. سهام الصويغ: نسق التنشئة العربية لا يسهم في انتاج مجتمع المعرفة

حوار – ياسمين خلف:
تصوير: عقيل عبدالرحيم

نسق التنشئة وعلاقته باكتساب المعرفة في المجتمعات العربية عنوان حملته الورقة الخلفية في التقرير الثاني للتنمية الانسانية العربية في برنامج الامم المتحدة الانمائي، والتي قدمتها الدكتورة سهام عبدالرحمن الصويغ – دكتورة معارة من جامعة الملك سعود – للعمل كاستشارية تربوية لتأسيس الجامعة الملكية للبنات – فرع البحرين – والمزمع افتتاحها في شهر سبتمبر من العام الجاري – حيث ركزت في ورقتها علي مفهوم التنشئة وانواعها، واشكاليات التنشئة، وطرق تجاوز الواقع الراهن وغيرها من النقاط التي مست وبشكل مباشر واقع المعرفة في المجتمعات العربية.
فالتنشئة كما ذكرتها وعرفتها الدكتورة الصويغ هي التنشئة الاسرية او الوالدية، وكل سلوك يصدر من الوالدين او احدهما، ويؤثر علي الطفل وعلي نمو شخصيته من نواحيها المختلفة الجسمانية والنفسية والاجتماعية والمعرفية، مشيرة الي انواع التنشئة والتي قسمتها الي ثلاثة انواع اولها الاسلوب المتسلط والذي يعتمد علي السيطرة المطلقة للآباء، في مقابل رضوخ الابناء، مع نسبة ضئيلة من التفاعل والحوار اللفظي بين الطرفين، والنوع الآخر الاسلوب المتساهل حيث يستجيب الوالدان لرغبات الطفل ولايستخدمون معه العقاب مما يساهم في ضعف امتثال الطفل وتدني شعوره بالمسئولية فيما يتمثل النوع الاخير في الاسلوب الحازم في التربية او التنشئة حيث يوجه الطفل بطريقة عقلانية حازمة، مع الوعي بفردية الطفل ويشجع الحوار اللفظي ويقدم التفسير، ويوفر المحبة والقبول. ومن اجل الخوض الاعمق في الورقة المقدمة في التقرير كان لنا هذا الحوار..
ف ما اهم الاستنتاجات التي خرجت بها استنادا الي الدراسات العربية؟!
– اهم ما استخلص من الدراسات هو ان الام العربية تقوم بالدور الاساسي في عملية التنشئة، وخاصة في السنوات الست او السبع الاولي من عمر الطفل، وان اكثر اساليب التنشئة انتشارا في الاسرة العربية هي اساليب التسلط والتذبذب والحماية الزائدة، والتي تزداد بصورة واضحة في المستويات الاجتماعية والاقتصادية المنخفضة، ولدي المجتمعات القروية وشبه البدوية، كما ان المستوي التعليمي للام يلعب دورا كبيرا في اسلوب تعاملها، فكلما زاد تعليم الام قل استخدامها للعقاب البدني وزاد ميلها للاساليب الاكثر سوءا.
ومازالت الاسرة العربية وان حدث بعض التغيير نتيجة تعليم وعمل المرأة تتعامل مع الطفلة الانثي بصورة تقليدية ومغايرة للذكر، والذي يسهم في استمرار الدور التقليدي السلبي للانثي. كما يقل التفاعل والتعاطف واستخدام الاساليب السوية في التنشئة مع زيادة عدد افراد الاسرة، ووجود ظاهرة الخادمة في الدول الخليجية خاصة والدول العربية الاخري كالاردن ومصر ولبنان تؤثر سلبا علي نمو الطفل العاطفي والاجتماعي والمعرفي. ويمكن القول ان اساليب التنشئة المستخدمة لدي غالبية الاسر العربية تؤثر بصورة سلبية علي نمو الاستقلال والثقة بالنفس والكفاءة الاجتماعية، وتعود الطفل علي الخضوع والامتثال والتهرب من المسئولية، وتؤدي بالتالي الي زيادة السلبية وضعف مهارات اتخاذ القرار، ليس فقط في السلوك وانما في طريقة التفكير، حيث يتعود من الصغر علي كبح، التساؤل والاكتشاف والمبادرة، وهي مهارات لازمة للتفكير واكتشاف المعرفة.
