استطلاع – ياسمين خلف:
لخطيب المسجد هيبة لدى الاغلبية الساحقة، تحيطه هالة روحانية في مخيلة الكثيرين، فيتقبلون منه ما لا يتقبلونه من غيره من نصح وارشاد وتوجيه وحتى الاوامر!! فالبعض ينتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر للجلوس على سجادة المسجد، والاستماع وبكل شغف لكلمات الخطيب، والتي تجعلهم يعيشون دقائق روحانية، بعيدا عن زحمة الحياة ومتطلباتها، وان كان بعض خطباء المساجد انغمس في قضايا المجتمع!
بالامس القريب كان الاب يحرص كل الحرص على ان يأخذ ابناءه معه الى المسجد يوم الجمعة من كل اسبوع لاداء صلاة الجماعة والاستماع الى خطبة الامام،، وتخلف الابناء عن الحضور والمشاركة يعني مخالفة امر الوالد، والتي بلا شك ستجلب لهم عقابا، يختلف باختلاف اسلوب الآباء في انتهاج طرق العقاب، فيحرص الابناء على المشاركة ولو لتجنب العقاب.
واليوم لم يعد اكثر الاباء يبالون او يكترثون بحضور ابنائهم لصلاة الجمعة، وما يتبعها من خطبة! بل حتى اسلوب نقلها لم يتوقف عند سماعة وجدران المسجد، فوسائل الاتصال الحديثة من اذاعة وتلفزيون وانترنت لعبت دورا في نقلها، ولم يعد من الضروري تكبد العناء لسماعها.
المواطنون ماذا يريدون من تلك الخطب؟! وماذا يقترحون لتطويرها؟! ومن اكثر الفئات تأثرا بها؟ وهل لها دور في تغيير اتجاهات وافكار المتلقين؟ وما مدى اهميتها وخطورتها؟! ذلك ما حاولنا استطلاعه من البعض، والذين اتفقوا على ان الخطب لابد ان تكون معتدلة لا متطرفة، ولا تدفع بالمجتمع نحو الهاوية، لما للتطرف من آثار، ولما للخطب من دور لا يستهان به على الشباب!
فمشعل البقشي (اخصائي شئون مجتمع) يرى ان لخطيب يوم الجمعة دور لا يستهان به، لتناوله محاور تمس حياة الافراد الاقتصادية والاجتماعية والاسرية والدينية، وعليه يرى ضرورة ان يطرح الخطيب الحلول للمشاكل والظواهر التي تمر على الافراد، لا ان يطرحها لمجردالطرح والعلم، فما يحتاجه الناس هو معرفة المخارج والحلول لما يواجهونه من مشاكل.. وقال مضيفا: ومع تسليط الخطيب الضوء على تلك الجوانب والتي وبلاشك مهمة الا انه وكما ارى انه من الافضل ان يهتم الخطيب بالقضايا الاجتماعية بشكل اعمق وبشكل تفصيلي، وترك القضايا الاخرى التي يمكن ان تطرح عبر وسائل الاعلام والتي هي اكثر وسيلة مجندة لشرائح عريضة من الناس.
ولابد من ان يبتعد الخطيب في خطبته عن اثارة الجمهور من المصلين او المستمعين للخطبة، والتي قد تكون آثارها سلبية، كنشر العنف بين الناس، وان كانت مرة واحدة في الاسبوع الا ان تأثيرها سميتد لفترات طويلة تبعا لنوع القضية المطروحة. ويكمل »البقشي« رأيه ليقول: ومن على المبنر يمكن للخطيب ان يتطرق للقضايا الاقليمية والعالمية، لا ان يحصر نفسه في قالب محلي لارتباط الاحداث بعضها ببعض وسرعة تداعياتها وديناميكيتها، والتي وبلا شك سيصلنا تأثيرها، ولابد من مواجهة تلك الحقيقة.
لابد أن يفتح »باباً« للمناقشة
واقترحت رباب الملا – ناشطة اجتماعية – ان يناقش المستمعون للخطبة »الخطيب« في القضايا التي يطرحها، وعن ذلك قالت وباسترسال: اجد انه ومن الضروري ولمسايرة التطور الذي لحق كل جانب من حياتنا ان يتم تطوير طرق تلقي الناس لخطبة يوم الجمعة، خصوصا ان الشباب اليوم يختلفون عن شباب الامس، والذين هم اليوم آباء، فلابد ان يطرح الخطيب عنوان الخطبة او موضوعها على الناس قبل طرحها على المنبر مباشرة، ليكون لهم خلفية مسبقة لما سيخطب فيه، كما اقترح بان يخصص جزء من وقت الخطبة لمناقشة الخطيب فيما يطرحه، وان لم يكن ذلك في وقت يوم الخطبة، يكون في الخطبة التالية في يوم الجمعة التالي.
