نشرت فى : مايو 16, 2010

ثلاثة.. أو أربعة حروف

ياسمينيات
ثلاثة.. أو أربعة حروف
ياسمين خلف

ياسمين خلف

ثلاثة حروف أو أربعة عسيرة على اللسان، سهلة إذا ما أراد أحدنا أن يقرب المسافات ويكسر جليد الغضب أو حتى «الزعل» وسوء الفهم، إلا أن قلة من الناس من يكونون شجعاناً ويقولونها. «آسف» أو «آسفة»، لا أظنها بالكلمة المستحيلة التي في كثير من الأحيان قولها يكون نتاج تربية حميدة والتغاضي عنها يندرج في خانة العيب.
حياتنا تزخر بنماذج لم تعرف في عمرها كله هذه الكلمة، بل تعتبرها إنقاصاً في الشأن أو حتى دعساً للكرامة، فيتعنتون وآخر ما يفكرون فيه هو نطق هذه الحروف، بل قد يدركون في قرارة أنفسهم بأنهم مخطئون، ولكن آخر ما يفكرون فيه هو الوقوف أمام يدي الطرف الآخر ليعترفوا أمامه بأنهم كذلك ويقولون مثلاً «آسف، لك كل الحق في الزعل».
قد يقول قائل إن هذا الموضوع لا يستحق الطرح، وإن كنت حقاً أجد عكس ذلك، فهناك من الناس من يغفل هذه الجزئية ويحتاج إلى تذكير أو حتى الاستيقاظ من نومه الطويل.
أحدهم وقبل أيام قليلة وأمثاله كثر، سد بسيارته منفذ الخروج وظللت لأكثر من نصف ساعة أنتظر وعدد من العمال الآسيويين يبحثون عن صاحب السيارة الذي «ولا على باله»، فهمه الوحيد أن يحصل على موقف في الظل بعيداً عن أشعة الشمس، ليذهب الآخرون إلى الجحيم، رغم أن المواقف الأخرى شاغرة، إلى أن جاء أحد العمال وعرف صاحب السيارة ليدلنا على منزله. طرقت الباب وكنت متوقعة أن يفتحه ويعتذر عما بدر منه، ولكن المفاجأة التي ألجمت فمي أنه كما الحائط هز رأسه كتعبير عن قدومه لتحريك سيارته ولا شيء آخر. لا أخفي إنْ قلت إن النار اشتعلت في داخلي، فنصف ساعة وأنا واقفة في الشارع وتأخرت عن عملي وحتى كلمة «آسف» لم يقلها وكأنه لم يخطئ ولم يفعل شيئاً يتطلب منه الاعتذار، ورغم ذلك قلت في نفسي: لربما يأتي أثناء تحريك سيارته ويعتذر، ليحطم كل توقعاتي.. وعندما دخل سيارته كما لو كان يعاني من البكم.
ما أردت قوله إن نطق هذه الكلمة لن يكلف الإنسان شيئاً، بل على العكس ستكون وسيط خير وستجعل الطرف الآخر يتنازل عن حقه، لا أن يتشبث برأيه بأن خصمه أخطأ في حقه ولا يستحق منه العفو، ويكون في نظره أنموذجاً للإنسان غير المحترم ولو كان كذلك لاحترم غيره. الغريب حقاً أن بعض الناس ينسى أو يتناسى أن الإسلام دين أخلاق وتعامل، وأن ليس من صفات المسلم إلحاق الضرر بالغير والتكبر على عباده، ففي مثل الحالة السابقة ماذا لو كانت هناك حالة طارئة وتحتاج إلى النقل وبسرعة إلى المستشفى، وكانت سيارة أحدهم كما أخينا واقفة في المكان الخطأ؟ أليس ذلك ضرراً ألحقه بأخيه المسلم؟
الأمر لا يقتصر على العلاقات بين المرء ومن حوله من الناس والأصدقاء، بل تتعمق حتى في علاقة المرء بأسرته وأقرب الناس إليه زوجته مثلاً أو إخوانه وأخواته، بل حتى والديه، وكم من علاقات تصدعت لمكابرة أحدهم وإصراره على ألا يعتذر كأن يرى أن من «العيب» أن يعتذر لأخيه الأصغر منه مثلاً، وينسى أن «العيب» هو الخطأ في حق الغير وعدم إبداء الندم ولو بكلمة لا تتعدى الحروف الثلاثة أو الأربعة.

