الآسيويون بشر

ياسمينيات
الآسيويون بشر
ياسمين خلف

ياسمين خلف

بدأ الجو في البحرين في سباقه المحموم في تسجيل أعلى درجات الحرارة، وبدأ اللاهوب ‘’يصلخ’’ جلودنا ويرهقنا، أسأل من يتطلب عمله الخروج للشارع ساعات الظهيرة ‘’الحارقة’’، فلا مكيف سيارة ينفع ولا الملابس القطنية تجدي، وحده التأفف من يشهد على فداحة الوضع الذي قد يأخذنا للحلم في وضع البحرين بالكامل في إطار زجاجي عازل للحرارة ‘’ومكيف بعد’’ والله يعيننا على شهر أغسطس/ آب حيث تسجل أعلى درجات الحرارة والرطوبة في المملكة.
لن يتغير الوضع طبعا فقدرنا أن يكون موقعنا الجغرافي قريب من أشعة الشمس، ولكن ‘’أرحم ترحم’’ فالآسيويون ممن يعملون في المنشآت والطرقات أكثر كما أعتقد من يذوق طعم تلك الحرارة والرطوبة، فمواد البناء والإسفلت وغيرها من المواد التي أجهلها تزيد من هذا الشعور، ومن واجب المقاولين القائمين على تلك المشروعات أن يوفروا على الأقل أدنى مواصفات الحماية لهؤلاء العمال من أشعة الشمس، إذ إن الإحصائيات المحلية تؤكد أن الغالبية العظمى من المصابين بضربات الشمس هم من الآسيويين. مشهد رأيته بأم عيني ولا أظنني سأنساه، حيث لم يجد عمال آسيويون مكاناً لأخذ قسط من الراحة غير حفرة في الأرض انتهوا لتوهم من حفرها، غطوا في سبات أشبه بالموت لا النوم، بعد أن غطوا وجوههم بخرقة بالية، متناسين الحرارة والرطوبة والغبار هنا وهناك، أليس بالإمكان مثلا توفير خيمة صغيرة لهؤلاء يتفيأون فيها ويأخذون قيلولة أو حتى يأكلون فيها غذاءهم، هل ستكلف تلك الخيمة المقاولين شيئا؟ ولم لا توفر لهم قبعات وملابس تتوافر فيها مواصفات السلامة، ولم لا توفر لهم السوائل الباردة التي تعوضهم عما يفقدونه في ساعات عملهم تلك.
هؤلاء العمال المغتربون لحفنة من الدنانير ‘’بشر’’ ولابد من النظر في وضعهم، فيومهم يبدأ مع مغادرة الطيور لأعشاشها، ولا يعودون إلى غرفهم الأشبه بعلب السردين حيث يتراصون فيها إلا مع انهيار قواهم، حيث إن أغلبهم يكابد ليضاعف أجره ويسترزق من هنا وهناك، ليتمكن من إرسال دنانير متواضعة إلى أهله، وكم واحد منهم فضل الموت باختياره وانتحر، على أن يواصل حياته بالوتيرة ذاتها.
مع ساعات المغرب تأتي الشاحنات لتقلهم إلى حيث مساكنهم، وهو مشهد آخر لابد من وضع حد له، عشرات يتراصون في خلفية الشاحنة المكشوفة، بعضهم لم يقاوم النوم من التعب فاستسلم له، فتجدهم يترنحون يمنة ويسرة، كلما دعس السائق الكابح، ماذا سيحدث لو تعرضت الحافلة لحادث أليس من المحتمل أن تسجل كارثة؟ كثيرا ما كنت أقرأ الكلام في عيونهم عندما أكون بالسيارة خلفهم ‘’وغالبا ما كنت أحاول أن أبتعد لأتحاشى المنظر’’ وكأنما يلعنون الدنيا التي جعلت منهم عمالاً بسطاء يستقلون الحافلة يوميا بعد أن تعصرهم الشمس وتستنفد ما بقي منهم من طاقة، ولنتذكر دوما بأننا جميعا مساءلون.

