ياسمينيات
كرامة البحريني
ياسمين خلف
كان السبت قبل الماضي بمثابة ”اليوم المفضوح” لكل الأسر التي أدرجت أسماؤها ضمن قائمة المستحقين للخمسين ديناراً لمواجهة غلاء المعيشة، وذكرني بأيام المدرسة حيث تستبدل الطالبات كلمة ”المفتوح” ”بالمفضوح” حيث تكون أوراق الطالبة مكشوفة لأهلها وحتى زميلاتها ومدرساتها وغير مدرساتها، فيكون يوما مذلا للطالبة ”تعيسة الحظ طبعا”، والحال ذاته عندما تعلن عن أسماء الناجحين في الثانوية العامة حين يُكرَمُ المرء أو يهان، فالمذلة والمهانة هو الشعور الذي انتاب أغلب، أن لم نقل جميع من نشرت أسماؤهم في الصحف، وهي وكما يقول الله عز وجل في كتابه الحكيم ”صدقة يتبعها أذى”، ألم تكن هناك طريقة للحكومة الإلكترونية تحافظ فيها على ماء وجه المواطن عبر نشر الرقم الشخصي لرب العائلة مثلا، بدلا من نشر غسيله على الملأ، فالكثيرون لم يجدوا غضاضة من قراءة القائمة من أولها حتى آخرها، فضولا أو حتى تجسسا، لدرجة أن البعض منهم أعد قائمة بالأسماء ”الغريبة والدخيلة على مجتمعنا” لينشرها عبر المواقع الإلكترونية كدليل على أن الفتات والقليل من خير المملكة ذهب هو الآخر في بطون ”المجنسين”.
يبدو أنه لم تعد للبحريني كرامة في وطنه،عاش فقيرا حتى تعوّد على الفقر وإن ملّ الفقر منه وضجر، وأبى أن يكشف وجهه لسؤال غيره، فعاش حياته متعففا لا مرفّها كغيره من مواطني دول الخليج، ومع كل ذلك تجده عزيز النفس يرفض مذلة السؤال، حتى وان بات وعياله جوعاً، صبر كثيرا وانتظر طويلا وعلق أمله على الخمسين دينارا لعل وعسى أن تخفف عنه ضيق الحال، ليفاجأ باسمه الثلاثي بل والرباعي ينشر في الصحف اليومية ليعلن للملأ بأنه من فئة ”الفقارة” في هذا الوطن الذي لم يعد وطنا لأهله، ويستحق ”صدقة” من الحكومة ! أليست هي دليلا قاطعا على أن نصف الشعب يعيش تحت خط الفقر؟
بعض ممن نشرت أسماؤهم تمنوا عدم الحصول على تلك الدنانير البخسة على أن يعرف فلان وفلتان بأنه لم يعد قادرا على أن يوفر لنفسه وأهل بيته ما يسد به رمقه ويستر عورته، ليأتي اليوم الذي يستجدي فيها ”5 أنواط خضر” بشكل مهين، وأظن أن من لم تكتمل بياناتهم لدى الحكومة كانوا أكثر حظا فلهم مطلق الحرية، إما استكمال البيانات ونيل ”الفضيحة ” وإما نسيان الأمر والبقاء على ماء الوجه، وكفى الناس شر القتال، فلا أعتقد أن مسألة اصطفاف الناس في طوابير لاستكمال البيانات ستكون أرحم و”أستر” ففيها من المهانة والفضيحة الشيء الكثير، ”ويا ليتها تسوى، كلها خمسون دينار لا تكفي حتى ماجلة البيت لشهر” ألم يرفع التجار الأسعار حتى طالت رسوم المدارس الخاصة؟
أذكر أني خلال زيارتي لإحدى القرى ضمن جولاتي الصحافية، دلني أهل القرية على أشد الأسر فقرا فيها ليروني حجم المعاناة التي تعيشها من خلال منزلها الذي لا يجد حتى سقفا يغطي دورة المياه، ولكنهم أعقبوا قولهم بأن صاحب البيت عزيز النفس لم يجدوه يوما يطلب المساعدة من أحد، رغم أنهم جميعا يدركون بأنه فقير إلا أنهم يعلمون أيضا بأنه يرفض الاعتراف بحقيقة وضعه ودائما ما يدعي بأن الحال مستور ويرفض المساعدات من أهل الخير تعففا وليس تكبراً ”تحسبهم أغنياء من التعفف” كما يقول عز وجل، فالمواطن البحريني يتحمل الجوع والفقر، ولكنه لن يقبل بالمذلة والمهانة.
