الإخــوة الأعـــداء

ياسمينيات
الإخــوة الأعـــداء
ياسمين خلف

ياسمين خلف

هل تساوي بضعة أملاك أن يخسر الإنسان أهله؟ بعواطفنا وبالمنطق أيضا سنقول لا وألف لا، فالأموال تذهب وتأتي ولكن الإنسان لن يستطيع أن يحصل على أخ أو أخت بعد أن يموت والداه أو أحدهما، وسيقول البعض أيضا بأن الفلوس ”وسخ” دنيا، يجب أن لا نترك لها المجال لتخلق الحرب على أعز وأقرب الناس إلينا، وسنقول وسنقول ولكن الواقع يقول أشياء أخرى يقول إن الأخ قد يقتل أخاه لبضعة دنانير، ويقول إن الأخت قد تنسى يوما أنها كانت يوما في رحم واحد مع أختها وأخيها، وتتذكر فقط الأموال التي تعمي قلبها، وسنرى الأخ يسرق مال أخيه ويطرد أخته من المنزل إذا ما أغرت الأموال عينيه بل وأعمته، متناسيا عقاب الله.
هذا ما تخلفه الورثة للأبناء، يتناحرون حتى تصل بهم العداوة إلى المحاكم ويتوارث أبناؤهم الحقد لأجيال، سل القضاة عن عدد القضايا في المحاكم وسلهم عن العداوة التي خلقتها بين الإخوة والأخوات، حتى غدوا بين ليلة وضحاها ألد الأعداء بعد أن كانوا أشقاء، لأجل ماذا لأجل أملاك أو أموال لا تدوم، فلو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم، قف قليلا على بعض البيوت المهجورة القديمة منها والجديدة وستجد أن من ورائها ورثة لم يصلوا إلى اتفاق يرضيهم فبقيت هكذا كالوقف الذي لا يمكن الاستفادة منه، وإن التفتَّ حولك قليلا رأيت أن فلاناً ذا المال والجاه لم يتعب في بناء أسطورته وإنما حصل عليها من ورثة أبيه وبعد أن ”أكل” مال أخته وأخيه، فكيف للمال والأملاك أن تنسي الإنسان من كان يوما شقيقه؟ لا عجب والله جل جلاله يقول ”وتحبون المال حبا جما وتأكلون التراث أكلا لما” صدق الله العلي العظيم.
هناك من الآباء من أراد أن يكفي أبناءه شر القتال على الأموال، ليحفظ لهم حقوقهم من جهة وليبقيهم أحباء من جهة أخرى، فآثروا تقسيم ثروتهم من أموال وأملاك في حياتهم، وإن كانت هذه الطريقة تجدي عند البعض إلا أنها ليست كذلك عند البعض الآخر الذي همه أن يكون الأكثر مالا، فإما أنه يستغل جهل إخوانه في إدارة الأموال ويأكل حقهم بوجود أبيهم، وإما أن يهضم حق أبيه فيأخذ ماله وينساه، بل إن البعض منهم تجده يستعجل حصوله على ورثته من أبيه وكأنه يدعو عليه بالموت، فلا تردعه حقوق والده عليه فيرفع قضية للحجر على أمواله ليمنعه من التصرف فيها حتى وإن كان ذلك بالادعاء بأنه وصل إلى مرحلة الخرف ولا يستطيع عندها التصرف المتزن في أمواله، عجبي من أناس ”يتذابحون” على أموال هي في الأساس لم يتعبوا فيها ولم تأت من جهدهم ولا من عرق جبينهم، والتي ما هي إلا هدية يقدمها لهم آباؤهم بعد أن تغمض أعينهم ويتوسدون التربة وكأنهم لا يرون أن من سبقهم إليها لم يأخذوا منها شيئا سوى أعمالهم.