العدد 457 – الأربعاء 6 جمادة الأولى 1428 هـ – 23 مايو 2007

ياسمينيات
الآسيويون بشر
ياسمين خلف

ياسمين خلف

بدأ الجو في البحرين في سباقه المحموم في تسجيل أعلى درجات الحرارة، وبدأ اللاهوب ‘’يصلخ’’ جلودنا ويرهقنا، أسأل من يتطلب عمله الخروج للشارع ساعات الظهيرة ‘’الحارقة’’، فلا مكيف سيارة ينفع ولا الملابس القطنية تجدي، وحده التأفف من يشهد على فداحة الوضع الذي قد يأخذنا للحلم في وضع البحرين بالكامل في إطار زجاجي عازل للحرارة ‘’ومكيف بعد’’ والله يعيننا على شهر أغسطس/ آب حيث تسجل أعلى درجات الحرارة والرطوبة في المملكة.
لن يتغير الوضع طبعا فقدرنا أن يكون موقعنا الجغرافي قريب من أشعة الشمس، ولكن ‘’أرحم ترحم’’ فالآسيويون ممن يعملون في المنشآت والطرقات أكثر كما أعتقد من يذوق طعم تلك الحرارة والرطوبة، فمواد البناء والإسفلت وغيرها من المواد التي أجهلها تزيد من هذا الشعور، ومن واجب المقاولين القائمين على تلك المشروعات أن يوفروا على الأقل أدنى مواصفات الحماية لهؤلاء العمال من أشعة الشمس، إذ إن الإحصائيات المحلية تؤكد أن الغالبية العظمى من المصابين بضربات الشمس هم من الآسيويين. مشهد رأيته بأم عيني ولا أظنني سأنساه، حيث لم يجد عمال آسيويون مكاناً لأخذ قسط من الراحة غير حفرة في الأرض انتهوا لتوهم من حفرها، غطوا في سبات أشبه بالموت لا النوم، بعد أن غطوا وجوههم بخرقة بالية، متناسين الحرارة والرطوبة والغبار هنا وهناك، أليس بالإمكان مثلا توفير خيمة صغيرة لهؤلاء يتفيأون فيها ويأخذون قيلولة أو حتى يأكلون فيها غذاءهم، هل ستكلف تلك الخيمة المقاولين شيئا؟ ولم لا توفر لهم قبعات وملابس تتوافر فيها مواصفات السلامة، ولم لا توفر لهم السوائل الباردة التي تعوضهم عما يفقدونه في ساعات عملهم تلك.
هؤلاء العمال المغتربون لحفنة من الدنانير ‘’بشر’’ ولابد من النظر في وضعهم، فيومهم يبدأ مع مغادرة الطيور لأعشاشها، ولا يعودون إلى غرفهم الأشبه بعلب السردين حيث يتراصون فيها إلا مع انهيار قواهم، حيث إن أغلبهم يكابد ليضاعف أجره ويسترزق من هنا وهناك، ليتمكن من إرسال دنانير متواضعة إلى أهله، وكم واحد منهم فضل الموت باختياره وانتحر، على أن يواصل حياته بالوتيرة ذاتها.
مع ساعات المغرب تأتي الشاحنات لتقلهم إلى حيث مساكنهم، وهو مشهد آخر لابد من وضع حد له، عشرات يتراصون في خلفية الشاحنة المكشوفة، بعضهم لم يقاوم النوم من التعب فاستسلم له، فتجدهم يترنحون يمنة ويسرة، كلما دعس السائق الكابح، ماذا سيحدث لو تعرضت الحافلة لحادث أليس من المحتمل أن تسجل كارثة؟ كثيرا ما كنت أقرأ الكلام في عيونهم عندما أكون بالسيارة خلفهم ‘’وغالبا ما كنت أحاول أن أبتعد لأتحاشى المنظر’’ وكأنما يلعنون الدنيا التي جعلت منهم عمالاً بسطاء يستقلون الحافلة يوميا بعد أن تعصرهم الشمس وتستنفد ما بقي منهم من طاقة، ولنتذكر دوما بأننا جميعا مساءلون.

