بيروت.. مدينة الأشباح

ياسمينيات
بيروت.. مدينة الأشباح
ياسمين خلف

ياسمين خلف حالة من الهدوء التي تسبق العاصفة كما نقول، سادت الأراضي اللبنانية، الظلام دامس والشوارع خالية إلا من الدبابات ورجال الجيش أو عناصر حزب الله، وبعض السيارات المدنية التي أجبرتها ظروفها للخروج للشارع الذي لم يكن آمنا بتاتا، أعاد الوضع ذاكرتي للفيلم المصري ”آدم بدون غطاء”، حيث يجسد الممثل محمد صبحي دور إنسان يعيش في بلدة خلت من أي بشر، وهكذا كانت الطرقات، خالية إلى درجة أن سائق التاكسي لم يجد غضاضة من السير في الشوارع وبعكس اتجاه السير للوصول للفندق خصوصا أن أغلب الطرق المؤدية إلى بيروت ”العاصمة” كانت مغلقة.
الحياة مشلولة في لبنان، أغلب الفنادق أخليت، بل هجرها السياح كافة، وباتت ظلماء مهجورة، والفنادق التي لا تزال مفتوحة ارتفعت أسعار استئجار غرفها، ولم يعد الفندق الذي نسكنه ويعج برواد حمامات السباحة في يوم الأحد يوم الإجازة الأسبوعية للبنانيين يغص بطالبي البشرة البرونزية عبر الحمامات الشمسية، المطاعم القليلة المفتوحة اكتفت ببعض المأكولات ولم تعد توفر القائمة الطويلة للوجبات، المدارس أغلبها أقفلت أبوابها والأطفال أرجعوهم لمنازلهم، سيارات التاكسي باتت نادرة ” هم أرواح ويخافون على أنفسهم كما غيرهم ” فاللبنانيون آثروا البقاء في منازلهم ليتابعوا تفاصيل المستجدات السياسية وابتعدوا عن المواجهات والرصاصات الطائشة.
المئات من السوريين العمال هجروا الأراضي اللبنانية وتوجهوا إلى موطنهم مشيا على الأقدام،رعايا الدول الخليجية ولا سيما السعوديين عادوا إلى بلادهم، حتى السفير السعودي وموظفو السفارة عادوا لبلادهم عبر البحر بعد أن أقفلت السفارة أبوابها، وكأن نواقيس الحرب قد دقت وطبولها حمت لبدء القرع، وبين هذا وذاك لم نتلق من سفارتنا أي تحذير من الوضع الأمني السياسي المتأزم ولم يدعونا أحد للعودة إلى أرضنا الآمنة، وبقينا حيث نحن، وحتى اللبنانيون كانوا مستغربين لرباطة جأشنا ”وي أبظايات انتوا والله” هكذا كانوا يقولون باستغراب.
وما كنا نخشاه حدث، المصارف لم تعد توفر الدولارات، فقد أوقفت تماما ولم نجد بدا من تداول الليرات اللبنانية والاحتفاظ بما تبقى من الدولارات تحسبا لأي طارئ قد تكون فيه الدولارات بقيمة الذهب إذا ما شنت الحرب أو على أقل تقدير تأزم الوضع أكثر ووجدنا طريقنا للفرار برا أو حتى بحرا إذا ما استمر إغلاق المطار.
الملفت أن أغلب اللبنانيين من جميع الطوائف الدينية تكرر وجهات النظر نفسها، بأنهم ملوا من الحروب وضاقوا ذرعا من السياسيين الذين أحرقوا البلاد بتوجهاتهم وتعنتهم، والمواطن العادي لا يجني إلا الخسارة متجرعا ويلات الوضع الاقتصادي المنهك، أحدهم قال إنه لم يعد يسمح لطفلته ذات الثمان سنوات بمشاهدة التلفاز كي لا ترسخ الذكريات السيئة في عقليتها ”يكفي ما حصل في تموز وآثار الحرب لا تزال بمخيلتها” ولم يخف عزمه على إرسال زوجته وابنته لأي دولة أخرى لتتربى وتكبر بعيدا عن الأزمات السياسية والحروب لتعيش كأقرانها في الدول الآمنة.
ترى هل ستكون مثل هذه الصور من التي لا تعود إلى لبنان بعدما صار للبنان رئيس؟ أتمنى ذلك من كل قلبي.