العدد 552 – الأحد 13 شعبان 1428 هـ – 26 أغسطس 2007

 

ياسمينيات
الإخــوة الأعـــداء
ياسمين خلف

ياسمين خلف

هل تساوي بضعة أملاك أن يخسر الإنسان أهله؟ بعواطفنا وبالمنطق أيضا سنقول لا وألف لا، فالأموال تذهب وتأتي ولكن الإنسان لن يستطيع أن يحصل على أخ أو أخت بعد أن يموت والداه أو أحدهما، وسيقول البعض أيضا بأن الفلوس ”وسخ” دنيا، يجب أن لا نترك لها المجال لتخلق الحرب على أعز وأقرب الناس إلينا، وسنقول وسنقول ولكن الواقع يقول أشياء أخرى يقول إن الأخ قد يقتل أخاه لبضعة دنانير، ويقول إن الأخت قد تنسى يوما أنها كانت يوما في رحم واحد مع أختها وأخيها، وتتذكر فقط الأموال التي تعمي قلبها، وسنرى الأخ يسرق مال أخيه ويطرد أخته من المنزل إذا ما أغرت الأموال عينيه بل وأعمته، متناسيا عقاب الله.
هذا ما تخلفه الورثة للأبناء، يتناحرون حتى تصل بهم العداوة إلى المحاكم ويتوارث أبناؤهم الحقد لأجيال، سل القضاة عن عدد القضايا في المحاكم وسلهم عن العداوة التي خلقتها بين الإخوة والأخوات، حتى غدوا بين ليلة وضحاها ألد الأعداء بعد أن كانوا أشقاء، لأجل ماذا لأجل أملاك أو أموال لا تدوم، فلو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم، قف قليلا على بعض البيوت المهجورة القديمة منها والجديدة وستجد أن من ورائها ورثة لم يصلوا إلى اتفاق يرضيهم فبقيت هكذا كالوقف الذي لا يمكن الاستفادة منه، وإن التفتَّ حولك قليلا رأيت أن فلاناً ذا المال والجاه لم يتعب في بناء أسطورته وإنما حصل عليها من ورثة أبيه وبعد أن ”أكل” مال أخته وأخيه، فكيف للمال والأملاك أن تنسي الإنسان من كان يوما شقيقه؟ لا عجب والله جل جلاله يقول ”وتحبون المال حبا جما وتأكلون التراث أكلا لما” صدق الله العلي العظيم.
هناك من الآباء من أراد أن يكفي أبناءه شر القتال على الأموال، ليحفظ لهم حقوقهم من جهة وليبقيهم أحباء من جهة أخرى، فآثروا تقسيم ثروتهم من أموال وأملاك في حياتهم، وإن كانت هذه الطريقة تجدي عند البعض إلا أنها ليست كذلك عند البعض الآخر الذي همه أن يكون الأكثر مالا، فإما أنه يستغل جهل إخوانه في إدارة الأموال ويأكل حقهم بوجود أبيهم، وإما أن يهضم حق أبيه فيأخذ ماله وينساه، بل إن البعض منهم تجده يستعجل حصوله على ورثته من أبيه وكأنه يدعو عليه بالموت، فلا تردعه حقوق والده عليه فيرفع قضية للحجر على أمواله ليمنعه من التصرف فيها حتى وإن كان ذلك بالادعاء بأنه وصل إلى مرحلة الخرف ولا يستطيع عندها التصرف المتزن في أمواله، عجبي من أناس ”يتذابحون” على أموال هي في الأساس لم يتعبوا فيها ولم تأت من جهدهم ولا من عرق جبينهم، والتي ما هي إلا هدية يقدمها لهم آباؤهم بعد أن تغمض أعينهم ويتوسدون التربة وكأنهم لا يرون أن من سبقهم إليها لم يأخذوا منها شيئا سوى أعمالهم.

العدد 552 – الأحد 13 شعبان 1428 هـ – 26 أغسطس 2007

 

عن الكاتب

تدوينات متعلقة

One Comment on “الإخــوة الأعـــداء

  1. تعليق #1
    فعلا ليس الغنى غنى المال

    وانما الغنى غنى النفس
    وان نكون اغنياء بكثرةالاحباب حولينا

    سليمان الأحد 26 أغسطس 2007
    تعليق #2
    تحية وبعد…
    كان هناك رجل مسن من أحدى مناطق البحرين عنده أرض كبيرة (مزرعة) جاءه عرض ليبيع الأرض بمبلغ كبير بالنسبة له و لأبنائه فبادر إلى بيعها و قبض المبلغ نقدا و كان الرجل المسن أميا فما كان منه إلا أن طلب من إبنه الأكبر أن يودعها في البنك في حساب الإبن طبعا و بعد فترة ليس بالطويلة (ثلاث سنوات على الأرجح) توفي الأب و كان الأخوة الآخرين ينتظرون أخاهم الكبير أن يكلمهم في الورث إلا أنه يتظاهر بعدم معرفة ماينتظرون منه بعد فترة طلب أحد الأخوة منه أن يقوم بما شرع الله في أمور الإرث. تصوروا ماذا قال؟ قال: أي إرث أبوكم مات حافي منتف ماعنده شي…فردوا أخوانه بيزات المزرعة الي عطاك إياها قبل ثلاث سنوات…فقال لهم: أي بيزات؟ عندكم شي يثبت إن عطاني فلوس… ما عطاني و لا فلس.

