هل أصبحنا جميعا فقراء

ياسمينيات
هل أصبحنا جميعا فقراء
ياسمين خلف

ياسمين خلف

قبل سنوات لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، وعندما كنت أنقل معاناة أحد المواطنين عبر التقارير الإنسانية، كنت أجد سيلا من الاتصالات مبدية رغبتها في مساعدة أصحاب المشكلة أيا كان نوعها علاج، مساعدة مادية أو حتى عينية كالأجهزة الكهربائية، الملابس، القرطاسية، الأثاث، بل كان هناك من يبدي رغبته أيضا في دفع مصروف شهري لبعض العوائل الفقيرة، وأطرف وأغرب تلك المساعدات التي مرت علي، عرض البعض للزواج من أصحاب بعض المشكلات ولا أمزح أبدا في ذلك، ولا هم كذلك والذين كانوا جادين في عروضهم إذ كللت فعلا احداها بالزواج.
والكثير من المواطنين حينها كانوا يبدون تأييدهم لنشر تلك القضايا ليتمكن الميسورون مساعدتهم خصوصا من يعترف أنهم يجهلون وجود حالات كهذه في البحرين، وأن علموا بوجودها لا يعرفون أين وكيف يساعدونهم، فكانت تلك التقارير سبيلهم لنيل الأجر والثواب، ولكم تخيل سعادتي بسخاء الأيدي البيضاء، وإن كان البعض من الزملاء يسخر من استمراري في طرح هذه القضايا لدرجة الاستهزاء كأن عرضت إحداهن علي وضع حصالة على مكتبي لجمع التبرعات، وإن كنت حقيقة وجدتها فكرة لن أتورع عن تطبيقها إن كان وراءها مساعدة الغير ونيل للأجر.
اليوم ورغم استمرار بل وتفاقم المشكلات والمآسي إن صح لي التعبير عنها، لا أجد حقيقة ذات الروح المعطاء من الناس، يحز في النفس أن يلجأ أب مكسور إلى الصحف ليعينه الميسورون على مصاريف يعترف جهرا بأنه عاجز عن تلبيتها لفلذات كبده، وتفطر الفؤاد دموع الأمهات المذروفة على أبنائهن المرضى من دون أن يحرك أحد ساكنا حتى على أقل تقدير وزارة الصحة التي أخذت تتجاهل الكثير منها، لا أنكر أبدا وجود البعض وهم قلة، ولكن ما أردت إيصاله أن تلك الأيدي الممدودة في الخير لم تعد كما كانت.
شخصيا أرجع الأمر لعدة أسباب احدها وقد تكون أكثرها تأثيرا هي أن قاعدة الفقراء والقريبين من حد الفقر في توسع وازدياد، ومن كان بالأمس قادر على التبرع والمساعدة ولو بالنزر القليل لم يعد اليوم قادرا عليها، خصوصا مع الغلاء الفاحش وزيادة الضروريات بعد أن كانت كماليات، كما أن لتعدد الصحف دورا، إذ أوجدت خيارات أكثر للمواطنين المعوزين ووسع من قاعدة لجوئهم للصحف وبالمثل فإن القراء توزعوا ولم يعد السواد الأعظم يقرأ كل ما يكتب في الصحف الست اليومية ويكتفي بقراءة واحدة منها، فإن حدث وعرضت خلالها مشكلة وكان صاحبها محظوظا وجد من يساعده وإن لم يكن فستجده يهيم على وجهه من جريدة لأخرى، فاطنا إلى أن لكل صحيفة قراءها وقد يكون من بينهم من يمد له يد العون والمساعدة.
في خضم ذلك لا يمكنني بأي حال من الأحوال أن أتقبل تصريح وزيرة التنمية الاجتماعية د. فاطمة البلوشي عندما أعلنت وبكل ثقة وجرأة بأن البحرين لم تعد تضم فقراء بين جنباتها، وكأننا جميعا في سبات عميق عمن حولنا، كيف أصدقها وقد دخلت عشرات البيوت المتهالكة التي يعيش بداخلها أشباه بشر؟ كيف أصدقها ولا يمر يوم إلا وتنازل رب أسرة عن كرامته ومد يده ” للي يسوى واللي ما يسوى”؟ وإن كذبت كل ذلك فهل تكذب سعادة الوزيرة الاف الطلبات التي أنهالت على مساعدة حكومية لا تتعدى الخمسين دينارا في الشهر! ما بالنا إذن لا نرحم بعضنا البعض ويساعد منا الآخر ولو بالقليل، أم أصبحنا جميعا فقراء، فقراء مال وفقراء أخلاق.

