حاورته – ياسمين خلف:
لم يعد ارضاء المجتمع، وارضاء افراده من اهتمامات البعض في عصرنا اليوم، عصر الحداثة والتكنولوجيا، ولم يعد الذوق في التعامل من خصال الفرد! فليس بغريب ان تري شابا لا يفسح المكان للشيخ الكبير في السن اذا ماحل مجلسا، بل والامر بات طبيعيا جدا بان تري رجلا يتقدم امرأة في الطابور، دون ان يسمح لها باخذ دوره! حتي وان كان ذلك من قبيل المجاملة او من قبيل الليديز فيرست !!
قد يعترف الكثيرون ان سلوكيات الافراد اخذت منحي مغايرا يؤسف عليه، وقد يستنكر البعض ذلك، ولكن ماذا عن الرأي النفسي؟ وما الدوافع التي تكمن وراء تغير السلوكيات؟! استشاري الامراض النفسية الدكتور طارق المعداوي – في مستشفي البحرين الدولي يجد ان هذه الظاهرة لا تقتصر علي مجتمع دون غيره، ولا ترتبط بافراد دون اخرين، بل يجدها سمة لهذا العصر، واحد صفاته البارزة، فكان لنا معه هذا الحوار:
ف ما الاسباب الكامنة وراء تغير سلوكيات الافراد؟!
– الحياة برتمها وايقاعها السريع، والتغيرات الكبيرة التي طرأت عليها في السنوات الاخيرة هي السبب المباشر لتغير سلوكيات الافراد. فلم تعد القيم التي كنا نسمع عنها قبل 40 سنة موجودة!! ولم تعد روح الانتماء كما سبق! فالماديات طغت علي كل شيء وقضت علي كل شعور، فتمركز الانسان حول ذاته وحول نفسه، فالمهم عنده مصالحه الشخصية، دون أدني اعتبار للاخرين وان كانوا اقرباءه واخوانه.
ف هل هو تغير تام في السلوكيات؟ ام هو نوع من التغيير الطفيف الناتج عن الاتجاه الي قيم وسلوكيات اخري يحكمها التغير في الزمن؟!
– يمكن اعتباره تغيرا تاما وتغيرا في معايير الشخص وحكمه، فلم يعد مهما ان يكون الشخص شجاعا او يملك ضميرا حيا، بل المهم عنده هو كيف له ان يقضي مصالحه ويقضي معاملاته، فالمهم ليست الاخلاق، وانما كيف يصل المرء الي مرحلة الاشباع الذاتي، الاناني في كثير من الاحيان، حتي الدوافع الوطنية انصهرت في بوتقة الذات حتي وان اضطره الامر الي الضحك علي ذقون الاخرين للوصول الي الهدف.
ف وهل يعني ذلك ان المستقبل يحمل لنا توقعات سلوكية مخيفة وذات لون قاتم؟!
– نعم.. ما سيأتي سيكون اسوأ، فلم تعد الرومانسية مثلا ولا الجمال من اهتمامات الافراد، فالانانية والغيرة والحسد وحب التملك اهم سلوكيات الافراد، وهو واقع علينا لا نتنصل منه.
ف وما اسباب تلك السلوكيات باعتقادك كاستشاري للامراض النفسية؟!
– قد ارجعها الي اسباب عدة اهمها قلة الانتماء، فالانتماء للقبيلة مثلا او للوطن او للاسرة لم يعد كالسابق، ولا اغفل كذلك غياب القدوة، وبخاصة للمراهقين والشباب، فاختفاء او خفوت القدوة يحمل نذيرا خطرا، يجني الاباء والمجتمع من بعدهم نتائجه المؤسفة، فالمراهق دائما ما يكرر بينه وبين نفسه عبارات منها من انا؟! ومن اكون؟! وعدم وجود قدوة يحتذي بها تجعله في طريق وعر ذي فروع متعددة يقف محتارا بينها.
