كتبت – ياسمين خلف:
تحسبهم للوهلة الاولي كسائر الاطفال، فلا تنقصهم الشقاوة ولا يفتقدون البسمة، ولكنهم لا يجدون غير الصمت المطبق الذي اعتادوا عليه، بل هو الوضع الذي لم يعيشوا غيره! الحزن المخيم في قلوب اهاليهم تسلل ووجد طريقه الي ملامحهم، بل تستشعره في صوتهم المتهدج وان تحدثوا اليك فأعينهم لن تبرح حركات طفلهم الاصم!
مشروع زراعة القوقعة الالكترونية، الذي جدد الامل لدي الكثيرين في عهد وزيرة الصحة الدكتورة ندي حفاظ اعاد البسمة الي قلوب الكثير من الاهالي فالعملية الواحدة لا تقل تكلفتها عن 25 الف دينار شاملة للتدريب علي النطق ان ما اجريت في الخارج! وبحسبه بسيطة سنجد عجز البحريني عن تكبد تلك التكاليف التي يجدها اغلبهم مستحيلة في ظل تدني مستوي المعيشة!!
في العيادات الخارجية، وبالتحديد في عيادة الاذن والانف والحنجرة في مجمع السلمانية الطبي تفتح الابواب علي مصراعيها مرتان في الشهر، يتجمع الاهالي واطفالهم الصم كخلية للنحل، متوجهين عاقدين الامل علي زراعة قوقعة لطفلهم الاصم، هي السبيل الي فهمه للعالم، بعد ان اضناهم الحزن علي حاله المختلفة عن اقرانه، وهناك لا يبخل الاستشاريون ولا الاخصائون عن تقديم ما يلزم من متابعة وفحص واستشارة.. من هناك رصدت الايام خلال يوم كامل الحالات المترددة علي العيادة وعمل الفريق الطبي، فإلي هناك لنعيش لحظات ممزوجة بالالم والامل..
لم تستثره الاصوات العالية
اعتقد من حولها بأنها وسواسية، وان شكها لا داعي له ولا خوفها، ولكنها ورغم تجربتها الاولي مع تربية الاطفال، خالجها الشعور بان طفلها يعاني من مشكلة في سمعه، فالاصوات العالية لا تستثير طفلها ذي الستة اشهر، فهرعت الي مجمع السلمانية الطبي، لتقطع شكها باليقين وبالفعل تبين بعد فحصه بانه يعاني من ضعف في السمع تقول ام سيد هاشم سيد باقر الذي تجاوز عمره اليوم السنة و8 اشهر ان طفلها اصيب بارتفاع في درجة حرارته ووصلت الي 40 درجة مئوية عندما كان رضيعا واستخدمت معه المضادات الحيوية بعدها بدأت تلاحظ ضعف سمع طفلها، مشيرة الي انه بعد ان لبس طفلها السماعة بدأ يتعلم بعض الكلمات البسيطة وان كان لا يعرف معني اكثرها، وان بعض الاحرف لا يسمعها كحرفي السين و الشين.
واضافت بان ابنها خضع لعملية زراعة القوقعة الالكترنية بعدها سيخضع للتدريب السمعي ليفرق بين الاصوات مثمنة خطوة الوزارة في اعادة برنامج زراعة القوقعة مؤكدة بان ارتفاع تكلفة العملية يضع الكثير من الاهالي في دائرة الحيرة وفقدان الامل.
هي واثنان من اخوانها يعانون
ساهرة صالح احمد – هي الاخري فقدت سمعها بالتدرج، وهي نتاج زواج الاقارب، اصيبت وهي في الصف الثالث الابتدائي بحصبة شديدة ومنها تدهور سمعها بشكل ملفت، حتي انهت المرحلة الثانوية بمشقة وعناء، من بين اخوتها الثمانية يعاني اخوان من ضعف السمع، قادرة علي قراءة الشفاه والفهم، ولكن بعد فحص الاطباء لها لاصرارها علي خوض عملية زراعة القوقعة، اكدوا بأنها بحاجة الي سماعة غير تلك التي تستخدمها حاليا، وبحاجة الي التدريب علي الكلام!
ابني وابن أخي لهم نفس المشكلة!!