العدد 674 – الاربعاء 16 ذو الحجة 1428 هـ – 26 ديسمبر

ياسمينيات ثلاثة.. أو أربعة حروف ياسمين خلف ثلاثة حروف أو أربعة عسيرة على اللسان، سهلة إذا ما أراد أحدنا أن يقرب المسافات...

إقرأ المزيد »

نستنكر ما تستنكرون

ياسمينيات
نستنكر ما تستنكرون
ياسمين خلف

ياسمين خلف

لسنا مع العنف بأي شكل من أشكاله، ولسنا مع من «يطبل» هنا وهناك ليتقرب من هذا وذاك، ولسنا مع من ينفخ ليشعل نار الفتنة ويؤجج الطائفية التي لا أعرف بالضبط كيف وجدت لها مكاناً بيننا اليوم، رغم التحضر والثقافة التي وصل إليها شعبنا، فالبحريني إنسان مسالم بطبعه ومتسامح مع الأديان الأخرى، فكيف بذاك المسلم مثله والذي يشهد بالشهادتين مثله، أينكر أحدنا ذلك؟ سلوا كبار السن اليوم إذا شهدوا في زمان شبابهم ما نشهده اليوم لتجيبوا على السؤال بحيادية وموضوعية بعيداً عن التشنج والعصبية.
ما حدث في الأيام الأخيرة أثر الحوادث التي مرت بها المملكة، فتحت شهية البعض من الكتاب في عدد من الصحف لنفث سمومهم، وكأنهم يريدون لهذا البلد أن يحترق، كيف لا وهم يرمون الحطب في النار المشتعلة، ويقفون موقف الشيطان يوم القيامة عندما يتبرأ من بني الإنسان الذي أغواه كما جاء في محكم كتاب الله الكريم «كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين» صدق الله العلي العظيم، فما يكتبه «البعض» استفزازي ومحط من قدر ومكانة شريحة واسعة في هذه المملكة، بل يندرج ضمن المزايدة على الولاء لهذا الوطن وتشكيك في ولاء الآخرين، وكأنهم هم وحدهم من يخافون على مصلحة الوطن وغيرهم يريدون النيل منه، «ما هكذا تورد الإبل» كما يقال، فالوضع لا يحتمل هذا التأجيج، فالشباب المستعدون للمشاركة في مثل هذه المظاهرات فقدوا كما يبدو صبرهم، ومثل هذه الكلمات لا أظنها ستعالج الأمر، بل ستزيده سوءاً على سوء، فعندما يستنكر هؤلاء الكتاب ما حدث بأسلوب غير موضوعي ولا يرمي إلى المعالجة بقدر ما يرمي إلى التأجيج والسب والقذف، حينها علينا أن نقول لهم «كفى، فنحن نستنكر ما تستنكرون».
لا أحد منا ينكر بأن المظاهرات وإشعال الحرائق هنا وهناك تثير الفوضى والخوف في نفوس الجميع، وأظن أن أهالي القرى هم الأكثر تضرراً باعتبار أنهم وحدهم من يحاصر في بيوتهم، ومن يختنق من الغازات المسيلة للدموع، ومن يكون خارج منزله ولم يشهد الحوادث بأم عينه حتماً لن يرجع إلى بيته إلا بعد فك الحصار الذي قد يمتد إلى الساعة الثانية أو الثالثة فجراً. لسنا مع المتسبب في ذلك، ولسنا مع الطرق التي تعالج فيها مثل هذه الأمور، خصوصاً أن من بين المتضررين مرضى يعيشون على الأجهزة وآخرون أطفال وعجزة، فلا أحد يتمنى أن يفقد عزيزاً له في طرفة عين، ولا أن تثكل أم بابنها أو حتى تبكيه ليلها مواصلة إياه بصباحها لتقر عينها ويعود من الحجز أو التوقيف.
بعض الشباب المشارك في المظاهرات الأخيرة قال إنه لا يتمنى المشاركة في التخريب والخروج عن القوانين، ولكنه لم يجد غيرها «مستنكرين» صمت علماء الدين الذين كما قالوا، أطبق عليهم السكون في الحوادث الأخيرة! ولاسيما بعد ما تعرضت إليه النساء أمام النيابة العامة.
من بين سطور كلام هؤلاء الشباب أجد شخصياً أن بالإمكان الوصول إليهم وإقناعهم بضرورة الالتزام بالقوانين عبر رجال الدين فكما يبدو فإن شباب اليوم أكثر إصغاء لهم من دون غيرهم، فلم لا يحدث ذلك، حينها فقط يمكنهم إحراج من يحاول «التصيد في الماء العكر».