كما ان الضغوطات الاجتماعية والاحساس بالقلق والتوتر والصراعات الدائمة تلعب دورا لا يستهان به في تغير سلوكيات الافراد.
ف وهل لنا ان نعلق تلك السلوكيات علي شماعة الحداثه والتطور؟!
– بالتأكيد، فهذه المشكلة ستزداد مع تقدم البشرية، ولها ابعادها النفسية والاجتماعية اللتين لا يمكننا ان نفصل بينهما، فالعالم اليوم قرية صغيرة، والعولمة لعبت دورها، وفتحت أعين الكثيرين علي امور لم يعوا لها ولم يدروها من قبل، فتلك النقلة السريعة والكبيرة بالاضافة الي الهموم والصرعات والقلق والتوتر النفسي شكلت كلها دورا في امتصاص الفرد سلوكيات بعيدة عن المثالية.
ف ومن الفئة الاكثر تأثرا بتلك التغيرات؟!
– فئة الشباب والمراهقين اكثر تعرضا لهذه التغيرات، التي تمس وتبلور سلوكياتهم المستقبلية وذلك لانهم في مرحلة تكوين وصقل الشخصية! ولان فرصة تعرض الاولاد للتغيرات الاجتماعية اكثر من البنات، نتيجة لاحتكاكهم بالمجتمع الخارجي بصورة اكبر، فضلا عن العادات والتقاليد التي تعطي هامشا من الحرية اكبر للاولاد، فهم كذلك اكثر عرضة لتغير السلوكيات، وان كانت الفروقات آخذة في التلاشي.
ف تغير السلوكيات أوضح لدي الغرب أم لدي العرب؟!
– قد تكون لدي الغرب بصورة اكبر، ولكن نحن العرب، في مجتمعاتنا العربية التي ما زالت تحتفظ بآثار للقيم والمبادئ، نتيجة نمو الانعزال كاتجاه طبيعي ناتج عن الانانية التي أخذنا مأخذها نحن البشر في هذا العالم، ويمكن ان نقول ان كل فرد يحمل شعار انا ومن بعدي الطوفان.
ف هل تقصد بذلك نعيش في غابة؟!
– ليس غابة بالمعني الكلي، ولكن اذا لم نضع حدا لهذه السلوكيات ونرفع علامة قف سنجد انفسنا في طريق يؤدي الي مجتمع وللاسف اقرب لان يكون غابة من ان يكون مجتمعا بشريا. والحقيقة انه اذا لم تأخذ الامور بجدية اكبر، سنكون في مرحلة خطرة، بل سنعاني من كارثة، خصوصا ان المشكلة اذا لم يوضع لها حل، ستتضخم وستسبب امراضا يعاني الفرد واهله والمحيطون به منها.
ف وما نتائج هذه التغيرات في سلوكيات الافراد؟!
– بحث الفرد عن مصلحته، دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الغير، حتي وان كانوا مثلا اخوانه وابناء اعمامه، سيدفع البعض الي الانحرافات السلوكية والامراض النفسية، بل الي العزلة والاحساس بالغربة وان كانوا بين اهلهم.
ف وما الحل من وجهة نظرك؟!
– لن يكون هناك حل الا بالاعتراف بوجود هذه المشكلة، وتحديدها وتناولها بالبحث والدراسة من قبل المنوطين والمعنيين بالبحوث العلمية النفسية والاجتماعية، وتوعية الشباب وفتح المجال لهم للحوار، الذي هو البداية الحقيقية لمعرفة متطلباتهم، مع التأكيد علي ان الحوار لا بد ان يبدأ من الاسرة ليجد الشاب او تجد الشابة متنفسا عن الكبت والقهر والحرمان، لا ان يسفه في حال عبر عن رأيه. ومع ذلك فان الوقت لم يسرقنا، وباستطاعتنا ان نعيد مفاهيم الشباب لتحقق التوازن في معادلة السلوكيات.
