الحــب يخترق الــزمــن والمكــان ويــوحـد البشر

العدد174- الأحد 19 رجب 1427 هـ -13 أغسطس 2006  

ماذا يفعل الحب فينا؟
الحــب يخترق الــزمــن والمكــان ويــوحـد البشر

الحــب يخترق الــزمــن والمكــان ويــوحـد البشر الوقتياسمين خلف:
للحب تاريخ لكن هل له جغرافيا؟ يبدو الحب هو الحقيقة الوحيدة التي تسكن التاريخ وتمتد معه وتتخطاه. الحقيقة الوحيدة التي تتخطى الجغرافيا والتاريخ والحدود، لكنها الحقيقة المغيبة دوما.
قيس وليلى، جميل وبثينة، عنترة وعبلة قصص الحب الخالدة لدينا نحن العرب، لكن جغرافيا الحب تمتد ‘’بيجن ومنيجة’’ قصة الحب الأسطورية لدى الإيرانيين. أما في الهند فإن أهل البنجاب يبدون رومانسيين إلى ابعد الحدود عندما أبدعوا قصتين تحولتا أسطورتين للحب ‘’هير ورانجا’’ و’’سوهاني ومهوال’’. وفي جبال القوقاز شمالا، لم تحل الطبيعة القاسية ولا الطباع الخشنة لأهل الجبال من أن يبدع الأرمن أسطورة الحب لديهم ‘’آنوش’’ الحبيبين ‘’سارو’’ و’’آنوش’’.
لكن الحب ليس أسطوريا بالضرورة، فهو حقيقة يومية يعيشها الناس في كل مكان وقصصه لا تنتهي. يختلط بكل شيء في حياتنا ومن المؤكد أننا عرفناه في يوم أو عشناه، توجناه بنهايته السعيدة أو فشلنا وواجهنا الصعاب وحملناه معنا ذكرى حلوة أو قاسية، تبهجنا أو تسقينا المرارة، لكن المؤكد هو أننا لن ننساه. بل سنعيشه مرة وأخرى.
لم يتوقف التاريخ فلم يتوقف الحب منذ فجر البشرية الأول وحتى العام .2006 ولما اخترع البشر التواريخ والمناسبات لتذكير أنفسهم بما ينسونه في زحمة اللهاث، تذكرنا تاريخ اليوم والتقينا بعشاق من القرن الحادي والعشرين في قصتين ترينا كيف أن ‘’الحب’’ هو امتحان البشر الأهم. ففي خضمه يبرز النبل والشهامة ويبرز أسوأ ما فينا أيضا.
لا عليكم من تعقيدات التكنولوجيا، فقلب الإنسان مازال كما هو يخفق للحب. ومازال الناس يسطرون قصص حبهم الخاصة ويعيشون الحب بكل أوجاعه وغصاته وسعادته أيضا.
زوجان تحدثا لنا، لكنهما آثرا عدم كتابة اسمهما كاملا فأسميناهما ‘’محمد’’ و’’وحيدة’’. فالحب رديف الخجل أيضا، لكن قصة هذين الزوجين قصة حب معاصرة تماما تستحق أن تروى. تزوجا منذ ما يقرب الثلاثة أعوام بعد قصة حب استمرت لأربع سنوات، ثمرة الحب والزواج اليوم طفلين. يتذكران أيام الحب يتنفس (وحيد) الصعداء ويقول ‘’عذبتني وعذبني حبها’’. أما هي فتبتسم ابتسامة المنتصر وترد عليه ‘’هل ظننت الحب لعبة’’.
يقول محمد ‘’لم تكن كالأخريات في الفصل، كانت هادئة ومنطوية، والغريب أنني من الأشخاص الذين لا يفضلون هذا النوع من الفتيات (…) كنت دائما ما أهزأ بها وبحركاتها الهادئة التي تتفرد بها من دون غيرها من الطالبات، حتى جاء يوم لا أعرف ما الذي جرى لي فيه (…) من دون أي مقدمات، قلت لصديقي هذه البنت أحبها، كيف ولماذا؟ لا أعرف. كل ما أعرفه هو أنني وقعت فريسة للسهر والعذاب’’.
