نشرت فى : مايو 13, 2010

الحـــال « أعوج»

ياسمينيات
الحـــال « أعوج»
ياسمين خلف

ياسمين خلف

شباب اليوم مثقل بالهموم الحياتية ولم يعودوا كما شباب الأمس بشهادة الجيل الذي سبقنا، والذي يتحسر على شباب أبنائه المهدور في التفكير في يومه وغده وحتى أمسه، لم يعد يهنأ بشبابه الذي حتما لن يعود، فهل نتوقع منه أن يهنأ بغده؟
حالة من الإحباط والتشاؤم تسود شباب اليوم، منهم وهم الأصغر سنا وجدوا بأن مواصلة الدراسة لم تعد تجدي ما دام خريجو الثانوية وخريجو الجامعات يصطفون جنبا إلى جنب في طابور العاطلين، ومنهم من هم الأكبر سنا بقليل أصيبوا بيأس أضاف إلى أعمارهم عشر سنين، وأخذوا يرددون المثل الشعبي ”كل ما أطقها عوجة ”خصوصا فيما يتعلق بالخدمات الإسكانية، وما أدراك ما الخدمات الإسكانية والتي شيبت شباب، وأماتت العشرات بحسراتهم.
البعض أجل فكرة الزواج إلى أجل غير مسمى، بعد أن اكتظ المنزل بساكنيه، فالأخوة الأكبر سنا كان لهم الحظوة في السكن ولم يعد للإخوة الأصغر سنا مكان سوى غرفهم الشخصية إن لم يتقاسموها مع غيرهم، ومنهم من وجد أن الحل المتاح هو الانتقال إلى بيت زوجته، في عرف جديد على المجتمع البحريني، أما من وجد أن راحته وراحة أسرته هو ما ينشده فاستأجر شقة، والتي غالبا ما تكون أقرب إلى أن تكون علبة سردين من أن تكون سكنا لآدميين، فيكوى بنار الإيجارات التي لم تعد ترحم أحد، ليلعن اليوم الذي قرر فيه الزواج من أصله.
لنبقى على هم الشباب في السكن، فقوانين الإسكان هي الأخرى لا ترحم، والتي منها أن لا يستفيد الزوجان ممن تعدى راتبهما 1200 دينار من أي خدمة إسكانية، رغم علم الإسكان أن هذا الراتب لم يعد قادرا على مواجهة غلاء الحياة المعيشية وبالتالي مسألة توفير جزء منه للسكن أمرا يكاد يكون مستحيلا، والغريب حقا أن القانون يسري على البعض دون الآخر، فأحد الشباب تقدم نهاية العام 2006 لقرض إسكان حيث إن راتبه مع زوجته لا يتعدى التسعمئة دينار، وبعد أن ذهب للوزارة لتجديد البيانات اكتشف أن طلبه قد ألغي باعتبار أن مجموع الراتب تعدى 1200 دينار، دونما حتى إشعاره بذلك الإلغاء، والتناقض أن حاله كما حال أحد أصدقائه الذي أوضح له الموظف إمكان تحويل القرض إلى قسيمة أرض، والسؤال الذي يفرض نفسه، خطأ الوزارة في عدم توضيح المسألة للمواطن من يتحمله؟ فهل تضيع السنوات تلك على المواطن، ألا يكفيه أنه سيبقى سنوات ينتظر وينتظر بارقة الأمل والحظ المبتسم ليجد اسمه وقد نشر في الصحف بعد أن تخطى الخمسين من عمره؟! يقول الشاب إنه تقدم بتظلم في الوزارة وطلبوا منه رسالة للوزير قد يوافق عليها وقد لا يوافق، يعني طلبه ”على المحك” والتأخير طبعا لن يكون في صالحه خصوصا أن سوق العقار نار ولا يقوى على مواجهة حرارته غير المقتدر أو ذاك صاحب العقارات، لابد من وزارة الإسكان أن توضح الأمور للمستفيدين من خدماتها، وأن تحاسب المقصرين من موظفيها فغلطة موظف كذاك الذي لم يوضح للمواطن إمكان تحويل القرض إلى قسيمة سيتكبد المواطن وحده النتائج وإلا بقي الحال ”أعوج ” ويكفيه اعوجاجا أصلا.