فبذلك سيستفيد الشباب وبصورة اكبر من موضوع الخطبة، وسنحقق توجهاتهم، والتي تتركز وبشكل كبير هذه الايام حول حرية ابداء الرأي والتعبير المطلق… قد يرفض الكثيرون هذا الاقتراح لكونه اسلوب جديد في الطرح مغاير لخطب الجمعة التي تعود عليها الناس ولكن لو طبق هذا الاسلوب لاحس الكثيرون بفعاليته، خصوصا انه سيبدد الممل الذي قد يداهم الكثيرين ممن يشاركون الحضور في الخطبة وبخاصة صغار السن، كما ان الاستفادة ستكون اكبر وذات نكهة وطعم مختلف، فالاستفادة لن تقتصر على الحضور، وانما حتى الخطيب نفسه سيستفيد من الاطروحات التي قد تفتح افاق لمواضيع يناقشها في خطبه التالية.
وباسترجاع للماضي قالت مواصلة: هناك اختلاف كبير بين عادات الماضي والحاضر، فالاباء بالامس يصطحبون ابناءهم معهم لصلاة الجمعة والاستماع الى خطبة الخطيب، واليوم نجد الامر ليس ذا اهمية تذكر لدى الكثيريون من الاباء، كما ان مواضيع الخطبة »ايام زمان« كانت تتمحور حول الدين والديانة وامور الآخرة من عذاب وعقاب وثواب، ولكنها اليوم اخذت تتوسع لتشمل جميع قضايا الناس وبالذات الاجتماعية منها، فدور خطب الجمعة اليوم اقوى وذو منفعة للناس بصورة اكبر.
وتساءلت »الملا« بقولها: ولكن هل الحاضرون او المستمعون للخطبة يتقيدون بما يطرح فيها، ويطبقونه في حياتهم، تجيب على نفسها: للاسف الاغلبية العظمى تسمع ولا تطبق وذلك ما لا نطلبه او نتمناه! فمثلا تجد الشباب يهزون رؤوسهم بالايجاب عند سماعهم للآيات القرآنية او الاحاديث الشريفة التي يستشهد بها الخطيب والتي تحثهم بالالتزام الديني ولكنهم وما ان يخرجوا من باب المسجد حتى وجدت سلوكهم يختلف تماما عما وافقوا امام المسجد عليه. فالامر لا يتوقف عند الصلاة وراء الامام والاستماع للخطبة وانما التطبيق الفعلي هو الهدف الاساسي الذي يدعو اليه الخطباء.
وواصلت لتختتم: للخطبة دور لا يستهان به، وبخاصة على فئة الشباب او من هم في مقتبل العمر، فبعضهم ينقلها لاصحابه ومعارفه في المجالس، وبعضهم يتداولها عبر الانترنت او عبر شرائط الكاسيت، ولكن لابد من الالتفات الى قضية ذات اهمية الا وهي ان ليست كل المواضيع يمكن طرحها على المنبر، ولابد من تدارس القضايا وبدقة لتحقيق الاستفادة القصوى منها، تسكت برهة وتضحك لتقول: اتذكر كيف كان بالامس ينتظر الناس خطبة الجمعة، وفي اليوم ذاته تجدهم يسرعون الخطى زرافات زرافات كأنهم في زفة عرس او حفل زفاف متجهين للمسجد فرحين لاداء الصلاة وسماع الخطبة، وكيف كان للخطيب هيبة والتي هي اكبر مما هي عليه اليوم بكثير..
