بقلم : ياسمين خلف
لم يعد للموت هيبته، ولم تُعد مجالس العزاء ساحةً لتعظيم الأجر وتخفيف الحزن عن أهل المصاب، بل أصبحت فرصة للقاء من منعته ظروفه وانشغالاته عن التواصل مع معارفه وأهله وحتى جيرانه، فلا يتوانى حينها عن فتح ملفات للنقاش والحديث في كل ما يمر على خاطره من قضايا وأحداث! وكأنهم بديوانية لا بمجلس عزاء لتنفتح شهيتهم للكلام والنقاشات في شتى أمور الحياة ! فيسأل فلان عن آخر التطورات السياسية، والآخر يستفسر عن أسعار الأسهم في سوق البورصة!. وبدون أي إحساس تجلجل ضحكاتهم في المكان، بدلاً من أن تصدح المجالس بقراءة القرآن الكريم، لبث الطمأنينة والسكينة في نفوس أهل الفقيد، وتخفيف الحزن عليهم بتذكيرهم بأن الموت حق، وأن الميت في رحمة أرحم الراحمين، وإهداء ثواب ما يُقرأ لروح الميت.
مجالس العزاء اليوم أصبحت أقرب لمجالس الاحتفالات منها من العزاء، فتوزع “البوظة”، وأفخم الحلويات، وتحرص النساء والفتيات على لبس أغلى الإكسسوارات والحقائب، وبلا أي خجل ولا أدنى احترام لأهل الفقيد يخرجن عدة مساحيق تجميلهن لمعالجة ما قد بهت لونه واختفى! متناسين ومتغاضين عن أن هناك من يلوكه الحزن ومرارة الفقد.
كل ذلك كما نقول في “كوم” وولائم الموتى في “كوم”آخر، ففي الوقت الذي يجب أن يُراعى فيه حجم الحزن الذي يعاني منه أهل الفقيد، وحجم الصدمة التي هم في دوامتها، نجدهم مشغولين في إعداد وترتيب ولائم الغداء والعشاء، وتوابعه من أمور الضيافة والاستقبال، وكأنه احتفال وفرح، لا عزاء وحزن.
نعم، عُرف العرب بالضيافة والكرم، لكن أليس من واجب المعزين أن يراعوا نفسيات وظروف أهل المتوفى وما هم فيه من مصاب؟ وأن يحرصوا على ألا يرهقوهم مادياً ولا حتى جسدياً، حتى لا يكون الموت رديفاً لخراب بيوت البعض ودمارها، خصوصاً إذا ما اضطر البعض إلى الاستدانة لتغطية تكاليف الدفن وإقامة مجالس العزاء الرجالية والنسائية على حد سواء ولأيام متتالية !.
جميلة تلك العادة ببعض الدول، والتي وبدلاً أن يكون واجب الضيافة على أهل الفقيد، يتناوب الأهل والجيران في إعداد وجبات الغداء والعشاء لأهل الميت، كنوع من التعاون والتكافل الأهلي، مقدرين الظرف والحزن الذي هم فيه، والأجمل من كل ذلك أن تكون تلك المجالس، مجالس ذكر، لها هيبتها، لتُشعر أهل الفقيد بمدى معزة من فُقد، لا كمن انتظروا بفارغ الصبر وفاته، فيُقام على ذكره احتفال لا عزاء.
لا أحزن الله قلوبكم على عزيزٍ عليكم.
ياسمينة: قليل من الاحترام، وقليل من الذوق هو كل ما يطلبه أهل المتوفى من المعزين، فلا تكونوا هماً يُضاف إلى همهم.
yasmeeniat@yasmeeniat.com
وصلة فيديو المقال
https://www.instagram.com/p/BCexB13hbgfhHowjSe1qWYPY9pqc4ksdCtpCmM0/
بقلم : ياسمين خلف
لم يعد للموت هيبته، ولم تُعد مجالس العزاء ساحةً لتعظيم الأجر وتخفيف الحزن عن أهل المصاب، بل أصبحت فرصة للقاء من منعته ظروفه وانشغالاته عن التواصل مع معارفه وأهله وحتى جيرانه، فلا يتوانى حينها عن فتح ملفات للنقاش والحديث في كل ما يمر على خاطره من قضايا وأحداث! وكأنهم بديوانية لا بمجلس عزاء لتنفتح شهيتهم للكلام والنقاشات في شتى أمور الحياة ! فيسأل فلان عن آخر التطورات السياسية، والآخر يستفسر عن أسعار الأسهم في سوق البورصة!. وبدون أي إحساس تجلجل ضحكاتهم في المكان، بدلاً من أن تصدح المجالس بقراءة القرآن الكريم، لبث الطمأنينة والسكينة في نفوس أهل الفقيد، وتخفيف الحزن عليهم بتذكيرهم بأن الموت حق، وأن الميت في رحمة أرحم الراحمين، وإهداء ثواب ما يُقرأ لروح الميت.
مجالس العزاء اليوم أصبحت أقرب لمجالس الاحتفالات منها من العزاء، فتوزع “البوظة”، وأفخم الحلويات، وتحرص النساء والفتيات على لبس أغلى الإكسسوارات والحقائب، وبلا أي خجل ولا أدنى احترام لأهل الفقيد يخرجن عدة مساحيق تجميلهن لمعالجة ما قد بهت لونه واختفى! متناسين ومتغاضين عن أن هناك من يلوكه الحزن ومرارة الفقد.
كل ذلك كما نقول في “كوم” وولائم الموتى في “كوم”آخر، ففي الوقت الذي يجب أن يُراعى فيه حجم الحزن الذي يعاني منه أهل الفقيد، وحجم الصدمة التي هم في دوامتها، نجدهم مشغولين في إعداد وترتيب ولائم الغداء والعشاء، وتوابعه من أمور الضيافة والاستقبال، وكأنه احتفال وفرح، لا عزاء وحزن.
نعم، عُرف العرب بالضيافة والكرم، لكن أليس من واجب المعزين أن يراعوا نفسيات وظروف أهل المتوفى وما هم فيه من مصاب؟ وأن يحرصوا على ألا يرهقوهم مادياً ولا حتى جسدياً، حتى لا يكون الموت رديفاً لخراب بيوت البعض ودمارها، خصوصاً إذا ما اضطر البعض إلى الاستدانة لتغطية تكاليف الدفن وإقامة مجالس العزاء الرجالية والنسائية على حد سواء ولأيام متتالية !.
جميلة تلك العادة ببعض الدول، والتي وبدلاً أن يكون واجب الضيافة على أهل الفقيد، يتناوب الأهل والجيران في إعداد وجبات الغداء والعشاء لأهل الميت، كنوع من التعاون والتكافل الأهلي، مقدرين الظرف والحزن الذي هم فيه، والأجمل من كل ذلك أن تكون تلك المجالس، مجالس ذكر، لها هيبتها، لتُشعر أهل الفقيد بمدى معزة من فُقد، لا كمن انتظروا بفارغ الصبر وفاته، فيُقام على ذكره احتفال لا عزاء.
لا أحزن الله قلوبكم على عزيزٍ عليكم.
ياسمينة: قليل من الاحترام، وقليل من الذوق هو كل ما يطلبه أهل المتوفى من المعزين، فلا تكونوا هماً يُضاف إلى همهم.
yasmeeniat@yasmeeniat.com
وصلة فيديو المقال
https://www.instagram.com/p/BCexB13hbgfhHowjSe1qWYPY9pqc4ksdCtpCmM0/
أحدث التعليقات