قلب العاشق
يواصل ‘’هي كما أسلفت خجولة وهادئة وكان من الصعب أن تعطيني فرصة لأعبر لها عن حبي، حاولت توسيط بعض زميلاتنا في الفصل ليخبروها عما أعانيه من صبابة قلبت موازين حياتي دون جدوى (…) الأدهى أن البعض منهن حاولن التفريق بيننا ومنع استمرار تلك القصة (…) ما زاد آلامي أني كنت أراها تتلذذ بتعذيبي، كنت أدرك من أعماقي أنها تبادلني الشعور لكنها تكابر’’.
بعد هذا ‘’كثر عذالنا وانتشرت الأكاذيب وأحاطتنا الشائعات’’ يقول محمد ‘’حتى وصل بنا الحال إلى أن أهجر دراستي وأعمل وأسافر لأكمل دراستي في الهند، وعلى رغم كل ذلك لم أيأس من حبي’’.
يضيف ‘’جاهدت حتى تمكنت من التقدم لأهلها وكانت تلك خطوة صعبة (…) وقتذاك كنت من فئة (البدون) ولا أحمل جواز سفر بحريني (…) أهلها وبحكم خوفهم على مستقبلها ومستقبل أبنائها رفضوا الطلب، عشنا قرابة العام بين التقدم ليدها ورفض الطلب إلى أن جاء اليوم الذي وضعوا أمامها قرارها المحدد لمستقبلها’’.
يستكمل ‘’هي وبكل إيمان قالت (خذوهم فقراء يغنيهم الله) وإن كان هو فقيرا لعدم امتلاكه جواز سفر، سيأتي اليوم الذي يغنيه الله ويبدل حاله إلى الأفضل، ما دامت أخلاقه لا تعيبه’’.
تتدخل وحيدة في الحديث لتقول ضاحكة ‘’قدمي خير عليه’’. تقصد أن وجودها في حياته غيرت من الأمور نحو الأفضل، وتفسر بأنه بعد أقل من شهر على زواجنا صدر أمر ملكي بإعطائه كغيره من أبناء المبعدين، الجنسية البحرينية لتتوالى بعدها المسرات في حياتهم.
تضيف ‘’كم أشعر بالفخر وأنا أسير بالقرب منه، أمام كل من حاول تشويه صورته أمامي، وأمام أولئك الذين لا هم لهم غير القيل والقال من دون وجه حق ومن دون مخافة الله عز وجل’’.
(الحب والكرامة)
لم يجد سعيد بوغروم (29 سنة) الذي يعمل إداريا في ‘’مركز دبي للبولينغ’’، أي حرج في ذكر اسمه أو نشر صورته عكس جميع من ‘’تجرأ’’ وشاركنا ذكريات قصة حبه. لكن اسمعوا كلمته الأولى ‘’قصة حبي هي سبب غربتي’’.
يتنهد ويتابع ‘’أنا مغربي وأنحدر من أسرة محافظة ميسورة الحال (…) أنا الابن الأصغر أو كما يقولون آخر العنقود، من بين خمسة أولاد وبنتين (…) عشت معظم سنوات عمري في فرنسا حيث يعمل والدي، زياراتي محدودة للمغرب وبالتحديد في الإجازات’’.
يتوقف برهة ويضيف ‘’كنت أتردد على المخبز الذي يمتلكه والدي، وحدث أن دخلت المخبز زبونه (…) لا أكذب، في البداية أحببت أن أتعرف عليها من قبيل التسلية لا أكثر (…) تبادلنا النظرات ثم الابتسامات إلى أن عرضت علي إحدى الموظفات في المخبز خدمة وجدتها كالفرصة الذهبية، السعي لتعرفي عليها’’.