العدد 769 الأحد 22 ربيع الأول 1429 هـ – 30 مارس 2008
ياسمينيات
كرامة البحريني
ياسمين خلف
كان السبت قبل الماضي بمثابة ”اليوم المفضوح” لكل الأسر التي أدرجت أسماؤها ضمن قائمة المستحقين للخمسين ديناراً لمواجهة غلاء المعيشة، وذكرني بأيام المدرسة حيث تستبدل الطالبات كلمة ”المفتوح” ”بالمفضوح” حيث تكون أوراق الطالبة مكشوفة لأهلها وحتى زميلاتها ومدرساتها وغير مدرساتها، فيكون يوما مذلا للطالبة ”تعيسة الحظ طبعا”، والحال ذاته عندما تعلن عن أسماء الناجحين في الثانوية العامة حين يُكرَمُ المرء أو يهان، فالمذلة والمهانة هو الشعور الذي انتاب أغلب، أن لم نقل جميع من نشرت أسماؤهم في الصحف، وهي وكما يقول الله عز وجل في كتابه الحكيم ”صدقة يتبعها أذى”، ألم تكن هناك طريقة للحكومة الإلكترونية تحافظ فيها على ماء وجه المواطن عبر نشر الرقم الشخصي لرب العائلة مثلا، بدلا من نشر غسيله على الملأ، فالكثيرون لم يجدوا غضاضة من قراءة القائمة من أولها حتى آخرها، فضولا أو حتى تجسسا، لدرجة أن البعض منهم أعد قائمة بالأسماء ”الغريبة والدخيلة على مجتمعنا” لينشرها عبر المواقع الإلكترونية كدليل على أن الفتات والقليل من خير المملكة ذهب هو الآخر في بطون ”المجنسين”.
يبدو أنه لم تعد للبحريني كرامة في وطنه،عاش فقيرا حتى تعوّد على الفقر وإن ملّ الفقر منه وضجر، وأبى أن يكشف وجهه لسؤال غيره، فعاش حياته متعففا لا مرفّها كغيره من مواطني دول الخليج، ومع كل ذلك تجده عزيز النفس يرفض مذلة السؤال، حتى وان بات وعياله جوعاً، صبر كثيرا وانتظر طويلا وعلق أمله على الخمسين دينارا لعل وعسى أن تخفف عنه ضيق الحال، ليفاجأ باسمه الثلاثي بل والرباعي ينشر في الصحف اليومية ليعلن للملأ بأنه من فئة ”الفقارة” في هذا الوطن الذي لم يعد وطنا لأهله، ويستحق ”صدقة” من الحكومة ! أليست هي دليلا قاطعا على أن نصف الشعب يعيش تحت خط الفقر؟
بعض ممن نشرت أسماؤهم تمنوا عدم الحصول على تلك الدنانير البخسة على أن يعرف فلان وفلتان بأنه لم يعد قادرا على أن يوفر لنفسه وأهل بيته ما يسد به رمقه ويستر عورته، ليأتي اليوم الذي يستجدي فيها ”5 أنواط خضر” بشكل مهين، وأظن أن من لم تكتمل بياناتهم لدى الحكومة كانوا أكثر حظا فلهم مطلق الحرية، إما استكمال البيانات ونيل ”الفضيحة ” وإما نسيان الأمر والبقاء على ماء الوجه، وكفى الناس شر القتال، فلا أعتقد أن مسألة اصطفاف الناس في طوابير لاستكمال البيانات ستكون أرحم و”أستر” ففيها من المهانة والفضيحة الشيء الكثير، ”ويا ليتها تسوى، كلها خمسون دينار لا تكفي حتى ماجلة البيت لشهر” ألم يرفع التجار الأسعار حتى طالت رسوم المدارس الخاصة؟
أذكر أني خلال زيارتي لإحدى القرى ضمن جولاتي الصحافية، دلني أهل القرية على أشد الأسر فقرا فيها ليروني حجم المعاناة التي تعيشها من خلال منزلها الذي لا يجد حتى سقفا يغطي دورة المياه، ولكنهم أعقبوا قولهم بأن صاحب البيت عزيز النفس لم يجدوه يوما يطلب المساعدة من أحد، رغم أنهم جميعا يدركون بأنه فقير إلا أنهم يعلمون أيضا بأنه يرفض الاعتراف بحقيقة وضعه ودائما ما يدعي بأن الحال مستور ويرفض المساعدات من أهل الخير تعففا وليس تكبراً ”تحسبهم أغنياء من التعفف” كما يقول عز وجل، فالمواطن البحريني يتحمل الجوع والفقر، ولكنه لن يقبل بالمذلة والمهانة.
