آخر العنقود فجر في صندوق تحرسه الأجهزة الطبية
طفلة تموت أمام عيون الأم المحزونةكتبت – ياسمين خلف:
انا امها يا ناس ولن اتخلي عنها، تدعون ان علاجها مستحيل!! ولكنني اتمسك بايماني بالله.. تقولون انها لا تحتمل السفر للخارج للعلاج وقد تموت خلالها.. اقول لكم استطيع ان اتقبل حدوث ذلك اذا ما كتب الله لها مفارقة الحياة في ذلك المكان.. انا من سيحترق قلبها كمدا.
انا من ستبكيها دما.. ولستم انتم!! فقط اتيحوا لي فرصة لاكمل واجبي تجاه فلذة كبدي، ارجوك لا احتمل بقائها تتعذب، تنظر الي بعينيها الغائرتين وانظر اليها وانا مكتوفة الايدي.. مازالت تتنفس.. مازالت تقاوم.. زغم انها تجرعت كأس الموت مرات حينما توقف قلبها وتنفسها، ولكنها ابت ان تكمل شرب الكأس وتودعنا.. ابنتي بطلة رغم صغر سنها الذي لم يتجاوز العام ونصف العام.
ام فجر نفيسه محمد عبدالكريم – والدة الطفلة فجر ايوب يعقوب.. الالم والضيق نخر جسمها حتي النخاع وهي تري ابنتها اخر العنقود وهي تموت الف مرة في اليوم.. تقاوم وتقاوم الا ان قلبها وتنفسها يتوقفان حتي يتم انعاشها لتواصل دربها في هذه الحياة.. مسجاه هي في سرير اشبه بالصندوق تحيط به الاجهزة من كل مكان، عيناها بالكاد تستطيع ان تفتحهما جسمها غض طري اكثر من الطبيعي.. تلك اقل معاناتها فما قصتها؟!
فجر عمرها اربعة اشهر
عندما حان موعد التطعيم الثاني لفجر، وهي ذات اربعة اشهر لاحظت الممرضة انها لينة اكثر من اللازم، سألتني عن تلك الملاحظة واكدت لها بالامر، وبأني لم اربط الامر بفأل سيء، ولكنها اثرت ان تعرضها علي الطبيبة الاستشارية التي قامت بدورها بالفحص الكامل، وقالت لي علينا الانتظار لشهرين اضافيين فلربما تستطيع رفع رأسها او ان تقلب جسدها. مر الشهران وزادت ليونة جسم فجر ، عرضتها علي طبيب في مركز كانو الصحي في مدينة حمد، ولاحظ كما لاحظت الممرضة ليونة جسمها غير الطبيعي واكدوا لي بانها تعاني من مشاكل ويجب تحويلها وبسرعة الي اخصائي في مجمع السلمانية الطبي.. وبعد ان وصلت للمجمع اعطوني موعد مستعجلاً علي حد قولهم.. وكان بعد خمسة اشهر.. ايصدق احدكم ذلك؟! موعداً مستعجل لحالة طفلة تعتبر خطيرة بعد خمسة اشهر.. اتحتمل حالتها الانتظار خمسة اشهر اضافية؟! اراد زوجي نقلها الي الطب الخاص، حتي لا تتأخر حالتها وتزداد سوءاً، الا ان وبسبب ضيق ذات اليد لم نستطع ان نحرك ساكنا، وسلمنا امرنا الي الله تعالي واخذناها للمنزل.
اتهمت بتأخير حالتها!!
بعد تلك الفترة اصيبت ابنتي فجر باسهال شديد وارتفعت درجة حرارتها وهزل وجف جسمها، وتجعد جلدها، وغارت عيناها، حاولت ان اوقف اسهالها بالمحلول الخاص الذي استخدمه لابنائي اذ ما اصيبوا بنزلة معوية، ولكنها لم تستجب بعد ثلاثة ايام اخذتها وهناك صرفوا لها مضاد حيوي الذي لم تستجب له ولا للادوية الاخري، فأثرت ان آخذها مرة اخري للمستشفي، وهناك فحصها اربعة اطباء ووجدوا بانها هزلت وقلت حركتها وتأخرت حالتها ولاموني علي التأخير.. قلت لهم باني لم اتوان عن المراجعة ولكن الموعد الذي حدده لي بعد خمسة اشهر.. ولا ذنب لي في ذلك.
