زيارتي قبل أيام لمصنع الفخار في قرية عالي أرجعتني لسنوات عمري الأولى حين كنت في المرحلة الابتدائية، حيث نزور المصانع هناك كإحدى الزيارات المدرسية التعريفية لأنواع الحرف التراثية، كنا نحن الصغار نركض هنا وهناك مستمتعين، مشدوهين بحركة يدي صانع الفخار وطرق تشكيله للطين، ولا نخرج من عنده إلا بعد أن نشتري منه عينة كي نلعب بها ونشكلها ونلونها بألوان الطيف، وكم تفاخرنا نحن الطالبات بما نشتريه من ”حصالات وجداريات” تحمل النقوش الدلمونية.
رغم الذكريات التي تسارعت أمامي عندما وطأت قدمي مدخل القرية التي زينت بجرة فخارية كعنوان لهذه القرية التي عرفت بمهنة الفخار، إلا أنها سرعان ما جعلتني أتحسر بحسرات أصحاب تلك المصانع، وكيف لا؟ وهم يقولون إن الحرفة التي توارثوها أبا عن جد وأحبوها حتى النخاع آيلة للاندثار، لا بسبب عزوفهم أو أبنائهم عنها، بل لمنع الطين عنهم، فكيف لفخار أن ينتج من دون ”الطين” أيعقل هذا؟ فأين ذهبت ترانيم المسؤولين بأنهم يسعون للمحافظة على التراث؟ وإن كان، لم لا نرى دعما لهذه الحرفة التي حتما لا ينكر أي منا أنها تنعش السياحة وتحافظ على تاريخ أرادوس ودلمون القديمة، ألا يكفي ما يحدث للقبور والتلال في قرية عالي ليأتي الدور على حرفة تقتات منها أكثر من 05 أسرة اليوم هي مهددة في رزقها.
أحد أصحاب تلك المصانع قال بألم إنه ترك مقعده الدراسي لشغفه بمهنة والده وجده من قبله، ولم يندم قبل سنوات من الآن على ذلك، إذ وجد أنه يبني وطنه بمحافظته على تاريخها، ولكنه اليوم نادم بل إنه يصرخ في وجه ابنه متى ما حاول تقليده والجلوس على آلة صنع الفخار اليدوية، فإن توقفت هذه الأجيال عن ممارسة هذه المهنة التراثية أنتوقع من غيرهم ممارستها؟ المخيف في الأمر أن أصحاب هذه المصانع دقوا جرس الإنذار بأن ما يملكونه من الطين القليل سينفد في أيام بعدما منعوا من أخذ الطين من وادي الحنينية كما تعودوا في السنوات الماضية، بل إن مصنعين من أصل سبعة أغلقوا أبوابهم فعلا ولم يعد بإمكانهم مواصلة العمل بعد اليوم، وكالعادة جميع المسؤولين الذين طرقوا أبوابهم أعطوهم الوعود الضبابية، التي لن تشفع لهم إن أصبحت هذه المهنة من التاريخ وتشتت عائلات كانت تعتمد عليها في رزقها ردحا من الزمن.
ولا يتوقف الأمر على ذلك، فالمصائب لا تأتي فردا كما أقول دائماً، فحتى الأراضي التي تقوم عليها تلك المصانع لم تعد ملكا لأهلها بعدما استملكتها وزارة الإعلام بحجة أنها من الأراضي التراثية ومن حق الدولة، الأهالي يملكون الوثائق التي تؤكد أحقيتهم فيها، ويعني ذلك إن كانت الدولة تغازل هذه الأراضي فعليها أن تعوض أصحابها وليس أي تعويض وإنما تعويضا مجزياً، ويكفي أن أصحاب هذه المصانع يقولون وبقهر إن آباءهم آثروا شراء الأرض لبناء تلك المصانع للمحافظة على مهنة آبائهم بدلاً من شراء أراضٍ لبناء منازل لهم، حتى أنهم لايزالون وأبناؤهم يعيشون في بيوت بالإيجار، ويعني ذلك أنهم خرجوا من المعادلة ”صفر” الأيدي، فلا أرض ولا مهنة ولا بيوت ملك وكأنهم وكما يقول المثل العامي ”أهل عالي ما فكروا إلا تالي” أي أنهم لم يدركوا الأمر إلا متأخراً.
احدهم قال إنه يصاب بالخجل إذا ما امتنع عن إعطاء طلبة المدارس القليل من الطين ليدخل الفرحة في قلوبهم لعدم توافر الطين وشحه، وكأنه يقول لن يخرج الطلبة بأي ذكريات كما كانت! هموم هؤلاء البحرينيين كثيرة ونتمنى أن تسمع أصواتهم قبل أن نكون جميعا كأهل عالي الذين لم يفكروا إلا بعد فوات الأوان.