العدد 828 الاربعاء 23 جمادة الأولى 1429 هـ – 28 مايو 2008

 

ياسمينيات
بيروت.. مدينة الأشباح
ياسمين خلف

ياسمين خلف حالة من الهدوء التي تسبق العاصفة كما نقول، سادت الأراضي اللبنانية، الظلام دامس والشوارع خالية إلا من الدبابات ورجال الجيش أو عناصر حزب الله، وبعض السيارات المدنية التي أجبرتها ظروفها للخروج للشارع الذي لم يكن آمنا بتاتا، أعاد الوضع ذاكرتي للفيلم المصري ”آدم بدون غطاء”، حيث يجسد الممثل محمد صبحي دور إنسان يعيش في بلدة خلت من أي بشر، وهكذا كانت الطرقات، خالية إلى درجة أن سائق التاكسي لم يجد غضاضة من السير في الشوارع وبعكس اتجاه السير للوصول للفندق خصوصا أن أغلب الطرق المؤدية إلى بيروت ”العاصمة” كانت مغلقة.
الحياة مشلولة في لبنان، أغلب الفنادق أخليت، بل هجرها السياح كافة، وباتت ظلماء مهجورة، والفنادق التي لا تزال مفتوحة ارتفعت أسعار استئجار غرفها، ولم يعد الفندق الذي نسكنه ويعج برواد حمامات السباحة في يوم الأحد يوم الإجازة الأسبوعية للبنانيين يغص بطالبي البشرة البرونزية عبر الحمامات الشمسية، المطاعم القليلة المفتوحة اكتفت ببعض المأكولات ولم تعد توفر القائمة الطويلة للوجبات، المدارس أغلبها أقفلت أبوابها والأطفال أرجعوهم لمنازلهم، سيارات التاكسي باتت نادرة ” هم أرواح ويخافون على أنفسهم كما غيرهم ” فاللبنانيون آثروا البقاء في منازلهم ليتابعوا تفاصيل المستجدات السياسية وابتعدوا عن المواجهات والرصاصات الطائشة.
المئات من السوريين العمال هجروا الأراضي اللبنانية وتوجهوا إلى موطنهم مشيا على الأقدام،رعايا الدول الخليجية ولا سيما السعوديين عادوا إلى بلادهم، حتى السفير السعودي وموظفو السفارة عادوا لبلادهم عبر البحر بعد أن أقفلت السفارة أبوابها، وكأن نواقيس الحرب قد دقت وطبولها حمت لبدء القرع، وبين هذا وذاك لم نتلق من سفارتنا أي تحذير من الوضع الأمني السياسي المتأزم ولم يدعونا أحد للعودة إلى أرضنا الآمنة، وبقينا حيث نحن، وحتى اللبنانيون كانوا مستغربين لرباطة جأشنا ”وي أبظايات انتوا والله” هكذا كانوا يقولون باستغراب.
وما كنا نخشاه حدث، المصارف لم تعد توفر الدولارات، فقد أوقفت تماما ولم نجد بدا من تداول الليرات اللبنانية والاحتفاظ بما تبقى من الدولارات تحسبا لأي طارئ قد تكون فيه الدولارات بقيمة الذهب إذا ما شنت الحرب أو على أقل تقدير تأزم الوضع أكثر ووجدنا طريقنا للفرار برا أو حتى بحرا إذا ما استمر إغلاق المطار.
الملفت أن أغلب اللبنانيين من جميع الطوائف الدينية تكرر وجهات النظر نفسها، بأنهم ملوا من الحروب وضاقوا ذرعا من السياسيين الذين أحرقوا البلاد بتوجهاتهم وتعنتهم، والمواطن العادي لا يجني إلا الخسارة متجرعا ويلات الوضع الاقتصادي المنهك، أحدهم قال إنه لم يعد يسمح لطفلته ذات الثمان سنوات بمشاهدة التلفاز كي لا ترسخ الذكريات السيئة في عقليتها ”يكفي ما حصل في تموز وآثار الحرب لا تزال بمخيلتها” ولم يخف عزمه على إرسال زوجته وابنته لأي دولة أخرى لتتربى وتكبر بعيدا عن الأزمات السياسية والحروب لتعيش كأقرانها في الدول الآمنة.
ترى هل ستكون مثل هذه الصور من التي لا تعود إلى لبنان بعدما صار للبنان رئيس؟ أتمنى ذلك من كل قلبي.

العدد 828 الاربعاء 23 جمادة الأولى 1429 هـ – 28 مايو 2008

 

عن الكاتب

تدوينات متعلقة

One Comment on “بيروت.. مدينة الأشباح

  1. تعليق #1
    أتمنى أن لا تعود مثل هذه الأفعال البربريه التي قام بها مجموعه من المرتزقه عبيد البتروتومان إلى بيروت العروبه و الحريه.
    عبدالله عبدالرحمن الأربعاء 28 مايو 2008
    تعليق #2
    الملفت أن أغلب اللبنانيين من جميع الطوائف الدينية تكرر وجهات النظر نفسها، بأنهم ملوا من الحروب وضاقوا ذرعا من السياسيين
    امين عطاونة الجمعة 24 أبريل 2009

    رد

اكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.