العدد 457 – الأربعاء 6 جمادة الأولى 1428 هـ – 23 مايو 2007

عن الكاتب

تدوينات متعلقة

One Comment on “الآسيويون بشر

  1. تعليق #1
    You are a humanist in an inhuman society.
    K Desouki الأربعاء 23 مايو 2007
    تعليق #2
    ان مايتعرض له الاسيوين يتعرض له البحرنيين ايضا و من مثل هؤلاء المقاولين الجشعين . وللأمانة رايت المقاول الذي بنى بيتي كان يغير وقت العمل في الصيف من 4:30 صباحا الى 12:30 ظهرا وبذلك يجنبهم حر الشمس.
    مقال يدل على حس مرهف و انسانية عالية, على القوة
    ali الأربعاء 23 مايو 2007
    تعليق #3
    نعم – أنه لا اجمل من أن يشعر المرء بما يشعر الغير حزناً وفرحا .
    وقليل من اصل القليل جداً – أن نلقى أناس امرهم ربما جيد ورقبتهم تلتفت لمن يكن دون المستوى, واعينهم تلمع بنكسار وقلبهم يلهف حزناً .
    تبقى أختي دائماً هي في مقدمة هذه الصفوه _
    كلماتها الناعمه ( حكيمه )
    أدبها الملموس ( راقي )

    اتجاهاتها تدل دائما وأبداً على وجود كائن حي داخل هذا الجسد الصغير – ينبض بالحب والخير معاً .

    أعلمي أختي الفاضله – أنه وأن لم يتخذ المسئولون التغيير سبيلا ,
    فسيظل وقتكي وتعبكي ليس بضائع _
    *لكي من الخير الكثير عند ربكِ العليم*
    ما أستطعتِ فعله فعلتيه الباقي يبقى على المعنين وأتمنى أن يشاء الله ويوفقهم _

    الكاتبه ياسمين _ يدكِ الناعمه باتت تحمل قلم من رصاص اخشى دائماً عليكي منه ( أأمل ألا تصل حرارة تلك الرصاصات الى يدكِ ………..
    ,أخيراً ” ما استطيع أن اقوله لمن يمثلون دور المجني عليه في هذه الحلقه هو _
    ( يوجد دائماً من هو أشقى منك , فأبتسم …. لأنك لو زرعت ( ليت ) أو ( لا ) فسوف تجني ( لا شيء) …!
    ( وحاول أنت أن تعتني بصحتك قدر الأمكان فأنك لو كنت تملك كونوز الدنيا كلها كنوزها لا تغني عن صحتك شي.
    HOU HUD الأربعاء 23 مايو 2007
    تعليق #4
    تحية للكاتبة و للقراء الأعزاء

    المقال و كما تعودنا من الكاتبة , يحاكي الواقع, و أخاله لن يجد ذلك الصدى في أوساط المقاولين الجشعين.. هكذا أمور دائما ما تكون نابعة من ثقافة التعامل مع الآخر … أعرف من الآخر تعرف ماهية التعامل…. نحن المسلمون و للاسف الشديد تمسكنا بالقشور و تركنا اللب لغيرنا … الإسلام جاء ليتمم الأخلاق و المسلمون اليوم جاؤو ا ليجتثوها من أصولها و منابعها… أين هي حسن المعاملة و أين هي رحمة الضعيف …. أهكذا عمل يوجد في غير بلاد المسلمين؟ … كم هو مألم أن ترى آسيويا يتقيئ سائلا … حيث لم يجد الزاد … اين هي الرحمة … سيد البلغاء يقول ما مؤداه ” و أعلم بأن الناس صنفان … إما أخ لك في الدين , أو أخ لك في الخليقة” , فأنظروا أيها المقاولون أي من هاتين تختارون !

