من وسط ساحة الحرب

ياسمينيات
من وسط ساحة الحرب
ياسمين خلف

ياسمين خلف

لم يكن الطريق من الحازمية، حيث كنت وأخواتي نتوجه إلى مقر الفندق في بيروت وبالتحديد على طريق الروشة ممهداً، ولم يكن كعادته يعاني من الاختناق المروري أو كما يقول أهل لبنان بلهجتهم ”عجأه”. فالشوارع على غير عادتها خالية، والشوارع مشلولة الحركة والطرقات مقطوعة وطلقات النار ودوي الانفجارات كانت تنبئ بحرب لا هوادة فيها. كنا نسمع قرع طبولها من خلال أحاديث الناس وتصريحات السياسيين، أرجعت ذاكرتنا إلى حرب تموز مع الفارق بين الأسباب وقوتي الحرب. الظلمة كانت سيدة الموقف ووميض الطلقات النارية كانت تنير السماء للحظات لتعقبها صرخات من هنا وهناك تدعوك إلى الاختباء والاحتماء بالمباني القريبة من الرصاصات الطائشة التي لا تعرف من معها أو ضدها.
مجازفة تلك التي أقدمنا عليها للوصول إلى الفندق بعد خروجنا من المستشفى، فحتى أهل البلد اختبأوا في منازلهم بعيد خطبة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله هم ”أهل لبنان” وأدرى بشعابها، ويعرفون متى وأين يختبئون إذا ما فروا من ساحة المعركة، ويدركون تماماً ما تعنيه الحرب وما يعنيه الرصاص والقذائف والقنابل. ألم يتربوا على الحروب التي أنهكتهم نفسياً قبل أن تنهك البلد اقتصادياً؟ لم نكن نعرف الحروب إلا ما نسمع عنها أو نشاهدها عبر الشاشة الفضية، إلا أننا لم نعِ حقيقة ما تعنيه تلك الرصاصات حين تخترق جسماً أو تحول تلك القنابل الأجساد إلى أشلاء وتدك المباني وتسطحها بالأرض.
بلا استثناء كان لبنان يصغي باهتمام إلى المؤتمر الصحافي للسيد حسن نصر الله، من كان في الشارع وهم قلة كانوا ينصتون إلى المذياع أو حتى من خلال هواتفهم النقالة للمؤتمر، والأغلبية الساحقة كانت تتابعها من منازلهم، واثقون تماماً أن هذا الرجل لا يقول إلا الصدق، وأن ما قد يتفوه به من قرارات قد ترجعهم مرة أخرى إلى خيار الحرب الذي لا ثاني له. وقد أعلنها صراحة بأنها حرب ما بين الحزب والحكومة التي قررت أن تمد يدها إلى أسلحة المقاومة، مهدداً ومتوعداً إياها إذا ما تجرأت وتعدت على أسلحتها ”اليد التي تمتد إلى سلاح المقاومة ستقطع حتماً”.
وبعيداً عن السياسة وقريباً من الوضع في لبنان، فإن فتيل الأزمة السياسية الحالية بدأ من اليوم الثاني من وصولنا إلى أرض الأرَزْ، أرض لبنان، كان كل من يرانا يستغرب وجودنا في هذه الفترة المتأزمة بالذات ”شو جابكن بهي الأيام؟” كانوا يتساءلون. فالمطار الذي استقبلنا أغلق في اليوم الثاني في يوم احتجاج نقابة العمال و”شلل الحركة العمالية”، فلا محلات فتحت أبوابها ولا مطاعم قدمت أكلاتها اللبنانية المعهودة، قلة هم الموظفون من اختار طريقة للعمل في ذاك اليوم، فأصبح لبنان ومنذ الصباح حتى ”العشية” تشتعل، وطرقاته مغلقة بالإطارات المشتعلة والسيارات المحترقة، في ثورة عمالية ضد الغلاء وضد الأجور المنخفضة، تماماً كما يعاني شعبنها من موجة الغلاء التي لا يدرك حجمها إلا من يراقب التغير بالفلس الواحد للمنتجات والمواد الاستهلاكية، ووضع بعضاً مما يراه يوماً من الأساسيات في خانة الكماليات، ألم يستغنِ الكثيرون عن الفواكه لارتفاع سعرها؟
هكذا وبعد يوم من الاحتجاج العمالي اللبناني والذي تكاتف فيه الشعب كله من شيعي وسني ودرزي ومسيحي، فـ”الغلاء لا يفرق بين مذهب وطائفة”، أبدى الشعب استعداده أن يواصل احتجاجه ليومين أو أكثر إذا ما تتطلب الأمر، إلا أن التوتر والتأزم السياسي عاد ليفرض نفسه وبصورة أكثر جدية بعيد خطبة سماحة السيد حسن نصر الله ليزج لبنان في ليلة وضحاها في حرب جديدة قد تقرع طبولها فعلاً، وقد تخبو. هذا ما يترقبه الناس هنا في لبنان، بل في العالم أجمع.