عبر وسائل الإعلام
وبالمثل يرى محمد خليل جواهري (مستثمر بحريني) ان تأثير خطبة الجمعة لها وقع كبير على الشباب »خاصة« والناس على اختلاف اعمارهم »عامة« مطالبا بالاعتدال في الطرح وتقديم النصائح دون التطرف في الاتجاهات والافكار، وجاء على لسانه: الدين الاسلامي يحث على التسامح والاعتدال في كل شيء وعملية تأليب المشاعر والاتجاهات ضد طرف من الاطراف او ضد دولة من الدول امر لا تجني الدول منه ثمار غير »الطالح منه« كالنزاعات والشقاقات في المجتمع، بل هو اهدار في وقت الافراد والمجتمع، كان من الممكن ان يستثمر في حل المشاكل وطرح القضايا التي تمس الناس.واكمل »الجواهري« تسييس الخطب امر لا يمكن ان يعود بالنفع على احد، والاصلاح يبدأ من الداخل ومن انفسنا، وعلى خطباء المساجد دعوة الشباب لتعديل انفسهم ونفسياتهم وتعديل اوضاعهم بنصحهم بطرق محببة، ودعوتهم لاستثمار اوقاتهم بالعمل الجاد الذي يعود بالنفع عليهم وعلى مجتمعهم، وعدم تضييعه فيما لا يفيدهم كاللهو والانغماس في الملذات، واشار »الجواهري« في ختام حديثه الى انه قليل الحضور للخطب لكنه يتابعها عبر وسائل الاعلام من اذاعة وتلفزيون.
لها موقع السهم في القلب
»لخطبة يوم الجمعة اثر كبير على الناس، وتزداد اثرا اذا ما صدرت من خطباء لهم مكانة في نفوس المتلقين، فتأثير كلماته حتما ستكون اسرع واعمق واقوى كموقع السهم في القلب«، بتلك الكلمات بدأت الحديث معنا منى زين الدين (مدرسة لغة عربية) واكملت بقولها: لا ينكر احد مدى الفائدة التي يحصل عليها المرء من الخطب في يوم الجمعة، وخصوصا اولئك ممن يتزودون بثقافتهم واخبار العالم منها، ناهيك عن كونه »المسجد« مكانا يلتقي فيه مشارب الناس من مختلف مناطق البحرين، فالخطب تمثل مصدر للوعي الثقافي والسياسي لعدد لا بأس به من الناس في مجتمعنا البحريني، حيث تناقش فيه قضايا محلية واقليمية وعالمية.وعن القضايا والمواضيع التي تتمنى »منى« ان يتطرق لها خطباء المنابر في يوم الجمعة اشارت الى ضرورة التعمق في طرح قضايا الشباب وبخاصة سلبياتهم وسلبيات سلوكهم ومناقشتها بشكل متجرد لوضع اليد على الجرح لتدهور سلوكيات الشباب على حد تعبيرها.وعن درجة متابعتها للخطب قالت: اتابع الخطب عبر الكتيبات وعبر الانترنت باللغتين العربية والانجليزية وبخاصة خطب سيد عبدالله الغريفي، كما اتابع خطب قناتي المنار والايرانية وبخاصة مع تجدد القضايا العربية والقومية والعالمية.
ألف ليلة وليلة
»الذات الالهية من اكثر المواضيع اثارة ولو ركز خطيب الجمعة عليها ومنطلقا منها ومتفرع لقضايا اخرى لاستطاع ان يجذب اكثر الناس، فعملية الخوض والعمق في الذات الالهية، وفي الله سبحانه وتعالى كرب وإله، عملية وقضية يقشعر لها بدن كل من يسمعها، بل »وتجمد الانسان في مكانه« باعتبارها قضية مبهمة لاكثرنا، والخطباء اليوم بعضهم ان لم يكن جميعهم يركزون على العبادات وما يتصل بها من قضايا«.. بهذه الانطلاقة شاركنا الحديث محمد طاهر – (موظف في بنك).وقال »ابو نوح« مكملا: وان كنت لا اداوم على حضور خطبة الجمعة الا انني اتابعها في كثير من الاحيان عبر الشاشة الفضية، ولكن ما يلفت الانتباه هو تركيز الخطباء على امور ذاتها، ويكررون ذات المواضيع والقضايا حتى اصبنا بالملل منها، فلا قضايا غير العبادات كالصلاة والصوم والزكاة حتى بتنا نحفظها عن ظهر قلب والتي اصبحت بالنسبة الينا قضايا بديهية! وكل ما نحتاج اليه ونطلبه هو التجديد والتغيير والتطرق لقضايا معاصرة، كتأثير كرة القدم على الناس مثلا، والتي قد تكون سببا لعدم اداء فريضة الصلاة للكثيرين لانشغالهم في متابعتها، وخصوصا عندما يلعب المنتخب البحريني، وبالمثل مع فتح ابواب المجمعات التجارية في اوقات الصلاة، والقصد هنا انه لابد ان يربط الخطيب امور الدين بالدنيا لتكون اقرب الى القلب والعقل.
