كتبت – ياسمين خلف:
لحظات مباغتة هي تلك التي تفاجئ المرء وهو في الشارع، محتضنا مقود السيارة، او حتي مرافقاً لأحدهم.. قد لا تكون السرعة هي السبب، فالكثيرون هم ضحايا لمتهورين، وجدوا انفسهم في لحظات، وكأن لا شيئاً سيقف أمامهم، لا قوانين ولا حتي ضمير يردعهم، وكأنهم الوحيدون في شارع يملكونه! وخلال لحظات يتربص بهم الموت، فيشهر لهم احد اسلحته، فيكونون اما اسماء تضمها قائمة الوفيات، او ارقاماً يحصيها المتخصصون والمهتمون! تاركين وراءهم احباء يذرفون الدموع، ويتحسرون علي شباب لم يتمتع بالحياة بعد.
الصحف باتت تغص بأخبار الحوادث المرورية، حتي ان الكثير منها، لا تجد للنشر لها اي مساحة، فيلقي ويهمش باعتباره خبراً رويتنياً ووجبة غير محببة لنفوس الكثيرين. الحوادث المرورية وخاصة في السنوات الاخيرة حصدت ارواح شباب في عمر الزهور، فمن منا مثلا سينسي حادثة جسر الملك فهد خلال شهر رمضان الماضي، والذي راح ضحيتها شباب اربعة جميعهم أخوة لم يتعدوا الحادية والعشرين من اعمارهم، ومن منا لم يسمع عن نبأ الشابة ذات السبعة عشر ربيعاً، والتي زهقت روحها في حادث أليم مؤخراً.
الكثير من القصص، التي لو افردنا لها صفحات وصفحات لما انتهت، ولكنا هنا في مدارات ارتأينا تسليط الضوء علي بعضها، حيث جاءت من خلالها كلمات المشاركين مغصوصة وممزوجة بألم، أولها لحنان العلي – التي وخلال ثلاثة اشهر حدثت في عائلتها ثلاث حوادث متفرقة، احداها راح ضحيتها اخوها العشريني!
وتقول العلي بعد تنهيدة طويلة. الجميع علي ما اعتقد قد رأي وعلي الصفحة الاولي من إحدي الصحف المحلية صورة اخي وهو جثة بعد ان استخرج من السيارة، فأخي المرحوم ياسر لم يكن مسرعا، ففي يوم الحادث في 27 من شهر سبتمر الماضي كان اخي في سيارته وبحسب شهود عيان رأوا سيارة قد خرجت عليه مسببة له الحادث، حيث ضرب الرصيف واصطدم بعمود الانارة ونخلتين، ولم ينج من وراء هذا الحادث سوي دموع ابت ان تتوقف علي روح اخي الشاب!
وتواصل وكأنما لا تريد التطرق اكثر للحادثة: بعد ثلاثة اسابيع تعرض والدي هو الآخر لحادث في الصخير، حيث خرج عليه شاب، واصطدم بسيارته ولولا عناية الرحمن لراح والدي هو الآخر ضحية، والحمدلله السيارة هي كل ما خسره والدي من تلك الحادثة، والتي اعترف المتسبب فيها وهو طالب جامعي انه كان نعسانا وهو يقود سيارته. تضحك وتقول وانا الأخري الغيت سيارتي بعد حادث تعرضت له، ولم أهنأ بسيارتي الجديدة، التي لم استتخدمها سوي شهر وثمانية عشر يوماً. فقد كنت علي جسر المطار وسرعتي لم تتجاوز الـ 70 كيلو متراً في الساعة، وكانت أمامي اشارة ضوئية تحت التجربة، تفتح وتغلق في ثوان، وما ان اقتربت منها حتي وجدتها وقد تحولت الي اللون الاحمر، فضغطت علي دواسة البنزين ووصلت سرعتي حينها الي 80 متراً في الساعة وهي سرعة ليست بمبالغة، الا اني لم اعِ بنفسي الا وأنا قد اصطدمت بباص احد الفنادق وحمدت الله اني خرجت منها سليمة .
… وأدخل الباقون العناية المركزة
بعد ان زمت شفتيها قالت فاطمة فضل – موظفة – كانت ليلة من ليالي رمضان الباردة – خرج فيها اخي بصحبة صديقين له، هم في الواقع اخوة – وكانت معهم بومة عزموا علي اخذها الي إحدي الدول الخليجية المجاورة بقصد البيع، ولتهورهم وطيش الشباب الذي تميزوا به، كان يقود السائق فيهم بسرعة جنونية فاصطدموا بعمود وتسببوا في اصابة ثلاث سيارات.
أحدهم مات، واخي والآخر أدخلا الي قسم العناية المركزة، ولم يقف الامر عند ذلك فحسب، فكل من كان في السيارات الثلاث واحداهن سيارة خليجية، ادخلوا للعناية المركزة.. وبقوا فيها لمدة جاوزت العشرين يوماً واخي أصيب بكسور في كافة انحاء جسمه وقطع في الوجه، وصديقه الناجي اصيب بارتجاج في المخ، تختتم: قال احد سائقي السيارات المتضررة انه وقت الحادث لم ير سيارة بل طائرة تحلق واستقرت فوقه!!
التعويض لم ينصفني!