 العدد 797 الأحد 22 ربيع الثاني 1429 هـ – 27 أبريل 2008

ياسمينيات الحـــال « أعوج» ياسمين خلف شباب اليوم مثقل بالهموم الحياتية ولم يعودوا كما شباب الأمس بشهادة الجيل الذي سبقنا...

إقرأ المزيد »

هـــل إبليســـه حاضر أم شيطانه شاطر؟

خط كبير الحجم

ياسمينيات
هـــل إبليســـه حاضر أم شيطانه شاطر؟
ياسمين خلف

ياسمين خلف

«سألتك يا قاضي توها، عن امرأة تزوجتها، هي أمي وأنا ولد توها»، تلك كانت أحجية من أحجيات الطفولة التي أعيتني وأنا طفلة حتى بقيت في ذاكرتي إلى اليوم. لم تكن الإجابة صعبة ولكنها تربك من يسمعها للوهلة الأولى، واليوم الأحجية اختلفت لتصبح حياتنا هي الأحجية في حد ذاتها، ومنها أحجية إصدار الأحكام المختلفة على المتهمين في قضايا الشيكات المرتجعة، القانون يقول إن الحكم يتراوح ما بين الحبس «لا يزيد عن 3 سنوات» وما بين الكفالة.. لا نعترض على القانون، فكما يقول الممثل الكويتي القدير عبدالحسين عبدالرضا في مسرحيته «مطلوب زوج حالاً»، «إذا حجا الشرع الكل ياكل تبن»، فالحكم واضح «إما الحبس وإما الكفالة»، ولكن المحير فعلاً وما يستدعي التفكير ملياً في حل «الأحجية» أن يحكم على البحريني بالحبس ولا مناص له من الحكم، فيما يحكم على الأجانب بكفالة؟ وإن حدث وحكم على بحريني بالكفالة فلا تستغرب إن كان من أحد المذاهب من دون الأخرى. تلك هي الأحجية التي أتمنى أن نحلها جميعاً، خصوصا أنها أعيتني لفترة، وإن كنت قد توصلت إلى الحل وبشهادة من هم في المحكمة ذاتها، وكما نقول «شهد شاهد من أهلها».
القاضي إنسان في الأخير، وقد يكون «إبليسه» حاضراً والشيطان شاطر، وكأنما على رأسه الطير من كون المتهم بحرينياً فتجده وبلا تردد، يرده للسجن أشهراً، وللمحكمة الرجوع إلى الأحكام السابقة التي هي خير شاهد ودليل على كل ما قيل. ولكن من الإنصاف أن يلقى المجرم والمتخطي للقانون جزاءه سواء كان بحرينياً أو أجنبياً، وأن يكون الجميع سواسية أمام القانون، إنْ كان جزاؤه السجن فليسجن، وإن كان جزاؤه الكفالة فليخرج بكفالة وهنيئاً له.. لا أن ينزل عليه الغضب ويسجن من دون تردد إذا ما كان بحرينياً.
منذ صغرنا ونحن نرى في- الأفلام طبعا -، تلك المرأة المعصوبة العينين والتي تحمل ميزان العدالة كرمز للعدل في المحكمة، ويكتب عليها قوله تعالى «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» صدق الله العلي العظيم. ما أصعب أن يصدر أي منا أحكاماً، فظلم النفس يغفر ولكن ظلم الناس لا يغتفر، هكذا تعلمنا من ديننا الإسلامي الحنيف، وإنْ أردنا أن نكون قضاة نفصل بين الحق والباطل فعلينا أن نجرد أنفسنا من الأهواء والمصالح الشخصية، حتى لا يصطف لنا من ظلمناهم يوم الفصل يطالبون بحقهم الذي اغتصب في الحياة الدنيا. وبعد كل ذلك، أيعقل أن يكون المجرم قاضياً على المجرمين؟

العدد 800 الأربعاء 24 ربيع الثاني 1429 هـ – 30 أبريل 2008

ياسمينيات هـــل إبليســـه حاضر أم شيطانه شاطر؟ ياسمين خلف «سألتك يا قاضي توها، عن امرأة تزوجتها، هي أمي وأنا ولد توها»،...

