الوقت – ياسمين خلف:
طرقنا الباب فلم تنتبه، دخلنا فإذا بها غرفة مظلمة، في زاوية منها جهاز لتصوير الشبكية، يجلس قبالته مريض في أواسط الستين من عمره، والطبيبة تطلب منه عدم تحريك عينه لضمان استخراج صورة ثابتة… بعد ثوان سألته إن كان يعاني من أي حساسية، قبيل استخدامها للصبغة الملونة للشبكية، أكد لها المريض والذي بحسب كلامه يعاني من داء السكري أنه سبق وأن استخدم معه طبيب هذه الصبغة أثناء علاجه في إحدى الدول العربية، وأصيب بدوار، لم تشأ الطبيبة استخدام الصبغة، وبينت له بأن من الممكن الاستغناء عن الصبغة، وأعطته موعدا و(ورقة ) يتوسطها مربع به خطوط عرضية وطولية، طلبت منه رؤيتها يوميا، وما أن يلاحظ أي تغيير في الخطوط أو ظهور أي بقع فيها عليه مراجعتها فورا، حتى من دون موعد مسبق …
ودعها المريض وبقيت ‘’الـــوقت’’ وفتحت معها حوار.. أكدت من خلاله استشارية طب وجراحة العيون، والمتخصصة في أمراض الشبكية والجسم الزجاجي، منسقة التدريب بقسم العيون في مجمع السلمانية الطبي نورة الكبيسي بأن 90 % من المترددين على عيادة أمراض الشبكية هم مرضى داء السكري. محذرة من مضاعفات المرض على الشبكية التي وفي حالات قليلة تؤدي الى العمى.
وأشارت الى أن المسح التكنولوجي باستخدام الكاميرا الرقمية، الذي وفرته وزارة الصحة في مركز المحرق الصحي منذ عام ونصف العام، استفاد منه أكثر من 1500 مريض تقريبا، من جميع الفئات العمرية… فعن مضاعفات السكري على العين عموما والشبكية خصوصا، وعن نتائج المسح، الذي يترقب تعميمه في محافظات المملكة كافة، كان لنا معها لقاء هذا نصه.
* ما أعراض الإصابة بمضاعفات السكري على عين المريض؟
– للأسف الأعراض غير موجودة، وهي في الحقيقة ما يثير الخوف من إهمال الفحص المبكر على عين مريض السكري، ففي مراحل متقدمة تصل حدة الإبصار الى 6/ ,6 بعدها يبدأ التدهور، والمريض لا يراجع عيادة العيون غالبا، إلا عند تدهور بصره. ولهذا السبب بالذات وجد المسح على مشكلات العين لدى مرضى السكري، فلو كانت هناك دلائل على الاعتلال الشبكي السكري، لضمنا مراجعة مرضى السكري كافة لعيادة العيون.
ولكن يمكن أن نقول إن هناك أعراضا واردة، كضعف البصر التدريجي، أو الضعف المفاجئ نتيجة حدوث نزيف في الجسم الزجاجي، الناتج عن اعتلال الشبكية السكري. ومن أجل ذلك نشدد نحن أطباء العيون على ضرورة المراجعة الدورية لمرضى السكري، لضمان مضاعفات أقل قدر الإمكان.
* وهل الفحص الدوري متفاوت ما بين مريض سكري لآخر، أم أن المدة واحدة؟
– يمكن أن نقول أن الفحص الدوري ضروري، ولكن يختلف من مريض لآخر، بحسب نوع الإصابة، فمرضى السكري المصابين بالسكري فئة ( أ ) وهم المرضى الأصغر، والذين لا يتعدون الــ 35 سنة، والذين يعتمدون على الأنسولين كعلاج، يتم فحص نظرهم بعد 5 سنوات من تشخيص المرض.
أما المصابون بالسكري من فئة ( ب ) وهم أكبر سنا، ولا يعتمدون على الأنسولين كعلاج، يستوجب فحص نظرهم عند اكتشاف إصابتهم بالمرض. لأنهم لا يعرفون متى أصيبوا بالمرض، وبالتالي قد يكون مصابا منذ فترة طويلة جدا، وأصيب بمضاعفات في شبكيته من دون علمه.
