن لا نقول ان عليهم زيارتهم يوميا، ولكن وكما اعتقد ان زيارة واحدة علي الاقل في الاسبوع سيكون لها اثر طيب علي نفسية المريض الذي يكفي انه مسجي علي فراشه.
وتقول مضيفه: بعض المسنين بقاؤهم في الدار غير ضروري ويزاحمون الاكثر احقية منهم، فأهلهم مقتدرون، وبامكانهم توفير مكان مناسب لهم، مع تناوب الابناء علي رعايتهم، كما ولا ننسي ان هناك وحدة متنقلة للمسنين، تمر علي المسن في داره مرتين في الاسبوع لتتفقد حاله وتوفر له الادوية التي يحتاجها، كما ان وزارة الصحة توفر اسرة للعجزة في بيوتهم، حتي اذا ما اخذهم اهاليهم معهم لقضاء ايام في منازلهم، يجدون مكانا او سريرا مناسبا يريحهم ويسهل عليهم العناية بهم، وذلك نظير مبلغ رمزي كتأمين علي السرير، الا ان في بعض الحالات وبعد دراستها يتم اعفاء الاهل من ذلك المبلغ.
وعن اهم المشاكل التي تؤرق الباحثة في الدار قالت: ينقصنا باص مجهز لنقل المرضي المسنين المقعدين، والذين يجدون صعوبة في الجلوس علي المقاعد العادية، حاولنا الحصول علي متبرع، وحتي هذه اللحظة لم نجده!! فنحن نحتاجه لنقل المرضي المسنين الي بيوتهم ليقضوا يوما او يومين مع اهاليهم، فنحن نضطر حاليا الي نقلهم عبر سيارة الاسعاف، في وقت قد يكون هناك مريض اكثر حاجة اليه من ذلك المسن، الذي بالامكان نقله عبر باص صغير .
ومن جانب اخر فان الدار بحاجة الي طبيب مناوب ليعاين الحالات الموجودة، خصوصا ان بعضهم يعاني من قروح وامراض جلدية وامراض باطنية واخري مزمنة.
واشارت ام كلثوم في ختام حديثها الي ان الدار بصدد اقامة يوم مفتوح للاهالي لمناقشة ظروف وحالة المرضي المسنين، كما ولعدم توافر مواصلات للمرضي في الدار، ستأخذ احدي المريضات المسنات، القادرة علي المشي الي رحلة مع مرضي الطب النفسي، كتجربة اولي، ان نجحت سوف تطبق علي مرضي آخرين.

الجدات.. دفء البيوت وشبابيك الأمل الذي غاب
كثيرا ما نلتفت في حياتنا الاجتماعية المعاصرة الي ما غاب أو نبحث عما كان يعطي للأسرة وحياة الأفراد معني وقوة بما يشكله من تعزيز للوحدة والتماسك وما يضفيه من حياة وذكريات وأواصر وأحلام للجميع ففي الحياة العربية قبل عقود لم تكن الاستقلالية والفردية قد برزت بأبعادها العارية والضيقة الخانقة، ولم تكن الحياة الاستهلاكية قد طغت الي درجة الترف والفهم، وقد غابت عن حياتنا المعاصرة من جانبها الأسري رموز وجذور ومرجعيات جعلت الاباء والامهات وأولادهم أصحاب الاعمار الناجزة يلتفتون ويسترجعون ويشعرون بالخسارة والحسرة فقد غاب دور الجد والجدة بما يشكله من ربط وجمع وألفة وقوة تجاه الأيام، فالجد والجدة هما المرجع والثقافة والضمانة وهما الشمل والتمام العائلة، وهما الخبرة وحكمة استمرارها وسحرية تعليمها ونقلها من الكبار الي الاصغر سنا كذلك فإن الجدة مستودع الاسرار وحفظها بين الاصول والفروع.. فلكل بيت من البيوت القديمة قصصه وأسراره وذكرياته وحكاياته فما الذي بقي ولماذا انحسر وتراجع دور الجدة..؟
في زمن ليس بالبعيد كان الكانون هو البؤرة المركزية التي يجتمع حولها أطفال الأسرة ينظرون فيها الي ملامح الجدة أو الأم وهي طلقة المحيا بسامة الثنيات تتحدث عن حكاية شعبية حفظتها أو ابتكرتها من أجل ارضاء أولادها وتعميق معرفتهم واثراء خيالهم، ولا أعتقد بأن أحدا ينكر مقدار الفائدة التي عادت الينا جراء استماعنا الي هذه الحكايات الجميلة كما لا اعتقد بأن أحدا ينكر بأن هذه العادة جزء لا يتجزأ من تاريخنا المديد وهي طقس رائع لما يخلفه من ذكريات ولما يحفل به من ثراء وامتدادات علي جميع الأصعدة.
كانت الام الكبيرة تسيطر علي كل الامور فهي من تزوج وبأوامرها تسير كل كبيرة وصغيرة، وتسير كل شئون البيت الداخلية كما تقسم العمل بين نساء وبنات البيت واحدة للطبخ وواحدة تروي وأخري للغسيل وأهم شيء الكل علي قلب واحد قناعة ومحبة وحين تشاهد الجدة أي أمر مخالف للعادات والتقاليد كانت ترمس للأولاد والبنات وتأتيهم بالخراريف حتي يقتنعوا..