إقرأ المزيد »

حوامل كالفراشات وكالفيلة

ياسمينيات
حوامل كالفراشات وكالفيلة
ياسمين خلف

ياسمين خلف

المرأة العاملة في القطاع الخاص أشبه ما تكون بالـ ”سوبر وومن”، فما تحظى به من امتيازات أقل بكثير مما تحظى به المرأة العاملة في القطاع الحكومي، حتى كاد عملها يشبه بالأعمال الشاقة التي تأخذ منها أكثر مما تعطيها، فتخرج من اللعبة خسرانة وبامتياز أيضا، فمن ناحية ساعات العمل فهي تعمل لساعات أطول وفي أحايين كثيرة من دون حتى تعويض مالي بحجة طبيعية العمل، ومن ناحية أخرى فهي تعمل بنظام النوبات، وما أدراك ما النوبات حيث تقلب موازين الحياة الطبيعية رأسا على عقب، فلا يقوى صاحبها على مسايرة الحياة الطبيعية فتجد ليله نهارا، ونهاره ليلا فيفقد حياته الاجتماعية وعلاقاته الشخصية وحتى علاقته مع أهله وأبنائه، كل ذلك ينطبق كذلك على الرجل، ولكن للمرأة خصوصية تجعل منها أقل تحملا مهما كابرت ومهما قالت بأنها قادرة على أن تعطي شأنها شأن شقيقها الرجل.
كثيرا ما تثير شفقتي العاملات في المحلات التجارية من النساء الحوامل، واللواتي تجدهن كالفراشات في تنقلهن وكالفيلة في أحجامهن من اثر الحمل، فتجدهن واقفات على أرجلهن ولمدة ثماني ساعات متواصلة من دون حتى تقدير لوضعهن الحرج، فيمنعن من الجلوس شأنهن شأن العاملات الأخريات غير الحوامل، أذكر أني مرة لمحت إحدى العاملات وهي تطلب من زميلتها الحامل أن تسرع لتجلس قليلا في غرفة التبديل قبل أن يرجع المسؤول الأجنبي ويراها غير واقفة في مكانها، وهي الحامل في أشهرها الأخيرة كما يبدو واضحا من حجم بطنها الأشبه بالبالونة التي تكاد أن تنفجر، موقف قد يتكرر مرات ومرات دون أدنى تحرك بالمطالبة بحقوق هذه الفئة من العاملات، فأن كن قادرات على الوقوف لمدة 8 ساعات يوميا ولستة أيام أسبوعيا وهن فتيات أو نساء غير حوامل فإنهن عاجزات عن ذلك وهن يحملن في أحشائهن طفلاً يركل ويرفس من دون هوادة.
حتى عندما يلدن تجدهن ”العاملات في القطاع الخاص ” يحصلن على إجازة وضع أقل من حيث الأيام بل حتى ساعات الرضاعة التي هي الأخرى أقل، وكأنما طفلها هو الآخر ليس بطفل، وكأنه ولد ولا يحتاج إلى رعاية واهتمام كقرينه طفل المرأة العاملة في القطاع الحكومي، فتظلم الأم وطفلها في آن واحد.
من يقول إن المرأة هي من وضعت نفسها في هذا الموقف، فالكلام مردود عليه، فالمرأة لا تقبل لنفسها المهانة تلك ولكنها تؤثر راحة أسرتها على نفسها، فهي لم تخرج لمعركة العمل وما بها من أهوال إلا لوقفتها الشهمة مع زوجها، قلة من الأزواج اليوم من يكونون قادرين على تحمل تكاليف الحياة الآخذة في الاشتعال، وأكاد أن أجزم لو خيرت النساء ما بين العمل والجلوس في مملكتهن ” بيوتهن ” لفضلن الثانية بشرط أن تضمن حياة كريمة ومستقرة لا تزعزعها مطالب الحياة والتي هي الوحيدة التي لا تفرق بين العاملين في القاطع الحكومي من العاملين في القطاع الخاص.

العدد 807 الاربعاء 2 جمادة الأولى 1429 هـ – 7 مايو 2008

ياسمينيات حوامل كالفراشات وكالفيلة ياسمين خلف المرأة العاملة في القطاع الخاص أشبه ما تكون بالـ ''سوبر وومن''، فما تحظى ب...

