ياسمينيات
الخاسر الأكبر
ياسمين خلف
في لحظات، قد يتبدل سكون المدارس إلى حالة من الشغب وعدم القدرة على السيطرة على الغضب العارم في النفوس، كراسي وطاولات لا تجد غير التكسير والبعثرة هنا وهناك، وربما الحرق في حالات منها! بعضهم لا أقول جميعهم يكون موقفه «حشْر مع الناس عيد» لا يعرف ما الحكاية، ولكنه يعرف كيف يساند أصدقاءه فيما عزموا عليه، وبعض آخر قد يجدها وسيلة لإيقاف يوم دراسي أو بضع يوم، وكسر الروتين وسيناريو حضور مسؤولين من الوزارة في المدرسة وانتشار خبر الحادثة في الصحف قد تروق لبعضهم وتستهويهم، وأن كان بعضٌ منهم (ونعترف) قد تفتق وعيهم السياسي مبكراً، إلا أنه وفي جميع الأحوال الطالب هو الخاسر الأكبر.
حوادث التسعينات أصبحت تاريخاً، علينا جميعنا أن نأخذ منها العبر، وأوجه كلامي بالتحديد للطلبة، فمن اعتقل أو عذّب أو فُصل عن دراسته النظامية منها أو الجامعية خسر مستقبله، وإن لم يخسره تعطل وتأخر عن ركب أقرانه، ولم يفده اليوم من موقفه الثائر أحد، أقدر للكثيرين تعاطفهم وتفاعلهم السياسي الغض، ولكن لتعلموا أنكم بهذه الطريقة تتحولون من أصحاب قضية إلى قضية تحتاج إلى معالجة، ركزوا على دراستكم فهي السلاح الذي تستطيعون من خلاله الوقوف في وجه من تظنونه أنه خصمكم، لا تتركوا الفرصة لأحد أن يجد فرصة أو حتى ثغرة مجرد ثغرة ليدخل منها ويقول عنكم إنكم فاشلون إرهابيون أو قتلة، لا، أنتم لستم كذلك، لستم أنتم ولا أهاليكم من تربى على مثل هذه الخصال، فأنتم مكرمون عن تلك الأوصاف، ولكنكم للأسف تسمحون لهؤلاء وغيرهم أن يتقوّلوا عليكم بهذه النعوت، وما تقومون به سيجعلكم على باطل. نعم، هناك مطالب وهناك حقوق إن لم تأخذ تنتزع، ولكن لستم أنتم من سينتزعها (اليوم على الأقل)، بل اتركوا العقول الحكيمة تتصرف، وسيأتي يومكم الذي يمكنكم فيه أن تتصرفوا وتتحركوا، ولكن بتعقل وحكمة، بعيداً عن العنف الذي هو غريب عنا نحن أهل البحرين، وحينها تكونون قد وصلتم إلى أعلى المراتب من الثقافة السياسية والمكانة الاجتماعية التي ستنالونها باستحقاق لا بواسطة أو بمحسوبية، وأنتم أهلٌ لذلك، فقط إن أنتم لعبتم اللعبة بالطريقة الصحيحة وركزتم على دراستكم ولم تشتتوا أذهانكم في قضايا مازلتم صغاراً عليها، أو بالأحرى يجب أن تكونوا بعيدين عنها أو على أقل تقدير ألا تعبروا عنها بطريقة لا يقبلها حتى حكماء السياسة الذين تفخرون أنتم بهم.
لا نريد أن نسمع بأن المدارس بدأت تنتهك حرمتها بدخول قوات مكافحة الشغب فيها، وقد حدث للأسف! وأن طلابها قد اختنقوا بمسيلات الدموع، أو أصيب نفرٌ منكم بطلقات من الرصاص المطاطي أو «الشوزن»، أو أن بعضكم اعتقل وضرب ولا يعرف أهله في أي مركز توقيف هو. وكل ذلك بأيديكم، أينكر أحدكم أن ذلك ممكن الحدوث؟ إنْ رجعت الحقبة التسعينية – وكأني أراها قد لوّحت بيديها البشعتين تنذر بحوادث ربما تكون أكثر ضراوة وبشاعة – فإنكم ستندمون؛ لأنكم ابتعدتم عن الحكمة وجازفتم بأغلى ما عندكم؛ حياتكم أولاً ومستقبلكم الدراسي ثانياً وليس آخرها طبعاً مستقبلكم المهني. فأرجوكم، ارحموا أنفسكم منها وارحموا أهاليكم على الأقل منها، فأنتم أعلم بمدى تضحياتهم لكم ليفخروا بكم لا أن يبكوا على حالكم في السجون.
العدد 1146 السبت 15 ربيع الثاني 1430 هـ – 11 أبريل 2009
ياسمينيات الخاسر الأكبر ياسمين خلف في لحظات، قد يتبدل سكون المدارس إلى حالة من الشغب وعدم القدرة على السيطرة على الغضب ا...
أحدث التعليقات