تم التعارف كما يقول سعيد بالفعل ‘’ووجدت قبولا لدى الفتاة بل هي من بادر بالاتصال بحجة الاطمئنان علي بعد نكسة صحية أصبت بها’’. يضيف ‘’انتهزت الفرصة بدوري وطلبت منها أن تقابلني لكنها رفضت فهي من أسرة محافظة، إلا أنها أخبرت ابنة خالتها بالأمر’’.
يكمل الرواية »الأخيرة كانت جريئة وهي من ساعدتنا على اللقاء ومن تلك الساعة ‘’دخلت الفتاة قلبي لا كفتاة للتسلية بل كحبيبة وزوجة (…) كنت حينها في الرابعة والعشرون من عمري وهي لم تتجاوز العشرين ربيعا’’.
عندما تنقلب الأحوال
يواصل سعيد قصته ‘’بعد أسبوعين قابلت والدتها ووجدت فيها قبولا مريحا لعلاقتنا وكذلك الأمر بالنسبة إلى أختها وزوجها (…) عرضت الأمر على والدي، كان موافقا على الخطبة وجميع الأمور سارت على خير ما يرام إلى أن جاء اليوم الذي لم يكن في الحسبان’’.
لكن البدايات السعيدة لا تستمر في الحب، فهو يبدو دوما ليس شأنا بين اثنين بل شأن يثير شهوة الآخرين للتدخل. وطالما تدخل الآخرون تجيء لحظات الألم.
سعيد يكمل روايته ‘’كان والدي كعادته يجلس أمام المخبز، وحدث أن مرت ابنة خال حبيبتي مع شاب غريب وهي فتاة لعوب وجريئة وغير محتشمة في ملابسها (…) ولوجود خلافات بيني وبين أخي الذي يكبرني، استغل الفرصة ووسوس لأبي، قال له إنها قريبة من أريد خطبتها، ليعلن أبي رفضه القاطع للاقتران بها’’.
مثلما تدخل الآخرون، جاء دور آخرين للوساطة والمساعي الحميدة. يقول سعيد ‘’حاولت زوجة أخي التوسط عند والدي، خصوصا أن حبيبتي تختلف عن قريبتها فهي محترمة جدا ولكن من دون جدوى (…) ولأنني أعرف تماما أن والدي لا يتراجع عن كلمته، أعلنت رفضي للزواج من دونها وخاصمت والدي عاما كاملا باستثناء السلام’’.
ترتفع نبرة صوته ويضيف ‘’الناس عرفت أننا مخطوبين لبعضنا وحرام أن أتخلى عن بنت شريفة ومحترمة لا ذنب لها فيما تقوم به قريبتها (…) كيف أواجه أهلها بعد الوعد الذي قطعته مع ابنتهم’’.
داخل صوته شيء من المرارة ‘’ كان يوما صعبا ذاك الذي حاولت فيه أن أوضح لأهل محبوبتي موقف والدي من الخطبة (…) وقعت والدتها مغشيا عليها وعندما أفاقت سقطت محبوبتي بين يدي مغشيا عليها من هول الفاجعة (…) أوضحت لخالتها الموقف وهي امرأة متزنة وتعزني، قالت إن مخالفة الأهل في الزواج لا يبارك الحياة الزوجية وإن القطيعة ستصل إلى الأبناء والله لا يرضى بذلك’’.
هجرة وهجرة أخرى
ماذا يفعل المحب عندما يواجه طريقا مسدودا أمام قلبه؟ ‘’قررت الهجرة من المغرب إلى دبي حيث أقيم حتى اللحظة’’ يقول سعيد ويكمل ‘’أثناء استعدادي للسفر حاول أهلي ثنيي عن الهجرة (…) مزقوا تأشيرة الدخول وأخفوا جواز السفر وسط إلحاح أمي وتوسلاتها (…) استخرجت بدل فاقد لجواز السفر وتأشيرة دخول جديدة ولم أخبر أهلي عن كل ذلك حتى حبيبتي’’.
يتوقف برهة ويكمل ‘’عندما وصلت أرض الإمارات العربية المتحدة، اتصلت بهم لأخبرهم بأني قد نفذت وعيدي وهاجرت من بلادي، وكانت صدمة لم تخطر لهم على بال’’.
