الخميس الموافق 15/1/2015 م
ملابسنا القديمة.. جديدة
بعد أن سلمتها ما كتب الله لي أن أقدم لها من صدقة، تلقيت منها رسالة نصية ما معناه”إن كانت لديك ملابس قديمة لا تحتاجينها، فأنا أقبلها”، لتطرق بابًا كنت قد غفلت عنه معها، وإن كنت غير غافلة عنه مع غيرها، فهذه المرأة منعها خجلها من أن تطلب مني ذلك وجهًا لوجه، فلم تجد غير إرسال رسالة نصية تبيح فيها عن حاجتها، وحاجة أبنائها إلى ملابس غيرهم، فالقديم عدنا، جديد عند غيرنا.
ليس من السهل على امرأة أن تطلب هكذا طلب من امرأة أخرى لولا الحاجة الماسة التي تدفعها لإراقة ماء وجهها. لم أتوان ولم أتأخر عن طلبها، فتحت خزانتي وأفرغت منها ما تمكنت من ملابس، وطلبت من أخواتي ومن أعرف القيام بالأمر مثله، ولا أحدثكم عن الفرحة التي دخلت على قلب هذه المرأة التي إن رأيتها أعطيتها ضعف عمرها لما للفقر من أثر.
خزائننا، وخاصة النساء منا، تكاد لا تغلق من كثرة ما تغص به من ملابس، أكثرها ربما لا تُلبس، بعضها قد قدم وبات ليس على الموضة، وبعضها الآخر جديد وربما لم تقطع منه بطاقة التسعيرة بعد، ولكنها باتت بمقاس أكبر أو أصغر، ناهيك عن ملابس السهرات التي لا تُلبس إلا لمرة أو مرتين وتغدو بعد ذلك في نظرنا قديمة “الناس شافوني فيها، مو معقولة أن ألبسها مرة أخرى”، كأسطوانة “سخيفة” تكررها معظم الفتيات.
هذا غير الحقائب، والأحذية، والإكسسوارات، التي نحرص على اقتناء الأحدث منها والتي تتماشى مع آخر الصرعات، وما هي إلا أشهر حتى تركن في الخزائن ليحل محلها الأحدث والأجدد، ولا يرد في بالنا أن هناك من يتمنى أن يقتني ليس كل ما “نرمي” وإنما واحدة من تلك القطع التي لا نكترث بها ولا نهتم.
في كل مرة كنت آخذ إليها الفائض من تلك الملابس والمقتنيات، كانت ترسل رسالة نصية تشكرني فيها، وتعبر فيها عن فرحتها وفرحة عيالها بما اقتنوا، هي في الحقيقة مقتنيات قديمة، ومستخدمة، ونجدها زيادة عدد، وتُضيق علينا خزائننا التي لو تنفست لتمكنا من حشوها بالجديد، ولكنها بالنسبة لها ملابس تراها في المجلات وعلى الممثلات والمغنيات ربما، ولم تلمسها بيديها! ملابس طالما تمنتها وزفرت زفرات حسرة لقصر يدها وقلة حيلتها، فما تملكه من أموال بالكاد أن تسد به أفواه أبنائها الصغار، وتلبي احتياجاتهم المدرسية، وليست للتأنق ومجاراة أحدث الصرعات والموضة، ولكنها رغم ذلك تبقى كأي أنثى، تحب أن تتجمل، وأن تلبس كغيرها من النساء، تحب أن تظهر في كل يوم بشكل جديد وجميل.
رغم أن ظاهرة اكتناز الملابس متفشية عند النساء أكثر، إلا أن الأمر يجري كذلك على الرجال، فالتبرع أو لنقل التصدق بما هو فائض من تلك الملابس، وغير المستخدم منها للفقراء يدخل الفرحة على الكثيرين منهم، والذين غالبًا ما يؤثرون أبناءهم على أنفسهم، فيحرمون أنفسهم من كل جديد، لتوفير الممكن ولو كان قليلًا لأبنائهم، هؤلاء لا تمر عليهم مسألة “ثياب عيد”، هؤلاء يقولون نملك ثيابًا للشتاء نخرجها كلما اشتد قرص البرد، وملابس صيفية كلما أحرقت الشمس اللاهبة جلودنا، الملابس هي، هي لا تتغير لسنوات طوال.
ياسمينة: زكوا أبدانكم وأموالكم بصدقات من ملابسكم.