قرر الاطباء بقائها في المستشفي لتبقي تحت الملاحظة وللتعرف علي سبب لين جسمها، وان استدعي الامر ارسال تقاريرها للخارج سيرسلونها.. مرت تلك الفترة ورجعنا الي المنزل وكان ذلك بعد عطلة العيد.. ازرق جسم ابنتي وغارت عيناها، فضربت ظهرها وادخلت يدي في فمها، وتم نقلها عبر سيارة الاسعاف من مركز كانو الصحي الي قسم الطوارئ والحوادث.. وتبين بعد ذلك انها اصيبت بسكتة قلبية مؤقتة، فقد اسعفتها دون ان أعلم!! وذلك ما قاله لي الاطباء بعدما تبين ان البلغم قد سد منافذ التنفس لديها.. وبعد ذلك ازدادت ضربات قلب ابنتي الصغير لدرجة ان الطبيب كان يتوقع وقوفه.. ولكنها اقوي كما اثبتت لنا، وتجاوزت تلك المرحلة الخطيرة بعد اربعة ايام. حولنا الطبيب علي قسم العلاج الطبيعي، وحذرني من ان تتعرض للالتهاب في صدرها، الذي قد يتعبها كثيرا، خصوصا انها تعاني من ضعف العضلات الناتج عن زواجي لقريب لي.
صدمة كالصاعقة
الطبيبة التي اشرفت علي ابنتي فجر صدمتني وانزلت كلماتها الجارحة علي قلبي كالصاعقة دون ان تدري، حتما انها لم تقصد، ولكنها لم تراعي احساس الام فقد قالت لي.. لا تحاولي، لا يوجد اي علاج لابنتك في اي بقعة في العالم وقلت في نفسي لن يهمني كلامك، سوف ابحث عن العلاج ما حييت وحيت ابنتي.. الله سبحانه وتعالي اكبر، وموجود، ورحيم علي عباده.. دربوني في المستشفي علي طريقة اسعاف ابنتي، اذا ما تعرضت لانسداد في الحلق الناتج عن البلغم، وكيف اقوي عضلاتها بالتمارين الطبيعية.. اكدوا لي بان الامر صعب ويحتاج الي وقت، ولم يهمني كل ذلك، فانا امها وسوف اقف بجانبها.
توقف قلبها عن النبض
جاء موعد ابنتي في المستشفي للعلاج الطبيعي، وانا في طريقي معها الي هناك تحول جسمها الي اللون الازرق، رفضوا بالطبع علاجها مادامت حالتها سيئة، واخذتها من هناك بسرعة الي قسم الطوارئ وقاموا هناك بتنظيف حلقها من البلغم ووضعوا عليها الاوكسجين، بعدها بخمسة ايام زادت حالتها سوءاً وزاد تنفسها ودقات قلبها، حتي اعتقدت ان قلبها سيتوقف عن النبض.. كنت اري انها ستحتاج الي ملاحظة طبية، ولكن لم يتخذوا اي اجراءات حيال ذلك، حتي اصرت احدي الممرضات علي نقلها الي غرفة اخري لتبقي تحت الملاحظة المستمرة، وهناك لم اتركها ابدا حتي شاء الله وذهبت لاستحم واستلقيت بعدها لخمس دقائق فقط، لانهض كما لو كان احد قد دفعني للنهوض والذهاب حيثما ترقد ابنتي، دخلت عليها ورأيتها جامدة بلا حراك.. لا تتنفس، انظر اليها وانظر الي جهاز التنفس بالقرب منها، الذي توقف هو الاخر.. دقيقتان هي الفترة التي كنت فيها جامدة في مكاني من هول ما رأيت عيني اللتان تنقلتا ما بين الجهاز وبين ابنتي، بعدها دوت صرختي في الجناح، وتجمعت من حولي الممرضات، اكدت لي احداهن بانها كانت بالقرب منها قبل دخولي، قامت الطبيبة بانعاشها، وعاد قلبها ينبض ونبض قلبي معها.
