ياسمينيات
ست الحبايب
ياسمين خلف
حتى ثلاثة أعوام مضت، كنت أضحك من بكاء أمي رحمها الله، على والدتها التي توفيت منذ سنوات، كنت أعاتبها وأشكك في مصداقية تلك الدموع، ”أفبعد كل تلك السنوات تبكينها؟ شبعت جدتي موتاً يا أمي، كفاك دموعا”، كنت أستغرب من دموعها التي تنزف من مقلتيها وهي تشاهد وتسمع أغنية ”ست الحبايب يا حبيبة” للفنانة فايزة أحمد، حتى أيقنت اليوم وأنا مكان أمي، وأمي مكان جدتي حرارة تلك الدموع، بعد أن تجرعت من كأس الفراق والحنين ذاته، وعرفت بعد جهلي أن فقد الأم والأب لا يمكن أن ينسى، ولا يمكن أن تخفف عنه الأيام مهما طالت ومهما حملت من الأفراح، فما ذهب لن يعود ولا يعوض ولا يقارن بأي مصيبة أخرى، ألم تقرأ يوما الحكمة التي تقول ”يبقى الرجل طفلا طوال عمره، فإن ماتت أمه شاخ فجأة!”.
لا أريد أن أقلب أحزاني ولا أوجاعي وأوجاع من هم في الهم مثلي، فهو حزن يأبى أن يفارق الفؤاد، بعد أن قرر أن يجثم على صدورنا منذ اللحظة التي يفارق الوالدان الحياة، ولكني أردت أن أوصل رسالة إلى كل من لا يقدر الجوهرتين اللتين في بيته، ولا يعرف قدرهما ولا يعطيهما حقهما، هي نعمة كبيرة يحباها الله لمن يطول عمر والديه حتى أن المرء لا يشعر بقيمة وقدر هذه النعمة، بل ”يرفسها” برجليه كما يحدث للعاقين منهم، كانت أمي تقول ”لن يعرف المرء قدر والديه إلا بعد أن ينجب ويكون له أولاد” هي محقه، وأضيف عليها اليوم أنا مقولتي ”بأن المرء لا يعرف قدر والديه إلا بعد أن يغمضا عينيهما”.
في عيد الأسرة الذي مضى قبل يومين يخطئ من يعتقد أنه إن أهدى والديه هدية قلد الغرب واتبع ضلاله، باعتبار أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فإن كان ذاك التبرير بأنه عادات للغرب، فإني وبكل جرأة أعلنها بأنها عادة تجاوزت أخلاقيا الكثير من عادات العرب والمسلمين، ألسنا أصحاب الدين الذي يحض على بر الوالدين وطاعتهما والاعتراف بفضليهما؟ فما ضير إدخال الفرحة في قلبيهما ولو بهدية وكلمة كل سنة وأنتما طيبين يا أمي ويا أبي يا جنتي وناري، قائلا سوف ينبري ليقول ولما هذا اليوم بالذات، فهي حجة كل من يستثيره الفرح والأعياد! وأنا أقول لما حتى اليوم لم نر العرب والمسلمين يتفقون على يوم آخر لعيد الأسرة إن كان هذا التاريخ يستفزهم؟
أتدرون ما يحز في نفسي حقيقة ؟ أن أفكر في الأطفال اليتامى ممن فقدوا أحد والديهما أوكلاهما، وكيف لهم أن يجاروا الأطفال الآخرين في فرحتهم واحتفالاتهم في المدارس بعيد الأسرة؟ لابد أن تكون هناك فكرة لإبعاد هؤلاء الأطفال عن المشاعر السلبية والحزينة التي ستحيط بهم في هذا اليوم وهم فاقدون لهذه النعمة، لا أعرف كيف حقيقة؟ خصوصا إن الاستعداد لهذا اليوم يبدأ قبل شهر تقريبا، وليس فقط في المدارس بل على مستوى المملكة ككل، ولكن الذي أعرفه بأنه يوم استثنائي قد يقدم فيه البعض الورود لوالديه وقد ينثرها على قبريهما، كما أفعل أنا فلكما الرحمة والمغفرة يا والدي في عيدكم هذا الذي خلا من وجودكما.
العدد 1128 الثلثاء 27 ربيع الأول 1430 هـ – 24 مارس 2009
ياسمينيات
ست الحبايب
ياسمين خلف
حتى ثلاثة أعوام مضت، كنت أضحك من بكاء أمي رحمها الله، على والدتها التي توفيت منذ سنوات، كنت أعاتبها وأشكك في مصداقية تلك الدموع، ”أفبعد كل تلك السنوات تبكينها؟ شبعت جدتي موتاً يا أمي، كفاك دموعا”، كنت أستغرب من دموعها التي تنزف من مقلتيها وهي تشاهد وتسمع أغنية ”ست الحبايب يا حبيبة” للفنانة فايزة أحمد، حتى أيقنت اليوم وأنا مكان أمي، وأمي مكان جدتي حرارة تلك الدموع، بعد أن تجرعت من كأس الفراق والحنين ذاته، وعرفت بعد جهلي أن فقد الأم والأب لا يمكن أن ينسى، ولا يمكن أن تخفف عنه الأيام مهما طالت ومهما حملت من الأفراح، فما ذهب لن يعود ولا يعوض ولا يقارن بأي مصيبة أخرى، ألم تقرأ يوما الحكمة التي تقول ”يبقى الرجل طفلا طوال عمره، فإن ماتت أمه شاخ فجأة!”.