    صحيح أن الفلوس تغير النفوس
    بوعادل الأحد 26 أغسطس 2007
    تعليق #3
    صباح الورد اختي ياسمين واشكركِ على مواضيعكِ المميزة فعلاً وانا اسف على الفترة الماضية في عدم تواصلي معكِ بسبب سفري لمدة شهر كامل وبعد رجوعي لكِ الوعد بتواصلي مره ثانية اختي العزيزة ياسمين
    فعلا ً المال عمى عيون كل الناس واصبحت الحياة مادية اكثر منها وفاء واخوه وصداقه ولي موقف انا حصل في بعض الوقت ولكن لايسع الوقت بذكره شكراً اختي على مواضيعك وهذا للتواصل بيننا على الايميل
    vip_love44@hotmail.com
    صرخة ألم الأحد 26 أغسطس 2007
    تعليق #4
    بالحقيقة كل ما تذهب له الفاضلة ياسمين هي حقائق الايرقى لها الشك وهي بديهيات في ضل غياب الفضيلة والرقابة الذاتية التي ابتعدت كلما ابتعدنا نحو الماديات وما يلازمها من سبل الصيد السهل
    خالد شاتي/كاتب وقاص عراقي
    k_nebat@yahoo.coom
    خالد شاتي الأحد 26 أغسطس 2007
    تعليق #5
    قال أبو القاسم حسين بن محمد الراغب الأصفهاني في كتابه الجامع «محاضرات الأدباء ومحاورات البلغاء والشعراء» الجزء الثاني ص499 تحت عنوان «تشاحح الناس بالمال»:
    لما ضُربت الدراهم والدنانير صرخ إبليس صرخة.. وجمع أصحابه فقال:

    قد وجدتُ ما استغنيتُ به عنكم في تضليل الناس، فالأب يقتل ابنه، والابن يقتل أباه بسببه»!!

    قلت:

    وأظن أن إبليس – لعنه الله ولعن كل شيطان، حين اختُرعت الفلوس قد فَصَلَ مليون شيطان على الأقل، وبَصَقَ في وجوههم مكافأة نهاية خدمة..!

    خاتمة شيطان!!

    ٭٭٭

    والواقع المُشاهد في هذه الحياة، والمقروء في أسفار التاريخ، أنَّ الفلوس كانت من أكبر أسباب الفساد في هذه الأرض، ومن أكبر مسببات سفك الدماء، وقطع الصلات بين الأقارب، وتغيُّر الأصدقاء على الأصدقاء، بل هي من أكبر أسباب قيام الحروب، وخراب البلدان، واستعمار الضعفاء، واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ومن أعظم الدوافع للخراب والدمار، والفتن ما ظهر منها وما بطن، وهي السبب الرئيسي في فساد الذمم والأخلاق، وانتشار الرياء والنفاق، وانحراف الموازين الاجتماعية، وانتشار الظلم والاضطهاد، وانهيار القيم والمبادئ، وانهزام الضمائر، وظهور الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس..

    وليس للمال من حد يحده في الفساد والإفساد إلا الدين الصحيح المستقر في الأعماق، والتربية القويمة بالقدوة الصالحة منذ الصغر، وبدون هذا فإن التكالب على المال يعمي البصائر والأبصار، ويكاد يطمس معالم الأخلاق، ويريح إبليس اللعين من جيش من الشياطين، فالتهالك على المال بالحلال والحرام، وابتكار أغرب السُبل لنهب المال ونشر شبكة الفساد، يطغى على أكثر البشر في هذه الأرض، فيتعاونون على الإثم والعدوان، ويبدعون في اختراع الوسائل لأكل أموال الناس بالباطل، وبعضهم ينافق ويرائي لأجل عيون المال فقط:

    صلى وصام لأمر كان يطلبه

    فلما انقضى لا صلى ولا صاما

    وهذا من عبيد المال وما أكثرهم قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار» وقال ما معناه: «إني لا أخشى عليكم من الفقر ولكن من أن تفتح لكم الدنيا كنوزها فتنافسوها فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم».