العدد 955 الخميس 3 شوال 1429 هـ – 2 أكتوبر 2008

ياسمينيات
هل أصبحنا جميعا فقراء
ياسمين خلف

ياسمين خلف

قبل سنوات لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، وعندما كنت أنقل معاناة أحد المواطنين عبر التقارير الإنسانية، كنت أجد سيلا من الاتصالات مبدية رغبتها في مساعدة أصحاب المشكلة أيا كان نوعها علاج، مساعدة مادية أو حتى عينية كالأجهزة الكهربائية، الملابس، القرطاسية، الأثاث، بل كان هناك من يبدي رغبته أيضا في دفع مصروف شهري لبعض العوائل الفقيرة، وأطرف وأغرب تلك المساعدات التي مرت علي، عرض البعض للزواج من أصحاب بعض المشكلات ولا أمزح أبدا في ذلك، ولا هم كذلك والذين كانوا جادين في عروضهم إذ كللت فعلا احداها بالزواج.
والكثير من المواطنين حينها كانوا يبدون تأييدهم لنشر تلك القضايا ليتمكن الميسورون مساعدتهم خصوصا من يعترف أنهم يجهلون وجود حالات كهذه في البحرين، وأن علموا بوجودها لا يعرفون أين وكيف يساعدونهم، فكانت تلك التقارير سبيلهم لنيل الأجر والثواب، ولكم تخيل سعادتي بسخاء الأيدي البيضاء، وإن كان البعض من الزملاء يسخر من استمراري في طرح هذه القضايا لدرجة الاستهزاء كأن عرضت إحداهن علي وضع حصالة على مكتبي لجمع التبرعات، وإن كنت حقيقة وجدتها فكرة لن أتورع عن تطبيقها إن كان وراءها مساعدة الغير ونيل للأجر.
اليوم ورغم استمرار بل وتفاقم المشكلات والمآسي إن صح لي التعبير عنها، لا أجد حقيقة ذات الروح المعطاء من الناس، يحز في النفس أن يلجأ أب مكسور إلى الصحف ليعينه الميسورون على مصاريف يعترف جهرا بأنه عاجز عن تلبيتها لفلذات كبده، وتفطر الفؤاد دموع الأمهات المذروفة على أبنائهن المرضى من دون أن يحرك أحد ساكنا حتى على أقل تقدير وزارة الصحة التي أخذت تتجاهل الكثير منها، لا أنكر أبدا وجود البعض وهم قلة، ولكن ما أردت إيصاله أن تلك الأيدي الممدودة في الخير لم تعد كما كانت.
شخصيا أرجع الأمر لعدة أسباب احدها وقد تكون أكثرها تأثيرا هي أن قاعدة الفقراء والقريبين من حد الفقر في توسع وازدياد، ومن كان بالأمس قادر على التبرع والمساعدة ولو بالنزر القليل لم يعد اليوم قادرا عليها، خصوصا مع الغلاء الفاحش وزيادة الضروريات بعد أن كانت كماليات، كما أن لتعدد الصحف دورا، إذ أوجدت خيارات أكثر للمواطنين المعوزين ووسع من قاعدة لجوئهم للصحف وبالمثل فإن القراء توزعوا ولم يعد السواد الأعظم يقرأ كل ما يكتب في الصحف الست اليومية ويكتفي بقراءة واحدة منها، فإن حدث وعرضت خلالها مشكلة وكان صاحبها محظوظا وجد من يساعده وإن لم يكن فستجده يهيم على وجهه من جريدة لأخرى، فاطنا إلى أن لكل صحيفة قراءها وقد يكون من بينهم من يمد له يد العون والمساعدة.
في خضم ذلك لا يمكنني بأي حال من الأحوال أن أتقبل تصريح وزيرة التنمية الاجتماعية د. فاطمة البلوشي عندما أعلنت وبكل ثقة وجرأة بأن البحرين لم تعد تضم فقراء بين جنباتها، وكأننا جميعا في سبات عميق عمن حولنا، كيف أصدقها وقد دخلت عشرات البيوت المتهالكة التي يعيش بداخلها أشباه بشر؟ كيف أصدقها ولا يمر يوم إلا وتنازل رب أسرة عن كرامته ومد يده ” للي يسوى واللي ما يسوى”؟ وإن كذبت كل ذلك فهل تكذب سعادة الوزيرة الاف الطلبات التي أنهالت على مساعدة حكومية لا تتعدى الخمسين دينارا في الشهر! ما بالنا إذن لا نرحم بعضنا البعض ويساعد منا الآخر ولو بالقليل، أم أصبحنا جميعا فقراء، فقراء مال وفقراء أخلاق.