Catsocaff
2004-01-04

استطلاع – ياسمين خلف:
عندما يلهث الاهل وراء المسئولين بغية الحصول علي تصريح يخولهم ترك احد افراد عائلتهم في دور الرعاية، وعندما يغير البعض منهم ارقام هواتفهم بغية التنصل من المسئولية والهرب بل والاختفاء عن اعين ذويهم، وعن اي من يسألهم عنهم وعن شؤونهم، وعندما يرد عليك احدهم بوقاحة قائلا: لميت اريح لنا وله فاعلم ان ذلك ناقوس خطر يدق في جسم مجتمعنا المتصدع والمتشرخ بفعل سلوكيات البعض من الافراد.
فما هي نظرة الاجتماعيين لهذه الظاهرة، وكيف يصورونها من واقع معايشتهم او دراستهم للظاهرة!!

مراكز مضيئة
تتحول لبؤر ظلام

ابواب التوفيق تغلق في وجه العاق وان حسب انه قد ملك الدنيا وحاز علي مافيها من ملذات. بهذه الانطلاقة بدأ محمد محمود البقالي – الباحث والمرشد الاجتماعي في مدرسة النعيم الثانوية للبنين – ورئيس جمعية دعم الطالب وعضو جمعية الاجتماعيين البحرينية كلامه، وعن اثار تلك السلوكيات الشاذة علي المجتمع قال: يصاب المجتمع بالتصدع والتفكك الاجتماعي ينتجه لتفكك نظامه الاسري، فالاحباط هو ما يحس به الوالدان جراء تنكر ابنهما لهما، فهما يتطلعان الي الاحسان، ويؤملان الصلة بالمعروف، فيتفاجئان من تناسي ابنهما لجميلهما عليه في طفولته، فيعجب بشأنه وفتوته ويغره تعليمه وثقافته، ويترفع بجاهه ومرتبته ، فيريا تأفف ابنهما وتبرمه ومجاهرته بالسوء والفحشاء من القول والسلوك، يقهرهما وينهرهما! يريدان الوالدن حياته، ويريد هو موتهما حتي يصلان الي تمني لو كانا عقيمين، تئن لحالهما الفضلية، وتبكي من اجلهما المروءة، بدلا من رؤية ابنهما يعاملهما بطريقة مخجل!!
وبذلك فبدل ان يكون الفرض من ايواء المسنين هو توفير ملجأ لهم عند فقدانهم لاسرهم او اقاربهم، حوله العاقون من الابناء الي بؤر سوداء بعدما كانت دور ومراكز مضيئة. وذلك مؤشر علي كون الامر ما هو الا تصدعا اجتماعيا، وليس الحال افضل بالنسبة للمسن الذي لم يدخل دور العجزة، بل قد يكون حاله ادهي واعظم وامر، اذا ما كان كالكرة التي يتقاذفها الابناء بحسب الظروف والامزجة، فيظل ينتقل من بيت لآخر في وقت هو في امس الحاجة الي الاستقرار والراحة.
ويسترسل البقالي بقوله: الهوة ستكون جدا كبيرة ما بين الابناء والآباء، فسيجد الابن حينها يتخلي عن كامل واجباته اتجاه والديه، بدءا من ترك الزيارات وسوء المعاملة الي قطع النفقة، والمسن في امس الحاجة في هذا العمر الي الرعاية النفسية قبل الرعاية الصحية، غير انه لا يظفر بكليهما، فيظل في ركن الدار مهملا، وان ضاق به الحال وشعر بالملل من طول وكثرة التقلب علي فراشه طالبا شيئا من الترفيه فتقمع رغباته وتستمر مطالبه، والنتيجة في كل الاحوال ليست في صالح المسن .. وبنوع من الاسي اخذ يقول: كم نحن بحاجة الي توعية تستهدف ابناء اولئك المسنين في الاربطة ودور الرعاية ودور العجزة، وكم نحن بحاجة الي إشعارهم بفداحة الجريمة التي يرتكبونها بحق انفسهم وبحق آبائهم.