    والمثل العالمي يقول: «الأرض الخصبة موحلة» فكلما كثر المال وكثرت الفرص خفت صوت الضمير والأخلاق وانتشر التحايل والغش والفساد وانتصر إبليس مع استغنائه عن الأعوان..

    التكالب

    وعبارة (التكالب على المال أو التكالب على الدنيا) وهي ترد كثيراً في تراثنا الأدبي وأشعارنا.. ليست تقبيحاً لحيازة المال بالحلال.. فهذا أمر مشروع وجميل ويدفع للعمل والإنتاج، ولكنها تصوير لقبح الفساد المالي حين يتسابق الكثيرون على الاحتيال والتدليس والغش وطرق الفساد، فقد (تكالبوا) مشتقة من (الكلاب) حين تتضارب على عظم ويعوي بعضها على بعض وتخرج أنيابها، وهذا معنى قول الإمام الشافعي:

    ومن يذُق الدنيا فإني طعمتها

    وسيق الينا عذبها وعذابها

    فلم أرها إلا غروراً وباطلاً

    كما لاح في ظهر الفلاة سرابها

    وما هي إلا جيفة مستحيلة

    عليها كلاب همهنَّ اجتذابها

    فإن تجنبتها كنت سلماً لأهلها

    وإن تجتذبها نازعتك كلابها!

    والغريب أن أشد الناس حرصاً على المال وظمأً له لا يرتوي أبداً هم من اعتادوا الفساد وباعوا في سبيل المال الضمائر والأخلاق وشخصت أعينهم إلى عبادة المال وكنزه بالحلال والحرام والإسراع إليه زرافات ووحدانا يركض الواحد منهم «ينبط الحصا» من تحته ويضرب كل من وقف في طريقه ممن يقدر عليه ويذل لكل من لا يقدر عليه أو من يستفيد منه، والذي ليس غريباً أن مثل هذا لا يهنأ بماله ولا بوقته ولا يحتفظ بأخلاقه وسلامة ضمائره وراحة باله وإنما هو مسرع إلى المال مندفع قد نصب المال غاية أو ربَّا والعياذ بالله حتى يسقط بالسكتة القبلية تاركاً أمواله الهائلة لوراثه وعليه حسابها..

    ٭٭٭

    إن السعي الشريف لجمع المال بهدف تحسين الحال وتحقيق المكارم وأداء الحقوق أمر مطلوب وجميل ومندوب ونافع للفرد والمجتمع فهو يحض على العمل والإنتاج فينفع صاحبه وينفع الاقتصاد، وصاحبه يكون في العادة ذا نفس طيبة أما الآخر الذي يعبد المال ويعده غاية لا وسيلة، فهو فقير نفس فقير أخلاق يخوض إلى المال أوحال الغش والاحتيال والفساد، وهذا ما نلاحظه مع الأسف لدى بعض المضاربين في سوق الأسهم يغررون بصغار المتداولين بشتى الطرق ولا مانع لديهم من التدوير وإعطاء الانطباع بارتفاع سهم لا يستحق الارتفاع حتى يغروا الأجاويد بالشراء ثم يعلقونهم في الفضاء ويخسرونهم أمرَّ الخسائر، مع أن هؤلاء المضاربين أغنياء بالمال ولكنه الطمع وعدم الرضا وعدم الإحساس بالفرق بين الجميل والقبيح، فبريق المال كثيراً ما يطمس البصائر ويعمي الأبصار.

    ٭٭٭

    إنَّ الإضرار بالناس من أقبح الذنوب والجرائم، وَمَنْ يغرر بصغار المساهمين ويعطي انطباعاً غير حقيقي بارتفاع سهم لا يستحق بهدف الإيقاع بالناس وأخذ أموالهم قد أضرَّ بهم إلى أبعد حد، وفيهم من اقترض وفيهم من حاله حال، والتغرير لا يصح ولا يجوز في كل الملل والأخلاق حتى بالأثرياء فما بالك بمحدودي الدخل والمقترضين على الرواتب حين يخدعهم بعض المضاربين ويسلبون أموالهم؟ ومن يفعلها ليس في عيشة راضية

    الدكتور حداد الأحد 26 أغسطس 2007

    رد

اكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.