حنان العصفور – 27 عاما – تعرضت لحادث مروي قبل عامين بالقرب من منزلها وبمعيتها ابنتها، لازمت المنزل بعدها لستة اشهر! وعن تلك الذكري قالت: كنت في سيارتي الصالون خارجة من منزلي عند منعطف المنطقة التي اقطنها، فإذا بسيارة من نوع جيب تصدمني وتقلب سيارتي، لم اكن حينها خائفة علي نفسي بقدر ما كنت خائفة علي ابنتي الطفلة، والتي وفي لحظات احتضنتها فحميتها من الحادث، وتعرضت انا لتشقق داخل اللثة وقطع عند الحاجب استلزم لخياطته ثلاث غرز، بالاضافة الي تورم نصف وجهي.
وتكمل: رجال الاسعاف وجدوا صعوبة في فك يدي من ابنتي التي ظللت احتضنها وانا اصرخ، فقد اصبت بحالة هستيرية من خوفي علي ابنتي، ولازالت آثار القطع بالقرب من حاجبي واضحة علي وجهي، مع ذلك فالتعويض الذي قدر لي لم يتجاوز 500 دينار، وقد رفضتها ولازالت القضية معلقة.
تقول بألم: لازمت المنزل 6 أشهر فالتشوه في وجهي كان واضحا، حتي الاكل لم اكن قادرة علي مضغه، فالسوائل كانت هي غذائي الوحيد ومع كل ذلك يقولون لي ان التعويض 500 دينار فقط؟! أهذا هو الانصاف بالله عليكم؟!
الوسادة الهوائية لم تخرج
وضعي كان مضحكاً مبكياً، فقد تعرضت لحادثين مروريين في يوم واحد، وكانت سيارتي جديدة ولم ادفع حتي قسطها الاول .. بتلك الكلمات بدأت الحديث ام حسن – موظفة في القطاع الخاص – وواصلت: الحادث الاول كان بسيطا، وإن كنت حزنت فيها علي سيارتي الجيب ولكن الحادث الآخر كان اخشن فقد كان علي تقاطع جسر سترة، وكنت واقفة عند الاشارة الضوئية أتحدث بالهاتف وكان بجواري زوجي، وإذا بسيارة منطلقة تصطدم، بسيارتي فارتطم وجهي بمقود السيارة فتورم وجهي وانفي، ولم اخرج من المنزل بعدها لمدة اسبوع حيث تأثرت نفسيتي، ولم اقوَ علي مراجعة الناس ووجهي متورماً، وتساءلت ام حسن وقالت: الغريب في الامر ان الوسادة الهوائية لم تخرج وقت الحادث؟! وذلك الامر غريب فالكثير من معارفي ممن تعرضوا لحوادث مرورية لا حظوا الامر نفسه؟!
غيبوبة لتسعة أشهر
كانت في طريقها وكعادتها تؤدي رياضة المشي، وإذا بسيارة يقودها شاب تصدمها، لم تعِ بعدها الي شيء بكل ما تعنيه الكلمة من معني، هي ام لخمسة ابناء، لم تفارقهم الدمعة ولا توسلاتهم لله لاطالة عمرها، حتي فتحت عينها وفاقت من غيبوبتها التي القتها في الفراش لتسعة اشهر. فاقت نعم ولكنها ظلت حتي هذا اليوم مشلولة، تعتمد علي من حولها في تسيير امور حياتها. تلك إحدي الضحايا لتهور وطيش أحد الشباب.
وفي حادثة أخري حدثت في شهر رمضان من عام 2001 تعرض سعيد وزوجته هنادي ووالدتها وطفلاها بشاير 8 سنوات ومحمد 5 سنوات لحادث وهم في طريقهم للمنزل عند شارع الخدمات وقت السحور حيث اصطدمت سيارتهم الفان بسيارة اخري وجها لوجه ادخلوا علي اثرها لوحدة العناية القصوي بقسم الحوادث والطوارئ في مجمع السلمانية الطبي، وظل سعيد بعد عامين من الحادث يعاني من آثار الحادث حيث يجر رجليه جراً، وفقدت الجدة المسكينة اسنانها وظل الحادث قابعاً في مخيلة الاطفال يقض مضجعهما لفترة طويلة مؤثراً علي نفسيتهما.
تلك القصص ما هي الا قطرات في بحر الحوادث التي تشهدها البحرين يوميا بل التي تشهدها في كل 11 دقيقة حسب آخر الاحصائيات المرورية، وان اردتم المزيد فالصحف اليومية كفيلة بسردها وبالصور الحية.. ولعل زيارة قصيرة الي المستشفيات كفيلة ببيان مدي حجم هذه المشكلة التي يبدو انها ابدية، وللعلم فان بعض المصابين في هذه الحوادث يظلون في غيبوبة لفترات طويلة ومن هؤلاء حالة شاب بحريني يكاد يكمل عامه الثاني وهو في غيبوبة اثر حادث لا ذنب له فيه.
Cattraf
2005-01-15
كتبت - ياسمين خلف: لحظات مباغتة هي تلك التي تفاجئ المرء وهو في الشارع، محتضنا مقود السيارة، او حتي مرافقاً لأحدهم.. قد ل...
أحدث التعليقات