العدد 815 الخميس 10 جمادة الأولى 1429 هـ – 15 مايو 2008

ياسمينيات
من وسط ساحة الحرب
ياسمين خلف

ياسمين خلف

لم يكن الطريق من الحازمية، حيث كنت وأخواتي نتوجه إلى مقر الفندق في بيروت وبالتحديد على طريق الروشة ممهداً، ولم يكن كعادته يعاني من الاختناق المروري أو كما يقول أهل لبنان بلهجتهم ”عجأه”. فالشوارع على غير عادتها خالية، والشوارع مشلولة الحركة والطرقات مقطوعة وطلقات النار ودوي الانفجارات كانت تنبئ بحرب لا هوادة فيها. كنا نسمع قرع طبولها من خلال أحاديث الناس وتصريحات السياسيين، أرجعت ذاكرتنا إلى حرب تموز مع الفارق بين الأسباب وقوتي الحرب. الظلمة كانت سيدة الموقف ووميض الطلقات النارية كانت تنير السماء للحظات لتعقبها صرخات من هنا وهناك تدعوك إلى الاختباء والاحتماء بالمباني القريبة من الرصاصات الطائشة التي لا تعرف من معها أو ضدها.
مجازفة تلك التي أقدمنا عليها للوصول إلى الفندق بعد خروجنا من المستشفى، فحتى أهل البلد اختبأوا في منازلهم بعيد خطبة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله هم ”أهل لبنان” وأدرى بشعابها، ويعرفون متى وأين يختبئون إذا ما فروا من ساحة المعركة، ويدركون تماماً ما تعنيه الحرب وما يعنيه الرصاص والقذائف والقنابل. ألم يتربوا على الحروب التي أنهكتهم نفسياً قبل أن تنهك البلد اقتصادياً؟ لم نكن نعرف الحروب إلا ما نسمع عنها أو نشاهدها عبر الشاشة الفضية، إلا أننا لم نعِ حقيقة ما تعنيه تلك الرصاصات حين تخترق جسماً أو تحول تلك القنابل الأجساد إلى أشلاء وتدك المباني وتسطحها بالأرض.
بلا استثناء كان لبنان يصغي باهتمام إلى المؤتمر الصحافي للسيد حسن نصر الله، من كان في الشارع وهم قلة كانوا ينصتون إلى المذياع أو حتى من خلال هواتفهم النقالة للمؤتمر، والأغلبية الساحقة كانت تتابعها من منازلهم، واثقون تماماً أن هذا الرجل لا يقول إلا الصدق، وأن ما قد يتفوه به من قرارات قد ترجعهم مرة أخرى إلى خيار الحرب الذي لا ثاني له. وقد أعلنها صراحة بأنها حرب ما بين الحزب والحكومة التي قررت أن تمد يدها إلى أسلحة المقاومة، مهدداً ومتوعداً إياها إذا ما تجرأت وتعدت على أسلحتها ”اليد التي تمتد إلى سلاح المقاومة ستقطع حتماً”.
وبعيداً عن السياسة وقريباً من الوضع في لبنان، فإن فتيل الأزمة السياسية الحالية بدأ من اليوم الثاني من وصولنا إلى أرض الأرَزْ، أرض لبنان، كان كل من يرانا يستغرب وجودنا في هذه الفترة المتأزمة بالذات ”شو جابكن بهي الأيام؟” كانوا يتساءلون. فالمطار الذي استقبلنا أغلق في اليوم الثاني في يوم احتجاج نقابة العمال و”شلل الحركة العمالية”، فلا محلات فتحت أبوابها ولا مطاعم قدمت أكلاتها اللبنانية المعهودة، قلة هم الموظفون من اختار طريقة للعمل في ذاك اليوم، فأصبح لبنان ومنذ الصباح حتى ”العشية” تشتعل، وطرقاته مغلقة بالإطارات المشتعلة والسيارات المحترقة، في ثورة عمالية ضد الغلاء وضد الأجور المنخفضة، تماماً كما يعاني شعبنها من موجة الغلاء التي لا يدرك حجمها إلا من يراقب التغير بالفلس الواحد للمنتجات والمواد الاستهلاكية، ووضع بعضاً مما يراه يوماً من الأساسيات في خانة الكماليات، ألم يستغنِ الكثيرون عن الفواكه لارتفاع سعرها؟
هكذا وبعد يوم من الاحتجاج العمالي اللبناني والذي تكاتف فيه الشعب كله من شيعي وسني ودرزي ومسيحي، فـ”الغلاء لا يفرق بين مذهب وطائفة”، أبدى الشعب استعداده أن يواصل احتجاجه ليومين أو أكثر إذا ما تتطلب الأمر، إلا أن التوتر والتأزم السياسي عاد ليفرض نفسه وبصورة أكثر جدية بعيد خطبة سماحة السيد حسن نصر الله ليزج لبنان في ليلة وضحاها في حرب جديدة قد تقرع طبولها فعلاً، وقد تخبو. هذا ما يترقبه الناس هنا في لبنان، بل في العالم أجمع.