ف وهل المجتمعات العربية تنتج الافراد الذين تحتاجهم لتنميتها؟!
– من وجهة نظري المبنية علي الابحاث الخاصة بالتنشئة العربية نستطيع ان نقول ان نسق التنشئة العربية لايسهم في انتاج الافراد الذين يحتاجهم مجتمع المعرفة، فهناك ثلاثة اهداف للتنشئة يشترك فيها جميع الآباء حول العالم وهي المحافظة علي صحة وسلامة الطفل الفسيولوجية وخاصة في الفترة الاولي من حياته، وتطوير القدرات السلوكية للاطفال، بحيث يصبحون قادرين علي توفير كفايتهم الاقتصادية كراشدين، وتطوير قدرات الاطفال بحيث يسهمون في المحافظة علي بقاء واستمرار قيم المجتمع وثقافته.
ف ما هي اهم الاشكاليات من وجهة نظرك، التي تقف عائقا امام تحقيق ذلك؟!
– في الحقيقة هناك مجموعة من الاشكاليات اهمها اشكالية تدني مستوي تعليم المرأة، حيث يبلغ عدد الاميين من بين البالغين العرب حوالي 65 مليونا، ثلثاهما من النساء، وانخفاض تعليم المرأة مرتبط باستخدامها لأساليب تنشئة تعتمد التسلط والعقاب البدني والتخويف وتؤدي في الغالب الي نشوء مظاهر نمو تكبح التفكير واكتساب المعرفة. واشكالية انتشار الفقر في البلدان العربية، اذ يوجد مواطن لكل خمسة مواطنين عرب يعيش علي اقل من دولارين امريكيين في اليوم، وذلك يعتبر من اقل مستويات الفقر المادي في العالم والفقر المادي يتبعه عادة انحسار في فرص التعليم والبيئة السكنية والاجتماعية المناسبة لاستخدام اساليب التنشئة السوية.
واشكالية الحجم الكبير للاسرة العربية، اذ تبلغ نسبة الاطفال الذين يقل عمرهم عن 15 سنة الي 38% من عدد السكان في العالم العربي، بالاضافة الي ارتفاع معدل الخصوبة 5.3% مقارنة بمتوسط الخصوبة العالمي 7.2% حتي عام 1998، والحجم الكبير للاسرة كما تشير الدراسات يقف عائقا امام تفاعل الاسرة وتواصلها واستخدامها لأساليب تيسر الحوار والتفكير وتوفر الفرص للاكتشاف والتعليم، هذا بالاضافة الي اشكالية تدني نسبة عدد الاطفال العرب الحاصلين علي تعليم ما قبل الابتدائي، اذ لا تزيد النسبة عن 4% الي 9% في مقابل 47% في البلدان النامية في عام 1995. كما تزداد الفجوة اتساعا اذا ما قورنت بالدول المتقدمة التي جعلت تعليم الفئة العمرية 5-6 سنوات إلزاميا وحكوميا. اما الاطفال في الفئة العمرية 3-5 سنوات، فنسبة التحاقهم تصل ما بين 75-85% في كل من المانيا والدنمارك وفنلندا والسويد، وترتفع الي 95% في كل من بلجيكا وفرنسا وايطاليا. وهذه النسبة المنخفضة لالتحاق الاطفال العرب في التعليم ما قبل الابتدائي تشير الي حرمان غالبيتهم من فرص اكتساب المعرفة في بيئة تربوية قد يكون لها دور في تعويض النقص الذي يعاني منه الطفل العربي في بيئته الاسرية المفتقدة في الغالب الي اساليب التنشئة التي تنمي القدرات وتشحذها للتفكير والتعليم، بالاضافة الي ما يشكله هذا الحرمان من تعميق الهوة وعدم المساواة وقت الدخول الي المدرسة بين القلة الذين حصلوا علي تعليم مبكر والاطفال الذين حرموا منه.
