ثلاثة.. أو أربعة حروف

ياسمينيات
ثلاثة.. أو أربعة حروف
ياسمين خلف

ياسمين خلف

ثلاثة حروف أو أربعة عسيرة على اللسان، سهلة إذا ما أراد أحدنا أن يقرب المسافات ويكسر جليد الغضب أو حتى «الزعل» وسوء الفهم، إلا أن قلة من الناس من يكونون شجعاناً ويقولونها. «آسف» أو «آسفة»، لا أظنها بالكلمة المستحيلة التي في كثير من الأحيان قولها يكون نتاج تربية حميدة والتغاضي عنها يندرج في خانة العيب.
حياتنا تزخر بنماذج لم تعرف في عمرها كله هذه الكلمة، بل تعتبرها إنقاصاً في الشأن أو حتى دعساً للكرامة، فيتعنتون وآخر ما يفكرون فيه هو نطق هذه الحروف، بل قد يدركون في قرارة أنفسهم بأنهم مخطئون، ولكن آخر ما يفكرون فيه هو الوقوف أمام يدي الطرف الآخر ليعترفوا أمامه بأنهم كذلك ويقولون مثلاً «آسف، لك كل الحق في الزعل».
قد يقول قائل إن هذا الموضوع لا يستحق الطرح، وإن كنت حقاً أجد عكس ذلك، فهناك من الناس من يغفل هذه الجزئية ويحتاج إلى تذكير أو حتى الاستيقاظ من نومه الطويل.
أحدهم وقبل أيام قليلة وأمثاله كثر، سد بسيارته منفذ الخروج وظللت لأكثر من نصف ساعة أنتظر وعدد من العمال الآسيويين يبحثون عن صاحب السيارة الذي «ولا على باله»، فهمه الوحيد أن يحصل على موقف في الظل بعيداً عن أشعة الشمس، ليذهب الآخرون إلى الجحيم، رغم أن المواقف الأخرى شاغرة، إلى أن جاء أحد العمال وعرف صاحب السيارة ليدلنا على منزله. طرقت الباب وكنت متوقعة أن يفتحه ويعتذر عما بدر منه، ولكن المفاجأة التي ألجمت فمي أنه كما الحائط هز رأسه كتعبير عن قدومه لتحريك سيارته ولا شيء آخر. لا أخفي إنْ قلت إن النار اشتعلت في داخلي، فنصف ساعة وأنا واقفة في الشارع وتأخرت عن عملي وحتى كلمة «آسف» لم يقلها وكأنه لم يخطئ ولم يفعل شيئاً يتطلب منه الاعتذار، ورغم ذلك قلت في نفسي: لربما يأتي أثناء تحريك سيارته ويعتذر، ليحطم كل توقعاتي.. وعندما دخل سيارته كما لو كان يعاني من البكم.
ما أردت قوله إن نطق هذه الكلمة لن يكلف الإنسان شيئاً، بل على العكس ستكون وسيط خير وستجعل الطرف الآخر يتنازل عن حقه، لا أن يتشبث برأيه بأن خصمه أخطأ في حقه ولا يستحق منه العفو، ويكون في نظره أنموذجاً للإنسان غير المحترم ولو كان كذلك لاحترم غيره. الغريب حقاً أن بعض الناس ينسى أو يتناسى أن الإسلام دين أخلاق وتعامل، وأن ليس من صفات المسلم إلحاق الضرر بالغير والتكبر على عباده، ففي مثل الحالة السابقة ماذا لو كانت هناك حالة طارئة وتحتاج إلى النقل وبسرعة إلى المستشفى، وكانت سيارة أحدهم كما أخينا واقفة في المكان الخطأ؟ أليس ذلك ضرراً ألحقه بأخيه المسلم؟
الأمر لا يقتصر على العلاقات بين المرء ومن حوله من الناس والأصدقاء، بل تتعمق حتى في علاقة المرء بأسرته وأقرب الناس إليه زوجته مثلاً أو إخوانه وأخواته، بل حتى والديه، وكم من علاقات تصدعت لمكابرة أحدهم وإصراره على ألا يعتذر كأن يرى أن من «العيب» أن يعتذر لأخيه الأصغر منه مثلاً، وينسى أن «العيب» هو الخطأ في حق الغير وعدم إبداء الندم ولو بكلمة لا تتعدى الحروف الثلاثة أو الأربعة.