نداء الحب
لم يتوقف سعيد عن حبه إذ قام بمهاتفة محبوبته ووعدها باستخراج تأشيرة لها كي تلحق به إلى الإمارات بعد ثلاثة شهور.
يمسك خيط روايته ‘’في تلك الفترة رضخ والدي لإلحاح والدتي وقبل تزويجي ممن أحب وعندما أبلغني أهلي بقراره قلت أريد أن أسمع ذلك من والدي (…) اتصل بي ليبلغني بعدوله عن رأيه السابق’’.
لكن المفاجأة لم تكن في تحول الأب بل في التحول الذي أصاب سعيد ‘’قلت له بحسم لن أرجع ولن أتزوجها’’.
يبدو هذا محيرا أن يرفض سعيد ما كان ينتظره، سألناه عن السبب فقال ‘’أرفض أن يفرض أبي شخصيته علي (…) مهما كان القرار الذي سيترتب على تصرفي وأن كان الثمن حبي الوحيد’’.
إنها الكرامة إذاً وعندما تلتقط المحبوبة العبرة من رفض حبيبها الاقتران بها بتأثير موافقة الأب، تبادله التحية ولو إلى حين.
صمت سعيد قليلا ثم تابع ‘’البنت تعبت معي حقا وكانت ترفض جميع من يتقدم لها على رغم جمالها الصارخ والفرص الذهبية التي صادفتها إلى أن قبلت أحد المتقدمين (…) سافرت معه إلى باريس حيث يعمل (…) عرفت بذلك من والدتها، وبصراحة أصبت بصدمة قمت على أثرها أضحك بقهر (…) طلبت منها رقم هاتفها، فرفضت تعطيني خوفا من أن أتسبب لها بمشاكل’’.
أضاف ‘’لم أيأس وبحثت عن رقم هاتفها إلى أن وجدته وحادثتها (…) كنت أتمنى أن أحدثها لساعة زمن ولو كانت الأخيرة في حياتي لأؤكد لها حبي الذي لم يكتب له النجاح ويكلل بالزواج بسبب الآخرين (…) كان لي ما أردت حيث قابلتها في مقهى في باريس’’.
ما تبقى من حب
هل كان ذلك آخر لقاء بينكما؟ سألناه، هز رأسه بالنفي وأكمل روايته ‘’الصيف الماضي زرت المغرب والتقيت شقيقها صدفة فدعاني إلى منزلهم (…) هناك رأيتها والتقت عيني بعينها (…) حكت أعيننا قصة حب مطعونة’’.
يتابع ‘’قالت لي لحظات وأعود، عادت وفي يدها طفل صغير سلمتني إياه ولما سألتها عن اسمه قالت لي أسمه سعيد يا سعيد’’.
بقية القصة هي أن سعيد لم يتزوج حتى اليوم ‘’لم أقابل الفتاة التي تنسيني حبي’’ بل ويؤكد أن ‘’من الصعب أن اتخذ قرارا بالزواج’’.
ما تبقى من قصة سعيد ذكرى باقية، اسم يذكرنا بمن أحببنا ذات يوم، فالحب على رغم كل مراراته لا ينسى، قل انه لا يموت. مات قيس وماتت ليلى منذ قرون لكن قصة حبهما لاتزال تعبر التاريخ وهاهو شاعرنا قاسم حداد يتوج أسطورتهما:
‘’قل هو الحب
كأن الله لا يحنو على غيرك، لا يسمع الاك،
ولا في الكون مجنون سواك.
لكأن الله موجود لكي يمسح حزن الناس في قلبك
يفديك يما يجعل أسرارك في تاج الملاك’’.
اليوم اشتروا الورود وأهدوها لمن تحبون.