* وإن افترضنا جزافا أن المريض بالسكر فحص نظره عموما والشبكية خصوصا، ولم توجد أي علامات للإصابة ؟ فمتى يستلزم فحصه ؟
– في مثل هذه الحالة يستوجب فحصه سنويا وإجراء فحص كامل للشبكية، وإن وجدت أي علامات للاعتلال الشبكي لابد من الالتزام بالفحص كل 4 شهور، والمدة تتقلص أو تتباعد حسب تقدم العلامات.
* وما العلاج المتبع مع المرضى في مثل هذه الحالات؟
– في حال عدم وجود علامات لن يحتاج المريض الى تدخل علاجي، ولكن ننصحه بالانتظام في المواعيد، وضبط نسبة السكر في الدم، والأمراض الأخرى التي تتزامن مع مرض السكري في كثير من الأحيان، والتي قد تفاقم المشكلة. أما في حالة وجود علامات والتي قد تؤثر على النظر سيكون التدخل العلاجي ضروريا، والذي يكون عبر الليزر، ولاسيما الإصابة بترسب أو ترشيح في مركز الإبصار، أو وجود أوعية دموية غير طبيعية قابلة للتهتك والنزيف في الجسم الزجاجي.
* وهل التدخل الجراحي وارد لمثل هذه الحالات؟
– التدخل الجراحي قد يكون هو الحل الوحيد لبعض الحالات، خصوصا تلك التي لا تستفيد من العلاج عبر الليزر، كحالات الانفصال الشبكي، أو وجود نزيف في الجسم الزجاجي لم يستوجب لليزر.
* الطرق التشخيصية هل تساعد الطرق الإكلينيكية، وتصب في صالح المريض؟
– نعم قد تساعد في بعض الحالات، ولكن تجرى لدواع محددة، بمعنى أن وجود أوعية دموية على سطح الشبكية، لا تتطلب مثلا التصوير الملون للشبكية. ولا يمكن اعتباره علاجا أساسا لجميع مرضى السكري، المصابين بالاعتلال الشبكي، فكثير من العلامات يمكن تشخيصها بالفحص الاكلينيكي فقط وبسهولة، كحالات الترشيح في مركز الإبصار، أو نمو أوعية دموية على سطح الشبكية. إلا في الحالات النادرة والمستعصية والتي يضطر الطبيب المتخصص الى اللجوء إليها.
* وما من وسائل أخرى؟
– بل هناك وهو التصوير المقطعي للشبكية، ويستخدم هذا التشخيص بالذات في حالة وجود ترشيح في مركز الإبصار، والهدف منه المتابعة في العلاج أكثر من التشخيص. فالترسبات التي يصاب بها مرضى السكري يمكن ملاحظتها بالعين المجردة، وليس جميع المرضى تستخدم معهم الصبغة الملونة (فلورسنت) لتوضيح الشبكية.
* ماذا عن العلاج بالليزر لمرضى السكري؟
– العلاج بالليزر لا يثير الخوف كما يعتقد الكثيرون خطأ، فالعملية بسيطة جدا تتمثل في وضع قطرات لتوسعة العين، يوضع خلالها المريض تحت مخدر موضعي، ولا تستغرق العملية سوى 10 دقائق فقط، يرجع بعدها الى المنزل، مع ضرورة لبس النظارة الشمسية، ولا يتطلب الأمر المكوث في المستشفى.
فالعملية غير مؤلمة البتة، فكل ما يشعر به المريض هو وميض الأشعة فقط، وهي عملية تناسب جميع المرضى على اختلاف أعمارهم، ولا توجد موانع للعلاج بهذه الطريقة.
* أهناك معتقدات خاطئة مترسخة في عقول بعض المرضى؟
– للأسف هناك الكثير، نحصر بعضها في أن عملية الليزر تتلف العين، وهو اعتقاد لا أساس له من الصحة، بل إن العملية تكون ضرورة في مرحلة من المراحل، وعدم إجرائها في وقتها، قد يؤدي الى أن تكون غير مجدية، فالليزر لا يرجع ما فقده مريض السكر من بصر، وإنما يحافظ على ما تبقى منه. فهو علاج يحمي البصر من التدهور.