لا أريد أن أقلب أحزاني ولا أوجاعي وأوجاع من هم في الهم مثلي، فهو حزن يأبى أن يفارق الفؤاد، بعد أن قرر أن يجثم على صدورنا منذ اللحظة التي يفارق الوالدان الحياة، ولكني أردت أن أوصل رسالة إلى كل من لا يقدر الجوهرتين اللتين في بيته، ولا يعرف قدرهما ولا يعطيهما حقهما، هي نعمة كبيرة يحباها الله لمن يطول عمر والديه حتى أن المرء لا يشعر بقيمة وقدر هذه النعمة، بل ”يرفسها” برجليه كما يحدث للعاقين منهم، كانت أمي تقول ”لن يعرف المرء قدر والديه إلا بعد أن ينجب ويكون له أولاد” هي محقه، وأضيف عليها اليوم أنا مقولتي ”بأن المرء لا يعرف قدر والديه إلا بعد أن يغمضا عينيهما”.
في عيد الأسرة الذي مضى قبل يومين يخطئ من يعتقد أنه إن أهدى والديه هدية قلد الغرب واتبع ضلاله، باعتبار أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فإن كان ذاك التبرير بأنه عادات للغرب، فإني وبكل جرأة أعلنها بأنها عادة تجاوزت أخلاقيا الكثير من عادات العرب والمسلمين، ألسنا أصحاب الدين الذي يحض على بر الوالدين وطاعتهما والاعتراف بفضليهما؟ فما ضير إدخال الفرحة في قلبيهما ولو بهدية وكلمة كل سنة وأنتما طيبين يا أمي ويا أبي يا جنتي وناري، قائلا سوف ينبري ليقول ولما هذا اليوم بالذات، فهي حجة كل من يستثيره الفرح والأعياد! وأنا أقول لما حتى اليوم لم نر العرب والمسلمين يتفقون على يوم آخر لعيد الأسرة إن كان هذا التاريخ يستفزهم؟
أتدرون ما يحز في نفسي حقيقة ؟ أن أفكر في الأطفال اليتامى ممن فقدوا أحد والديهما أوكلاهما، وكيف لهم أن يجاروا الأطفال الآخرين في فرحتهم واحتفالاتهم في المدارس بعيد الأسرة؟ لابد أن تكون هناك فكرة لإبعاد هؤلاء الأطفال عن المشاعر السلبية والحزينة التي ستحيط بهم في هذا اليوم وهم فاقدون لهذه النعمة، لا أعرف كيف حقيقة؟ خصوصا إن الاستعداد لهذا اليوم يبدأ قبل شهر تقريبا، وليس فقط في المدارس بل على مستوى المملكة ككل، ولكن الذي أعرفه بأنه يوم استثنائي قد يقدم فيه البعض الورود لوالديه وقد ينثرها على قبريهما، كما أفعل أنا فلكما الرحمة والمغفرة يا والدي في عيدكم هذا الذي خلا من وجودكما.
العدد 1128 الثلثاء 27 ربيع الأول 1430 هـ – 24 مارس 2009
One Comment on “ست الحبايب”
admin
تعليق #1
“من خلف ما مات” يا ياسمين..
صحيح إن ما في شي في الدنيا ممكن إنه ينسي الإنسان وجع فقد أحد والديه أو كليهما – وهنا المصيبة أعظم وأكبر وأشد وطأة على النفس- ولكن عزاءه أنهما الآن في جنة الخلد..
وكلنا على هذا الدرب سائرين..
والمستعان بالله أختي العزيزة..
مريم الثلاثاء 24 مارس 2009
تعليق #2
نعنم يا ياسمين الانسان لايحس بشيئ الا حين يفقده واغلى شي عنده الوالدين فهم عمود البيت وهم ضلال البيت فكم من اسرة تشردت وكم من اسرة تفككت من فقدان احد عمودي الاسرة او كلتاهما فالوالدين قليل عليهم هدا العيد
ابو صادق الثلاثاء 24 مارس 2009
تعليق #3
صباح الفل عليكم ,,
مقال ولا اروع وربي
فعلا اللي عنده ام واب عايش في نعمه ما راح يحس فيها الا بعد فراقهم
الام ظل وعش لاولادها وان راحت تفرقوو وتشتتو
اشوف امي واخواتهاا كانت جدتي لامتهم بحضنهاا وكل اسبوع البيت العود زحمه وصراخ وضحك وسوالف ومن راحت رحمه الله عليهاا ما يجتمعون الا في الاحزان حتى الافراح ما تجمعهم ..
