ياسمينيات
أخطاؤهم بعشرة
ياسمين خلف
لسنا ملائكة، فكلنا أبناء آدم وخطاؤون، فمن منا لا يرتكب خطأ في حياته؟ ومن يدعي غير ذلك فليلبس أجنحة لينضم إلى الملائكة لا البشر، ولكن هناك أخطاء نتائجها أكبر من غيرها، فخطأ الأطباء بعشرة كما يقال، فهي تكلف الفرد حياته في أحايين كثيرة، فإما إعاقة أو شلل أو موت بعد عذاب، فعندها لا ينفع صراخ ولا عويل فالروح ذهبت إلى بارئها وأي تعويض لن يضاهي وجود الشخص بين أهله وعياله، ولن يعيد زهرة شبابه التي ذبلت قبل الأوان.
المشكلة الأكبر أن لا أحد يعترف من الأطباء بأنه بشر وأخطأ فعلاً، فجميع الحالات التي مرت عليّ أثناء سنوات عملي تصر على أنها قامت بواجبها على أكمل وجه، وأن المريض صاحب مشكلات ولا يفهم، أو أن أهل المتوفى (نتيجة خطأ طبي طبعاً) يريدون أن يلقوا بالمصيبة عليهم، أو أنهم لا يريدون تقبل واقع ابنهم المريض، أو أنهم «يستهبلون» وينكرون الجميل، والطامة الكبرى إصرار المسؤولين في وزارة الصحة على أنهم «لا يخطئون»، وهو ما يشعل ناراً في قلوب من أوقعهم قدرهم تحت أيديهم، ليلعنوا اليوم الذي دخلوا فيه المستشفى، ويتمنوا الموت برحمة في بيوتهم على الموت تحت أيدٍ لا تعرف الرحمة. ومن الواقع المهني أيضاً أقول إن كثيراً من الأهالي يرددون بأنهم سيغفرون الخطأ للطبيب لو كان يعترف بأنه أخطأ «أليس بإنسان؟ أليس الخطأ من صفاته؟» ولكن ما يجعل الأهل يصرون على رفع الشكاوى التي تصل بعضها إلى المحاكم هو إصرار الجهة الطبية على أنها «كاملة» والخطأ ليس من شيمها، وإن كانت الفئة الأكبر من الناس تحتسب عند ربها ولا تعرف حتى أن هناك جهة لرفع الشكاوى في وزارة الصحة.
فرح الشابة التي لم تتعدّ الثلاثين من عمرها وهي أم لطفلين شبه يتيمين بعد طلاق والديهما وتوليها مسؤوليتهما توفيت أمس نتيجة خطأ طبي كما يدعي أهلها، دخلت لالتهاب في العين وخرجت محمولة إلى قبرها، وقبل أيام توفي الشاب «علي» مريض السكلر ذو الـ 22 ربيعاً نتيجة إعطائه مضاداً يعاني – كما يبدو – من حساسية منه، وقبل شهر أيضاً توفي الشاب هاني معيوف المريض بالسكلر كذلك نتيجة خطأ طبي آخر، والقائمة تطول وتطول لو رجعنا إلى الأهالي الذين لايزالون ينتحبون على أقاربهم المتوفين فنتيجة أخطاء..
مهلاً، هل سمعنا يوماً أو قرأنا في الصحف أن الوزارة تعترف بوجود خطأ طبي، وأن الطبيب المتسبب في الخطأ (عن غير عمد طبعاً) قد حوسب على خطئه ونال جزاءه من العقاب؟ الإجابة معروفة لدى الجميع ولا تحتاج إلى فذلكة وذكاء ولا «فهلوه» على حد قول إخواننا المصريين، وإن كان غير ذلك فليأتي أحدكم بدليل يقر بأن فلاناً من الأطباء نال جزاءه من العقاب.
ماذا عسانا أن نقول أو نفعل، فكلنا بلا استثناء نحن أو أحد أقاربنا أو معارفنا وأحبائنا سيضطره الوضع الصحي يوماً إلى دخول المستشفى، وقد يكون ضحية جديدة لخطأ طبي جديد، ومنا طبعاً من هم أطباء يوقعهم القدر في أيدي زملاء لهم حينها فقط (من أخطؤوا وأنكروا) سيذكرون أن الله حق، وأن الدنيا دوارة، وأنه كما تدين تدان.
