ابحث عن فضولي

الخميس الموافق 13/2/2014 م

 

ابحث عن فضولي

في سنوات طفولتنا، كنا نبحث بشغف عن شخصية فضولي المعروفة في مجلة “ماجد”، كانت مشاعر الفرح بنشوة الانتصار على “فضولي” وكشف موقعه تجعلنا نقهقه ونرقص فرحًا، ونُسارع لرسم دائرة عليه، كدليل عن كشف مكانه والفوز عليه. لم نعد أطفالاً، ولم نعد نفرح بوجود “فضولي” هنا أو هناك، بل إن الأمر لم يعد بحاجة إلى جهد للبحث عنه، فهو وقبيلته “أكثر من الهم على القلب” كما يُقال، أعدادهم لا تُحصى، وفي كل مكان، وبدلاً من أن نبحث عنهم هم من يبحثون عنا، هذا إن لم نكن أصلاً لا نغيب عن أعينهم، فيتربصون بنا، ويعرفون كل شاردة وواردة عنا، ولا أمزح إن قلت إنهم أحيانًا يعرفون أمورًا تتعلق بنا قبلنا!

نوصم نحن معشر الصحافيين بالفضول، ونُنعت أينما كنا بالفضوليين، ذلك صحيح ولا ننكر ذلك، فمهنتنا تُحتّم علينا أن نبحث هنا وهناك، فالصحافي إن لم يكن فضوليًا لن ينجح مهنيًا، ولكن مهلاً، فضولنا – الصحافيين – لا يعني أن نحشر أنوفنا في أمور لن تأتي علينا وعلى المجتمع بالمنفعة، فنحن نعرف أن نفرّق بين فضول سيقودنا لتقويم اعوجاج في المجتمع وبين التدخل في خصوصيات الآخرين بما ليس له داعٍ أو مبرّر، فلكل منا الحق في الاحتفاظ بخصوصيته التي يرتقي البعض منها لأن يكون أسرارًا يجب ألا يطلع عليها أحد، وإن كان فضول الصحافي مبررًا، فإنه ليس كذلك بتاتًا إن كان صادرًا من شخص لا هدف له إلا التدخل فيما لا يعنيه، ولا هدف له من الفضول إلا الفضول نفسه، مُسببًا الضيق والنفور والاستفزاز لمن حوله. فبعض الفضوليين سحبوا البساط من الصحافيين وتفوّقوا حتى على بعض وكالات الأنباء في البحث عن الأخبار ونشرها!

أستغرب حقًا ممن تستهويها مراقبة الداخل والخارج من الجيران، وكأنها غير مسؤولة عن أسرة وأطفال، ولا تملك ما تشغل به وقتها غير أن فلانة خرجت الساعة الفلانية، ورجعت الساعة الفلانية، ومع من؟ وماذا كانت تلبس؟ وما الأغراض والحاجيات التي تحملها؟ ومن زارها؟ ولمَ لم تزرها فلانة؟ والكثير من الأسئلة التي قد تحوم وتجول في بال من نصبوا أنفسهم أبراجًا للمراقبة؟ ويغيب عن بالهم قول الله تعالى “وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا”!

تذهب لإجراء معاملة، فيتلقفك فضولي آخر، لا يتركك إلا وهو جامع عنك ملفًا يصلح لأن يكون تقريرًا أو كتابًا لسيرتك الذاتية! ما الذي سيستفيد منه هذا الفضولي أو تلك الفضوليّة من نبش حياة الآخرين، ومعرفة كل صغيرة وكبيرة عن غيرهم!

ولأن كل شيء تطوّر، فالتجسّس هو الآخر والفضول تطوّرا كذلك، فلا يتوانى الفضولي عن مراقبة الناس عبر برنامج “الواتس اب”! دخل البرنامج الساعة الفلانية، وخرج منها الساعة الفلانية، نام متى؟ واستيقظ متى؟

ولكي نهزم “فضولي” كما نفعل عندما كنا صغارًا، علينا بالصدّ المُباشر لكل سؤال خاص يتعدّى حدود الأسئلة العادية، أو تلك التي تُعتبر طبيعيّة تعارفيّة ربما، وذلك بثلاث كلمات فقط: “ليس من شأنك” لنغلق عليهم باب الفضول، ونرسم حولهم دائرة تخجلهم، ليرتدوا عن هذه العادة المقيتة.