العدد174- الأحد 19 رجب 1427 هـ -13 أغسطس 2006  

ماذا يفعل الحب فينا؟
الحــب يخترق الــزمــن والمكــان ويــوحـد البشر

الحــب يخترق الــزمــن والمكــان ويــوحـد البشر الوقتياسمين خلف:
للحب تاريخ لكن هل له جغرافيا؟ يبدو الحب هو الحقيقة الوحيدة التي تسكن التاريخ وتمتد معه وتتخطاه. الحقيقة الوحيدة التي تتخطى الجغرافيا والتاريخ والحدود، لكنها الحقيقة المغيبة دوما.
قيس وليلى، جميل وبثينة، عنترة وعبلة قصص الحب الخالدة لدينا نحن العرب، لكن جغرافيا الحب تمتد ‘’بيجن ومنيجة’’ قصة الحب الأسطورية لدى الإيرانيين. أما في الهند فإن أهل البنجاب يبدون رومانسيين إلى ابعد الحدود عندما أبدعوا قصتين تحولتا أسطورتين للحب ‘’هير ورانجا’’ و’’سوهاني ومهوال’’. وفي جبال القوقاز شمالا، لم تحل الطبيعة القاسية ولا الطباع الخشنة لأهل الجبال من أن يبدع الأرمن أسطورة الحب لديهم ‘’آنوش’’ الحبيبين ‘’سارو’’ و’’آنوش’’.
لكن الحب ليس أسطوريا بالضرورة، فهو حقيقة يومية يعيشها الناس في كل مكان وقصصه لا تنتهي. يختلط بكل شيء في حياتنا ومن المؤكد أننا عرفناه في يوم أو عشناه، توجناه بنهايته السعيدة أو فشلنا وواجهنا الصعاب وحملناه معنا ذكرى حلوة أو قاسية، تبهجنا أو تسقينا المرارة، لكن المؤكد هو أننا لن ننساه. بل سنعيشه مرة وأخرى.
لم يتوقف التاريخ فلم يتوقف الحب منذ فجر البشرية الأول وحتى العام .2006 ولما اخترع البشر التواريخ والمناسبات لتذكير أنفسهم بما ينسونه في زحمة اللهاث، تذكرنا تاريخ اليوم والتقينا بعشاق من القرن الحادي والعشرين في قصتين ترينا كيف أن ‘’الحب’’ هو امتحان البشر الأهم. ففي خضمه يبرز النبل والشهامة ويبرز أسوأ ما فينا أيضا.
لا عليكم من تعقيدات التكنولوجيا، فقلب الإنسان مازال كما هو يخفق للحب. ومازال الناس يسطرون قصص حبهم الخاصة ويعيشون الحب بكل أوجاعه وغصاته وسعادته أيضا.
زوجان تحدثا لنا، لكنهما آثرا عدم كتابة اسمهما كاملا فأسميناهما ‘’محمد’’ و’’وحيدة’’. فالحب رديف الخجل أيضا، لكن قصة هذين الزوجين قصة حب معاصرة تماما تستحق أن تروى. تزوجا منذ ما يقرب الثلاثة أعوام بعد قصة حب استمرت لأربع سنوات، ثمرة الحب والزواج اليوم طفلين. يتذكران أيام الحب يتنفس (وحيد) الصعداء ويقول ‘’عذبتني وعذبني حبها’’. أما هي فتبتسم ابتسامة المنتصر وترد عليه ‘’هل ظننت الحب لعبة’’.
يقول محمد ‘’لم تكن كالأخريات في الفصل، كانت هادئة ومنطوية، والغريب أنني من الأشخاص الذين لا يفضلون هذا النوع من الفتيات (…) كنت دائما ما أهزأ بها وبحركاتها الهادئة التي تتفرد بها من دون غيرها من الطالبات، حتى جاء يوم لا أعرف ما الذي جرى لي فيه (…) من دون أي مقدمات، قلت لصديقي هذه البنت أحبها، كيف ولماذا؟ لا أعرف. كل ما أعرفه هو أنني وقعت فريسة للسهر والعذاب’’.