زيارتي قبل أيام لمصنع الفخار في قرية عالي أرجعتني لسنوات عمري الأولى حين كنت في المرحلة الابتدائية، حيث نزور المصانع هناك كإحدى الزيارات المدرسية التعريفية لأنواع الحرف التراثية، كنا نحن الصغار نركض هنا وهناك مستمتعين، مشدوهين بحركة يدي صانع الفخار وطرق تشكيله للطين، ولا نخرج من عنده إلا بعد أن نشتري منه عينة كي نلعب بها ونشكلها ونلونها بألوان الطيف، وكم تفاخرنا نحن الطالبات بما نشتريه من ”حصالات وجداريات” تحمل النقوش الدلمونية.
رغم الذكريات التي تسارعت أمامي عندما وطأت قدمي مدخل القرية التي زينت بجرة فخارية كعنوان لهذه القرية التي عرفت بمهنة الفخار، إلا أنها سرعان ما جعلتني أتحسر بحسرات أصحاب تلك المصانع، وكيف لا؟ وهم يقولون إن الحرفة التي توارثوها أبا عن جد وأحبوها حتى النخاع آيلة للاندثار، لا بسبب عزوفهم أو أبنائهم عنها، بل لمنع الطين عنهم، فكيف لفخار أن ينتج من دون ”الطين” أيعقل هذا؟ فأين ذهبت ترانيم المسؤولين بأنهم يسعون للمحافظة على التراث؟ وإن كان، لم لا نرى دعما لهذه الحرفة التي حتما لا ينكر أي منا أنها تنعش السياحة وتحافظ على تاريخ أرادوس ودلمون القديمة، ألا يكفي ما يحدث للقبور والتلال في قرية عالي ليأتي الدور على حرفة تقتات منها أكثر من 05 أسرة اليوم هي مهددة في رزقها.
أحد أصحاب تلك المصانع قال بألم إنه ترك مقعده الدراسي لشغفه بمهنة والده وجده من قبله، ولم يندم قبل سنوات من الآن على ذلك، إذ وجد أنه يبني وطنه بمحافظته على تاريخها، ولكنه اليوم نادم بل إنه يصرخ في وجه ابنه متى ما حاول تقليده والجلوس على آلة صنع الفخار اليدوية، فإن توقفت هذه الأجيال عن ممارسة هذه المهنة التراثية أنتوقع من غيرهم ممارستها؟ المخيف في الأمر أن أصحاب هذه المصانع دقوا جرس الإنذار بأن ما يملكونه من الطين القليل سينفد في أيام بعدما منعوا من أخذ الطين من وادي الحنينية كما تعودوا في السنوات الماضية، بل إن مصنعين من أصل سبعة أغلقوا أبوابهم فعلا ولم يعد بإمكانهم مواصلة العمل بعد اليوم، وكالعادة جميع المسؤولين الذين طرقوا أبوابهم أعطوهم الوعود الضبابية، التي لن تشفع لهم إن أصبحت هذه المهنة من التاريخ وتشتت عائلات كانت تعتمد عليها في رزقها ردحا من الزمن.
ولا يتوقف الأمر على ذلك، فالمصائب لا تأتي فردا كما أقول دائماً، فحتى الأراضي التي تقوم عليها تلك المصانع لم تعد ملكا لأهلها بعدما استملكتها وزارة الإعلام بحجة أنها من الأراضي التراثية ومن حق الدولة، الأهالي يملكون الوثائق التي تؤكد أحقيتهم فيها، ويعني ذلك إن كانت الدولة تغازل هذه الأراضي فعليها أن تعوض أصحابها وليس أي تعويض وإنما تعويضا مجزياً، ويكفي أن أصحاب هذه المصانع يقولون وبقهر إن آباءهم آثروا شراء الأرض لبناء تلك المصانع للمحافظة على مهنة آبائهم بدلاً من شراء أراضٍ لبناء منازل لهم، حتى أنهم لايزالون وأبناؤهم يعيشون في بيوت بالإيجار، ويعني ذلك أنهم خرجوا من المعادلة ”صفر” الأيدي، فلا أرض ولا مهنة ولا بيوت ملك وكأنهم وكما يقول المثل العامي ”أهل عالي ما فكروا إلا تالي” أي أنهم لم يدركوا الأمر إلا متأخراً.
احدهم قال إنه يصاب بالخجل إذا ما امتنع عن إعطاء طلبة المدارس القليل من الطين ليدخل الفرحة في قلوبهم لعدم توافر الطين وشحه، وكأنه يقول لن يخرج الطلبة بأي ذكريات كما كانت! هموم هؤلاء البحرينيين كثيرة ونتمنى أن تسمع أصواتهم قبل أن نكون جميعا كأهل عالي الذين لم يفكروا إلا بعد فوات الأوان.
One Comment on “أهل عالي ما فكروا إلا ..”
فارس الورود
أنا اول الكاتبين… وانت أوُلى و أولى الكاتبات وياسمينة الصحفيات وفخر البحرينيات…
مبروك ال blog…. بس غيري الصورة إهني..