 العدد 678 – الأحد 20 ذو الحجة 1428 هـ – 30 ديسمبر

ياسمينيات نستنكر ما تستنكرون ياسمين خلف لسنا مع العنف بأي شكل من أشكاله، ولسنا مع من «يطبل» هنا وهناك ليتقرب من هذا وذاك...

إقرأ المزيد »

لنطوِ الصفحة

ياسمينيات
لنطوِ الصفحة
ياسمين خلف

ياسمين خلف

أنحتاج إلى أن نضيع من حياتنا 365 يوماً لنقرر أن نبدأ حياة جديدة أفضل من سابقتها؟ فإن كنا سنجيب بـ «لا»، فنحن نتجمل إن كنا لا نكذب، فأغلبنا لا يعيد حساباته إلا مع اقتراب عقارب الساعة للرقم 12 نهاية يوم الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، باعتبارها ساعة الصفر الفاصلة بين عام وآخر، وإن كنا سنجيب بـ «نعم» فنحن أقرب إلى الواقع من الأماني التي قد نطبقها وقد لا..
ها هو عام كامل قد انطوى إلى غير رجعة، لن تفتح صفحاته إلا يوم القيامة، وها هي سبع سنوات قد رحلت من الألفية الجديدة، بعد أن كان الكثيرون يترقبون فجر القرن الواحد والعشرين على أنه نهاية العالم، ماذا فعلنا؟ وكم من الخير جنينا؟ وكم من الخطايا أثقلنا بها ظهورنا؟ وهل حققنا ما قد خططنا له في العام الماضي؟ وما هي خططنا للعام الجاري؟ وعاصفة من الأسئلة التي قد تجتاحنا مع إطلالة كل عام جديد علينا.
المهم أن نطوي صفحات سوداء لا نتمنى أن تعود بألمها وحزنها، فلما نحزن على أمسنا إن كان لا يد لنا في حدوثه أو حتى تغييره، أليس الأمس ماضياً لا يمكن أن يعود؟ والأهم أن ندوس على أحقادنا لنعيش في سلام فيكفينا خصام وجدال لن يعود علينا إلا بالأمراض الاجتماعية منها والجسمية. لنفتح جميعاً صفحات بيضاء نعاهد فيها أنفسنا بأن تكون في الخير والعطاء، فليس أجدر منها في ملء صحيفتنا الدنيوية والأخروية بالسعادة والهناء، ولنجعل شعارنا «اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا وأعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا»، ونمد أيدينا إلى ذاك الذي يحاول أن يدير ظهره إلينا، لنذكره بأن «الدنيا ما تسوى» لا يعرف أحدنا إن كان سيرحل قبل أن ترحل السنة الجديدة، أم سيرحل معها سوية، لنجعل من الابتسامة بوابة لاستقبال من حولنا، فليس أجمل منها لهد أسوار الحقد والضغينة، لنتبادل الهدايا لنتحاب كما أوصانا الرسول (ص).
من أجمل ما في الدقائق الأخيرة من كل عام أن الهاتف النقال لا يتوقف من الرنين من سيل الرسائل النصية القصيرة، حتى يكاد الهاتف أن يتعطل أو يعلن وفاته. قد يجد البعض أن تبادل التهاني بالعام الجديد ضرباً من ضروب البدع الدخيلة على مجتمعنا، اقترب يا صاحبي لأهمس لك «لمَ لا، إذا كانت كلمات بسيطة ستزيح أحقاداً وتقرب القلوب، وتفتح صفحات وتقوي علاقات؟ ما ضيرها إن كانت تدخل في أنفسنا الفرح من دون ضرر أو ضرار؟ وقبل أن أقول لكم «كل عام وأنتم بخير وعساها سنة حلوة عليكم» أرسل لكم جميعاً وخصوصاً من تحملني وتحمل كلماتي طوال السنة الماضية «مسج» بمناسبة العام الجديد يقول «إلهي تجعلها سنة بيضة على الكريم، وسودة على اللئيم، ومنيلة بستين ألف نيلة على من ينكد على الحريم» و«HAPPY NEW YEAR».