البعض بالكاد
يتذكرون اهلهم

وللوقوف علي حجم مشكلة تناسي الاهل اباءهم او ابناءهم او حتي اخوانهم واخواتهم، توجهنا الي مدينة المحرق، وبالتحديد لمستشفي المحرق للولاده ورعاية المسنين، وتحدثنا مع ام كلثوم القصاب – الباحثة الاجتماعية في الدار، والتي اكدت علي ان هناك فئة من المرضي بالكاد اهلهم يتذكرونهم، والبعض الاخر بالمقابل يجدون اهتماما بالغاً من قبل ذويهم، وبلغة الارقام قالت: هناك نحو 102 مريض، يتوزعون علي اجنحة، منها ثلاثة للنساء، واثنين للرجال، وبالتحديد هناك نحو 22 سريرا في جناح مريم ساتر، و 24 سرير في جناح صفية كانو، بالاضافة الي 25 سريرا في وحدة الاقامة الطويلة، و 22 سرير في الجناح الثاني، وهو خاص بالرجال، و 9 اسرة في جناح آخر وهو خاص بالنساء. في حين ان هناك نحو 13 حالة رجال و 7 حالات نساء علي قائمة الانتظار، واكبر المرضي المقيمين في الدار عمره مائه عام، في حين ان اصغرهم لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره.

افاجئهم في عقر دارهم

وعن الآلية التي عن طريقها تتفقد فيها زيارات المرضي قالت: هناك سجل خاص بزيارات الاهالي، وعن طريقه اعرف من من الاهالي قد زاروا المرضي، وان حدث ولم يتم تسجيل المعلومات تلك، اتفقد بنفسي الامر، وذلك بسؤال الممرضات المناوبات، وان حدث ولاحظت ان هناك تقصيرا من قبل احد الاهالي اتجاه مريضهم، اهاتفهم بنفسي كي ادفعهم للزيارة والتي هي مهمة بالنسبة لنفسية المريض، وفي كثير من الاحيان اجد ان الهاتف المسجل لدينا ملغي، فأضطر الي اللجوء الي وحدة السجل السكاني، واخذ العنوان ورقم هاتف الاهل الجديد عن طريق رقم البطاقة السكانية.. واذهب لقعر دارهم لاناقشهم في امر انعدام الزيارة لاعرف الاسباب واحاول حلها.
سألناها اذا ما كان هناك تجاوب من قبل الاهل قالت مجيبة: فئة كبيرة منهم تتجاوب، والفئة الاخري لا نجد منهم ادني تعاون، فهمهم الاكبر كان الركض واللهث للحصول علي سرير للمريض في الدار، وما ان يحصلوا عليه حتي ينسوا ذلك المريض ويلغونه من حياتهم… بل ان الطامة الكبري ان بعضهم بعد ان يعرفوا رقم هاتف المستشفي والدار، لا يردون علي مكالماتنا، فنضطر ان نخدعهم ونتصل بهم عبر هواتفنا النقالة، وكل ذلك حتي نستطيع التحدث معهم، واقناعهم بضرورة الزيارة واهميتها.
وبأسي بالغ اكملت: اكثر الحالات الموجودة في الدار لا يزورونهم اهلهم، ونحن لا نقول ان عليهم زيارتهم يوميا، ولكن وكما اعتقد ان زيارة واحدة علي الاقل في الاسبوع سيكون لها اثر طيب علي نفسية المريض الذي يكفي انه مسجي علي فراشه.
وتقول مضيفه: بعض المسنين بقاؤهم في الدار غير ضروري ويزاحمون الاكثر احقية منهم، فأهلهم مقتدرون، وبامكانهم توفير مكان مناسب لهم، مع تناوب الابناء علي رعايتهم، كما ولا ننسي ان هناك وحدة متنقلة للمسنين، تمر علي المسن في داره مرتين في الاسبوع لتتفقد حاله وتوفر له الادوية التي يحتاجها، كما ان وزارة الصحة توفر اسرة للعجزة في بيوتهم، حتي اذا ما اخذهم اهاليهم معهم لقضاء ايام في منازلهم، يجدون مكانا او سريرا مناسبا يريحهم ويسهل عليهم العناية بهم، وذلك نظير مبلغ رمزي كتأمين علي السرير، الا ان في بعض الحالات وبعد دراستها يتم اعفاء الاهل من ذلك المبلغ.
وعن اهم المشاكل التي تؤرق الباحثة في الدار قالت: ينقصنا باص مجهز لنقل المرضي المسنين المقعدين، والذين يجدون صعوبة في الجلوس علي المقاعد العادية، حاولنا الحصول علي متبرع، وحتي هذه اللحظة لم نجده!! فنحن نحتاجه لنقل المرضي المسنين الي بيوتهم ليقضوا يوما او يومين مع اهاليهم، فنحن نضطر حاليا الي نقلهم عبر سيارة الاسعاف، في وقت قد يكون هناك مريض اكثر حاجة اليه من ذلك المسن، الذي بالامكان نقله عبر باص صغير .
ومن جانب اخر فان الدار بحاجة الي طبيب مناوب ليعاين الحالات الموجودة، خصوصا ان بعضهم يعاني من قروح وامراض جلدية وامراض باطنية واخري مزمنة.
واشارت ام كلثوم في ختام حديثها الي ان الدار بصدد اقامة يوم مفتوح للاهالي لمناقشة ظروف وحالة المرضي المسنين، كما ولعدم توافر مواصلات للمرضي في الدار، ستأخذ احدي المريضات المسنات، القادرة علي المشي الي رحلة مع مرضي الطب النفسي، كتجربة اولي، ان نجحت سوف تطبق علي مرضي آخرين.