    أتمنى من الكاتبة (مع التقدير) الكتابة عن تفشي ظاهرة أنتشار الأمراض الجنسية عند الشباب, و لكن باسلوب أدبي وليس علمي

    تحياتي
    أبو علي الأربعاء 23 مايو 2007
    تعليق #5
    لقد اصبتي فيما كتبتي .. هؤلاء بشر ولولا حاجتهم لحفنة الدنانير هذه ما تغربوا وما تحملوا كل هذه الاهوال .. فلا ضيم اكبر من ضيم الغربة والابتعاد عن الاهل .. اضافة الى ما تلاقيه هذه الفئة من احتقار .. واستعباد .. في سبيل لقمة العيش .. لا اخفيك سرا بأنني احيانا اشعر بالاسى الشديد لحال هذه الفئة .. يجب على المقاولين التفكير قليلا بضمير انساني .. والابتعاد عن الطمع والاستعباد !!

    شكــرا ياسمين على هذه المقالة الانسانية الواعية ..
    NONAA الأربعاء 23 مايو 2007
    تعليق #6
    كل ما جاء في المقال صحيح مئة بالمئة، ولكن اعتقد ان هناك مطالب لا تقل اهمية إنسانية عما ذكره المقال، اهمها هو اعطاء هؤلاء العاملين حقوقهم، فالكثير من المقاولين واصحاب الشركات يستمتعون بأكل ما (الفقراء) وتهديدهم كل لحظة بالتسفير، وكأنهم ملكوا الأرض والانسان والحق، وكذلك ارجو النظر في (تجارة الرقيق) المنتشرة هذه الأيام من خلال ما يعرف بالفري فيزا، حيث ان هؤلاء العمال لا حقوق لهم على الاطلاق، عدا عن انهم يدفعو المبالغ الطائلة للقدوم الى البلاد، ومن ثم فلا شيء لهم سوا الحر والتعق والارهاق.. وربما الموت انتحارا او قهراً او فقرا…
    ابو الهيثم الأربعاء 23 مايو 2007
    تعليق #7
    نعم وألف نعم للقلب الطيب الحنون أسال الله أن يوفقك و يوفق قلمك الشريف لما هو فية خير لصالح من هم بحاجة لقلمك
    أم فراس الأربعاء 23 مايو 2007
    تعليق #8
    ياريت ياخت ياسمين كل الناس عندهم نفس مشاعرك واحاسيسك دى بجد والله الله يكرمك ويارب يكلامك ده يأثر فى الناس وخصوصا هنا فى دولة الامارات حيث اننى اعمل بها ويوميا ارى بعينى هذا المشهد يتكرر دائما
    محاسب / هانى حسن
    هانى المصرى الخميس 24 مايو 2007
    تعليق #9
    شكراً اخت ياسمين

    وانا اقرأ مقالتكِ هذه احسست وكان احد يقرأ ما بداخلي وما كتب انما هو شعور التمسه عندما أمر بالقرب من هؤلاء العمال المغلوبين على امرهم

    ولا يسعني الا ان اقول لكِ شكراً جزيلا نيابة عني وعلى لسان هؤلاء المستضعفين الذي لا حول لهم ولا قوة
    أما الموقاولين فاقول قال تعالى (لهم إنما المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك واعظم اجرا )
    عبدالهادي الخلاقي الخميس 24 مايو 2007
    تعليق #10
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
    تحية طيبة وبعد

    لقد قرات مقالكى الجميل الذى يمثل في صورة انسانيه رائعة

    واتمنى من الله عز وجل ان يبارك لكى كل الحطوات التى تتخطينها

    المعجب بالمقال / فيصل

    فيصل / البحرين السبت 26 مايو 2007

    رد

اكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.