Catsocaff
2004-06-19
حاورته – ياسمين خلف:
لم يعد ارضاء المجتمع، وارضاء افراده من اهتمامات البعض في عصرنا اليوم، عصر الحداثة والتكنولوجيا، ولم يعد الذوق في التعامل من خصال الفرد! فليس بغريب ان تري شابا لا يفسح المكان للشيخ الكبير في السن اذا ماحل مجلسا، بل والامر بات طبيعيا جدا بان تري رجلا يتقدم امرأة في الطابور، دون ان يسمح لها باخذ دوره! حتي وان كان ذلك من قبيل المجاملة او من قبيل الليديز فيرست !!
قد يعترف الكثيرون ان سلوكيات الافراد اخذت منحي مغايرا يؤسف عليه، وقد يستنكر البعض ذلك، ولكن ماذا عن الرأي النفسي؟ وما الدوافع التي تكمن وراء تغير السلوكيات؟! استشاري الامراض النفسية الدكتور طارق المعداوي – في مستشفي البحرين الدولي يجد ان هذه الظاهرة لا تقتصر علي مجتمع دون غيره، ولا ترتبط بافراد دون اخرين، بل يجدها سمة لهذا العصر، واحد صفاته البارزة، فكان لنا معه هذا الحوار:
ف ما الاسباب الكامنة وراء تغير سلوكيات الافراد؟!
– الحياة برتمها وايقاعها السريع، والتغيرات الكبيرة التي طرأت عليها في السنوات الاخيرة هي السبب المباشر لتغير سلوكيات الافراد. فلم تعد القيم التي كنا نسمع عنها قبل 40 سنة موجودة!! ولم تعد روح الانتماء كما سبق! فالماديات طغت علي كل شيء وقضت علي كل شعور، فتمركز الانسان حول ذاته وحول نفسه، فالمهم عنده مصالحه الشخصية، دون أدني اعتبار للاخرين وان كانوا اقرباءه واخوانه.
ف هل هو تغير تام في السلوكيات؟ ام هو نوع من التغيير الطفيف الناتج عن الاتجاه الي قيم وسلوكيات اخري يحكمها التغير في الزمن؟!
– يمكن اعتباره تغيرا تاما وتغيرا في معايير الشخص وحكمه، فلم يعد مهما ان يكون الشخص شجاعا او يملك ضميرا حيا، بل المهم عنده هو كيف له ان يقضي مصالحه ويقضي معاملاته، فالمهم ليست الاخلاق، وانما كيف يصل المرء الي مرحلة الاشباع الذاتي، الاناني في كثير من الاحيان، حتي الدوافع الوطنية انصهرت في بوتقة الذات حتي وان اضطره الامر الي الضحك علي ذقون الاخرين للوصول الي الهدف.
ف وهل يعني ذلك ان المستقبل يحمل لنا توقعات سلوكية مخيفة وذات لون قاتم؟!
– نعم.. ما سيأتي سيكون اسوأ، فلم تعد الرومانسية مثلا ولا الجمال من اهتمامات الافراد، فالانانية والغيرة والحسد وحب التملك اهم سلوكيات الافراد، وهو واقع علينا لا نتنصل منه.
ف وما اسباب تلك السلوكيات باعتقادك كاستشاري للامراض النفسية؟!
– قد ارجعها الي اسباب عدة اهمها قلة الانتماء، فالانتماء للقبيلة مثلا او للوطن او للاسرة لم يعد كالسابق، ولا اغفل كذلك غياب القدوة، وبخاصة للمراهقين والشباب، فاختفاء او خفوت القدوة يحمل نذيرا خطرا، يجني الاباء والمجتمع من بعدهم نتائجه المؤسفة، فالمراهق دائما ما يكرر بينه وبين نفسه عبارات منها من انا؟! ومن اكون؟! وعدم وجود قدوة يحتذي بها تجعله في طريق وعر ذي فروع متعددة يقف محتارا بينها.