العدد 769 الأحد 22 ربيع الأول 1429 هـ – 30 مارس 2008
One Comment on “كرامة البحريني”
admin
تعليق #1
قد لا تستطيع الحروف أن تنظم نفسها في سطور للتعليق على المقال .. شيء مؤلمـ مايعيشه المواطن البحريني ..
يقول الشاعر:
بلاد ألفناها على كل حالة
وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن
وتستعذب الأرض التي لاهوى لها
ولا ماؤها عذب ولكنها وطن …
هكذا هو حالنا في البحرين .. ألفناها على كل حالة .. وهي لم تألفنا .. و لم تكن تلك الأم رحيمة بأبناءها ..
إيمان سبت الأحد 30 مارس 2008
تعليق #2
من الاجدر الكتابة عن الموضوع الاهم وهو هل الخمسين كافية ما كانت مفاجاة ان معظم البحرينيين راتبهم اقل من 1500 دينار
jaffar salman الأحد 30 مارس 2008
تعليق #3
أشكرك كل الشكر على كتاباتك اللي صج انه كلام صحيح بخصوص المذله على هالـ 50 دينار ما يسوى علينا خلو حتى اخوانا الخليجيين يضحكون علينا انا سميته 5 فلس مو 50 بالنسبة للغلا هالمبلغ ولا يسوي شي بدال ما يكرمون بمبلغ عدل يفشلون فيها .. يعطيج العافيه على كتاباتك وانشاء الله بالتوفيق واحنا الله لنا على هالإحراج .. الفقير فقير لكن عند ربه غني بأفعاله وبحسناته ……
م. جناحي الأحد 30 مارس 2008
تعليق #4
شكرا نعم يوجد فى البحرين من القرية من يعيشون تحت خط الفقر
abosaleh الأحد 30 مارس 2008
تعليق #5
سلام يأخت ياسمين
ليش زعلانه على نشر الأسماء علاوة غلاء المعيشة و المجنسون الربع الجدد فرحانون ليثتوا وجودهم في البحرين الغالية مافي ألا البحرينيين الأصيلين زعلانين على نشر الأسماء، والله كبرو مخكم يالبحريينين الأصليين وماذا بعد سنة سوف أدفع من جيبيى لا لن أقبل بهذا سوف نريد علاوة الغلاء على طول هذاه بلادي وهه الموارد ملكي وسوف نستفيد منها من حسابات بابكو وألبا وبتلكو وطيران الخليج وأسرى وفورملا ون وغيرها من المشاريع الداخل بلادي
وإلى الله المشتكي
ويأخت ياسمين لأكثر من تعليق كتبت لكي أن تلبسي الحجاب أو تزيلى الصورة والحجاب الداخلي قوي والخارجي المروض يكون قوي
وشكر على الموضوع ونتمني بأن تكتبي موضيع أقوى من ذلك
نارالبحرين الأحد 30 مارس 2008
تعليق #6
نعم كلام في قمة الصدق والحقيقة جزاك خيرا فالواقع اشد من الكلام بكثير فكم هذا الاذلال الغير حضاري والذي ينزل من كرامة الانسان البحرين وكانة يتسول والحكومة تعطف علية وتقول للعالم لقد اعطينا الاسرة الفلانية مبلغ وقدرة 50 دينار لكي تعينهم على الغلاء الفاحش الذي فقط تم فية التلاعب الخطير في البحرين بدون رقيب فجميع المواد المستهلكة من خارج البحرين والتي ارتفع سعرها من بلد المنشأ كان مشترك بالدول لايمكن ان اعلق ولاكن عندما يتم التلاعب بجميع المواد والاغراض والحاجيات !!! عجبي في هذا القرار ال 50 دينار فهل سوف تحل مشكلة الغلاء ام ستزداد الاسعار سؤاّ والله سوف يذل الشعب وسوف تصبح الاسعار اعلى بكثير فهذه ال50 ستكون نقمة على الشعب البحريني
أبو عبد الله الأحد 30 مارس 2008
تعليق #7
شكراً على ما خطته يداكي والله يعطيش الصحه والعافيه وكلام في محله
هذا حال البحريني فقير وعزيز نفس
ابو احمد الأحد 30 مارس 2008
تعليق #8
الله يعطيك العافية يا الغاليه على الموضوع
سليم علي احمد الأحد 30 مارس 2008
تعليق #9
السلام عليكم ،
يعطيچ ألف صحة وعافيه على هالمقال الرائع ..
طرادة الأحد 30 مارس 2008
تعليق #10
مشكووورة اختي على طرح مشكلات المواطنون البحرينيون ..
الله يعطيج الصحة والعافية ..
اكرر شكري لج .
بنت المشيمع الخميس 3 أبريل 2008