ياسمين خلف:
المئات وقعوا ضحايا لأمراض معدية استشرت في فترة من الفترات، وقضت على من قضت، وهددت حياة الآلاف غيرهم، وخلفت بعضها أثار أعاق قدرات ضحاياها إلى الأبد، إلى أن وجد العلم مخرجا، ليوقف الزحف المرضي بالأمصال والتطعيمات.
يذكر البحرينيون ‘’سنة الرحمة’’ التي فتك الطاعون بالآلاف ربما، وهجمات الجدري الذي إن رحم أحداً من الموت لم يرحمه من التشوه، وكذلك الكوليرا التي كانت البحرين – حتى مطلع سبعينيات القرن الماضي – تفتقر إلى الكفاية من الأمصال لمواجهتها.
فبفضل التطعيمات، غدت البحرين اليوم خالية من الكثير من الأمراض المعدية والتي اختفت تماما، ولا أمل في رجوعها، إلا عبر الحالات المستوردة من الجاليات الأجنبية الزائرة للمملكة.
الدفتيريا والسعال الديكي والتيتانوس الوليدي وتيتانوس البالغين والتهاب السحائي المكوري والالتهاب السحائي الناتج عن أنفلونزا من فئة (ب) وشلل الأطفال والحمى الصفراء، كلها وغيرها تعد من الأمراض التي اختفت تماما من البحرين بحسب رئيس قسم مكافحة الأمراض في قسم التمنيع في إدارة الصحة العامة في وزارة الصحة منى الموسوي. كما أن الملاريا والجذام من الأمراض ‘’المنقرضة’’ من البحرين، إلا أنها – وفي حالات قليلة – تسجل إصابات، باعتبارها من الأمراض المستوردة، وليست المستوطنة.
قائمة بما اختفى من الأمراض
والأرقام الإحصائية والتأريخ سجلا آخر الحالات المصابة بهذه الأمراض المعدية، بعد إدخال التطعيمات في خمسينيات القرن الماضي، فآخر حالة مصابة بمرض الدفتيريا سجلت العام ,1981 بعد أن كانت تسجل من حالة واحدة إلى 13 حالة مصابة في العام الواحد. كما سجلت آخر حالة مصابة بمرض السعال الديكي في العام ,1989 حيث أدخل التطعيم البحرين العام ,1954 وهي بذلك من أوائل الدول التى أدخلت التطعيم ضد هذا المرض في المنطقة. وسجلت نحو 3999 حالة مصابة بالمرض العام .1956 والسعال الديكي من الأمراض التى بدأت تقل نسب الإصابة بها تدريجيا الى أن وصل عددها الى الصفر.
والحال ذاته بالنسبة الى مرض تيتانوس البالغين، والذي كان يصيب من خمسة إلى 48 شخصاً في العام الواحد، إلى أن قلت نسب الإصابة تدريجيا وسجلت آخر حالة مصابة في العام .1990 أما التيتانوس الوليدي، فقد تم القضاء عليه منذ أكثر من عشرين عاماً.
وبعد أن كان مرض التهاب السحائي المكوري يصيب من شخص الى 27 شخصاً في العام الواحد، قضي عليه بالتطعيم وسجلت آخر حالة مصابة في العام .2001 وبعد أن كان التهاب السحائي الناتج عن أنفلونزا فئة (ب) يصيب 21 طفلا من كل 100 ألف طفل، أخذت نسب الإصابة تقل تدريجيا الى أن وصلت الى الصفر، بعد إدخال التطعيم المضاد له العام ,1998 وسجلت آخر حالة مصابة بالمرض العام .2000
وفي العام 1982 سجلت آخر حالة مصابة بشلل الأطفال، بعد أن كان يصاب به من طفل الى 15 طفلا في العام الواحد، إلا في حالة الوبائيات حيث تزداد نسب الإصابة، وأدخل التطعيم ضد المرض في خمسينيات القرن الماضي. وحدث أن سجلت في العام 1993 حالتان مصابتان بالمرض، إلا أنهما كانتا مستوردتين من دول موبوءة به.
وتعتبر الحمى الصفراء من الأمراض التي اختفت مبكرا من البحرين، فبحسب الإحصاءات الصحية سجلت آخر حالة مصابة بالمرض العام .1955 كما كان مرض الملاريا من الأمراض التي انتشرت في البحرين على هيئة وباء، إذ كان يصاب به ما لا يقل عن 100 شخص في العام الواحد، أما الجذام والذي كان يصاب به من شخص الى 10 أشخاص سنويا فقد تم القضاء عليه، إلا أن فرصة دخول المرض الى البحرين عبر الجاليات الأجنبية وارد، إذ سجلت آخر حالة مصابة ‘’مستوردة’’ العام .2004
ليس نهاية المطاف
ولا يعني ذلك بحال من الأحوال أن البحرين في منأى عن الإصابة بالأمراض المعدية، فهناك – كما تورد الموسوي – أمراض قلت نسب الإصابة بها بدرجة كبيرة، ولكنها لم تختف، وإن كانت نسب الإصابة بها تعادل أوتقل عن النسب في الدول المتقدمة، كمرض التيفوئيد والسل الرئوي عند البحرينيين، والحصبة وأبوكعب والحصبة الألمانية والتهاب الكبد الوبائي (أ – ب) عند الأطفال، وإن لم تنفِ إصابة الأجانب بها والمقيمين في المملكة.
