٩ مارس ٢٠٢٠
الطوارئ رحلة قاسية لوحدها، يصل مريض فقر الدم المنجلي “السكلر” إلى القسم فإن كانت دعوات أمه تحفه سيوفق وسيجد سريراً شاغراً ليرمي عليه جسده المنهك، وإن لم تحفه تلك الدعوات فعليه أن يصبر ويتجرع مّر الانتظار على كرسيه.
تتراص الأسرة بعضها جنب بعض، حتى تكاد تجد في أحايين كثيرة الأسرة وقد وضعت في الممر بين جهتي الأسرة، لا خصوصية للمريض، ولا بيئة علاجية ولا صحية ولا هم يحزنون. الصرخات تدوي في الحجرات، هذه تطلب جرعة المورفين، وذاك يطلب استبدال المغذي الوريدي “السيلين”، وتلك تترجى الممرضة أن تجد الاستشاري ليكتب لها جرعتها المسكنة، وتلك تبكي من شدة الألم، ليأتي لها صوت الممرضة الآسيوية أن عليها الانتظار فلم يمر على تواجدها في “الطوارئ” ثمان ساعات وهي المدة المقررة على المرضى ضمن البروتوكول “القاتل” الذي ابتدعته وزارة الصحة في ليلة سوداء كقلوب من وقع عليه.
وحانت ساعة الفرج، بمرور ثلث يوم على الألم المبرح، لتبدأ معاناة أخرى على ايدي “بعضا” من ملائكة الموت عندما تحاول أن تغرز الإبر في أجساد أولئك المرضى، دون رحمة أو إحساس بالألم الذي ينخر عظامهم، خصوصاً أولئك ممن يملكون عروق رقيقة ويحتاجون إلى ممرضين أكثر مهارة وأكثر رحمة حين يغرزون إبرهم في تلك الأجساد، وقلما، نعم قلما ما تجد من يملك تلك المهارة وتلك الرحمة للأسف.
فحتى ذاك الجهاز المتنقل الذي سمعنا عنه مراراً وتكراراً بأنه يكشف عن تلك العروق بسهولة رغم ما دُفع فيه من أموال -هي في الحقيقة من أموال الشعب وميزانية الدولة-لم يتم استخدامه، ربما لجهل، وربما من إهمال، وربما لأمور لا يعرفها إلا المسؤولين في وزارة الصحة! ولو ألقيت نظرة على أجساد مرضى السكلر فلن تجد موضعاً إلا وأزرق وتورم من كثرة الغرز المتكرر والفاشل في أيديهم وارجلهم وحتى في رقابهم، وكل ذلك لوضع المغذي الوريدي “السيلين”.
البقاء في قسم الطوارئ يعني إنك في “البرزخ الدنيوي” إلى أن يحن دورك وتجد سريراً شاغراً في الأجنحة، وهو بقاء تطول مدته وقد يصل إلى 10 أيام، وعليك طوال تلك الفترة أن تتحمل بالإضافة إلى الألم، أن تتحمل السرير القاسي، الذي يخلو من وسادة، أو لحاف يدفئ جسدك المنهك، وعليك أن تستعيض عنهما بشراشف، إن لم تغيرها بنفسك، أو احداً من أهلك فستبقى كما هي عليه طوال تواجدك في “البرزخ الدنيوي”.
وإن سألت عن الاستشاري أو الطبيب المناوب فلا حياة لمن تنادي، وعليك، أو على أحد من أفراد عائلتك أن يبحث عنه هنا وهناك ليجده ليتكرم عليك ويلقي بنظرة على حالتك ليقرر صرف العلاج الذي لا يتعدى المسكنات و”السيلين”.
ياسمينة: هل هذه معايير الصحة والسلامة؟
٩ مارس ٢٠٢٠
الطوارئ رحلة قاسية لوحدها، يصل مريض فقر الدم المنجلي “السكلر” إلى القسم فإن كانت دعوات أمه تحفه سيوفق وسيجد سريراً شاغراً ليرمي عليه جسده المنهك، وإن لم تحفه تلك الدعوات فعليه أن يصبر ويتجرع مّر الانتظار على كرسيه.
تتراص الأسرة بعضها جنب بعض، حتى تكاد تجد في أحايين كثيرة الأسرة وقد وضعت في الممر بين جهتي الأسرة، لا خصوصية للمريض، ولا بيئة علاجية ولا صحية ولا هم يحزنون. الصرخات تدوي في الحجرات، هذه تطلب جرعة المورفين، وذاك يطلب استبدال المغذي الوريدي “السيلين”، وتلك تترجى الممرضة أن تجد الاستشاري ليكتب لها جرعتها المسكنة، وتلك تبكي من شدة الألم، ليأتي لها صوت الممرضة الآسيوية أن عليها الانتظار فلم يمر على تواجدها في “الطوارئ” ثمان ساعات وهي المدة المقررة على المرضى ضمن البروتوكول “القاتل” الذي ابتدعته وزارة الصحة في ليلة سوداء كقلوب من وقع عليه.
وحانت ساعة الفرج، بمرور ثلث يوم على الألم المبرح، لتبدأ معاناة أخرى على ايدي “بعضا” من ملائكة الموت عندما تحاول أن تغرز الإبر في أجساد أولئك المرضى، دون رحمة أو إحساس بالألم الذي ينخر عظامهم، خصوصاً أولئك ممن يملكون عروق رقيقة ويحتاجون إلى ممرضين أكثر مهارة وأكثر رحمة حين يغرزون إبرهم في تلك الأجساد، وقلما، نعم قلما ما تجد من يملك تلك المهارة وتلك الرحمة للأسف.
فحتى ذاك الجهاز المتنقل الذي سمعنا عنه مراراً وتكراراً بأنه يكشف عن تلك العروق بسهولة رغم ما دُفع فيه من أموال -هي في الحقيقة من أموال الشعب وميزانية الدولة-لم يتم استخدامه، ربما لجهل، وربما من إهمال، وربما لأمور لا يعرفها إلا المسؤولين في وزارة الصحة! ولو ألقيت نظرة على أجساد مرضى السكلر فلن تجد موضعاً إلا وأزرق وتورم من كثرة الغرز المتكرر والفاشل في أيديهم وارجلهم وحتى في رقابهم، وكل ذلك لوضع المغذي الوريدي “السيلين”.
البقاء في قسم الطوارئ يعني إنك في “البرزخ الدنيوي” إلى أن يحن دورك وتجد سريراً شاغراً في الأجنحة، وهو بقاء تطول مدته وقد يصل إلى 10 أيام، وعليك طوال تلك الفترة أن تتحمل بالإضافة إلى الألم، أن تتحمل السرير القاسي، الذي يخلو من وسادة، أو لحاف يدفئ جسدك المنهك، وعليك أن تستعيض عنهما بشراشف، إن لم تغيرها بنفسك، أو احداً من أهلك فستبقى كما هي عليه طوال تواجدك في “البرزخ الدنيوي”.
وإن سألت عن الاستشاري أو الطبيب المناوب فلا حياة لمن تنادي، وعليك، أو على أحد من أفراد عائلتك أن يبحث عنه هنا وهناك ليجده ليتكرم عليك ويلقي بنظرة على حالتك ليقرر صرف العلاج الذي لا يتعدى المسكنات و”السيلين”.
ياسمينة: هل هذه معايير الصحة والسلامة؟
أحدث التعليقات