وعن اكثر الشرائح تأثرا بخطبة الجمعة قال: اكثر المواظبين عليها والمعتقدين بها هم من المؤمنين والملتزمين دينيا، اما غيرهم من هم اقل تدينا فهم بعيدين عنها، وان كانوا هم اكثر الناس حاجة اليها. كما ان 50٪ من المواظبين عليها، اصبحت لديهم عادة ولذلك هم ملتزمون بالحضور كل اسبوع و50٪ منهم يطلبون الثقافة والعلم من الخطباء.
واقترح »ابو نوح« ان تكون الخطب بأسلوب تسلسلي، كأسلوب قصة ألف ليلة وليلة، والتي وعن طريقها يستطيع الخطيب ان يربط المستمع بالخطبة ذهنيا، وجاء على لسانه: لم لا يتعلم الخطباء من الاسلوب الدرامي والذي به كم من التشويق المراد منه تحقيق اقصى استفادة ممكنة، فعن طريق هذا الاسلوب سيتشوق المرء للخطبة وسيحرص على حضور الخطب التالية ليعرف نهاية القصص، والتي تأتي متتابعة ومتسلسلة ومتصلة بعضها ببعض.
اقتراح لوزارة العدل
ولا تؤيد آمال الصفار – (مشرفة خدمات في وزارة الصحة) تسييس خطب الجمعة لاثارتها للنزعات الداخلية وتهديدها للامن، وتجده تخلفا لا تحضرا لمساهمته في تردي حالة الوضع المجتمعي، وقالت في ذلك: لا اؤيد اطلاقا تسييس الخطب، او ربط الدين بالقضايا السياسية، وعلى الخطباء تقوية شوكة البلاد داخليا لا زعزعتها، فللخطباء دور لا يستهان به في تشكيل الافكار والاتجاهات وخاصة للشباب، لذا يجب استغلال ذلك في توجيههم والقضاء على سلبياتهم وسلوكياتهم التي اخذت في التدهور.
واقترح – والكلام لا يزال على لسان الصفار – ان تقام في المؤسسات والشركات وحتى الوزارات التي يرتبط موظفوها بالعمل يوم الجمعة »مساجد« ولو صغيرة فيها امام ليصلي بالموظفين ويخطب فيهم، فالكثير من الموظفين يخسرون يوم الجمعة وما له من فضل كبير، لوجودهم في مقار عملهم وهذا اقتراح اتمنى ان توليه وزارة الشئون الاسلامية الاهتمام او السماح للموظفين بأخذ فترة راحة للصلاة في اقرب جامع او مسجد.وقالت مضيفة: بصراحة لا اتابع الخطب دائما ولكني ما ان تتاح لي الفرصة انتهزها لاستمع للخطبة عبر اثير الاذاعة وبخاصة الشيخ عدنان القطان، وخطبة امام مكة التي اتابعها عبر التلفزيون، فللخطب فائدتان دينية ودنيوية وتأثيرهما كبير على الناس لذا يجب استغلال ذلك في مناقشة القضايا الاجتماعية لايجاد الحلول للمشاكل التي يتعرض لها الافراد في حياتهم.
حضور الخطبة
»يحث علماء وفقهاء المذهب الشيعي على ان تتضمن الخطبة عدة ابعاد منها الدينية والاجتماعية ويحبذ السياسية، لذا فان الخطباء يسهبون في قضايا الدين من صلاة وصيام وزكاة وحج، وما يرتبط بهم من اصول واحكام، ويتطرقون للاخلاق والمعاملات والعلاقات الاجتماعية والاسرية بالاضافة للقضايا السياسية لربط الناس بما يدور حولهم من قضايا ومتغيرات حياتية.
فأنا شخصيا احرص كل الحرص على الصلاة جماعة يوم الجمعة والاستماع لخطبة الخطيب، كما اسمعها من التلفزيون وبخاصة خطبة امام مكة التي افضلها عن غيرها من الخطب، فيوم الجمعة يوم المسلمين ولها من الاجر والثواب العظيم، ودعى اليها الله في محكم كتابه العزيز بقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم »يأيها الذين آمنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خيرلكم ان كنتم تعلمون«. صدق الله العلي العظيم. فالتفرغ للصلاة يوم الجمعة وخطبتها امر محمود واجره عظيم. بتلك الكلمات التي قالها رئيس جمعية السنابس التعاونية الاستهلاكية عبدعلي الحمالي نختتم استطلاعنا هذا.