ياسمينة: يعجبني لقب “الحشريّة” الذي يُطلقه الشوام في لهجتهم على الفضول، لأنه يختصر ما هم عليه فعلاً، ويصفهم بما يليق بهم، والذي أعتقد أنه مشتق من لفظ “حشرة”، فهم كالحشرات التي تدخل في كل مكان، وتُسبّب الضيق للآخرين بل والتقزّز في أحايين أخرى، هذا طبعًا ناهيك عن ضررها.

Yasmeeniat@yasmeeniat.com

وصلة فيديو المقال
https://instagram.com/p/kWDU5nBbiL

الخميس الموافق 13/2/2014 م

 

ابحث عن فضولي

في سنوات طفولتنا، كنا نبحث بشغف عن شخصية فضولي المعروفة في مجلة “ماجد”، كانت مشاعر الفرح بنشوة الانتصار على “فضولي” وكشف موقعه تجعلنا نقهقه ونرقص فرحًا، ونُسارع لرسم دائرة عليه، كدليل عن كشف مكانه والفوز عليه. لم نعد أطفالاً، ولم نعد نفرح بوجود “فضولي” هنا أو هناك، بل إن الأمر لم يعد بحاجة إلى جهد للبحث عنه، فهو وقبيلته “أكثر من الهم على القلب” كما يُقال، أعدادهم لا تُحصى، وفي كل مكان، وبدلاً من أن نبحث عنهم هم من يبحثون عنا، هذا إن لم نكن أصلاً لا نغيب عن أعينهم، فيتربصون بنا، ويعرفون كل شاردة وواردة عنا، ولا أمزح إن قلت إنهم أحيانًا يعرفون أمورًا تتعلق بنا قبلنا!

نوصم نحن معشر الصحافيين بالفضول، ونُنعت أينما كنا بالفضوليين، ذلك صحيح ولا ننكر ذلك، فمهنتنا تُحتّم علينا أن نبحث هنا وهناك، فالصحافي إن لم يكن فضوليًا لن ينجح مهنيًا، ولكن مهلاً، فضولنا – الصحافيين – لا يعني أن نحشر أنوفنا في أمور لن تأتي علينا وعلى المجتمع بالمنفعة، فنحن نعرف أن نفرّق بين فضول سيقودنا لتقويم اعوجاج في المجتمع وبين التدخل في خصوصيات الآخرين بما ليس له داعٍ أو مبرّر، فلكل منا الحق في الاحتفاظ بخصوصيته التي يرتقي البعض منها لأن يكون أسرارًا يجب ألا يطلع عليها أحد، وإن كان فضول الصحافي مبررًا، فإنه ليس كذلك بتاتًا إن كان صادرًا من شخص لا هدف له إلا التدخل فيما لا يعنيه، ولا هدف له من الفضول إلا الفضول نفسه، مُسببًا الضيق والنفور والاستفزاز لمن حوله. فبعض الفضوليين سحبوا البساط من الصحافيين وتفوّقوا حتى على بعض وكالات الأنباء في البحث عن الأخبار ونشرها!

أستغرب حقًا ممن تستهويها مراقبة الداخل والخارج من الجيران، وكأنها غير مسؤولة عن أسرة وأطفال، ولا تملك ما تشغل به وقتها غير أن فلانة خرجت الساعة الفلانية، ورجعت الساعة الفلانية، ومع من؟ وماذا كانت تلبس؟ وما الأغراض والحاجيات التي تحملها؟ ومن زارها؟ ولمَ لم تزرها فلانة؟ والكثير من الأسئلة التي قد تحوم وتجول في بال من نصبوا أنفسهم أبراجًا للمراقبة؟ ويغيب عن بالهم قول الله تعالى “وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا”!