العدد 815 الخميس 10 جمادة الأولى 1429 هـ – 15 مايو 2008

عن الكاتب

تدوينات متعلقة

One Comment on “من وسط ساحة الحرب

  1. تعليق #1
    عملاء إيران في كل مكان في العالم لا يفهمون سوى لغه الإطارات المحروقه. أكيد عندهم مشكله مع مصنعي الإطارات تقع في دائرة المظلوميه الإطاريه. لم أقرأ في حياتي مقالاً لكي أكثر طائفيه و إنحيازاً أكثر مكن هذا! أتسمين حرق الإطارات و إغلاق المطار و البلد عنوه “احتجاج نقابة العمال و’شلل الحركة العمالية’ عيب و الله عيب عليكم.
    عبدالله عبدالرحمن الخميس 15 مايو 2008
    تعليق #2
    موضوع جداَ جميل ويعطيج الف عافية واتمنى لج المزيد والى الامام دائماَ والله يوفقج
    محمد الصنديد الخميس 15 مايو 2008
    تعليق #3
    اول شي مشكورة عزيزتي ياسمين على المقال الروعة وثاني شي ارد على الاخ عبدالله واقول له ماسمعت بالاخبار بان النقابة هي بتسوي الاعتصام وانت تقول صاحبة المقال طائفية وين الطائفية ؟ بس لانها وقفت مع الحق ومع حزب الله؟ وثاني شي المعارضة كلها سوت الاعتصام والمعارضة تضم مسيحيين ودروز وسنة مب بس شيعة
    تحياتي
    بحرينية حرة الخميس 22 مايو 2008

    رد

اكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.