استطلاع – ياسمين خلف:
لخطيب المسجد هيبة لدى الاغلبية الساحقة، تحيطه هالة روحانية في مخيلة الكثيرين، فيتقبلون منه ما لا يتقبلونه من غيره من نصح وارشاد وتوجيه وحتى الاوامر!! فالبعض ينتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر للجلوس على سجادة المسجد، والاستماع وبكل شغف لكلمات الخطيب، والتي تجعلهم يعيشون دقائق روحانية، بعيدا عن زحمة الحياة ومتطلباتها، وان كان بعض خطباء المساجد انغمس في قضايا المجتمع!
بالامس القريب كان الاب يحرص كل الحرص على ان يأخذ ابناءه معه الى المسجد يوم الجمعة من كل اسبوع لاداء صلاة الجماعة والاستماع الى خطبة الامام،، وتخلف الابناء عن الحضور والمشاركة يعني مخالفة امر الوالد، والتي بلا شك ستجلب لهم عقابا، يختلف باختلاف اسلوب الآباء في انتهاج طرق العقاب، فيحرص الابناء على المشاركة ولو لتجنب العقاب.
واليوم لم يعد اكثر الاباء يبالون او يكترثون بحضور ابنائهم لصلاة الجمعة، وما يتبعها من خطبة! بل حتى اسلوب نقلها لم يتوقف عند سماعة وجدران المسجد، فوسائل الاتصال الحديثة من اذاعة وتلفزيون وانترنت لعبت دورا في نقلها، ولم يعد من الضروري تكبد العناء لسماعها.
المواطنون ماذا يريدون من تلك الخطب؟! وماذا يقترحون لتطويرها؟! ومن اكثر الفئات تأثرا بها؟ وهل لها دور في تغيير اتجاهات وافكار المتلقين؟ وما مدى اهميتها وخطورتها؟! ذلك ما حاولنا استطلاعه من البعض، والذين اتفقوا على ان الخطب لابد ان تكون معتدلة لا متطرفة، ولا تدفع بالمجتمع نحو الهاوية، لما للتطرف من آثار، ولما للخطب من دور لا يستهان به على الشباب!
فمشعل البقشي (اخصائي شئون مجتمع) يرى ان لخطيب يوم الجمعة دور لا يستهان به، لتناوله محاور تمس حياة الافراد الاقتصادية والاجتماعية والاسرية والدينية، وعليه يرى ضرورة ان يطرح الخطيب الحلول للمشاكل والظواهر التي تمر على الافراد، لا ان يطرحها لمجردالطرح والعلم، فما يحتاجه الناس هو معرفة المخارج والحلول لما يواجهونه من مشاكل.. وقال مضيفا: ومع تسليط الخطيب الضوء على تلك الجوانب والتي وبلاشك مهمة الا انه وكما ارى انه من الافضل ان يهتم الخطيب بالقضايا الاجتماعية بشكل اعمق وبشكل تفصيلي، وترك القضايا الاخرى التي يمكن ان تطرح عبر وسائل الاعلام والتي هي اكثر وسيلة مجندة لشرائح عريضة من الناس.
ولابد من ان يبتعد الخطيب في خطبته عن اثارة الجمهور من المصلين او المستمعين للخطبة، والتي قد تكون آثارها سلبية، كنشر العنف بين الناس، وان كانت مرة واحدة في الاسبوع الا ان تأثيرها سميتد لفترات طويلة تبعا لنوع القضية المطروحة. ويكمل »البقشي« رأيه ليقول: ومن على المبنر يمكن للخطيب ان يتطرق للقضايا الاقليمية والعالمية، لا ان يحصر نفسه في قالب محلي لارتباط الاحداث بعضها ببعض وسرعة تداعياتها وديناميكيتها، والتي وبلا شك سيصلنا تأثيرها، ولابد من مواجهة تلك الحقيقة.
لابد أن يفتح »باباً« للمناقشة
واقترحت رباب الملا – ناشطة اجتماعية – ان يناقش المستمعون للخطبة »الخطيب« في القضايا التي يطرحها، وعن ذلك قالت وباسترسال: اجد انه ومن الضروري ولمسايرة التطور الذي لحق كل جانب من حياتنا ان يتم تطوير طرق تلقي الناس لخطبة يوم الجمعة، خصوصا ان الشباب اليوم يختلفون عن شباب الامس، والذين هم اليوم آباء، فلابد ان يطرح الخطيب عنوان الخطبة او موضوعها على الناس قبل طرحها على المنبر مباشرة، ليكون لهم خلفية مسبقة لما سيخطب فيه، كما اقترح بان يخصص جزء من وقت الخطبة لمناقشة الخطيب فيما يطرحه، وان لم يكن ذلك في وقت يوم الخطبة، يكون في الخطبة التالية في يوم الجمعة التالي.