كما ان الضغوطات الاجتماعية والاحساس بالقلق والتوتر والصراعات الدائمة تلعب دورا لا يستهان به في تغير سلوكيات الافراد.
ف وهل لنا ان نعلق تلك السلوكيات علي شماعة الحداثه والتطور؟!
– بالتأكيد، فهذه المشكلة ستزداد مع تقدم البشرية، ولها ابعادها النفسية والاجتماعية اللتين لا يمكننا ان نفصل بينهما، فالعالم اليوم قرية صغيرة، والعولمة لعبت دورها، وفتحت أعين الكثيرين علي امور لم يعوا لها ولم يدروها من قبل، فتلك النقلة السريعة والكبيرة بالاضافة الي الهموم والصرعات والقلق والتوتر النفسي شكلت كلها دورا في امتصاص الفرد سلوكيات بعيدة عن المثالية.
ف ومن الفئة الاكثر تأثرا بتلك التغيرات؟!
– فئة الشباب والمراهقين اكثر تعرضا لهذه التغيرات، التي تمس وتبلور سلوكياتهم المستقبلية وذلك لانهم في مرحلة تكوين وصقل الشخصية! ولان فرصة تعرض الاولاد للتغيرات الاجتماعية اكثر من البنات، نتيجة لاحتكاكهم بالمجتمع الخارجي بصورة اكبر، فضلا عن العادات والتقاليد التي تعطي هامشا من الحرية اكبر للاولاد، فهم كذلك اكثر عرضة لتغير السلوكيات، وان كانت الفروقات آخذة في التلاشي.
ف تغير السلوكيات أوضح لدي الغرب أم لدي العرب؟!
– قد تكون لدي الغرب بصورة اكبر، ولكن نحن العرب، في مجتمعاتنا العربية التي ما زالت تحتفظ بآثار للقيم والمبادئ، نتيجة نمو الانعزال كاتجاه طبيعي ناتج عن الانانية التي أخذنا مأخذها نحن البشر في هذا العالم، ويمكن ان نقول ان كل فرد يحمل شعار انا ومن بعدي الطوفان.
ف هل تقصد بذلك نعيش في غابة؟!
– ليس غابة بالمعني الكلي، ولكن اذا لم نضع حدا لهذه السلوكيات ونرفع علامة قف سنجد انفسنا في طريق يؤدي الي مجتمع وللاسف اقرب لان يكون غابة من ان يكون مجتمعا بشريا. والحقيقة انه اذا لم تأخذ الامور بجدية اكبر، سنكون في مرحلة خطرة، بل سنعاني من كارثة، خصوصا ان المشكلة اذا لم يوضع لها حل، ستتضخم وستسبب امراضا يعاني الفرد واهله والمحيطون به منها.
ف وما نتائج هذه التغيرات في سلوكيات الافراد؟!
– بحث الفرد عن مصلحته، دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الغير، حتي وان كانوا مثلا اخوانه وابناء اعمامه، سيدفع البعض الي الانحرافات السلوكية والامراض النفسية، بل الي العزلة والاحساس بالغربة وان كانوا بين اهلهم.
ف وما الحل من وجهة نظرك؟!
– لن يكون هناك حل الا بالاعتراف بوجود هذه المشكلة، وتحديدها وتناولها بالبحث والدراسة من قبل المنوطين والمعنيين بالبحوث العلمية النفسية والاجتماعية، وتوعية الشباب وفتح المجال لهم للحوار، الذي هو البداية الحقيقية لمعرفة متطلباتهم، مع التأكيد علي ان الحوار لا بد ان يبدأ من الاسرة ليجد الشاب او تجد الشابة متنفسا عن الكبت والقهر والحرمان، لا ان يسفه في حال عبر عن رأيه. ومع ذلك فان الوقت لم يسرقنا، وباستطاعتنا ان نعيد مفاهيم الشباب لتحقق التوازن في معادلة السلوكيات.
Catsocaff
2004-06-19
أحدث التعليقات