العدد 674 – الاربعاء 16 ذو الحجة 1428 هـ – 26 ديسمبر

ياسمينيات
ثلاثة.. أو أربعة حروف
ياسمين خلف

ياسمين خلف

ثلاثة حروف أو أربعة عسيرة على اللسان، سهلة إذا ما أراد أحدنا أن يقرب المسافات ويكسر جليد الغضب أو حتى «الزعل» وسوء الفهم، إلا أن قلة من الناس من يكونون شجعاناً ويقولونها. «آسف» أو «آسفة»، لا أظنها بالكلمة المستحيلة التي في كثير من الأحيان قولها يكون نتاج تربية حميدة والتغاضي عنها يندرج في خانة العيب.
حياتنا تزخر بنماذج لم تعرف في عمرها كله هذه الكلمة، بل تعتبرها إنقاصاً في الشأن أو حتى دعساً للكرامة، فيتعنتون وآخر ما يفكرون فيه هو نطق هذه الحروف، بل قد يدركون في قرارة أنفسهم بأنهم مخطئون، ولكن آخر ما يفكرون فيه هو الوقوف أمام يدي الطرف الآخر ليعترفوا أمامه بأنهم كذلك ويقولون مثلاً «آسف، لك كل الحق في الزعل».
قد يقول قائل إن هذا الموضوع لا يستحق الطرح، وإن كنت حقاً أجد عكس ذلك، فهناك من الناس من يغفل هذه الجزئية ويحتاج إلى تذكير أو حتى الاستيقاظ من نومه الطويل.
أحدهم وقبل أيام قليلة وأمثاله كثر، سد بسيارته منفذ الخروج وظللت لأكثر من نصف ساعة أنتظر وعدد من العمال الآسيويين يبحثون عن صاحب السيارة الذي «ولا على باله»، فهمه الوحيد أن يحصل على موقف في الظل بعيداً عن أشعة الشمس، ليذهب الآخرون إلى الجحيم، رغم أن المواقف الأخرى شاغرة، إلى أن جاء أحد العمال وعرف صاحب السيارة ليدلنا على منزله. طرقت الباب وكنت متوقعة أن يفتحه ويعتذر عما بدر منه، ولكن المفاجأة التي ألجمت فمي أنه كما الحائط هز رأسه كتعبير عن قدومه لتحريك سيارته ولا شيء آخر. لا أخفي إنْ قلت إن النار اشتعلت في داخلي، فنصف ساعة وأنا واقفة في الشارع وتأخرت عن عملي وحتى كلمة «آسف» لم يقلها وكأنه لم يخطئ ولم يفعل شيئاً يتطلب منه الاعتذار، ورغم ذلك قلت في نفسي: لربما يأتي أثناء تحريك سيارته ويعتذر، ليحطم كل توقعاتي.. وعندما دخل سيارته كما لو كان يعاني من البكم.
ما أردت قوله إن نطق هذه الكلمة لن يكلف الإنسان شيئاً، بل على العكس ستكون وسيط خير وستجعل الطرف الآخر يتنازل عن حقه، لا أن يتشبث برأيه بأن خصمه أخطأ في حقه ولا يستحق منه العفو، ويكون في نظره أنموذجاً للإنسان غير المحترم ولو كان كذلك لاحترم غيره. الغريب حقاً أن بعض الناس ينسى أو يتناسى أن الإسلام دين أخلاق وتعامل، وأن ليس من صفات المسلم إلحاق الضرر بالغير والتكبر على عباده، ففي مثل الحالة السابقة ماذا لو كانت هناك حالة طارئة وتحتاج إلى النقل وبسرعة إلى المستشفى، وكانت سيارة أحدهم كما أخينا واقفة في المكان الخطأ؟ أليس ذلك ضرراً ألحقه بأخيه المسلم؟
الأمر لا يقتصر على العلاقات بين المرء ومن حوله من الناس والأصدقاء، بل تتعمق حتى في علاقة المرء بأسرته وأقرب الناس إليه زوجته مثلاً أو إخوانه وأخواته، بل حتى والديه، وكم من علاقات تصدعت لمكابرة أحدهم وإصراره على ألا يعتذر كأن يرى أن من «العيب» أن يعتذر لأخيه الأصغر منه مثلاً، وينسى أن «العيب» هو الخطأ في حق الغير وعدم إبداء الندم ولو بكلمة لا تتعدى الحروف الثلاثة أو الأربعة.