العدد 681 – الأربعاء 23 ذو الحجة 1428 هـ – 2 يناير

ياسمينيات لنطوِ الصفحة ياسمين خلف أنحتاج إلى أن نضيع من حياتنا 365 يوماً لنقرر أن نبدأ حياة جديدة أفضل من سابقتها؟ فإن ك...

إقرأ المزيد »

أهل عالي ما فكروا إلا ..

ياسمينيات
أهل عالي ما فكروا إلا ..
ياسمين خلف

ياسمين خلف

زيارتي قبل أيام لمصنع الفخار في قرية عالي أرجعتني لسنوات عمري الأولى حين كنت في المرحلة الابتدائية، حيث نزور المصانع هناك كإحدى الزيارات المدرسية التعريفية لأنواع الحرف التراثية، كنا نحن الصغار نركض هنا وهناك مستمتعين، مشدوهين بحركة يدي صانع الفخار وطرق تشكيله للطين، ولا نخرج من عنده إلا بعد أن نشتري منه عينة كي نلعب بها ونشكلها ونلونها بألوان الطيف، وكم تفاخرنا نحن الطالبات بما نشتريه من ”حصالات وجداريات” تحمل النقوش الدلمونية.
رغم الذكريات التي تسارعت أمامي عندما وطأت قدمي مدخل القرية التي زينت بجرة فخارية كعنوان لهذه القرية التي عرفت بمهنة الفخار، إلا أنها سرعان ما جعلتني أتحسر بحسرات أصحاب تلك المصانع، وكيف لا؟ وهم يقولون إن الحرفة التي توارثوها أبا عن جد وأحبوها حتى النخاع آيلة للاندثار، لا بسبب عزوفهم أو أبنائهم عنها، بل لمنع الطين عنهم، فكيف لفخار أن ينتج من دون ”الطين” أيعقل هذا؟ فأين ذهبت ترانيم المسؤولين بأنهم يسعون للمحافظة على التراث؟ وإن كان، لم لا نرى دعما لهذه الحرفة التي حتما لا ينكر أي منا أنها تنعش السياحة وتحافظ على تاريخ أرادوس ودلمون القديمة، ألا يكفي ما يحدث للقبور والتلال في قرية عالي ليأتي الدور على حرفة تقتات منها أكثر من 05 أسرة اليوم هي مهددة في رزقها.
أحد أصحاب تلك المصانع قال بألم إنه ترك مقعده الدراسي لشغفه بمهنة والده وجده من قبله، ولم يندم قبل سنوات من الآن على ذلك، إذ وجد أنه يبني وطنه بمحافظته على تاريخها، ولكنه اليوم نادم بل إنه يصرخ في وجه ابنه متى ما حاول تقليده والجلوس على آلة صنع الفخار اليدوية، فإن توقفت هذه الأجيال عن ممارسة هذه المهنة التراثية أنتوقع من غيرهم ممارستها؟ المخيف في الأمر أن أصحاب هذه المصانع دقوا جرس الإنذار بأن ما يملكونه من الطين القليل سينفد في أيام بعدما منعوا من أخذ الطين من وادي الحنينية كما تعودوا في السنوات الماضية، بل إن مصنعين من أصل سبعة أغلقوا أبوابهم فعلا ولم يعد بإمكانهم مواصلة العمل بعد اليوم، وكالعادة جميع المسؤولين الذين طرقوا أبوابهم أعطوهم الوعود الضبابية، التي لن تشفع لهم إن أصبحت هذه المهنة من التاريخ وتشتت عائلات كانت تعتمد عليها في رزقها ردحا من الزمن.
ولا يتوقف الأمر على ذلك، فالمصائب لا تأتي فردا كما أقول دائماً، فحتى الأراضي التي تقوم عليها تلك المصانع لم تعد ملكا لأهلها بعدما استملكتها وزارة الإعلام بحجة أنها من الأراضي التراثية ومن حق الدولة، الأهالي يملكون الوثائق التي تؤكد أحقيتهم فيها، ويعني ذلك إن كانت الدولة تغازل هذه الأراضي فعليها أن تعوض أصحابها وليس أي تعويض وإنما تعويضا مجزياً، ويكفي أن أصحاب هذه المصانع يقولون وبقهر إن آباءهم آثروا شراء الأرض لبناء تلك المصانع للمحافظة على مهنة آبائهم بدلاً من شراء أراضٍ لبناء منازل لهم، حتى أنهم لايزالون وأبناؤهم يعيشون في بيوت بالإيجار، ويعني ذلك أنهم خرجوا من المعادلة ”صفر” الأيدي، فلا أرض ولا مهنة ولا بيوت ملك وكأنهم وكما يقول المثل العامي ”أهل عالي ما فكروا إلا تالي” أي أنهم لم يدركوا الأمر إلا متأخراً.
احدهم قال إنه يصاب بالخجل إذا ما امتنع عن إعطاء طلبة المدارس القليل من الطين ليدخل الفرحة في قلوبهم لعدم توافر الطين وشحه، وكأنه يقول لن يخرج الطلبة بأي ذكريات كما كانت! هموم هؤلاء البحرينيين كثيرة ونتمنى أن تسمع أصواتهم قبل أن نكون جميعا كأهل عالي الذين لم يفكروا إلا بعد فوات الأوان.