العدد 955 الخميس 3 شوال 1429 هـ – 2 أكتوبر 2008

عن الكاتب

تدوينات متعلقة

One Comment on “هل أصبحنا جميعا فقراء

  1. تعليق #1
    صدقت في كل ما كتبتيه وأكبر دليل على ذلك الخبر الذي نزل بجريدتكم اليوم بعنوان “تفاقم خسائر «وول ستريت».. وتوتر في الأسواق”” يخطئ من يظن أن تلك الأزمة العالمية لن تؤثر علينا هي ممتدة سلبياتها على العالم أجمع بشهادة الدول الصناعية نفسها ويخطئ من يعتقد أنو لايوجد فقراء بل هم في ازدياد مضطرد مع زيادة ثروات الأغنياء فمثلما انهار النظام الأشتراكي لعدم أهليته نرى أن لا خير يرجى أيضا من النظام الرأسمالي / وتحياتي

    محمد رضي الخميس 2 أكتوبر 2008
    تعليق #2
    اولا كل عام وانتي بخير ياسمين والي كل طاقم الوقت المفضله لدينا نحن هنا بالامارات ثانيا سبق ياعزيزتي ياسمين طلبنا منك بعض الحالات التي يمكن نحن نساعدها دوريا حالات نحن حددناها كساسره فقيره مطلقه تستحق ارامل سجين دين ولكن لم تستجيبي للاسف وارسلتي حالات غير الحالات المطلوبه علي كل حال انتي مبدعه وفيك الخير ويعطيكم العافيه
    صلاح ين عيسي الحميدي الخميس 2 أكتوبر 2008
    تعليق #3
    الله يكون في عونا …
    الله كــــــــــــريـــــــــمــــ
    محمد الخميس 2 أكتوبر 2008
    تعليق #4
    الله يوفقش