العدد 674 – الاربعاء 16 ذو الحجة 1428 هـ – 26 ديسمبر

عن الكاتب

تدوينات متعلقة

One Comment on “ثلاثة.. أو أربعة حروف

  1. تعليق #1
    علاقة المرء بأسرته وأقرب الناس إليه زوجته مثلاً أو إخوانه وأخواته، بل حتى والديه، وكم من علاقات تصدعت لمكابرة أحدهم وإصراره على ألا يعتذر كأن يرى أن من «العيب» أن يعتذر لأخيه الأصغر منه مثلاً، وينسى أن «العيب» هو الخطأ في حق الغير وعدم إبداء الندم ولو بكلمة لا تتعدى الحروف الثلاثة أو الأربعة. كلام جميل ورائع سلمت يداك وقلمك فلا يخفى على الجميع بأن ياسمين من الكتاب الرائعين والمتفوقين في نقل وكتابة الاخبار الحقيقية التي تمس ونتعايشها في حياتنا
    شكرا جزيلا لك
    تراب الوطن الأربعاء 26 ديسمبر 2007
    تعليق #2
    تحياتي اولا لاداره الجريده والتي نتابعها ونقراها نحن بالامارات لوجود مبدعين بالكتابه وطرح المواضيع امثال الصحفيه ياسمين خلف اما عن المقال فهناك اناس بلاعقل ولااحترام للاخرين ولا للقوانين والكلمه الطيبه مطلوبه والاعتذار مطلوب وهو شجاعه ورجاحه عقل
    صلاح الحميدي الأربعاء 26 ديسمبر 2007
    تعليق #3
    حلو كتير الله يوفقك
    احمد الأربعاء 26 ديسمبر 2007
    تعليق #4
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الى الأخت المتألقة ياسمين خلف في البداية أحب أن أهنئك على مقالاتك الرائعة والمتميزة وأشكرك على طرح المواضيع التي يمكن أن نطلق على بعضها بالحساسة والتي تحتاج الى وقفة تفكر وتأمل ، آملا من الله العزيز القدير أن يوفقك في عملك وترتقين الى أعلى المناصب . وفي الختام أقول لك كل عام و أنتي بصحة وسلامة .

    أخوك : حسين نظير آل شهاب

    ملاحظة : أعجبني كثيرا طرحك لموضوع مسلسل ” لحظة ضعف ” .
    حسين آل شهاب الأربعاء 26 ديسمبر 2007
    تعليق #5
    بالمناسبة …….
    كثيرون من يلفظونها بحروفها,, بتعنت ,,
    وهي التي يجب أن تلفظ ,, تفقه ,,

    أسمعها أحياناً كثيره من أناس أتوقع منهم الرضوخ بعد الأستكبار لكنني أجدها ما تزيدهم إلا بلاء ٍ فوق بلاء !!!!

