الناس أعداء ما جهلوا

ياسمينيات
الناس أعداء ما جهلوا
ياسمين خلف

ياسمين خلف

اليوم فقط أدركت أنها ارتكبت جرماً في حق نفسها وفي حق أمثالها من النساء اللواتي تجرعن من كأس الظلم مراً وعلقماً، اليوم تعترف أنها لم تقرأ قانون الأحوال الشخصية، ولم تطّلع حتى على بعض بنوده، ولكنها أبت إلا أن تشارك في المسيرة الحاشدة قبل ثلاثة أعوام لتلعن من يتجرأ ويطالب بقانون يحميها ويحمي أطفالها، لا نلومها فقد أوهمت بأن هذا القانون يتطاول على الدين.. هكذا اعتقدت واعتقدت كثيرات أمثالها، وأغلبهن من المتعلمات.
لا أحد منا رجالاً أو نساء يدعو إلى المساس بالدين وشرع الله، ولا نشكك في معتقدات أي منهم، ولو كان كذلك لما تجرأ أي منّا برفع رأسه وصوته مطالبا بهكذا قانون، هل يرضينا ما نسمعه من قصص يدمى لها القلب قبل العين؟ تذوق فيها نساء هنّ أمهاتنا أو أخواتنا أو بناتنا صنوف العذاب والظلم، هل تريحنا دموع أطفال لا يجدون من ينفق عليهم ولا يجدون أبسط حقوقهم الحياتية؟ كم من القضايا تحوم في المحاكم ولا حكم صادر فيها إلا بعد أن تهلك المرأة وتتمنى الموت.
أن كنّا نغفل تلك الجوانب التي تقترب من خط الدين والشريعة فليبينها لنا رجال الدين ويتحفظوا على البنود التي يرونها كذلك، ولكن لا أن يدفن هذا القانون ”بالكامل” ونترك الأمور على عواهنها بسلبياتها ومآسيها و”الساكت عن الحق شيطان أخرس” كما يقال.
خذ مثلا، فتاة زوجت منذ كان عمرها 16 عاما نتيجة ظروف اقتصادية مؤلمة، طلبت الطلاق من زوجها بعد عام واحد لعدم توافقها، ورفض الزوج كما رفض أهلها، وقبلت بالاستمرار في حياتها بعد أن أحست بوجود روح في أحشائها، إلا أن حياتها كانت جحيما لا يطاق في الغربة، حيث كانت مع زوجها، كرهته كرها لا يسمح لها بالبقاء معه تحت سقف واحد وناضلت للفراق والتسريح بإحسان إلا أنها فشلت وبقيت على فشلها هذا ولمدة 12 عاما ”حفت” خلالهما رجلاها في المحاكم، خصوصا أن زوجها اختفى لفترة وهجرها وتبين لاحقاً أنه مسافر لدولة آسيوية.. فلو كان هناك قانون كقانون الأحوال الشخصية، ألم يكن للمرأة حق في الحصول على الطلاق لهجران زوجها وإلحاقه الضرر بها؟ هل نسينا قرار رسول الله ”ص” عندما جاءته سيدة تشكو كره زوجها فطلقها؟ فكيف به إذا اعتدى على سلامتها وهجرها، تلك قصة وهناك قصص أقسى منها تتحملها المرأة ولا سند قانونياً لها ولا حتى اجتماعي! الحديث عن هذا القانون يطول ولكن ما أردت قوله إن هذا القانون ليس عشوائياً ليلعن ويدفن قبل أن يولد، لنترك له الفرصة ليطرح للنقاش وإن كانت أحد بنوده أو حتى جميعها تمسُّ بالدين فكلنا دون استثناء سنقف ضده لا أن نقف دائما ضد ما نجهله، وكما قال الإمام علي عليه السلام ”الناس أعداء ما جهلوا”.