فبذلك سيستفيد الشباب وبصورة اكبر من موضوع الخطبة، وسنحقق توجهاتهم، والتي تتركز وبشكل كبير هذه الايام حول حرية ابداء الرأي والتعبير المطلق… قد يرفض الكثيرون هذا الاقتراح لكونه اسلوب جديد في الطرح مغاير لخطب الجمعة التي تعود عليها الناس ولكن لو طبق هذا الاسلوب لاحس الكثيرون بفعاليته، خصوصا انه سيبدد الممل الذي قد يداهم الكثيرين ممن يشاركون الحضور في الخطبة وبخاصة صغار السن، كما ان الاستفادة ستكون اكبر وذات نكهة وطعم مختلف، فالاستفادة لن تقتصر على الحضور، وانما حتى الخطيب نفسه سيستفيد من الاطروحات التي قد تفتح افاق لمواضيع يناقشها في خطبه التالية.
وباسترجاع للماضي قالت مواصلة: هناك اختلاف كبير بين عادات الماضي والحاضر، فالاباء بالامس يصطحبون ابناءهم معهم لصلاة الجمعة والاستماع الى خطبة الخطيب، واليوم نجد الامر ليس ذا اهمية تذكر لدى الكثيريون من الاباء، كما ان مواضيع الخطبة »ايام زمان« كانت تتمحور حول الدين والديانة وامور الآخرة من عذاب وعقاب وثواب، ولكنها اليوم اخذت تتوسع لتشمل جميع قضايا الناس وبالذات الاجتماعية منها، فدور خطب الجمعة اليوم اقوى وذو منفعة للناس بصورة اكبر.
وتساءلت »الملا« بقولها: ولكن هل الحاضرون او المستمعون للخطبة يتقيدون بما يطرح فيها، ويطبقونه في حياتهم، تجيب على نفسها: للاسف الاغلبية العظمى تسمع ولا تطبق وذلك ما لا نطلبه او نتمناه! فمثلا تجد الشباب يهزون رؤوسهم بالايجاب عند سماعهم للآيات القرآنية او الاحاديث الشريفة التي يستشهد بها الخطيب والتي تحثهم بالالتزام الديني ولكنهم وما ان يخرجوا من باب المسجد حتى وجدت سلوكهم يختلف تماما عما وافقوا امام المسجد عليه. فالامر لا يتوقف عند الصلاة وراء الامام والاستماع للخطبة وانما التطبيق الفعلي هو الهدف الاساسي الذي يدعو اليه الخطباء.
وواصلت لتختتم: للخطبة دور لا يستهان به، وبخاصة على فئة الشباب او من هم في مقتبل العمر، فبعضهم ينقلها لاصحابه ومعارفه في المجالس، وبعضهم يتداولها عبر الانترنت او عبر شرائط الكاسيت، ولكن لابد من الالتفات الى قضية ذات اهمية الا وهي ان ليست كل المواضيع يمكن طرحها على المنبر، ولابد من تدارس القضايا وبدقة لتحقيق الاستفادة القصوى منها، تسكت برهة وتضحك لتقول: اتذكر كيف كان بالامس ينتظر الناس خطبة الجمعة، وفي اليوم ذاته تجدهم يسرعون الخطى زرافات زرافات كأنهم في زفة عرس او حفل زفاف متجهين للمسجد فرحين لاداء الصلاة وسماع الخطبة، وكيف كان للخطيب هيبة والتي هي اكبر مما هي عليه اليوم بكثير..