 العدد 685 – الأحد 27 ذو الحجة 1428 هـ – 6 يناير

 

ياسمينيات أهل عالي ما فكروا إلا .. ياسمين خلف زيارتي قبل أيام لمصنع الفخار في قرية عالي أرجعتني لسنوات عمري الأولى حين ك...

إقرأ المزيد »

هاني.. المأسوف على شبابه والسكلر

ياسمينيات
هاني.. المأسوف على شبابه والسكلر
ياسمين خلف

ياسمين خلف

لا اعتراض على قضاء الله وقدره، فالموت حق، وتعددت الأسباب والموت واحد، ولكن أن تزهق نفس نتيجة إهمال وداخل صرح طبي كبير بحجم مجمع السلمانية الطبي في قسم يعد العمود الفقري للخدمة الطبية باعتباره قسم للطوارئ، لهي الجريمة التي لا يمكن السكوت عنها، فرغم أن قضية المرحوم هاني ذي الستة والعشرين ربيعاً المأسوف على شبابه والذي توفي بحسب إدعاءات أهله في الطوارئ نتيجة الإهمال لم يفصل فيها بعد، خصوصاً أن التحقيق المزمع تشكيله على الأرجح لم يبدأ ما يعطي البعض فرصة التفكير بأن في نية الوزارة المماطلة، ولأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فإننا لن نلقي جزافاً اللوم على الوزارة أو الأطباء العاملين فيها في قضية المرحوم هاني بذاتها، ولكن من حقنا أن ننبش في تاريخها وعلى أقل تقدير الإهمال المستمر لفئة مرضى السكلر داخل السلمانية.
لا يحكي الصدق من يقول إن مرضى السكلر يحصلون على العناية والاهتمام في السلمانية بالمستوى اللائق أو حتى المقبول، ومن يخالف هذا الرأي فليجتمع ببعض من هؤلاء المرضى أو ليأخذ له جولة قصيرة بين أسرّتهم في الأجنحة ليعرف حجم المعاناة التي يلاقونها. نوبات السكلر كما يعرفها مرضاه أو من له قريب يعاني منه، وهم بالمناسبة كثر، فأعداد المصابين بالسكلر بالآلاف في البحرين.
وتسبب آلام المصابين الشديدة التي لا تعرف مكاناً محدداً، في احتكاك المفاصل، فهي تنتقل من مكان إلى آخر في الجسم، ويصل مداها لدرجة أنها تنخر العظم.
باختصار، الألم الذي ينتابهم ليس «لعب أطفال» كما يدعي الأطباء، و«اسأل مجرب ولا تسأل طبيب»، وبالتالي فإن همّ المريض يزداد أضعافاً مضاعفة عندما يجد من يقف على رأسه ليقول وببرود «بلا دلع، لماذا الصراخ والتأوه؟ الأمر لا يستدعي» وكأن المريض يريد أن يصرخ من أجل الصراخ لا من الألم الذي يقض مضجعه. ولا ينكر أحدنا أن مريض السكلر يدخل على غرف الطوارئ حال وصوله إلى القسم، إلا أنه وبعد دخوله إما أن يبقى على الكرسي المتحرك (هذا إن وجد أحدها وكان حظه وردياً) إلى أن يحصل على سرير شاغر، أو أن يبقى على سريره ينتظر ملائكة الرحمة، التي بعضها للأسف تعرت من هذا الوصف، فتجدهن لا يجدن غضاضة من أن ينهرن المريض ومعاملته بطريقة جافة لا تليق بمن نذر نفسه لمساعدة المرضى، ناهيك عن معاناتهم في الحصول على أسرّة في الأجنحة، والتي تبقيهم ليومين أو حتى أربعة في الطوارئ إلى أن يحصلوا على سرير شاغر في الأجنحة، وإن كانت هي معاناة المرضى الآخرين لنقص في الأسرة عموماً، إلا أنها جزء من معاناتهم الكبيرة.
كل هذا «كوم» ومعاملة الأطباء «كوم» آخر، أحدهم بالمناسبة معروف لدى مرضى السكلر أنه يتنقل بين مرضى السكلر في الطوارئ وفي «جيبه» حقن المورفين التي يفرغها في أنبوب المغذي الوريدي «السيلان» ليخرس تأوهاتهم المستمرة، وهو الذي كما نقل عنه للمرة الأولى يرى مرضى يتلوون «كالروبيان» على الأسرّة من شدة الألم باعتبار أن المرض غير معروف في بلده الأم، كما أن بعض الاستشاريين ممن يتبعهم مرضى السكلر متخصصون في أمراض أخرى، أي أنهم لا يملكون الدراية العلمية الكافية بهذا المرض، وأحدهم – حتى لا أظلم الجميع – لا يمر على مرضاه، وإن مر عليهم «هزأهم» وطلب منهم الخروج للمنزل (لا أتكلم من فراغ، أملك حالة تعاني من ذلك ومنذ فترة) المضحك المبكي أن مرضى السكلر اليوم باتوا أطباء أنفسهم، فتجدهم يعرفون العلاج المناسب لهم، لدرجة أنهم يؤكدون أنهم يصححون للأطباء حال صرفهم للأدوية، حيث لا يفرقون بين حالة وأخرى، وجميعهم تصرف لهم حقن المورفين لدرجة أن أحدهم أدخل الإنعاش بعد جرعة أعطوه إياها في الطوارئ رغم أنه أبلغ الطبيب مسبقاً بأنه يعاني إضافة إلى السكلر من داء السكري ويعاني من حساسية من هذه الحقنة، إلا أن الطبيب لم يعر الأمر اهتماماً وأعطاه الجرعة فدخل على إثرها في غيبوبة سكر لم يفق منها إلا وهو في الإنعاش، فهل تريدون مزيداً من معاناة مرضى السكلر؟

العدد 688 – الاربعاء 30 ذو الحجة 1428 هـ – 9 يناير

ياسمينيات هاني.. المأسوف على شبابه والسكلر ياسمين خلف لا اعتراض على قضاء الله وقدره، فالموت حق، وتعددت الأسباب والموت وا...

إقرأ المزيد »

افتحوا أعينكم «عالآخر»