إقرأ المزيد »

من وسط ساحة الحرب

ياسمينيات
من وسط ساحة الحرب
ياسمين خلف

ياسمين خلف

لم يكن الطريق من الحازمية، حيث كنت وأخواتي نتوجه إلى مقر الفندق في بيروت وبالتحديد على طريق الروشة ممهداً، ولم يكن كعادته يعاني من الاختناق المروري أو كما يقول أهل لبنان بلهجتهم ”عجأه”. فالشوارع على غير عادتها خالية، والشوارع مشلولة الحركة والطرقات مقطوعة وطلقات النار ودوي الانفجارات كانت تنبئ بحرب لا هوادة فيها. كنا نسمع قرع طبولها من خلال أحاديث الناس وتصريحات السياسيين، أرجعت ذاكرتنا إلى حرب تموز مع الفارق بين الأسباب وقوتي الحرب. الظلمة كانت سيدة الموقف ووميض الطلقات النارية كانت تنير السماء للحظات لتعقبها صرخات من هنا وهناك تدعوك إلى الاختباء والاحتماء بالمباني القريبة من الرصاصات الطائشة التي لا تعرف من معها أو ضدها.
مجازفة تلك التي أقدمنا عليها للوصول إلى الفندق بعد خروجنا من المستشفى، فحتى أهل البلد اختبأوا في منازلهم بعيد خطبة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله هم ”أهل لبنان” وأدرى بشعابها، ويعرفون متى وأين يختبئون إذا ما فروا من ساحة المعركة، ويدركون تماماً ما تعنيه الحرب وما يعنيه الرصاص والقذائف والقنابل. ألم يتربوا على الحروب التي أنهكتهم نفسياً قبل أن تنهك البلد اقتصادياً؟ لم نكن نعرف الحروب إلا ما نسمع عنها أو نشاهدها عبر الشاشة الفضية، إلا أننا لم نعِ حقيقة ما تعنيه تلك الرصاصات حين تخترق جسماً أو تحول تلك القنابل الأجساد إلى أشلاء وتدك المباني وتسطحها بالأرض.
بلا استثناء كان لبنان يصغي باهتمام إلى المؤتمر الصحافي للسيد حسن نصر الله، من كان في الشارع وهم قلة كانوا ينصتون إلى المذياع أو حتى من خلال هواتفهم النقالة للمؤتمر، والأغلبية الساحقة كانت تتابعها من منازلهم، واثقون تماماً أن هذا الرجل لا يقول إلا الصدق، وأن ما قد يتفوه به من قرارات قد ترجعهم مرة أخرى إلى خيار الحرب الذي لا ثاني له. وقد أعلنها صراحة بأنها حرب ما بين الحزب والحكومة التي قررت أن تمد يدها إلى أسلحة المقاومة، مهدداً ومتوعداً إياها إذا ما تجرأت وتعدت على أسلحتها ”اليد التي تمتد إلى سلاح المقاومة ستقطع حتماً”.
وبعيداً عن السياسة وقريباً من الوضع في لبنان، فإن فتيل الأزمة السياسية الحالية بدأ من اليوم الثاني من وصولنا إلى أرض الأرَزْ، أرض لبنان، كان كل من يرانا يستغرب وجودنا في هذه الفترة المتأزمة بالذات ”شو جابكن بهي الأيام؟” كانوا يتساءلون. فالمطار الذي استقبلنا أغلق في اليوم الثاني في يوم احتجاج نقابة العمال و”شلل الحركة العمالية”، فلا محلات فتحت أبوابها ولا مطاعم قدمت أكلاتها اللبنانية المعهودة، قلة هم الموظفون من اختار طريقة للعمل في ذاك اليوم، فأصبح لبنان ومنذ الصباح حتى ”العشية” تشتعل، وطرقاته مغلقة بالإطارات المشتعلة والسيارات المحترقة، في ثورة عمالية ضد الغلاء وضد الأجور المنخفضة، تماماً كما يعاني شعبنها من موجة الغلاء التي لا يدرك حجمها إلا من يراقب التغير بالفلس الواحد للمنتجات والمواد الاستهلاكية، ووضع بعضاً مما يراه يوماً من الأساسيات في خانة الكماليات، ألم يستغنِ الكثيرون عن الفواكه لارتفاع سعرها؟
هكذا وبعد يوم من الاحتجاج العمالي اللبناني والذي تكاتف فيه الشعب كله من شيعي وسني ودرزي ومسيحي، فـ”الغلاء لا يفرق بين مذهب وطائفة”، أبدى الشعب استعداده أن يواصل احتجاجه ليومين أو أكثر إذا ما تتطلب الأمر، إلا أن التوتر والتأزم السياسي عاد ليفرض نفسه وبصورة أكثر جدية بعيد خطبة سماحة السيد حسن نصر الله ليزج لبنان في ليلة وضحاها في حرب جديدة قد تقرع طبولها فعلاً، وقد تخبو. هذا ما يترقبه الناس هنا في لبنان، بل في العالم أجمع.