ياسمينيات
أخطاؤهم بعشرة
ياسمين خلف
لسنا ملائكة، فكلنا أبناء آدم وخطاؤون، فمن منا لا يرتكب خطأ في حياته؟ ومن يدعي غير ذلك فليلبس أجنحة لينضم إلى الملائكة لا البشر، ولكن هناك أخطاء نتائجها أكبر من غيرها، فخطأ الأطباء بعشرة كما يقال، فهي تكلف الفرد حياته في أحايين كثيرة، فإما إعاقة أو شلل أو موت بعد عذاب، فعندها لا ينفع صراخ ولا عويل فالروح ذهبت إلى بارئها وأي تعويض لن يضاهي وجود الشخص بين أهله وعياله، ولن يعيد زهرة شبابه التي ذبلت قبل الأوان.
المشكلة الأكبر أن لا أحد يعترف من الأطباء بأنه بشر وأخطأ فعلاً، فجميع الحالات التي مرت عليّ أثناء سنوات عملي تصر على أنها قامت بواجبها على أكمل وجه، وأن المريض صاحب مشكلات ولا يفهم، أو أن أهل المتوفى (نتيجة خطأ طبي طبعاً) يريدون أن يلقوا بالمصيبة عليهم، أو أنهم لا يريدون تقبل واقع ابنهم المريض، أو أنهم «يستهبلون» وينكرون الجميل، والطامة الكبرى إصرار المسؤولين في وزارة الصحة على أنهم «لا يخطئون»، وهو ما يشعل ناراً في قلوب من أوقعهم قدرهم تحت أيديهم، ليلعنوا اليوم الذي دخلوا فيه المستشفى، ويتمنوا الموت برحمة في بيوتهم على الموت تحت أيدٍ لا تعرف الرحمة. ومن الواقع المهني أيضاً أقول إن كثيراً من الأهالي يرددون بأنهم سيغفرون الخطأ للطبيب لو كان يعترف بأنه أخطأ «أليس بإنسان؟ أليس الخطأ من صفاته؟» ولكن ما يجعل الأهل يصرون على رفع الشكاوى التي تصل بعضها إلى المحاكم هو إصرار الجهة الطبية على أنها «كاملة» والخطأ ليس من شيمها، وإن كانت الفئة الأكبر من الناس تحتسب عند ربها ولا تعرف حتى أن هناك جهة لرفع الشكاوى في وزارة الصحة.
فرح الشابة التي لم تتعدّ الثلاثين من عمرها وهي أم لطفلين شبه يتيمين بعد طلاق والديهما وتوليها مسؤوليتهما توفيت أمس نتيجة خطأ طبي كما يدعي أهلها، دخلت لالتهاب في العين وخرجت محمولة إلى قبرها، وقبل أيام توفي الشاب «علي» مريض السكلر ذو الـ 22 ربيعاً نتيجة إعطائه مضاداً يعاني – كما يبدو – من حساسية منه، وقبل شهر أيضاً توفي الشاب هاني معيوف المريض بالسكلر كذلك نتيجة خطأ طبي آخر، والقائمة تطول وتطول لو رجعنا إلى الأهالي الذين لايزالون ينتحبون على أقاربهم المتوفين فنتيجة أخطاء..
مهلاً، هل سمعنا يوماً أو قرأنا في الصحف أن الوزارة تعترف بوجود خطأ طبي، وأن الطبيب المتسبب في الخطأ (عن غير عمد طبعاً) قد حوسب على خطئه ونال جزاءه من العقاب؟ الإجابة معروفة لدى الجميع ولا تحتاج إلى فذلكة وذكاء ولا «فهلوه» على حد قول إخواننا المصريين، وإن كان غير ذلك فليأتي أحدكم بدليل يقر بأن فلاناً من الأطباء نال جزاءه من العقاب.
ماذا عسانا أن نقول أو نفعل، فكلنا بلا استثناء نحن أو أحد أقاربنا أو معارفنا وأحبائنا سيضطره الوضع الصحي يوماً إلى دخول المستشفى، وقد يكون ضحية جديدة لخطأ طبي جديد، ومنا طبعاً من هم أطباء يوقعهم القدر في أيدي زملاء لهم حينها فقط (من أخطؤوا وأنكروا) سيذكرون أن الله حق، وأن الدنيا دوارة، وأنه كما تدين تدان.
أحدث التعليقات