حسين احمد الماجد – مراهق في الثالثة عشرة من عمره، يدرس في مدرسة الخليل بن احمد الاعدادية للبنين وعضو بمركز جمعية البحرين لتنمية الطفولة وله قدرة عالية علي التعلم الذاتي وله مهارات حسابية وعبقري علي حد تعبير والده في التعامل مع الكمبيوتر، بل ويعلم ابناء عمومه علي استخدامه، ولكن يعاني كما جاء علي لسان والده من عدم مراعاة بعض المدرسين له في المدرسة لحالته الخاصة. مطالبا وزارة التربية والتعليم بمراعاة هذه الفئة بتقليل المقرر او اختصاره لهم وبخاصة المواد التي تعتمد علي اللغة بشكل اساسي كاللغة العربية والانجليزية، مبديا تخوفه من المراحل الدراسية اللاحقة وكيف سينهي ابنه تعليمه، مؤكدا دور علاقاته الشخصية مع المدرسين التي اسهمت في تسيير عقبات عدة مرت عليه، يسكت برهة ويتذكر طفولة ابنه ويقول اكتشف عدم تجاوب ابني معي وعدم قدرته علي سماع الاصوات وهو في شهره التاسع، قبلها كان كثيرا ما يعاني من ارتفاع درجة الحرارة وكلما اخذته لطبيب قال لي انه طبيعي ولا خطب يعاني منه حتي بلغ سنه العامين ونصف العام، ولم يكن يعاني من اي مشاكل صحية اخري ولكن حادثة اتذكرها دائما وارجع سبب ما يعاني منه ابني اليها، حيث كان نائما في المأتم وفجأة اخذ يصرخ بشدة عندما اعتلي صوت مكبر الصوت!!
يقول انا ووالدته نرجع سبب ضعف سمعه الي المرض الذي عاني منه ارتفاع درجة الحرارة ولكن الاطباء يرجعونه للعامل الوراثي حيث والدته هي ابنة عمي. ولكن ابن اخي هو الآخر يعاني من ذات المشكلة!!
بحاجة الي تدريب علي النطق
الطفلة الخجولة زهراء علي عيسي ذات الخمس اعوام ونصف تعاني كسابقيها من ضعف السمع، واكتشفت حالتها مع بلوغها الستة اشهر، كما كان الامر ذاته بالنسبة لاختها التي تخرجت هذا العام من المرحلة الثانوية بامتياز زهراء قادرة علي لفظ اسمها وكتابته ولكنها غير قادة علي نطق اسم والدها، ذكاؤها طبيعي كما ذكر الاطباء، ويستخدم اهلها معها لغة الشفاه في التعامل واكد اخصائي النطق حاجتها للتدريب علي النطق لمدة تتراوح ما بين 3 – 4 اشهر.
يتواصل عبر لغة الشفاه
الطفل سيد موسي الموسوي ذو العشر سنوات هو الآخر يعاني من ضعف شديد في السمع وله اخ يعاني من ضعف بسيط في السمع ووالدتاه اقارب، لاحظ والداه منذ كان رضيعا عدم فزعه من الاصوات العالية، كما يحدث كأمر طبيعي فعرضوه علي الاطباء وبعد عدة اختبارات تبين انه يعاني من مشكلة في السمع بذل والده جهدا في تعويده علي التواصل عبر حركة الشفاه حتي بات اليوم لا يعاني من مشكلة في التواصل اللفظي اوالكتابي يقول والده انه كان توأما لجنين آخر توفي قبل الولادة بأسبوع وولدته امه بعد عملية قيصرية! بعد كل تلك الحالات نترك اهل العلم ليسلطوا الضوء علي المشكلة بعين مجهرية.
فريق العمل والمكون من استشاري جراحة الاذن والانف والحنجرة ورئيس الفريق الجراحي لزراعة القوقعة الالكترونية الدكتور احمد جاسم جمال ورئيس دائرة الانف والاذن والحنجرة بمجمع السلمانية الطبي الدكتور عبدالرحمن غريب وطبيبة الاطفال الدكتورة رحاب المرزوق والدكتور كريم بوعلاي اخصائي طب السمع واخصائي النطق الدكتورة رجاء العيد وعمر ياسين الشريف يجتمعون تحت سقف واحد مرتين في الشهر لمتابعة حالات الاطفال كأول فريق من نوعه وخلال 4 ساعات قضتها الايام في العيادة مرت علي الفريق 5 حالات جدد و4 حالات تم قبولها ضمن مشروع زراعة القوقعة، وحالتين قديمتان، وحالتان لا يمكن ادراجهما ضمن مشروع الزراعة باعتبار ان الطفل الاول عمره 7 سنوات ولا توجد لديه اي قدرة كلامية ويستخدم لغة الاشارة والحالة الثانية لشابة عمرها 25 سنة وتستخدم سماعة للاذن ويمكن ان تستمر حياتها باستخدامها، بالاضافة الي حالتين لاطفال زرعت لهم القوقعة وتتم متابعة حالتهما، وبحسب الدكتور احمد جاسم جمال فان الطبيب يقضي بما لا يقل عن نصف ساعة مع كل مريض، مشيرا الي ان الطفل يخضع لفحص عبر جهاز الاشعة المقطعية لفحص اذا ما كانت القوقعة طبيعية اولا، وشكل الاذن، والعظمة الواقعة وراء الاذن، بهدف تحديد الاذن الانسب لاجراء العملية كما يخضع المريض لفحص عبر جهاز الرنين المغناطيسي لمعرفة اذا كان هناك عصب من عدمه، او اذا كان هناك ماء في القوقعة او لا، اذ ان الحالات التي لا يوجد فيها ماء في القوقعة لا تحقق نجاحا اذ ما اجريت لهم العملية. مضيفا بانه كلما قلت وضعفت قنوات الاتصال بالمخ كلما كانت نتائج العملية افضل.