    ** حيث انني اعفي غلطاً لو رأيت أدنى تصرف أو ايحاء يبدر من الطرف الخصم , وأنوه عن ذلك حين أسمعها على محمل لسانه …. وأرى تضادها على محمل تصرفاته…….
    هي كلمه / هي تصرف / هي تحرك ….
    التأسف أو الأعتذار يكن أحيانا ً بتصرف يحمل معنى أكبر _ من التلفظ به ((مع بقاء الأصرار على الغلط ….
    الهدهد الأربعاء 26 ديسمبر 2007
    تعليق #6
    زمن معقد وملبخ
    الدكتور حداد الأربعاء 26 ديسمبر 2007
    تعليق #7
    لا نتأسف إلا لمن نضمن أنه سيقبل أسفنا
    سلامة عبد الرحمن الأربعاء 26 ديسمبر 2007
    تعليق #8
    والله بلوه صج شنو الشي الى ممكن اتسوينه حق هالشخص الى ما يعرف شنو أصلا (العيب) مدام ماعرف (العيب ) فلا تتنتظر منه ثلاث او اربع حروف .
    حمد فريد الأربعاء 26 ديسمبر 2007
    تعليق #9
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اندهشت عندما قرأت هذا المقال لانه حدث لي موقف قبل يومين مثل هذا الموقف وكنت اريد ان اكتب للاخت ياسمين لكي تطرح هذا الموضوع لكن يبدو ان الاخت كما اسلفت في الماضي دائماً من الكتاب الذين يطرحون الواقع الذي نعاصره.
    أما عن الموقف الذي حصل لي وأتمنى ان لا يحصل لأي أحد منكم.
    كانت عندي حاله طارئه في صباح يوم الأثنين في الساعه الخامسه صباحاً وعندما اردت الخروج واذا بسيارتي محصورة من قبل احد الاخوة الاعزاء فأصبت بحاله هستيريه لا ادري لمن هذه السياره ولا يوجد أحد لكي اسأله في هذا الوقت المبكر فاتصلت بادارة المرور وشرحت لهم الحاله لكن دون جدوى لان الاخوة في الادارة اخبروني انه لا يوجد رد فكنت اتسائل كيف ينام وهو حاصر ناس لا يدري ما ظروفهم؟ وللأسف الشديد أن ادارة المرور فيها تقصير لانه الى الساعه السابعة وانا اتصل فيهم ولا احد فيهم اعطاني اجابه صريحه مره يقولون (بنطرش لك دوريه) ومره (طرشنا) وعندما يأسوا قالو تستطيع ان تقدم بلاغ ضده. يعني الناس تموت ولا احد يفتكر. اذا رأيت هذا الشخص يمكن ان ارتكب جريمه في هذا الموقف لاني كنت فاقداً للوعي في هذه الفتره. ولا اريد ان اطيل عليكم لانني كثير ما تعرضت لهذه المواقف لكن ارجو من الاخوة ان لا يقومو بهذه العاده الغير لائقه. ويقول رسولنا صلى الله عليه آله وسلم : المسلم من سلم الناس منه

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    السيد حسين الموسوي الأربعاء 26 ديسمبر 2007
    تعليق #10
    السلام عليكم
    موضوع الاعتذار
    مقالكِ لصباح هذا اليوم فيه كلام يجسد الواقع وفعلاً موضوعك قد لا يخطر في بال أحد أو لا يثير الاهتمام لكتابة مقال عنه رغم أنها مشكله ينبغي علينا الوقوف عندها
    وسبحان الصدف
    البارحه كنت أعدل بعض التفاصيل والعبارات لموضوع أرادت صديقتي طرحه في إحدى المنتديات وهو يتناول نفس الفكرة التي طرحتها
    ظننت لحظتها وقد أخبرت صديقتي بذلك كونها ستطرح موضوع لم يسبقها أحد فيه حيث ان مثل هذا الموضوع لا يثير اهتمام الكثيرين
    سأرسل لكِ موضوعها بعد تعديلاتي فيه من الناحية اللغوية وترابط الأفكار واختيار المفردات
    وبمجرد أن أنهيت قراءة مقالتكِ في الجريدة ظهر اليوم
    لم أتردد لحظة في إخبار صديقتي
    كونه من الجميل أن تتعرف أسلوب الغير في الكتابة وذلك لمساعدتها في كتابة المقال الناجح

    شي آخر أود قوله
    وهو أني لا أفوت مقالاتك المثيره
    كونها تتناول مواضيع كثيرة قد لا يتجرأ أفراد المجتمع في طرحها وإن كان يعاني من نفس المشكله
    يبهرني اصرارك في ابداء رأيكِ وطرح افكارك ومنها طرح مشاكل الناس
    لعل وعسى للفت انتباه الجهة المعنية بذلك

    تمنياتي لكِ بالتوفيق واستمري على نفس الطريق

    مودتي ،، خوخه

    خوخه الخميس 27 ديسمبر 2007

    رد

اكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.