عبر وسائل الإعلام
وبالمثل يرى محمد خليل جواهري (مستثمر بحريني) ان تأثير خطبة الجمعة لها وقع كبير على الشباب »خاصة« والناس على اختلاف اعمارهم »عامة« مطالبا بالاعتدال في الطرح وتقديم النصائح دون التطرف في الاتجاهات والافكار، وجاء على لسانه: الدين الاسلامي يحث على التسامح والاعتدال في كل شيء وعملية تأليب المشاعر والاتجاهات ضد طرف من الاطراف او ضد دولة من الدول امر لا تجني الدول منه ثمار غير »الطالح منه« كالنزاعات والشقاقات في المجتمع، بل هو اهدار في وقت الافراد والمجتمع، كان من الممكن ان يستثمر في حل المشاكل وطرح القضايا التي تمس الناس.واكمل »الجواهري« تسييس الخطب امر لا يمكن ان يعود بالنفع على احد، والاصلاح يبدأ من الداخل ومن انفسنا، وعلى خطباء المساجد دعوة الشباب لتعديل انفسهم ونفسياتهم وتعديل اوضاعهم بنصحهم بطرق محببة، ودعوتهم لاستثمار اوقاتهم بالعمل الجاد الذي يعود بالنفع عليهم وعلى مجتمعهم، وعدم تضييعه فيما لا يفيدهم كاللهو والانغماس في الملذات، واشار »الجواهري« في ختام حديثه الى انه قليل الحضور للخطب لكنه يتابعها عبر وسائل الاعلام من اذاعة وتلفزيون.
لها موقع السهم في القلب
»لخطبة يوم الجمعة اثر كبير على الناس، وتزداد اثرا اذا ما صدرت من خطباء لهم مكانة في نفوس المتلقين، فتأثير كلماته حتما ستكون اسرع واعمق واقوى كموقع السهم في القلب«، بتلك الكلمات بدأت الحديث معنا منى زين الدين (مدرسة لغة عربية) واكملت بقولها: لا ينكر احد مدى الفائدة التي يحصل عليها المرء من الخطب في يوم الجمعة، وخصوصا اولئك ممن يتزودون بثقافتهم واخبار العالم منها، ناهيك عن كونه »المسجد« مكانا يلتقي فيه مشارب الناس من مختلف مناطق البحرين، فالخطب تمثل مصدر للوعي الثقافي والسياسي لعدد لا بأس به من الناس في مجتمعنا البحريني، حيث تناقش فيه قضايا محلية واقليمية وعالمية.وعن القضايا والمواضيع التي تتمنى »منى« ان يتطرق لها خطباء المنابر في يوم الجمعة اشارت الى ضرورة التعمق في طرح قضايا الشباب وبخاصة سلبياتهم وسلبيات سلوكهم ومناقشتها بشكل متجرد لوضع اليد على الجرح لتدهور سلوكيات الشباب على حد تعبيرها.وعن درجة متابعتها للخطب قالت: اتابع الخطب عبر الكتيبات وعبر الانترنت باللغتين العربية والانجليزية وبخاصة خطب سيد عبدالله الغريفي، كما اتابع خطب قناتي المنار والايرانية وبخاصة مع تجدد القضايا العربية والقومية والعالمية.
ألف ليلة وليلة
»الذات الالهية من اكثر المواضيع اثارة ولو ركز خطيب الجمعة عليها ومنطلقا منها ومتفرع لقضايا اخرى لاستطاع ان يجذب اكثر الناس، فعملية الخوض والعمق في الذات الالهية، وفي الله سبحانه وتعالى كرب وإله، عملية وقضية يقشعر لها بدن كل من يسمعها، بل »وتجمد الانسان في مكانه« باعتبارها قضية مبهمة لاكثرنا، والخطباء اليوم بعضهم ان لم يكن جميعهم يركزون على العبادات وما يتصل بها من قضايا«.. بهذه الانطلاقة شاركنا الحديث محمد طاهر – (موظف في بنك).وقال »ابو نوح« مكملا: وان كنت لا اداوم على حضور خطبة الجمعة الا انني اتابعها في كثير من الاحيان عبر الشاشة الفضية، ولكن ما يلفت الانتباه هو تركيز الخطباء على امور ذاتها، ويكررون ذات المواضيع والقضايا حتى اصبنا بالملل منها، فلا قضايا غير العبادات كالصلاة والصوم والزكاة حتى بتنا نحفظها عن ظهر قلب والتي اصبحت بالنسبة الينا قضايا بديهية! وكل ما نحتاج اليه ونطلبه هو التجديد والتغيير والتطرق لقضايا معاصرة، كتأثير كرة القدم على الناس مثلا، والتي قد تكون سببا لعدم اداء فريضة الصلاة للكثيرين لانشغالهم في متابعتها، وخصوصا عندما يلعب المنتخب البحريني، وبالمثل مع فتح ابواب المجمعات التجارية في اوقات الصلاة، والقصد هنا انه لابد ان يربط الخطيب امور الدين بالدنيا لتكون اقرب الى القلب والعقل.