    ابو العبد الخميس 2 أكتوبر 2008
    تعليق #5
    رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ :
    يَا بُنَيَّ !.. ذُقْتُ الصَّبْر ، وَأَكَلْتُ لِحَاء َ الشَّجَرِ ، فَلَمْ أَجِدْ شَيْئاً هُوَ أَمَرُّ مِنَ الْفَقْر .. فَإِنْ بُلِيتَ بِهِ يَوْماً ، لَا تُظْهِرِ النَّاسَ عَلَيْهِ فَيَسْتَهِينُوكَ ، وَلَا يَنْفَعُوكَ بِشَيْء ٍ .. ارْجِعْ إِلَى الَّذِي ابْتَلَاكَ بِهِ ، فَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى فَرَجِكَ ، وَسَلْهُ ، مَنْ ذَا الَّذِي سَأَلَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ ، أَوْ وَثِقَ بِهِ فَلَمْ يُنْجِهِ !..
    الدكتور حداد الخميس 2 أكتوبر 2008
    تعليق #6
    الأخ صلاح بن عيس الحميدي -الأمارات والأخت ياسمين لكم ألف شكر لطرحكم الموضوع
    أنا أعيش حاله صعبة فعلي قروض لخمس أماكن غير أنني أصرف على أولادي ومدارسهم فأبوهم بخيل ولا يصرف ألا بلقطارة وأن لاأطلب شيئا من الأخ صلاح تسديد ديوني ولكن أريد مواصلة دراستى الجامعيه فأدا فيه مجال للمساعده فلكم الشكر.
    الحزينه الخميس 2 أكتوبر 2008
    تعليق #7
    أولا أهنئك بعيد الفطر السعيد أعاده الله عليك وعلى الجميع بخير وفي حال أحسن من هذا الحال .. بصراحة منذ زمن وأنا أقرء كتاباتج ولكن هذا الموضوع شدني بدرجة عالية جدا واسمحي لي بهذه المداخلة المتواضعة وهي ألا تلاحظين أو تستنتجين بأن هذا وجه من أوجه الإستعمار الذي نحن نعيش في ظلاله بس بطريقة مختلفة نوعا ما وهل تستغربين لتصريح مثل تصريح وزيرة الشئون وهل قرأتي أو سمعتي يوما ما أن هناك أي مسئول أو وزير تكلم أنه يوجد أي نوع من السلبيات في وزارته أو إدارته والمشكلة الحقيقية هنا بأن الكل يدعي الكمال ففي إعتقادي يا إستاذة أنج تتكلمين عن فئة مهما رأيتيها كبيرة فهي نسبة بسيطة جدا حيث الفئة التي ينطبق عليها كلام رب العالمين .. وتحسبهم أغنياء من التعفف .. فئة ليست بالبسيطة أو القليلة ولكن دعينا نرى الفئة التي نطلق عليها المقربون كيف يعيشون والفئة التي لا تستطيع أن تصل أو توصل حتى همومها كيف تعيش والفرق واضح عند حتى أصغر الناس وأغبى الناس أو المتغابي من الناس .. فدعيني أن أنقل لك ولو مثال واحد فقط وهو أنا شخصيا أعاني مشكلة ومنذ أكثر من أربع سنوات لم أحظى بالرد ولو حتى بالرفض لمقابلة مسئول وللأسف الشديد أن النظام لأخذ موعد للمقابلة لا يقبل الا عن طريق الهاتف فأول سؤال يسأل مجيب الهاتف هو من أنت ومن أين وبعد أن يأخذ كل البيانات يجيب سوف نتصل فيك عندما تصلنا المعلومات عن موعد المقابلة وحاولت عن طريق الرسائل ونفس الشيء لا من مجيب وبعد أيام قليلة نرى في التلفزيون بأن المسئول إستقبل المواطنين وتعالي نرى من هم هؤلاء المواطنين هم نفسهم الذين يتكررون من سنوات فأين مقابلة المواطنين .. فنحن هذه مشكلتنا بأن الذي هو قريب لا يتمنى لأحد أن يقترب خوفا من قطع قرابته أقصد رزقه فبات عصرنا عصر الشللية و المحسوبية وأهمها العنصرية والتفرقة والا تستغربي تصريح وزيرة لشئون الناس والتي يجب أن تكون أكثر إجتماعية مع المواطنين تستغرق وقت لا أعلم أي من دولة في العالم بهذ السرعة.. المقابلة لها يجب أن تأخذ أكثر من سنة ونصف حتى يصل الجواب بعد ملل الموظفين من المواطن المخيف المرعب وهو مقترح يقدم له من إحدى هن وهو من الأفضل أن تكتب خطاب بالمطلوب من وراء المقابلة .. ولكن لو الإنسان يعي الى أين مآله لما رأى بأنه هو السبب في رزق الناس ولو ينظرون الى المنصب بأنه تكليف وليس تشريف .. فلن يكونوا أكبر من فرعون عندما خاطب السماء قائلا أين ما تمطرين ففي ملكي شوفي نهايته بأن الله سبحانه وتعالى جعله عبرة لمن لا يعتبر .. فأصلح الأمور بأن الواحد أن ينام والناس تدعي له لا تدعوا عليه . والسلام عليكم أعاد الله عليكم هذه الأيام في خير وعافية.

    عبدالرحيم جاسم
    عبدالرحيم جاسم الخميس 2 أكتوبر 2008

    رد

اترك تعليق على admin الغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.