ربي يطول لي في عمرهم ويرحم امواتكم ان شالله
الفجــ روح ــر الثلاثاء 24 مارس 2009
تعليق #4
بارك الله فيك ياياسمين علي هاي المقال والاطروحات الممتازه شكرا من الامارات ومن بوظبي بالتحديد تري لك قراء هنا تحياتي
صلاح بن عيسي الثلاثاء 24 مارس 2009
تعليق #5
شكرا ياسمين
حقا نحتاج الى طريقة تبعد الأيتام خصوصا في المدارس الإبتدائية من التأثر السلبي بالإحتفاء بيوم الأسرة وبتكريم الآباء والأمهات وهم بلا أم أو أب.
لنتصور كيف سيشعرون بالإحتفاء بالمناسبة دون مراعاتهم وما مدى التأثير في تحصيلهم العلمي وفي مستقبلهم .
نقطة تحتاج الى تأمل من المسئولين في وزارة التربية ومن المهتمين بعلم الإجتماع وعلم النفس.
ابراهيم الثلاثاء 24 مارس 2009
تعليق #6
شكراً .. مقال رائع
عواطف الحمادي الثلاثاء 24 مارس 2009
تعليق #7
عليكم
كيف الحال يا أستاذة ياسمين
مقالك اليوم عن ست الحبايب أكثر من رائع . خصوصاً إني قرأته اليوم وهو اليوم الذي يوافق الذكرى السادسة لوفاة والدي يرحمه الله الذي توفي في 24/3/2003م . كلامك نابع من القلب وجعلتي القراء ربما جميعهم يحسوا بألمك من خلال كلماتك وأيضاً نظرة عينيك ( الجميلتين ) العميقة التي في صورتك . لكن لي عتب عليك يا أستاذة ياسمين وهو إنك ركبتي نفس المركب الذي يركبه من هب ودب في الهجوم على الإسلاميين الذين يعتبرون الاحتفال بهذا اليوم بدعة وكأنهكم تريدون الحجر على آراءهم . فحرية الرأي مكفولة وها نحن نؤيد ما ذهبتي إليه وما عبرتي عنه . فمن يعتقد بذلك المعتقد لم يخرج للشوارع لمنع الناس وإنما فقط قال رأيه وعلى من يريد الأخذ به فليأخذ ومن لا يريد فهو حر . أقول إن ديننا الإسلآمي لم يخصص يوم للأم أو الأسرة وإنما جعل العام بكامله لهما وأكبر دليل على ما أقول ذلك الحنين العميق الذي فاضت به مشاعرك وجعلت الدموع تنزل من أعيننا . فهذا الشعور يا أستاذة ياسمين لا يوجد في الغرب لأنهم يحتفلون بالمناسبة فقط في يوم واحد يجعلون فيها كل ما ديهم من مشاعر إن كانت عندهم مشاعر صادقة ، أما نحن المسلمين ونظراً لارتباطنا بأسرتنا فإننا تجيش عواطفنا في كل يوم نحو الأم والأب وليس في هذا اليوم فقط وأنا على ثقة أنك تتذكرين والديك في كل يوم وتترحمين عليهما كما يفعل كل مسلم في صلاته وفي دعاءه وطوال ليله ونهاره ، وكنت تفعلين ذلك حتى وهما على قيد الحياة .
عزيزتي ليكن كلامي خفيفاً عليك فهو وجهة نظر لا أكثر اتمنى أن أسمع رداً عليها إن أمكن. وتقبلي خالص تحياتي ورحم الله ولاديك ووالدينا وكل أموات المسلمين .
إبراهيم
إبراهيم الثلاثاء 24 مارس 2009
تعليق #8
ياسيميتنا،، قرأت مقالك فحزنت،،،
تذكرت وجهك الياسميني فبكيت،،،
اطال الله في عمرك..
الحزينة لحالك زينب علي
زينب علي الثلاثاء 24 مارس 2009
تعليق #9
صدقتتي عزيزتي.. فمع مرور الأيام وتراكمها وإنشغالها لا يجف الجرح والألم الذي تغرسه سكين الفراق… فالمصيبتة بفقدانهما تبدأ كبيرة وتكبر وتعظم…
والإحتفال بعيد الأم أو الأسرة ما هو إلا تقديراا لهم وعرفان لما بذلوه وأن لم نوفي حقهما أبداا،، فالكلمة الطيبة مبتغهما والأمل الذي يحدوا أبنائهم والأخلاق والتربية الفاضله التي يحصدون ثمارها بعد سنين بلسم لتعب السنين في التربية….
ودعواتي إلى الباري بأن يرحمهما… ويسكن والدي فسح جناته ويسكن والدتك فسيح جناته ويطول في عمر والدتي شمعة حياتي التي تنير عتمت الليل لفراق أبي رحمة الله عليه…
الأحلام الثلاثاء 24 مارس 2009
تعليق #10
امى قال الله طاعه الام من طاعتى فمابالك من طاعه الله
محمد الشربينى الزرقا_دميااااط الثلاثاء 7 أبريل 2009