قلب العاشق
يواصل ‘’هي كما أسلفت خجولة وهادئة وكان من الصعب أن تعطيني فرصة لأعبر لها عن حبي، حاولت توسيط بعض زميلاتنا في الفصل ليخبروها عما أعانيه من صبابة قلبت موازين حياتي دون جدوى (…) الأدهى أن البعض منهن حاولن التفريق بيننا ومنع استمرار تلك القصة (…) ما زاد آلامي أني كنت أراها تتلذذ بتعذيبي، كنت أدرك من أعماقي أنها تبادلني الشعور لكنها تكابر’’.
بعد هذا ‘’كثر عذالنا وانتشرت الأكاذيب وأحاطتنا الشائعات’’ يقول محمد ‘’حتى وصل بنا الحال إلى أن أهجر دراستي وأعمل وأسافر لأكمل دراستي في الهند، وعلى رغم كل ذلك لم أيأس من حبي’’.
يضيف ‘’جاهدت حتى تمكنت من التقدم لأهلها وكانت تلك خطوة صعبة (…) وقتذاك كنت من فئة (البدون) ولا أحمل جواز سفر بحريني (…) أهلها وبحكم خوفهم على مستقبلها ومستقبل أبنائها رفضوا الطلب، عشنا قرابة العام بين التقدم ليدها ورفض الطلب إلى أن جاء اليوم الذي وضعوا أمامها قرارها المحدد لمستقبلها’’.
يستكمل ‘’هي وبكل إيمان قالت (خذوهم فقراء يغنيهم الله) وإن كان هو فقيرا لعدم امتلاكه جواز سفر، سيأتي اليوم الذي يغنيه الله ويبدل حاله إلى الأفضل، ما دامت أخلاقه لا تعيبه’’.
تتدخل وحيدة في الحديث لتقول ضاحكة ‘’قدمي خير عليه’’. تقصد أن وجودها في حياته غيرت من الأمور نحو الأفضل، وتفسر بأنه بعد أقل من شهر على زواجنا صدر أمر ملكي بإعطائه كغيره من أبناء المبعدين، الجنسية البحرينية لتتوالى بعدها المسرات في حياتهم.
تضيف ‘’كم أشعر بالفخر وأنا أسير بالقرب منه، أمام كل من حاول تشويه صورته أمامي، وأمام أولئك الذين لا هم لهم غير القيل والقال من دون وجه حق ومن دون مخافة الله عز وجل’’.
(الحب والكرامة)
لم يجد سعيد بوغروم (29 سنة) الذي يعمل إداريا في ‘’مركز دبي للبولينغ’’، أي حرج في ذكر اسمه أو نشر صورته عكس جميع من ‘’تجرأ’’ وشاركنا ذكريات قصة حبه. لكن اسمعوا كلمته الأولى ‘’قصة حبي هي سبب غربتي’’.
يتنهد ويتابع ‘’أنا مغربي وأنحدر من أسرة محافظة ميسورة الحال (…) أنا الابن الأصغر أو كما يقولون آخر العنقود، من بين خمسة أولاد وبنتين (…) عشت معظم سنوات عمري في فرنسا حيث يعمل والدي، زياراتي محدودة للمغرب وبالتحديد في الإجازات’’.
يتوقف برهة ويضيف ‘’كنت أتردد على المخبز الذي يمتلكه والدي، وحدث أن دخلت المخبز زبونه (…) لا أكذب، في البداية أحببت أن أتعرف عليها من قبيل التسلية لا أكثر (…) تبادلنا النظرات ثم الابتسامات إلى أن عرضت علي إحدى الموظفات في المخبز خدمة وجدتها كالفرصة الذهبية، السعي لتعرفي عليها’’.
تم التعارف كما يقول سعيد بالفعل ‘’ووجدت قبولا لدى الفتاة بل هي من بادر بالاتصال بحجة الاطمئنان علي بعد نكسة صحية أصبت بها’’. يضيف ‘’انتهزت الفرصة بدوري وطلبت منها أن تقابلني لكنها رفضت فهي من أسرة محافظة، إلا أنها أخبرت ابنة خالتها بالأمر’’.