العدد 815 الخميس 10 جمادة الأولى 1429 هـ – 15 مايو 2008

ياسمينيات من وسط ساحة الحرب ياسمين خلف لم يكن الطريق من الحازمية، حيث كنت وأخواتي نتوجه إلى مقر الفندق في بيروت وبالتحدي...

إقرأ المزيد »

الرصاص عندما يمتزج بالرعد

ياسمينيات
الرصاص عندما يمتزج بالرعد
ياسمين خلف

ياسمين خلف

كانت ليلة مخيفة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، أمطار ورياح شديدة أقرب ما تكون إلى العاصفة منها إلى الرياح، البحر هائج وكأنما هو ثائر على الوضع المتأزم في لبنان، كانت أصوات البرق والرعد تمتزج مع أصوات الانفجارات وطلقات الرصاص، كان ذلك في الثالثة فجرا من يوم الجمعة التاسع من شهر مايو/ آيار الجاري، الوضع الأمني كان حتى تلك الساعات متأججا في بيروت خاصة، وبوادر الانفراج كانت خجولة، النوم كان صعبا رغم المحاولات المستميتة التي لا تخلو من الدعاء وطلب المغفرة والعودة إلى الوطن بالسلامة، الوضع كان أشبه بالحصار، حتى موظفو الفندق لم يجدوا مفرا من البقاء ومواصلة العمل ليومين دون توقف، كيف لا وزملاؤهم قطع بهم الطريق ولا مجال لهم للوصول إلى مقار عملهم لسد الطرقات من جهة، وخوفا على سلامتهم من جهة أخرى، كما أنهم ”موظفو الفندق” مجبرون على البقاء بعد أن أصبح أمر وصولهم لمنازلهم صعبا، وان كان غير ذلك فهي مجازفة قد يدفعون ثمنها باهظا، تتساوى فيها مع أعمارهم. كثيرون آثروا الابتعاد عن ساحة الحرب المحتملة، حاولوا رغم سد الطرق المؤدية إلى الحدود السورية ولو لمجرد المحاولة للخروج من لبنان الجريح بعدما أخفقوا من الفرار جوا بعد إغلاق مطار الشهيد رفيق الحريري، ولا سيما رعايا الدول العربية المستثمرون والسياح منهم أو طلاب الجامعات، حتى أبناء لبنان حاولوا الخروج، منهم من تمكن لحسن حظه رغم تكبد عناء حمل الشنط لمسافة تتجاوز الخمسمئة كيلومتر للوصول إلى السيارات التي تنتظرهم في الضفة الأخرى من الحدود السورية وبعضهم من عاد أدراجه يجر ذيول الخيبة وهو يصفق يداً بيد خوفا من مستقبل قد يعيد ذكرى الحرب الأخيرة، ولا يعلم غير الله ان كان سيكون من عداد الموتى والشهداء أو من الأحياء.
هم ”أبناء لبنان” أو كما نقول نحن معشر الصحافيين الشارع اللبناني لم يعد يملك النفس الطويل الذي كانوا عليه، الحروب السابقة أنهكتهم وسلبتهم الأمن والأمان وحرمتهم من أعز أقربائهم وأبنائهم، خسروا الكثير، وان كانوا قد نالوا الكرامة والعزة ”ألم ينتصر السيد حسن نصر الله لهم وللبنان وللأمة العربية جمعاء عندما انتصر انتصارا ساحقا على إسرائيل في حرب تموز؟ لم يعد أهل لبنان يهتمون لمن الغلبة والانتصار اليوم، يريدون العيش بسلام، برخاء، وبأمان، يجدون أن الوضع بات صراعا بين رؤوس كثيرة، وأن الوضع الطبيعي وان طال الزمان ينصر رأسا واحد ليدير دفة الأمور، أحدهم قال ساخرا على مصير البلد الذي بات على شفير حفرة لا يعي عمقها غير السياسيين المحنكين قال ”هُمه وعدونا أن بعد مية سنة راح تتعدل الأمور منو مشكلة راح ننتظر” فهل حقا سيطول انتظار هذا الوعد لتبقى لبنان جريحة طوال أعمارنا القصيرة.