تذهب لإجراء معاملة، فيتلقفك فضولي آخر، لا يتركك إلا وهو جامع عنك ملفًا يصلح لأن يكون تقريرًا أو كتابًا لسيرتك الذاتية! ما الذي سيستفيد منه هذا الفضولي أو تلك الفضوليّة من نبش حياة الآخرين، ومعرفة كل صغيرة وكبيرة عن غيرهم!

ولأن كل شيء تطوّر، فالتجسّس هو الآخر والفضول تطوّرا كذلك، فلا يتوانى الفضولي عن مراقبة الناس عبر برنامج “الواتس اب”! دخل البرنامج الساعة الفلانية، وخرج منها الساعة الفلانية، نام متى؟ واستيقظ متى؟

ولكي نهزم “فضولي” كما نفعل عندما كنا صغارًا، علينا بالصدّ المُباشر لكل سؤال خاص يتعدّى حدود الأسئلة العادية، أو تلك التي تُعتبر طبيعيّة تعارفيّة ربما، وذلك بثلاث كلمات فقط: “ليس من شأنك” لنغلق عليهم باب الفضول، ونرسم حولهم دائرة تخجلهم، ليرتدوا عن هذه العادة المقيتة.

ياسمينة: يعجبني لقب “الحشريّة” الذي يُطلقه الشوام في لهجتهم على الفضول، لأنه يختصر ما هم عليه فعلاً، ويصفهم بما يليق بهم، والذي أعتقد أنه مشتق من لفظ “حشرة”، فهم كالحشرات التي تدخل في كل مكان، وتُسبّب الضيق للآخرين بل والتقزّز في أحايين أخرى، هذا طبعًا ناهيك عن ضررها.

Yasmeeniat@yasmeeniat.com

وصلة فيديو المقال
https://instagram.com/p/kWDU5nBbiL

عن الكاتب

ياسمينيات

ياسمين خلف حاصلة على درجة البكالوريوس في تخصص الإعلام مع تخصص مساند في علم النفس من جامعة الكويت عضو في جمعية الصحفيين بمملكة البحرين أمضت أكثر من 14 سنة في القطاع الصحافي والإعلامي ، ( سبتمبر 2000- 2005 / في صحيفة الأيام ) ( 2005 - 2010 في صحيفة الوقت ). (2008- حتى الان كاخصائية إعلام ومسئولة عن مجلة آفاق الجامعية التابعة لجامعة البحرين) (2013- حتى الان كاتبة عمود في جريدة الراية القطرية ) (2013 وحتى الان مراسلة مجلة هي وهو القطرية ) شاركت في العديد من دورات التطوير المهني في البحرين وخارجها ومنها : تأهيل و إعداد الصحافيين وزارة الأعلام – مملكة البحرين فن الكتابة الصحفية جامعة البحرين فن و مهارات المقابلة الصحفية و التحقيق الصحفي جامعة البحرين أساسيات المهنة و أخلاقياتها جمعية الصحفيين – البحرين الصحافة البرلمانية جمعية الصحفيين – البحرين فن كتابة الخبر الصحفي جمعية الصحفيين – البحرين فن كتابة التحقيق الصحفي جمعية الصحفيين – البحرين دورة في اللغة الإنجليزية (3) المركز الأمريكي للثقافة و التعليم – البحرين دورة تدريبية في تكنولوجيا المعلومات اتحاد الصحفيين العرب – مصر الكتابة الصحفية مؤسسة الأيام للصحافة – البحرين دورة في اللغة الإنجليزية (2) مركز الخليج الدولي – البحرين المشاركة في اللجنة المشتركة للشباب البرلمانيين وممثلي المؤسسات الحكومية لجمعية البحرين للصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة . المشاركة في دورة حول القانون الدولي الإنساني للجنة الدولية للصليب الأحمر . دورة تدريبية حول تكنولوجيا المعلومات في الإتحاد الصحفيين العرب في القاهرة . للتواصل: yasmeeniat@yasmeeniat.com

تدوينات متعلقة

اكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.