الجدات.. دفء البيوت وشبابيك الأمل الذي غاب
كثيرا ما نلتفت في حياتنا الاجتماعية المعاصرة الي ما غاب أو نبحث عما كان يعطي للأسرة وحياة الأفراد معني وقوة بما يشكله من تعزيز للوحدة والتماسك وما يضفيه من حياة وذكريات وأواصر وأحلام للجميع ففي الحياة العربية قبل عقود لم تكن الاستقلالية والفردية قد برزت بأبعادها العارية والضيقة الخانقة، ولم تكن الحياة الاستهلاكية قد طغت الي درجة الترف والفهم، وقد غابت عن حياتنا المعاصرة من جانبها الأسري رموز وجذور ومرجعيات جعلت الاباء والامهات وأولادهم أصحاب الاعمار الناجزة يلتفتون ويسترجعون ويشعرون بالخسارة والحسرة فقد غاب دور الجد والجدة بما يشكله من ربط وجمع وألفة وقوة تجاه الأيام، فالجد والجدة هما المرجع والثقافة والضمانة وهما الشمل والتمام العائلة، وهما الخبرة وحكمة استمرارها وسحرية تعليمها ونقلها من الكبار الي الاصغر سنا كذلك فإن الجدة مستودع الاسرار وحفظها بين الاصول والفروع.. فلكل بيت من البيوت القديمة قصصه وأسراره وذكرياته وحكاياته فما الذي بقي ولماذا انحسر وتراجع دور الجدة..؟
في زمن ليس بالبعيد كان الكانون هو البؤرة المركزية التي يجتمع حولها أطفال الأسرة ينظرون فيها الي ملامح الجدة أو الأم وهي طلقة المحيا بسامة الثنيات تتحدث عن حكاية شعبية حفظتها أو ابتكرتها من أجل ارضاء أولادها وتعميق معرفتهم واثراء خيالهم، ولا أعتقد بأن أحدا ينكر مقدار الفائدة التي عادت الينا جراء استماعنا الي هذه الحكايات الجميلة كما لا اعتقد بأن أحدا ينكر بأن هذه العادة جزء لا يتجزأ من تاريخنا المديد وهي طقس رائع لما يخلفه من ذكريات ولما يحفل به من ثراء وامتدادات علي جميع الأصعدة.
كانت الام الكبيرة تسيطر علي كل الامور فهي من تزوج وبأوامرها تسير كل كبيرة وصغيرة، وتسير كل شئون البيت الداخلية كما تقسم العمل بين نساء وبنات البيت واحدة للطبخ وواحدة تروي وأخري للغسيل وأهم شيء الكل علي قلب واحد قناعة ومحبة وحين تشاهد الجدة أي أمر مخالف للعادات والتقاليد كانت ترمس للأولاد والبنات وتأتيهم بالخراريف حتي يقتنعوا..

Catsocaff
2004-01-04

عن الكاتب

تدوينات متعلقة

اكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.