ولا انسي كذلك اشكالية المنهج المقدم في التعليم ما قبل الابتدائي بالرغم من الجهود المبذولة والتجارب الناجحة لتطوير التعليم ما قبل الابتدائي في بعض الدول العربية، فالروضات مازالت في عالمنا العربي تركز علي تعليم القراءة والكتابة دون الاهتمام بالنمو المتكامل للطفل. واشكالية ندرة او ربما غياب برامج التدخل المبكر في معظم الدول العربية الموجهة لتثقيف وتوعية الاسرة وخاصة الام، بهدف تمكينها من القيام بدور فاعل في تنشئة الاطفال والتواصل معهم بأساليب تنمي كفاءتهم الاجتماعية والعاطفية والفكرية.
ف وكيف عبرت في تقرير التنمية عن طرق تجاوز الواقع الراهن؟!
– يمكن تجاوز الواقع الراهن عبر التركيز علي عاملين اولهما التوسع في التعليم ما قبل الابتدائي ودور الحكومات والمنظمات الاهلية، وعن طريق تثقيف وتوعية الاسرة العربية وخاصة الام بأهمية سنوات الطفولة المبكرة والمفترض دعمهما من قبل الحكومات والمنظمات الاقليمية والدولية، ومن هنا اود ان اشير الي تجربتين رائدتين في هذا المجال، يتم تطبيقهما في مملكة البحرين اولهما: برنامج كن حرا والذي تقوم بتنفيذة جمعية البحرين النسائية بإشراف من الدكتورة سرور قاروني، بهدف نشر التوعية حول كيفية التعامل مع الاطفال، وتربيتهم تربية تسهم في تنمية قدراتهم وبناء ثقتهم بأنفسهم، والبرنامج الآخر يتمثل في برنامج تعليم الام والطفل MOCEP تحت مظلة جمعية الهلال الاحمر باشراف من الدكتورة جولي حريد، حيث يهدف الي تنمية القدرة المعرفية للطفل 5-6 سنوات واعداده لدخول المدرسة في محاولة لردم الهوة بين الاطفال القادرين، الذين حصلوا علي تعليم ما قبل الابتدائي وغيرهم من الاطفال الفقراء الذين حرموا من هذه الفرصة، وتثقيف الام بخصائص واحتياجات الطفل المعرفية والاجتماعية والعاطفية وتدريبها علي سبل استثارة الطفل وتشجيعه للتعليم، بالاضافة الي توعية الام باساليب التعامل التربوي مع الطفل وتوجيه سلوكه، وتطوير وعي المرأة بالصحة الانجابية وتنظيم النسل.
ف كلمة اخيرة تريدين اضافتها لمساهمتك في تقرير التنمية العربية من خلال بحثك حول نسق التنشئة وعلاقته بمجتمع المعرفة؟!
– يمكن القول ان التنشئة في الاسرة العربية عموما والخليجية بوجه الخصوص بالرغم من الرغبة في التوجه نحو تغليب تنشئة التسامح والحوار واحترام الفرد وتنمية المعرفة، وخاصة بين طبقات المجتمع المتعلم، والمنتمية الي المستوي الاجتماعي والاقتصادي المتوسط والمرتفع، والوضع الراهن للتنشئة مازال متذبذبا بين استخدام اساليب التسلط التقليدية والعقاب البدني واساليب التساهل والافراط في الحماية، والصراع بين القيم في نسق التنشئة مازال قائما ومكبلا لعملية اكتساب المعرفة. هذا الصراع المتمثل في اشكالية اسلوب السلطة مقابل الاسلوب الديمقراطي القائم علي حرية التعبير واحترام الآخر. واشكالية التمسك بالماضي والخوف من التغيرات الحادثة في قيم الحاضر مقابل الحاجة الملحة الي اعداد اطفال مجتمعاتنا العربية لمستلزمات المستقبل، واشكالية الشك في قدرات الانثي والخوف عليها في مقابل توفير الفرص لها للتطور والنمو الانساني، واشكالية التلقين والحفظ وسلطة المعرفة في مقابل العقلانية والتفكير العلمي والتجربة والتعلم الذاتي.
ومازالت التنشئة العربية وخاصة في المجتمعات الفقيرة تفتقر الي اثراء بيئة الطفل الحسية والعاطفية بمقومات النمو الطبيعي والاخذ بيده نحو مجتمع المعرفة.
وللتغلب علي هذه العوائق يتطلب الامر تضافر الجهود الحكومية والاهلية والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة والنامية في هذا المجال.