وعن اكثر الشرائح تأثرا بخطبة الجمعة قال: اكثر المواظبين عليها والمعتقدين بها هم من المؤمنين والملتزمين دينيا، اما غيرهم من هم اقل تدينا فهم بعيدين عنها، وان كانوا هم اكثر الناس حاجة اليها. كما ان 50٪ من المواظبين عليها، اصبحت لديهم عادة ولذلك هم ملتزمون بالحضور كل اسبوع و50٪ منهم يطلبون الثقافة والعلم من الخطباء.
واقترح »ابو نوح« ان تكون الخطب بأسلوب تسلسلي، كأسلوب قصة ألف ليلة وليلة، والتي وعن طريقها يستطيع الخطيب ان يربط المستمع بالخطبة ذهنيا، وجاء على لسانه: لم لا يتعلم الخطباء من الاسلوب الدرامي والذي به كم من التشويق المراد منه تحقيق اقصى استفادة ممكنة، فعن طريق هذا الاسلوب سيتشوق المرء للخطبة وسيحرص على حضور الخطب التالية ليعرف نهاية القصص، والتي تأتي متتابعة ومتسلسلة ومتصلة بعضها ببعض.
اقتراح لوزارة العدل
ولا تؤيد آمال الصفار – (مشرفة خدمات في وزارة الصحة) تسييس خطب الجمعة لاثارتها للنزعات الداخلية وتهديدها للامن، وتجده تخلفا لا تحضرا لمساهمته في تردي حالة الوضع المجتمعي، وقالت في ذلك: لا اؤيد اطلاقا تسييس الخطب، او ربط الدين بالقضايا السياسية، وعلى الخطباء تقوية شوكة البلاد داخليا لا زعزعتها، فللخطباء دور لا يستهان به في تشكيل الافكار والاتجاهات وخاصة للشباب، لذا يجب استغلال ذلك في توجيههم والقضاء على سلبياتهم وسلوكياتهم التي اخذت في التدهور.
واقترح – والكلام لا يزال على لسان الصفار – ان تقام في المؤسسات والشركات وحتى الوزارات التي يرتبط موظفوها بالعمل يوم الجمعة »مساجد« ولو صغيرة فيها امام ليصلي بالموظفين ويخطب فيهم، فالكثير من الموظفين يخسرون يوم الجمعة وما له من فضل كبير، لوجودهم في مقار عملهم وهذا اقتراح اتمنى ان توليه وزارة الشئون الاسلامية الاهتمام او السماح للموظفين بأخذ فترة راحة للصلاة في اقرب جامع او مسجد.وقالت مضيفة: بصراحة لا اتابع الخطب دائما ولكني ما ان تتاح لي الفرصة انتهزها لاستمع للخطبة عبر اثير الاذاعة وبخاصة الشيخ عدنان القطان، وخطبة امام مكة التي اتابعها عبر التلفزيون، فللخطب فائدتان دينية ودنيوية وتأثيرهما كبير على الناس لذا يجب استغلال ذلك في مناقشة القضايا الاجتماعية لايجاد الحلول للمشاكل التي يتعرض لها الافراد في حياتهم.
حضور الخطبة
»يحث علماء وفقهاء المذهب الشيعي على ان تتضمن الخطبة عدة ابعاد منها الدينية والاجتماعية ويحبذ السياسية، لذا فان الخطباء يسهبون في قضايا الدين من صلاة وصيام وزكاة وحج، وما يرتبط بهم من اصول واحكام، ويتطرقون للاخلاق والمعاملات والعلاقات الاجتماعية والاسرية بالاضافة للقضايا السياسية لربط الناس بما يدور حولهم من قضايا ومتغيرات حياتية.
فأنا شخصيا احرص كل الحرص على الصلاة جماعة يوم الجمعة والاستماع لخطبة الخطيب، كما اسمعها من التلفزيون وبخاصة خطبة امام مكة التي افضلها عن غيرها من الخطب، فيوم الجمعة يوم المسلمين ولها من الاجر والثواب العظيم، ودعى اليها الله في محكم كتابه العزيز بقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم »يأيها الذين آمنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خيرلكم ان كنتم تعلمون«. صدق الله العلي العظيم. فالتفرغ للصلاة يوم الجمعة وخطبتها امر محمود واجره عظيم. بتلك الكلمات التي قالها رئيس جمعية السنابس التعاونية الاستهلاكية عبدعلي الحمالي نختتم استطلاعنا هذا.
أحدث التعليقات