وبلغة الأرقام والإحصاءات الواردة في آخر دليل لإحصاءات وزارة الصحة، فإن مرض التيفوئيد قلت نسب الإصابة به من 3 مصابين لكل 100 ألف نسمة في العام ,2000 إلى 6,1 شخصاً لكل 100 ألف العام .2004 كما أن نسبة الإصابة بمرض الحصبة قل من 9,0 لكل 100 ألف شخص العام 2000 إلى – 6,1 شخص لكل 100 ألف شخص في العام .2004
ومن 24 حالة مصابة بمرض أبو كعب لكل 100 ألف من السكان العام ,2000 قلت إلى 9,4 لكل 100 ألف العام ,2004 وفي سنوات الإحصاء ذاتها، تبيّن أن نسبة الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي عموما بفئاته كافة قلت من 3,23 الى 5,8 لكل 100 ألف من الأشخاص، فيما بقيت نسبة الإصابة ذاتها لمرض الحصبة الألمانية، والتي لم تتجاوز نسبة الإصابة عن 3,0 لكل 100 ألف من المواطنين.
والإحصاءات نفسها تشير إلى انخفاض نسبة الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) من 2,1 لكل 100 ألف من المواطنين في العام ,2000 إلى 7,0 في العام ,2004 والوضع على الوتيرة نفسها بالنسبة إلى مرض الالتهاب السحائي الذي قلت نسبة الإصابة به خلال أربع سنوات من 8,8 لكل 100 ألف من المواطنين الى 5,5 أشخاص.
ما هم بصدده الآن
ولا يزال شبح وصول بعض الأمراض يخيم على القائمين على منع انتقال الأمراض المعدية الى المواطنين والسكان بشكل عام، ولا سيما مرض أنفلونزا الطيور الذي كبد المملكة مايناهز المليون و600 ألف دينار لتوفير أدوية مضادة له، كإجراء احترازي ما لو انتشر المرض كوباء، بالإضافة الجهود الأخرى كتوزيع كتيبات تثقيفية، وتشكيل لجان للطوارئ، على مستوى المملكة وأخرى على مستوى وزارة الصحة وأخيرة على مستوى إدارة الصحة العامة.
وتقول الموسوي في ذلك أن وزارة الصحة تتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع انتقال الوبئيات من الدول المجاورة الموبوءة، كما حدث عند انتشار وباء شلل الأطفال في جمهورية اليمن، والتهاب السحائي عند الحجاج، والكوليرا في جمهورية إيران الإسلامية، مؤكدة أن نسبة التطعيم ضد مرض الكوليرا في البحرين عالية جدا، مما لا يستدعي الخوف من الإصابة به. مشيرة الى أن المملكة لم تسجل أي حالة مصابة من تلك الأمراض خلال انتشارها كوباء في الدول المجاورة على رغم سفر المواطنين إليها.
وترجع أسباب انخفاض نسب الإصابة بالأمراض وانخفاض وفياتها إلى تطور الخدمات الصحية في المملكة، مقارنة بالدول الأقل تقدما، مضيفة أن نسبة إصابة الأطفال في سن ما قبل المدرسة لبكتيريا السل قليلة جدا، وأقل كذلك من النسب العالمية. مشيرة إلى أن منظمة الصحة العالمية تعتبرها قليلة العدوى (أقل من 5%) إذ وصلت نسبة الإصابة بها الى 9,1 % في العام ,2000 وانخفضت إلى 7,0 % في العام .2004
وتقول’’جهود وزارة الصحة والمبذولة في الإجراءات الوقائية قللت من نسب الإصابة بالأمراض المعدية وقللت من مضاعفاتها’’ مشيرة الى أن من تلك الجهود إلزام المواطنين بأخذ التطعيمات، التى أسهمت في تقليل نسب الإصابة بالأمراض بل واختفاء عدد منها. ولا يتوقف الأمر عند التطعيمات، بل تتعداها الى الترصد للأمراض عبر متابعة الحالة الصحية للمصابين، وللمخالطين للمصابين، بتوفير العلاج أو تقديم الإرشادات الصحية. مؤكدة صعوبة حصر إجمالية كلفة مكافحة الأمراض المعدية، لتدخل الخدمة في عدد من الأقسام منها قسم التمنيع ومكافحة الأمراض، والرعاية الصحية الأولية والثانوية. |
أحدث التعليقات