catedu
2005-01-08

حوار – ياسمين خلف:
تصوير: عقيل عبدالرحيم

نسق التنشئة وعلاقته باكتساب المعرفة في المجتمعات العربية عنوان حملته الورقة الخلفية في التقرير الثاني للتنمية الانسانية العربية في برنامج الامم المتحدة الانمائي، والتي قدمتها الدكتورة سهام عبدالرحمن الصويغ – دكتورة معارة من جامعة الملك سعود – للعمل كاستشارية تربوية لتأسيس الجامعة الملكية للبنات – فرع البحرين – والمزمع افتتاحها في شهر سبتمبر من العام الجاري – حيث ركزت في ورقتها علي مفهوم التنشئة وانواعها، واشكاليات التنشئة، وطرق تجاوز الواقع الراهن وغيرها من النقاط التي مست وبشكل مباشر واقع المعرفة في المجتمعات العربية.
فالتنشئة كما ذكرتها وعرفتها الدكتورة الصويغ هي التنشئة الاسرية او الوالدية، وكل سلوك يصدر من الوالدين او احدهما، ويؤثر علي الطفل وعلي نمو شخصيته من نواحيها المختلفة الجسمانية والنفسية والاجتماعية والمعرفية، مشيرة الي انواع التنشئة والتي قسمتها الي ثلاثة انواع اولها الاسلوب المتسلط والذي يعتمد علي السيطرة المطلقة للآباء، في مقابل رضوخ الابناء، مع نسبة ضئيلة من التفاعل والحوار اللفظي بين الطرفين، والنوع الآخر الاسلوب المتساهل حيث يستجيب الوالدان لرغبات الطفل ولايستخدمون معه العقاب مما يساهم في ضعف امتثال الطفل وتدني شعوره بالمسئولية فيما يتمثل النوع الاخير في الاسلوب الحازم في التربية او التنشئة حيث يوجه الطفل بطريقة عقلانية حازمة، مع الوعي بفردية الطفل ويشجع الحوار اللفظي ويقدم التفسير، ويوفر المحبة والقبول. ومن اجل الخوض الاعمق في الورقة المقدمة في التقرير كان لنا هذا الحوار..
ف ما اهم الاستنتاجات التي خرجت بها استنادا الي الدراسات العربية؟!
– اهم ما استخلص من الدراسات هو ان الام العربية تقوم بالدور الاساسي في عملية التنشئة، وخاصة في السنوات الست او السبع الاولي من عمر الطفل، وان اكثر اساليب التنشئة انتشارا في الاسرة العربية هي اساليب التسلط والتذبذب والحماية الزائدة، والتي تزداد بصورة واضحة في المستويات الاجتماعية والاقتصادية المنخفضة، ولدي المجتمعات القروية وشبه البدوية، كما ان المستوي التعليمي للام يلعب دورا كبيرا في اسلوب تعاملها، فكلما زاد تعليم الام قل استخدامها للعقاب البدني وزاد ميلها للاساليب الاكثر سوءا.
ومازالت الاسرة العربية وان حدث بعض التغيير نتيجة تعليم وعمل المرأة تتعامل مع الطفلة الانثي بصورة تقليدية ومغايرة للذكر، والذي يسهم في استمرار الدور التقليدي السلبي للانثي. كما يقل التفاعل والتعاطف واستخدام الاساليب السوية في التنشئة مع زيادة عدد افراد الاسرة، ووجود ظاهرة الخادمة في الدول الخليجية خاصة والدول العربية الاخري كالاردن ومصر ولبنان تؤثر سلبا علي نمو الطفل العاطفي والاجتماعي والمعرفي. ويمكن القول ان اساليب التنشئة المستخدمة لدي غالبية الاسر العربية تؤثر بصورة سلبية علي نمو الاستقلال والثقة بالنفس والكفاءة الاجتماعية، وتعود الطفل علي الخضوع والامتثال والتهرب من المسئولية، وتؤدي بالتالي الي زيادة السلبية وضعف مهارات اتخاذ القرار، ليس فقط في السلوك وانما في طريقة التفكير، حيث يتعود من الصغر علي كبح، التساؤل والاكتشاف والمبادرة، وهي مهارات لازمة للتفكير واكتشاف المعرفة.