لن اقتل ابنتي
دخلت بعدها فجر العناية القصوي، وهنا وضعوا لها جهازاً اخر، قالوا لي عنه بانه سينظم تنفسها.. ولم يقولوا بانها قد تتعود عليه ويصعب عليها بعدها العيش بدونه.. وذلك للاسف ما عرفته بعدما فات الاوان.. بعد اسبوعين قرروا ازالة الجهاز.. وكنت علي اعصابي فكلما ازالوا الجهاز يتوقف قلبها عن النبض بعد ساعة او ساعتين! استمر الحال علي هذا المنوال الي ان جاءت احدي الطبيبات وقالت لزوجي ابنتك لن تعيش الا مع الجهاز الخاص بالتنفس، فالي متي سيستمر هذا الحال فكر في الامر!! وقالت لي طبيبة اخري ابنتك من حقها العيش ولو كان ذلك يعتمد علي الجهاز، وليس لاحد حقاً في ازالته عنها.. بحرقة تكمل الام سرد القصة: اري ابنتي تبتسم وتنظر الي بكلتي عينيها واقوم بقتلها بازالة الجهاز عنها.. اهذا يعقل؟! اهذا فعل ام محبة؟! لا اعتقد ذلك، الله سبحانه وتعالي اذا اراد لها العيش ستعيش بالجهاز او بدونه، ولن اكون سببا في وفاتها.
عادت للحياة
بعدما توفيت
ام فجر تسرد علينا موقفا قد حدث لابنتها قبيل ايام فقط وتقول: كنت نائمة وكانت عقارب الساعة تشير الي الساعة الثالثة والنصف صباحا، توقف تنفس ابنتي وتوقف نبض قلبها، لم يوقظني الممرضات من نومي، حاولوا اسعافها لساعتين متواصلتين حتي اعتقدوا انها فارقت الحياة، فتلك الـ 120 دقيقة كفيلة لان تقضي عليها، مادام توقف قلبها و تنفسها، فقرروا اخباري بالفاجعة الا ان كل ممرضة ترمي بالامر علي الاخري خوفا من ردة فعلي كأم ثكلي، ولكن رحمة الله وسعت كل شي، فعاد تنفس فجر من جديد، ليشرق علي قلبي فجرا جديدا.. بعد تلك الحادثة لاحظت علي ابنتي انها لم تعد كالسابق فقد فقدت قدرتها علي التركيز بل فقدت كما اعتقد بصرها.. لم اتأكد من الامر ولكن كل ذلك سيتم اختباره من قبل الاطباء المختصين عبر الرنين المغناطيسي.
بارقة أمل لاحت
الي هنا وتوقف صبري، مع قلة حيلة الاطباء، طلبت تقارير ابنتي الطبية لعلاجها في الخارج، وقد اعطاني اياها احد الاطباء كاملة وفي وقت قصير اشكره عليه، واكد علي الاطباء بان علاجها مستحيل.. انا ام ولن استسلم وسأقوم بدوري كاملا حتي لا اقف عند الله ويحاسبني علي تقصيري اتجاهها.. ارسلت تلك التقارير الي كل مستشفيات المملكة العربية السعودية، واحد عشر مستشفي في الهند، وسبعة عشر مستشفي في باكستان، ومستشفيين في المملكة الاردنية الهاشمية، وكلهم رفضوا حالة ابنتي، واخيرا ارسلتها الي الصين وكوريا ولم استلم الرد منهم حتي هذا الوقت، الي ان جاء الرد من بروفيسور الماني قبل تشخيص حالتها وعلاجها اذا ما توفر العلاج.
بعدها استلمت ذلك الفاكس عرضه علي احد المسئولين في مجمع السلمانية الطبي، نظر الي نظرة غريبة وبصوت عالي سألني من اين لك بهذا الفاكس؟ لا يوجد علاج لابنتك، انهم يبتزونك وهدفهم اموالك.. تفاجئت من ردة فعله بل واحرجني، ولكن واصلت دربي واخذت الفاكس وعرضته علي احدي الطبيبات، والتي ما ان قرأت سطرين فقط منه حتي سلمتني اياه وقالت: لا انصحك بهذه الخطوة، فعلاجها وعملية نقلها في الطائرة سيكلفك كثيرا.. فكري في الامر.