العدد 818 الأحد 13 جمادة الأولى 1429 هـ – 18 مايو 2008

ياسمينيات الرصاص عندما يمتزج بالرعد ياسمين خلف كانت ليلة مخيفة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، أمطار ورياح شديدة أقرب ما تك...

إقرأ المزيد »

وباقي الناس كلهم “تراب”

ياسمينيات
وباقي الناس كلهم «تراب»
ياسمين خلف

ياسمين خلف

طالما وقفت مشدوهة في طفولتي أمام والدي رحمه الله وهو يسرد لنا نحن أبناؤه بطولات الإمام علي بن أبي طالب ”ع”، فتباغته دموعه وتمنعه في أحايين كثيرة من إكمال تلك البطولات، وطالما طلبت منه التمهل في سرد الأشعار التي قيلت عنه حتى من ألد أعدائه، ليتسنى لي كتابتها لأحفظها عن ظهر قلب، حتى حفرت في ذاكرتي حفرا، وهل أنسى صوته وهو يقول ” علي الدُر والذهب المصفى، وباقي الناس كلهم ترابُ، علي البكاء في المحراب ليلا، علي الضحاك إذ اشتد الحرابُ”، فعشقت علي ”ع” عشقا حتى الثمالة وهل ألام في حب من ولد في بطن الكعبة؟ وتربى في حجر الرسول الأعظم، وزوج بنت النبي الأكرم ووالد ريحانتي الجنة؟
الحديث عن هذا الإمام ليس بالأمر السهل الهين،
الحديث عنه يعني محاولة تفسيره،الإلمام بمناقبه ومواهبه وأقواله وسيرته وحياته وهو ما لا يستطيع أحد منا أن يلم به بشكل تام،فهو كالبحر بل كالمحيط في عمقه وأسراره، ما أن تكتشف شيئا جديدا حتى تتبين لك أشياء وأشياء، فهل ينكر أحدنا قول الرسول الكريم ”أنا مدينة العلم وعلي بابها”؟ لذا أجد نفسي تائهة كلما حاولت أن أكتب عن إمامي أبي سيدي شباب أهل الجنة الإمامين الحسن والحسين، تشاغبني فكرة وتباغتني أخرى ويدعوني الفخر به إلى التحدي والكتابة عنه ولو بالشيء اليسير الذي حقا لن يوفيه قدره ولن يعطيه حقه.
نعم لست الوحيدة التي تحب الإمام علي ”ع” فحبه أمتد لقرون وسيمتد ”إلى أن يبعثون” وسر هذا الحب الذي غالى فيه البعض لدرجة سهلت على مبغضيه الرمي بسهامهم إلى محبيه ليكفرونهم أنه لم يعرف التاريخ من بعد الرسول أشجع منه قلبا ولا أثمن عقلا ولا أنور خلقا ولا أكثر إنسانية وزهدا ولا أعمق معرفة وعلما، يجهلون أو لنقل يتجاهلون مكانة هذا الإمام الذي قال عنه النبي الكريم ”ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا” ألم يقل الإمام علي ”ع” إن الناس أعداء ما جهلوا!”
فيا إمامي يا وريث الرسول وزوج ابنته البتول، ماذا بعد كل الذي قيل فيك نقول ؟ فعظم الله أجوركم يا مسلمين بوفاة أمير المؤمنين.

العدد 944 الأحد 21 رمضان 1429 هـ – 21 سبتمبر 2008

ياسمينيات وباقي الناس كلهم «تراب» ياسمين خلف طالما وقفت مشدوهة في طفولتي أمام والدي رحمه الله وهو يسرد لنا نحن أبناؤه بط...

إقرأ المزيد »