وذكر بان هناك نحو 7 – 10 حالات جديدة سنويا تعاني من مشاكل السمع، مشيرا الي انها نسب عالية اذا ما قورنت بالدول الاجنية، ولكنها ضمن النسب الطبيعية، اذا ما قيست علي الدول النامية مرجعا سبب الاصابة لـ 60% من الحالات الي زواج الاقارب و40% منها لسبب وراثي فيما تشكل النسبة كون السبب وراثيا 30%.
وعن المراحل التي يمر بها تشخيص الطفل المصاب اشار الي انها 5 مراحل تبدأ من الشك في الحالة من قبل المركز الصحي وتقييمها، بعدها يتم تحويل الحالة لعيادة الانف والاذن والحنجرة او لعيادة اطفال الصم، المرحلة الثالثة والاطول يتم تحويل الطفل فيها الي العيادة المشتركة، بعدها ترشح الحالات المستحقة لاجراء عملية القوقعة والمرحلة الاخيرة تجري العملية تحت ايدي جراحين دكتور عبدالرحمن غريب د. احمد جمال بعدها تتم متابعة الحالات في العيادة المشتركة وتدريب الاطفال علي النطق في مجمع السلمانية الطبي وجمعية تنمية الطفولة في مركز الامير سلطان.
واشار الي ان المتابعة تستمر مدي الحياة، وان بطاريات جهاز القوقعة توفرها وزارة الصحة بواقع ثلاث بطاريات كل ثلاثة ايام لكل مريض تكلف الوزارة نحو 200 دينار لكل شخص سنويا مضيفا بان تكلفة جهاز القوقعة نحو 12 الف دينار في البحرين وبما لا يقل عن 25 الف دينار خارجها مع التدريب علي النطق، اي ان وزارة الصحة انفقت نحو 164 الف دينار لعلاج 12 حالة لتبقي 24 حالة علي قائمة الانتظار.
يستلم خيط الحديث رئيس دائرة الانف والاذن والحنجرة الدكتور عبدالرحمن غريب ليؤكد قلة الفرق الطبية المتكاملة في وزارة الصحة، مشيرا الي ان مشروع زراعة القوقعة الالكترونية اظهر التكامل في الخدمات الطبية، داعيا القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني للمساهمة في المشروع لتغطية كافة الحالات المحتاجة الي سماع الاصوات والتعبير عن شعورهم .
وتتابع استشارية طب الاطفال وتطور النمو الدكتورة رحاب المرزوق الحالات التي يتم تحويلها قسم الاطفال بمجمع السلمانية الطبي لتقييم مدي قدرة الطفل علي التعلم ومدي استجابتهم للزراعة والاستفادة المستقبلية والادراكية وتحول بعض الحالات للطب النفسي، مشيرة الي انه خلال يومين في الشهر يمر عليها الاطفال الصم وضعيفو السمع من خلال عيادة التطور والنمو، فيما يقوم الدكتور عبدالكريم بوعلاي في عيادة الاطفال الصم كل سبت من كل اسبوع بمتابعة حالات الاطفال تمهيدا لتحويلها للعيادة المشتركة لتحضير الحالات المناسبة لعملية زراعة القوقعة. وقال: كما ان الاطفال في سن التطعيم لابد لهم من اخذ تلك الجرعات التطعيمية للتقليل من خطر الاصابة بالامراض بعد العملية مؤكدة دور التدخل المبكر في تحقيق نجاح العملية.
واكدت الاخصائية الاولي لعلاج النطق واللغة الدكتورة رجاء العيد صعوبة تعلم الطفل بعد سن الخامسة للنطق خصوصا اولئك ممن لا يملكون قدرة علي قراءة الشفاه واشار اخصائي النطق عمر ياسين الشريف الي ان عملية البرمجة تتم بعد شهر من زراعة القوقعة لتبدأ من بعدها جلسات التأهيل السمعي والنطقي، مضيفا بان من اهم العوائق التي تواجههم كفريق علاجي عدم تعاون الاهل وعدم متابعتهم للمراحل العلاجية بل حتي حتي عدم انتظامهم في مواعيد المستشفي، مؤكدا اهتمام الفريق العلاجي بتعليم الاهل طريقة التدريب للطفل خلال وجوده معهم في المنزل.
Cathealth
2005-07-30
كتبت - ياسمين خلف: تحسبهم للوهلة الاولي كسائر الاطفال، فلا تنقصهم الشقاوة ولا يفتقدون البسمة، ولكنهم لا يجدون غير الصمت...
أحدث التعليقات