ف وهل المجتمعات العربية تنتج الافراد الذين تحتاجهم لتنميتها؟!
– من وجهة نظري المبنية علي الابحاث الخاصة بالتنشئة العربية نستطيع ان نقول ان نسق التنشئة العربية لايسهم في انتاج الافراد الذين يحتاجهم مجتمع المعرفة، فهناك ثلاثة اهداف للتنشئة يشترك فيها جميع الآباء حول العالم وهي المحافظة علي صحة وسلامة الطفل الفسيولوجية وخاصة في الفترة الاولي من حياته، وتطوير القدرات السلوكية للاطفال، بحيث يصبحون قادرين علي توفير كفايتهم الاقتصادية كراشدين، وتطوير قدرات الاطفال بحيث يسهمون في المحافظة علي بقاء واستمرار قيم المجتمع وثقافته.
ف ما هي اهم الاشكاليات من وجهة نظرك، التي تقف عائقا امام تحقيق ذلك؟!
– في الحقيقة هناك مجموعة من الاشكاليات اهمها اشكالية تدني مستوي تعليم المرأة، حيث يبلغ عدد الاميين من بين البالغين العرب حوالي 65 مليونا، ثلثاهما من النساء، وانخفاض تعليم المرأة مرتبط باستخدامها لأساليب تنشئة تعتمد التسلط والعقاب البدني والتخويف وتؤدي في الغالب الي نشوء مظاهر نمو تكبح التفكير واكتساب المعرفة. واشكالية انتشار الفقر في البلدان العربية، اذ يوجد مواطن لكل خمسة مواطنين عرب يعيش علي اقل من دولارين امريكيين في اليوم، وذلك يعتبر من اقل مستويات الفقر المادي في العالم والفقر المادي يتبعه عادة انحسار في فرص التعليم والبيئة السكنية والاجتماعية المناسبة لاستخدام اساليب التنشئة السوية.
واشكالية الحجم الكبير للاسرة العربية، اذ تبلغ نسبة الاطفال الذين يقل عمرهم عن 15 سنة الي 38% من عدد السكان في العالم العربي، بالاضافة الي ارتفاع معدل الخصوبة 5.3% مقارنة بمتوسط الخصوبة العالمي 7.2% حتي عام 1998، والحجم الكبير للاسرة كما تشير الدراسات يقف عائقا امام تفاعل الاسرة وتواصلها واستخدامها لأساليب تيسر الحوار والتفكير وتوفر الفرص للاكتشاف والتعليم، هذا بالاضافة الي اشكالية تدني نسبة عدد الاطفال العرب الحاصلين علي تعليم ما قبل الابتدائي، اذ لا تزيد النسبة عن 4% الي 9% في مقابل 47% في البلدان النامية في عام 1995. كما تزداد الفجوة اتساعا اذا ما قورنت بالدول المتقدمة التي جعلت تعليم الفئة العمرية 5-6 سنوات إلزاميا وحكوميا. اما الاطفال في الفئة العمرية 3-5 سنوات، فنسبة التحاقهم تصل ما بين 75-85% في كل من المانيا والدنمارك وفنلندا والسويد، وترتفع الي 95% في كل من بلجيكا وفرنسا وايطاليا. وهذه النسبة المنخفضة لالتحاق الاطفال العرب في التعليم ما قبل الابتدائي تشير الي حرمان غالبيتهم من فرص اكتساب المعرفة في بيئة تربوية قد يكون لها دور في تعويض النقص الذي يعاني منه الطفل العربي في بيئته الاسرية المفتقدة في الغالب الي اساليب التنشئة التي تنمي القدرات وتشحذها للتفكير والتعليم، بالاضافة الي ما يشكله هذا الحرمان من تعميق الهوة وعدم المساواة وقت الدخول الي المدرسة بين القلة الذين حصلوا علي تعليم مبكر والاطفال الذين حرموا منه.
ولا انسي كذلك اشكالية المنهج المقدم في التعليم ما قبل الابتدائي بالرغم من الجهود المبذولة والتجارب الناجحة لتطوير التعليم ما قبل الابتدائي في بعض الدول العربية، فالروضات مازالت في عالمنا العربي تركز علي تعليم القراءة والكتابة دون الاهتمام بالنمو المتكامل للطفل. واشكالية ندرة او ربما غياب برامج التدخل المبكر في معظم الدول العربية الموجهة لتثقيف وتوعية الاسرة وخاصة الام، بهدف تمكينها من القيام بدور فاعل في تنشئة الاطفال والتواصل معهم بأساليب تنمي كفاءتهم الاجتماعية والعاطفية والفكرية.