ياسمينيات
افتحوا أعينكم «عالآخر»
ياسمين خلف

ياسمين خلف

تسمرت أختي ‘’أم فراس’’ في مكانها واتسعت حدقتا عينيها عندما أخبرتها بطريق الصدفة عن منتجات التبغ التي شاع أخيرا انتشارها بين طلبة المدارس، وازدادت دهشتها عندما قطع حديثنا ابنها فراس ذو الخمسة عشر عاما بأنها ‘’السويكة’’ ليقطع الشك باليقين بأنها فعلا أصبحت هذه المواد معروفة حقا بين طلبة المدارس، والتي هي في حقيقة الأمر ‘’قنبلة موقوتة’’ لا يعرفها الآباء بقدر أبنائهم الطلبة والذين من بينهم من أدمن عليها فعلا وأهاليهم ‘’نايمين في العسل’’.
بعض هذه المواد والتي تأتي على هيئة علكة، تباع في المحلات والأكشاك الصغيرة، واغلبها بالقرب من المدارس، الخطورة في هذه المنتجات أنها رخيصة جدا ومتاحة للجميع ومتوافرة في جميع البرادات الصغيرة وعند الباعة الجائلين، ولها أشكال وأحجام وأنواع مختلفة والذي لا يعرفه الكثيرون بأن إحدى تلك المواد ثبت وجودها في منتجات ‘’المبيد الحشري – promecarb’’ والمسببة في تلف الجهاز العصبي.
ولنقترب أكثر من حجم خطورتها، فإن تلك المواد إذا ما تراكمت في الجسم تسبب عدداً من الأعراض الحادة على مدمنها، والتي منها الآلام الشديدة في البطن وتزايد التعرق والدموع وتسارع دقات القلب، والتبول وقضاء الحاجة من دون تحكم والشعور بالرجفة والصداع الشديد وزغللة في العين، بل وتؤدي إلى الإصابة بشلل بسيط وعدم القدرة على التحكم في العضلات، كما تؤدي كذلك إلى الإصابة بالتشنجات والإغماء والدخول في غيبوبة، والتي تأثر بدورها على عمل القلب والرئتين وقد تسبب في توقف التنفس ‘’يا ساتر يا رب’’. والطامة الكبرى أن المستخدم لهذه العلكة يمكنه أن يخفيها في فمه، ولا يمكن لأحد أن يلحظها خصوصا بأنها لا رائحة لها ولا دخان كالسجائر مثلا، فالطفل قد يدمن عليها، وولي الأمر أو المدرس لن يلحظ وجودها في فمه، بل إن خطورتها قد تزيد عن تدخين السجائر، باعتبار أن أعقاب السجائر يخرج منها الدخان لخارج الجسم، في حين يدخل جميع مكونات هذا المنتج إلى داخل الجسم. ويعني ذلك بأنه وعلى المدى البعيد يدمن الطفل أو المراهق على مادة النيكوتين الموجودة في هذا المنتج فيلجأ تلقائيا إلى التدخين، والذي هو أهم عامل كما نعرف جميعا للإصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين والإصابة بالسرطان، كما أن هذا المنتج يؤثر بطرقة مباشرة على اللثة واللسان والأسنان وبالتالي تؤدي إلى الإصابة بالسرطانات في هذه المناطق بالذات. وللأسف المراهق أو الطفل لن يعي هذا كله في الوقت الذي يجد متعته في هذه العلكة التي تشعره بالنشوة.
قبل عامين تقريبا حذرت من هذه المواد التي انتشرت في المدارس وللأسف لازالت الظاهرة موجودة، بشهادة المدرسين وحتى الطلبة الذين منهم من أخذ مغلفات هذه المواد إلى مشرفي المدرسة وحتى أهاليهم، ولكن وكما يقال ‘’لا حياة لمن تنادي’’ لازال نشاط الأكشاك والبردات مستمر ولازال الطلبة يدمنون على هذه المواد بل ينظم إليهم كل عام أعداد أكبر من الطلبة المدمنين على هذه المنتجات التي أغلبها آسيوية، والذي لابد من الالتفات إلى أن الطلبة ‘’يبتكرون’’ عدداً من الطرق لإخفاء هذه المواد وبعضهم أذكى وأخبث مما قد يتصور المدرسون لدرجة أن بعض هذه المواد يمكن بطريقة ما لصقها على السقف لتنتشر رائحتها وهي بالمناسبة تختلف عن تلك التي تمضغ. علينا جميعا الاعتراف أن القضاء على هذه الظاهرة تتطلب منا جميعا التصدي إليها وتحذير الطلبة منها وإيقاع الجزاء المناسب على من تثبت عليه تعاطيها وقبل كل شيء أن يحذر الأهالي ويفتحون عيونهم على أبنائهم ‘’عالآخر’’.

العدد 692 – الأحد 4 محرم 1429 هـ – 13 يناير

ياسمينيات افتحوا أعينكم «عالآخر» ياسمين خلف تسمرت أختي ‘’أم فراس’’ في مكانها واتسعت حدقتا عينيها عندما أخبرتها بطريق الص...

إقرأ المزيد »