ياسمينيات
الرصاص عندما يمتزج بالرعد
ياسمين خلف
كانت ليلة مخيفة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، أمطار ورياح شديدة أقرب ما تكون إلى العاصفة منها إلى الرياح، البحر هائج وكأنما هو ثائر على الوضع المتأزم في لبنان، كانت أصوات البرق والرعد تمتزج مع أصوات الانفجارات وطلقات الرصاص، كان ذلك في الثالثة فجرا من يوم الجمعة التاسع من شهر مايو/ آيار الجاري، الوضع الأمني كان حتى تلك الساعات متأججا في بيروت خاصة، وبوادر الانفراج كانت خجولة، النوم كان صعبا رغم المحاولات المستميتة التي لا تخلو من الدعاء وطلب المغفرة والعودة إلى الوطن بالسلامة، الوضع كان أشبه بالحصار، حتى موظفو الفندق لم يجدوا مفرا من البقاء ومواصلة العمل ليومين دون توقف، كيف لا وزملاؤهم قطع بهم الطريق ولا مجال لهم للوصول إلى مقار عملهم لسد الطرقات من جهة، وخوفا على سلامتهم من جهة أخرى، كما أنهم ”موظفو الفندق” مجبرون على البقاء بعد أن أصبح أمر وصولهم لمنازلهم صعبا، وان كان غير ذلك فهي مجازفة قد يدفعون ثمنها باهظا، تتساوى فيها مع أعمارهم. كثيرون آثروا الابتعاد عن ساحة الحرب المحتملة، حاولوا رغم سد الطرق المؤدية إلى الحدود السورية ولو لمجرد المحاولة للخروج من لبنان الجريح بعدما أخفقوا من الفرار جوا بعد إغلاق مطار الشهيد رفيق الحريري، ولا سيما رعايا الدول العربية المستثمرون والسياح منهم أو طلاب الجامعات، حتى أبناء لبنان حاولوا الخروج، منهم من تمكن لحسن حظه رغم تكبد عناء حمل الشنط لمسافة تتجاوز الخمسمئة كيلومتر للوصول إلى السيارات التي تنتظرهم في الضفة الأخرى من الحدود السورية وبعضهم من عاد أدراجه يجر ذيول الخيبة وهو يصفق يداً بيد خوفا من مستقبل قد يعيد ذكرى الحرب الأخيرة، ولا يعلم غير الله ان كان سيكون من عداد الموتى والشهداء أو من الأحياء.
هم ”أبناء لبنان” أو كما نقول نحن معشر الصحافيين الشارع اللبناني لم يعد يملك النفس الطويل الذي كانوا عليه، الحروب السابقة أنهكتهم وسلبتهم الأمن والأمان وحرمتهم من أعز أقربائهم وأبنائهم، خسروا الكثير، وان كانوا قد نالوا الكرامة والعزة ”ألم ينتصر السيد حسن نصر الله لهم وللبنان وللأمة العربية جمعاء عندما انتصر انتصارا ساحقا على إسرائيل في حرب تموز؟ لم يعد أهل لبنان يهتمون لمن الغلبة والانتصار اليوم، يريدون العيش بسلام، برخاء، وبأمان، يجدون أن الوضع بات صراعا بين رؤوس كثيرة، وأن الوضع الطبيعي وان طال الزمان ينصر رأسا واحد ليدير دفة الأمور، أحدهم قال ساخرا على مصير البلد الذي بات على شفير حفرة لا يعي عمقها غير السياسيين المحنكين قال ”هُمه وعدونا أن بعد مية سنة راح تتعدل الأمور منو مشكلة راح ننتظر” فهل حقا سيطول انتظار هذا الوعد لتبقى لبنان جريحة طوال أعمارنا القصيرة.
ياسمينيات الرصاص عندما يمتزج بالرعد ياسمين خلف كانت ليلة مخيفة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، أمطار ورياح شديدة أقرب ما تك...
أحدث التعليقات