ف وكيف عبرت في تقرير التنمية عن طرق تجاوز الواقع الراهن؟!
– يمكن تجاوز الواقع الراهن عبر التركيز علي عاملين اولهما التوسع في التعليم ما قبل الابتدائي ودور الحكومات والمنظمات الاهلية، وعن طريق تثقيف وتوعية الاسرة العربية وخاصة الام بأهمية سنوات الطفولة المبكرة والمفترض دعمهما من قبل الحكومات والمنظمات الاقليمية والدولية، ومن هنا اود ان اشير الي تجربتين رائدتين في هذا المجال، يتم تطبيقهما في مملكة البحرين اولهما: برنامج كن حرا والذي تقوم بتنفيذة جمعية البحرين النسائية بإشراف من الدكتورة سرور قاروني، بهدف نشر التوعية حول كيفية التعامل مع الاطفال، وتربيتهم تربية تسهم في تنمية قدراتهم وبناء ثقتهم بأنفسهم، والبرنامج الآخر يتمثل في برنامج تعليم الام والطفل MOCEP تحت مظلة جمعية الهلال الاحمر باشراف من الدكتورة جولي حريد، حيث يهدف الي تنمية القدرة المعرفية للطفل 5-6 سنوات واعداده لدخول المدرسة في محاولة لردم الهوة بين الاطفال القادرين، الذين حصلوا علي تعليم ما قبل الابتدائي وغيرهم من الاطفال الفقراء الذين حرموا من هذه الفرصة، وتثقيف الام بخصائص واحتياجات الطفل المعرفية والاجتماعية والعاطفية وتدريبها علي سبل استثارة الطفل وتشجيعه للتعليم، بالاضافة الي توعية الام باساليب التعامل التربوي مع الطفل وتوجيه سلوكه، وتطوير وعي المرأة بالصحة الانجابية وتنظيم النسل.
ف كلمة اخيرة تريدين اضافتها لمساهمتك في تقرير التنمية العربية من خلال بحثك حول نسق التنشئة وعلاقته بمجتمع المعرفة؟!
– يمكن القول ان التنشئة في الاسرة العربية عموما والخليجية بوجه الخصوص بالرغم من الرغبة في التوجه نحو تغليب تنشئة التسامح والحوار واحترام الفرد وتنمية المعرفة، وخاصة بين طبقات المجتمع المتعلم، والمنتمية الي المستوي الاجتماعي والاقتصادي المتوسط والمرتفع، والوضع الراهن للتنشئة مازال متذبذبا بين استخدام اساليب التسلط التقليدية والعقاب البدني واساليب التساهل والافراط في الحماية، والصراع بين القيم في نسق التنشئة مازال قائما ومكبلا لعملية اكتساب المعرفة. هذا الصراع المتمثل في اشكالية اسلوب السلطة مقابل الاسلوب الديمقراطي القائم علي حرية التعبير واحترام الآخر. واشكالية التمسك بالماضي والخوف من التغيرات الحادثة في قيم الحاضر مقابل الحاجة الملحة الي اعداد اطفال مجتمعاتنا العربية لمستلزمات المستقبل، واشكالية الشك في قدرات الانثي والخوف عليها في مقابل توفير الفرص لها للتطور والنمو الانساني، واشكالية التلقين والحفظ وسلطة المعرفة في مقابل العقلانية والتفكير العلمي والتجربة والتعلم الذاتي.
ومازالت التنشئة العربية وخاصة في المجتمعات الفقيرة تفتقر الي اثراء بيئة الطفل الحسية والعاطفية بمقومات النمو الطبيعي والاخذ بيده نحو مجتمع المعرفة.
وللتغلب علي هذه العوائق يتطلب الامر تضافر الجهود الحكومية والاهلية والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة والنامية في هذا المجال.

catedu
2005-01-08

عن الكاتب

تدوينات متعلقة

اكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.