اطباء المانيا دجالون
اخذت برأيها وفكرت، ولم انم تلك الليلة التي قضيتها بالتفكير، حتي قررت بان اتمسك باي امل كان، ولو كان ضعيفا، انتظرت الصباح بفارغ الصبر لاواجه الطبيبة بقراري.. رأيتها وطلبت منها تبادل وجهات النظر، وقلت لها بعدما وضعت التقارير نصب عينيها، لن اتخلي عن ابنتي، واذ ما قلتم انها ستموت بين احضاني في الطائرة، فلتمت ولكن بعد ان سعيت لعلاجها لتعيش كأقرانها.. من ستموت حسرة الست انا، فالأمت فذلك افضل لدي الف مرة من ان اري ابنتي تتغذب وتتألم، وانا مكتوفة الايدي، طلبت منها مقابلة استشاري غيرها ليقنعني اذا ما استطاع غضبت مني وحولتني علي استشاري بناء علي رغبتي، وهو بدوره حاول ان يقنعني بان اطباء المانيا دجالون!! وما سيقومون به هو تجارب علي ابنتي.. وبائت محاولته سدي، فلن تثنيني عن علاج ابنتي تلك الكلمات التي اعتبرها انتقاصا من قدر الاطباء زملائهم في المانيا.
العلاج بالاعشاب
تتنهد ام فجر لتخرج من قلبها آه اعقبتها آهات وأكملت: العلاج بالخارج مكلف جدا، لا نقوي عليه، خصوصا ان زوجي بعد بطالة تسع سنوات يعمل الان منذ شهرين فقط كسائق براتب مائة وعشرون دينارا، ولدي من الابناء خمسة، اكبرهم في الرابعة عشرة من عمره، ان فكرنا بالقرض، فلن يقبل اي بنك ان يقرضنا، خصوصا ان راتب زوجي لا يحتمل ان يقتطع منه شيء.. تقول: فكرنا في العلاج عن طريق الاعشاب او بما يسمي بالطب النبوي في الاردن، بعدما سمعت عن حالات مماثلة وجدت ضالتها عنده، ورغم كل ذلك فعلاجها سيكلفنا نحو خمسة آلاف دينار، اذ ما استمر العلاج شهر، ناهيك عن حاجة ابنتي لعلاج خاص لتتخلي عن استخدامها لجهاز التنفس، والذي سيكلفنا هو الاخر مع تذاكر السفر نحو الف دينار.
المرض وراثي..
ولا علاج له
تعذر علينا الحصول علي تصريح الطبيبة المعالجة لفجر فحاولنا معرفة نوعية مرض الطفلة من رئيس دائرة الاطفال في مجمع السلمانية الطبي الدكتور عبدالجبار العباسي، وكان لنا ما اردنا حيث قال: المرض غير سائد بل وراثي، وناتج عن زواج ام واب يحملون جينات المرض، وفرصة حدوثه 1 من بين 4 اطفال، اذ ان المرض يستهدف الاعصاب، وبالتالي يؤثر بدوره علي العضلات فيودي الي ضعفها وهزالها.
ويضيف: بعض الاطفال يصابون به وهم اجنة في ارحام امهاتهم، وتحس حينها الام ببطئ حركة جنينها، وتراها واضحة جلية بعد الولادة، بل وتلحظ هزال وترخي العضلات وبخاصة تلك الموجودة عند القفص الصدري للطفل، مما يؤدي الي ضيق في التنفس وحاجة الطفل الي جهاز يساعده علي التنفس.
وعن امل وجود علاج لفجر قال: المرض وراثي ولا يوجد له علاج في اي بقعة كانت علي الخريطة.. سبق وان قمنا باجراء عدة تحاليل علي جيناتها واثبتت تلك التحاليل بما لا يدع للشك فرصة انها مصابة بالمرض، ام فجر ارسلت تقارير طفلتها الي مستشفيات المانيا وبطبيعة الحال فسم العلاقات العامة هناك ارسل لها الموافقة علي التشخيص، وهذا امر طبيعي، ولكننا قمنا نحن بدورنا في المستشفي بمراسلة تلك المستشفي في المانيا، بل الي البروفيسور المختص بهذا المرض، واكد علي ان علاجها مستحيل وان ما سيقومون به هو علاج الاعراض، وهذا ما نقوم به نحن هنا في مجمع السلمانية الطبي، وشيء طبيعي ان تحدث التهابات لمثل هؤلاء الاطفال في الرئتين، قد تكون ميكروبية او ناتجة عن تنظيف الحويصلات الهوائية من المخاط، وتكون عادة سببا في وفاة هؤلاء الاطفال.
Catsocaff
2003-07-07
أحدث التعليقات