ولابد من التشديد على عدم الالتفات الى تجارب الغير، فكل حالة لها معاملة خاصة، تختلف لأسباب عدة، ونتائج عملية الليزر تتوقف عندها، كما لابد من اللجوء الى طبيب متخصص في الشبكية لضمان العلاج الأمثل، فللأسف الكثير من المرضى يقصدون الأردن للعلاج، ويستنزفون أموالهم ويرجعون بنتائج لا يحمدونها، فمن الضروري اختيار الطبيب المناسب، والمكان المناسب لإجراء العملية، والمرحلة المناسبة لإجرائها والتي يترتب عليه نتائج ما بعد العملية.
* وكم جهاز يضم قسم العيون في مجمع السلمانية الطبي؟
– هناك نحو 5 أنواع من الأجهزة، وهي كاميرا رقمية للتصوير الفوتوغرافي الملون والعادي، وجهاز التصوير المقطعي للعصب والشبكية، وجهاز لليزر، وآخر لتخطيط الشبكية الكهربائي للعصب والشبكية.
* وعلى ذات الصعيد ما الهدف من تجربة مركز المحرق الصحي في المسح الخاص لأمراض العيون لمرضى السكري؟
– الهدف من التجربة هو الوقوف على عدد المصابين بمضاعفات داء السكري على العين، وتقديم العلاج المناسب في حينه لمنع التدهور الإضافي للشبكية، باعتبارها الجزء الأكثر تضررا.
وخلال عام ونصف، هي مدة تطبيق التجربة، خضع نحو 1500 مريض بالسكر للمسح، من جميع الفئات العمرية ومن الجنسين، وأظهرت نتائجه أن نسبة المضاعفات مقاربة أو متساوية مع النسب العالمية.
* وما آلية التطبيق للمسح؟
– المسح تكنولوجي، يعتمد على كاميرا رقمية، وطبق في مركز المحرق الصحي ليخدم محافظة المحرق، على أن تعمم التجربة في كافة محافظات المملكة بالتدريج .
* وما النتائج التي خلصتم إليها؟
– في الفــترة من شهر مــارس/ آذار وحتى شهر مايو/ أيار في عــام ,2004 أي في ثلاثة أشهر فقط، تم تسجيل 271 مريضا، 67 % منهم نتائج فحوصاتهم عادية، و33 % منهـــم لديهم تغيرات متدرجة.
فالمضاعفات البسيطـــة يمكن أن تتدرج وتصبح متوسطة بل وخطيرة إذا لم ينتظم مستوى السكر في الدم أو إذا لازمه أمراض أخرى، كارتفاع مستوى ضغط الدم، والدهون، والأنيميا.
ويمكن أن نقول أن 7,0 % فقط ممن لديهم مضاعفات في النظر يواجهون شبح العمى، وهي نسبة ضئيلة جدا ولا تستدعي الخوف، وإن كانت تتطلب الحيطة والحذر، والالتزام بالفحص المبكر لمنع الوصول الى هذه المرحلة التي تجعل من مريض السكري معاقا بصريا.
* وما أهم مميزات تطبيق هذا المسح الخاص بمرضى السكري؟
– المسح أسهم في تقليل نسب الإصابة بالعمى، إذ قلص من الفترة الزمنية التي يحتاجها المريض لانتظار دورة في قسم العيون، وذلك إذ إن الحالات التي تخضع للمسح تصور رقميا وتحول مباشرة عبر النت الى استشارية الشبكية لمعيانتها، وفي حالة وجود مضاعفات يعاين ويعطى موعدا في أقرب فرصة لا تتعدى غالبا الأيام، لتلقي العلاج.
وأتمنى تعميم التجربة في كافة محافظات المملكة في أقرب وقت لمنع حدوث مضاعفات على شبكية مرضى السكري قدر الإمكان. |
أحدث التعليقات