Yasmeeniat@yasmeeniat.com
وصلة فيديو المقال
الخميس الموافق 15/1/2015 م
ملابسنا القديمة.. جديدة
بعد أن سلمتها ما كتب الله لي أن أقدم لها من صدقة، تلقيت منها رسالة نصية ما معناه”إن كانت لديك ملابس قديمة لا تحتاجينها، فأنا أقبلها”، لتطرق بابًا كنت قد غفلت عنه معها، وإن كنت غير غافلة عنه مع غيرها، فهذه المرأة منعها خجلها من أن تطلب مني ذلك وجهًا لوجه، فلم تجد غير إرسال رسالة نصية تبيح فيها عن حاجتها، وحاجة أبنائها إلى ملابس غيرهم، فالقديم عدنا، جديد عند غيرنا.
ليس من السهل على امرأة أن تطلب هكذا طلب من امرأة أخرى لولا الحاجة الماسة التي تدفعها لإراقة ماء وجهها. لم أتوان ولم أتأخر عن طلبها، فتحت خزانتي وأفرغت منها ما تمكنت من ملابس، وطلبت من أخواتي ومن أعرف القيام بالأمر مثله، ولا أحدثكم عن الفرحة التي دخلت على قلب هذه المرأة التي إن رأيتها أعطيتها ضعف عمرها لما للفقر من أثر.
خزائننا، وخاصة النساء منا، تكاد لا تغلق من كثرة ما تغص به من ملابس، أكثرها ربما لا تُلبس، بعضها قد قدم وبات ليس على الموضة، وبعضها الآخر جديد وربما لم تقطع منه بطاقة التسعيرة بعد، ولكنها باتت بمقاس أكبر أو أصغر، ناهيك عن ملابس السهرات التي لا تُلبس إلا لمرة أو مرتين وتغدو بعد ذلك في نظرنا قديمة “الناس شافوني فيها، مو معقولة أن ألبسها مرة أخرى”، كأسطوانة “سخيفة” تكررها معظم الفتيات.
هذا غير الحقائب، والأحذية، والإكسسوارات، التي نحرص على اقتناء الأحدث منها والتي تتماشى مع آخر الصرعات، وما هي إلا أشهر حتى تركن في الخزائن ليحل محلها الأحدث والأجدد، ولا يرد في بالنا أن هناك من يتمنى أن يقتني ليس كل ما “نرمي” وإنما واحدة من تلك القطع التي لا نكترث بها ولا نهتم.
في كل مرة كنت آخذ إليها الفائض من تلك الملابس والمقتنيات، كانت ترسل رسالة نصية تشكرني فيها، وتعبر فيها عن فرحتها وفرحة عيالها بما اقتنوا، هي في الحقيقة مقتنيات قديمة، ومستخدمة، ونجدها زيادة عدد، وتُضيق علينا خزائننا التي لو تنفست لتمكنا من حشوها بالجديد، ولكنها بالنسبة لها ملابس تراها في المجلات وعلى الممثلات والمغنيات ربما، ولم تلمسها بيديها! ملابس طالما تمنتها وزفرت زفرات حسرة لقصر يدها وقلة حيلتها، فما تملكه من أموال بالكاد أن تسد به أفواه أبنائها الصغار، وتلبي احتياجاتهم المدرسية، وليست للتأنق ومجاراة أحدث الصرعات والموضة، ولكنها رغم ذلك تبقى كأي أنثى، تحب أن تتجمل، وأن تلبس كغيرها من النساء، تحب أن تظهر في كل يوم بشكل جديد وجميل.
رغم أن ظاهرة اكتناز الملابس متفشية عند النساء أكثر، إلا أن الأمر يجري كذلك على الرجال، فالتبرع أو لنقل التصدق بما هو فائض من تلك الملابس، وغير المستخدم منها للفقراء يدخل الفرحة على الكثيرين منهم، والذين غالبًا ما يؤثرون أبناءهم على أنفسهم، فيحرمون أنفسهم من كل جديد، لتوفير الممكن ولو كان قليلًا لأبنائهم، هؤلاء لا تمر عليهم مسألة “ثياب عيد”، هؤلاء يقولون نملك ثيابًا للشتاء نخرجها كلما اشتد قرص البرد، وملابس صيفية كلما أحرقت الشمس اللاهبة جلودنا، الملابس هي، هي لا تتغير لسنوات طوال.
ياسمينة: زكوا أبدانكم وأموالكم بصدقات من ملابسكم.
Yasmeeniat@yasmeeniat.com
وصلة فيديو المقال
أحدث التعليقات