العدد 1033 الجمعة 21 ذو الحجة 1429 هـ – 19 ديسمبر 2008

ياسمينيات
الناس أعداء ما جهلوا
ياسمين خلف

ياسمين خلف

اليوم فقط أدركت أنها ارتكبت جرماً في حق نفسها وفي حق أمثالها من النساء اللواتي تجرعن من كأس الظلم مراً وعلقماً، اليوم تعترف أنها لم تقرأ قانون الأحوال الشخصية، ولم تطّلع حتى على بعض بنوده، ولكنها أبت إلا أن تشارك في المسيرة الحاشدة قبل ثلاثة أعوام لتلعن من يتجرأ ويطالب بقانون يحميها ويحمي أطفالها، لا نلومها فقد أوهمت بأن هذا القانون يتطاول على الدين.. هكذا اعتقدت واعتقدت كثيرات أمثالها، وأغلبهن من المتعلمات.
لا أحد منا رجالاً أو نساء يدعو إلى المساس بالدين وشرع الله، ولا نشكك في معتقدات أي منهم، ولو كان كذلك لما تجرأ أي منّا برفع رأسه وصوته مطالبا بهكذا قانون، هل يرضينا ما نسمعه من قصص يدمى لها القلب قبل العين؟ تذوق فيها نساء هنّ أمهاتنا أو أخواتنا أو بناتنا صنوف العذاب والظلم، هل تريحنا دموع أطفال لا يجدون من ينفق عليهم ولا يجدون أبسط حقوقهم الحياتية؟ كم من القضايا تحوم في المحاكم ولا حكم صادر فيها إلا بعد أن تهلك المرأة وتتمنى الموت.
أن كنّا نغفل تلك الجوانب التي تقترب من خط الدين والشريعة فليبينها لنا رجال الدين ويتحفظوا على البنود التي يرونها كذلك، ولكن لا أن يدفن هذا القانون ”بالكامل” ونترك الأمور على عواهنها بسلبياتها ومآسيها و”الساكت عن الحق شيطان أخرس” كما يقال.
خذ مثلا، فتاة زوجت منذ كان عمرها 16 عاما نتيجة ظروف اقتصادية مؤلمة، طلبت الطلاق من زوجها بعد عام واحد لعدم توافقها، ورفض الزوج كما رفض أهلها، وقبلت بالاستمرار في حياتها بعد أن أحست بوجود روح في أحشائها، إلا أن حياتها كانت جحيما لا يطاق في الغربة، حيث كانت مع زوجها، كرهته كرها لا يسمح لها بالبقاء معه تحت سقف واحد وناضلت للفراق والتسريح بإحسان إلا أنها فشلت وبقيت على فشلها هذا ولمدة 12 عاما ”حفت” خلالهما رجلاها في المحاكم، خصوصا أن زوجها اختفى لفترة وهجرها وتبين لاحقاً أنه مسافر لدولة آسيوية.. فلو كان هناك قانون كقانون الأحوال الشخصية، ألم يكن للمرأة حق في الحصول على الطلاق لهجران زوجها وإلحاقه الضرر بها؟ هل نسينا قرار رسول الله ”ص” عندما جاءته سيدة تشكو كره زوجها فطلقها؟ فكيف به إذا اعتدى على سلامتها وهجرها، تلك قصة وهناك قصص أقسى منها تتحملها المرأة ولا سند قانونياً لها ولا حتى اجتماعي! الحديث عن هذا القانون يطول ولكن ما أردت قوله إن هذا القانون ليس عشوائياً ليلعن ويدفن قبل أن يولد، لنترك له الفرصة ليطرح للنقاش وإن كانت أحد بنوده أو حتى جميعها تمسُّ بالدين فكلنا دون استثناء سنقف ضده لا أن نقف دائما ضد ما نجهله، وكما قال الإمام علي عليه السلام ”الناس أعداء ما جهلوا”.

العدد 1033 الجمعة 21 ذو الحجة 1429 هـ – 19 ديسمبر 2008

عن الكاتب

تدوينات متعلقة

One Comment on “الناس أعداء ما جهلوا

  1. تعليق #1
    نعم لظمان حقوق المراة…برائي ال شخصي قانون يحفظ لزوجة حقوقها وايضا من جهة اخرى تفتح ابواب الحرب على الرجال ؟؟؟
    ابو هناء الجمعة 19 ديسمبر 2008
    تعليق #2
    عد التحية والسلام
    الأستاذه الفاضله ياسمين خلف لكِ جزيل الشكر والعرفات على طرح هذا الموضوع والذي يُشكل نقطة إختلاف الشعب والطائفتين الكريمتين ، ولكن القانون هو قانون وهو يفعل نفسه بذاته .
    كقانون الأحوال الشخصيه يحتاج إلى دراسته من قبل المختصين الشرعيين الذين يملكون شرعية استنباط الاحكام والقوانين وليس الشوريون والنواب والحكومة لأن هذا القانون يتعلق بكتاب الله وسنته هذا من جهه ومن جهة أخرى اذا كلٌّ منا افتى بقانون الاحوالي مثلي ومثلكِ وفماداعي لوجود العلماء والفقهاء وسنرى التخبط في الدين ومن منا اعدل وافقه من العلماء والفقهاء . أما إذا كنا بحاجة لقانون الاحوال الشخصيه فلما لا ندعه لأصحاب الاختصاص والهم الاكبر إننا نعيش في مملكة قانوننها الاسلام وكن للأسف لا نرى من يتبعه إلأ القلة القليله فأنا في تصوري يجب على الحكومة أن تعيد النظر في الوطن من جميع الجوانب وتعديل الوضع المتأزم وغض النظر عن هذا القانون وإحالته لأصحاب الإختصاص
    الاستاذ محمود الجمعة 19 ديسمبر 2008
    تعليق #3
    في رأيي أنت تخلطين بين المشرع وبين القاضي ، في البحرين لا توجد مشكلة تشريعية حسب علمي حتى نحتاج لقانون ليس من اختصاص النواب ، المشكلة في السلك القضائي والفساد المنتشر فيه ، وما مثالك في هذا المقال إلا شهيد على ما أقول .
    Mohammed الجمعة 19 ديسمبر 2008
    تعليق #4
    نحن بحاجة إلى قانون أحوال شخصية يا ياسمين، واعتراض رجال الدين ليست على محتوى القانون حتى ..وإنما الاعتراض على الضمانة الدستورية بعدم التغيير والتعديل والمس ومناقشته من قبل السلطة التشريعية التي لا تفقه في أمور شرعية مقدسة لأنها تسوقها التقلبات والتحالفات السياسية المصلحية، لو كانتت الحكومة جادة وصادقة وذات نية حسنة في إقرار القانون مثلما يريده رجال الدين، لأقرّته منذ زمن بعيد .. ولكن الحكومة لا تريد إقراره بالصيغة التي يتوافق عليها رجال الدين وغالبية أفراد المجتمع، وبالتالي حينها من حق هذه الفئة العريضة في المجتمع أن تشكك في نية الحكومة.. أليس كذلك يا ياسمين؟؟
    whatever الجمعة 19 ديسمبر 2008
    تعليق #5
    نعم لأقصى حماية وضمان للمرأه ولكن لايجب تجاهل المشرعين الدينيين في هذا الامرء والا سيكون الامر قوة وعنوه دون توافق .
    حسين الفردان الجمعة 19 ديسمبر 2008
    تعليق #6
    لقد أصبتِ كبد الحقيقة أشكركِ على المقال الرائع
    حسين جواد الجمعة 19 ديسمبر 2008

    رد

اكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.