يكمل الرواية »الأخيرة كانت جريئة وهي من ساعدتنا على اللقاء ومن تلك الساعة ‘’دخلت الفتاة قلبي لا كفتاة للتسلية بل كحبيبة وزوجة (…) كنت حينها في الرابعة والعشرون من عمري وهي لم تتجاوز العشرين ربيعا’’.
عندما تنقلب الأحوال
يواصل سعيد قصته ‘’بعد أسبوعين قابلت والدتها ووجدت فيها قبولا مريحا لعلاقتنا وكذلك الأمر بالنسبة إلى أختها وزوجها (…) عرضت الأمر على والدي، كان موافقا على الخطبة وجميع الأمور سارت على خير ما يرام إلى أن جاء اليوم الذي لم يكن في الحسبان’’.
لكن البدايات السعيدة لا تستمر في الحب، فهو يبدو دوما ليس شأنا بين اثنين بل شأن يثير شهوة الآخرين للتدخل. وطالما تدخل الآخرون تجيء لحظات الألم.
سعيد يكمل روايته ‘’كان والدي كعادته يجلس أمام المخبز، وحدث أن مرت ابنة خال حبيبتي مع شاب غريب وهي فتاة لعوب وجريئة وغير محتشمة في ملابسها (…) ولوجود خلافات بيني وبين أخي الذي يكبرني، استغل الفرصة ووسوس لأبي، قال له إنها قريبة من أريد خطبتها، ليعلن أبي رفضه القاطع للاقتران بها’’.
مثلما تدخل الآخرون، جاء دور آخرين للوساطة والمساعي الحميدة. يقول سعيد ‘’حاولت زوجة أخي التوسط عند والدي، خصوصا أن حبيبتي تختلف عن قريبتها فهي محترمة جدا ولكن من دون جدوى (…) ولأنني أعرف تماما أن والدي لا يتراجع عن كلمته، أعلنت رفضي للزواج من دونها وخاصمت والدي عاما كاملا باستثناء السلام’’.
ترتفع نبرة صوته ويضيف ‘’الناس عرفت أننا مخطوبين لبعضنا وحرام أن أتخلى عن بنت شريفة ومحترمة لا ذنب لها فيما تقوم به قريبتها (…) كيف أواجه أهلها بعد الوعد الذي قطعته مع ابنتهم’’.
داخل صوته شيء من المرارة ‘’ كان يوما صعبا ذاك الذي حاولت فيه أن أوضح لأهل محبوبتي موقف والدي من الخطبة (…) وقعت والدتها مغشيا عليها وعندما أفاقت سقطت محبوبتي بين يدي مغشيا عليها من هول الفاجعة (…) أوضحت لخالتها الموقف وهي امرأة متزنة وتعزني، قالت إن مخالفة الأهل في الزواج لا يبارك الحياة الزوجية وإن القطيعة ستصل إلى الأبناء والله لا يرضى بذلك’’.
هجرة وهجرة أخرى
ماذا يفعل المحب عندما يواجه طريقا مسدودا أمام قلبه؟ ‘’قررت الهجرة من المغرب إلى دبي حيث أقيم حتى اللحظة’’ يقول سعيد ويكمل ‘’أثناء استعدادي للسفر حاول أهلي ثنيي عن الهجرة (…) مزقوا تأشيرة الدخول وأخفوا جواز السفر وسط إلحاح أمي وتوسلاتها (…) استخرجت بدل فاقد لجواز السفر وتأشيرة دخول جديدة ولم أخبر أهلي عن كل ذلك حتى حبيبتي’’.
يتوقف برهة ويكمل ‘’عندما وصلت أرض الإمارات العربية المتحدة، اتصلت بهم لأخبرهم بأني قد نفذت وعيدي وهاجرت من بلادي، وكانت صدمة لم تخطر لهم على بال’’.
نداء الحب
لم يتوقف سعيد عن حبه إذ قام بمهاتفة محبوبته ووعدها باستخراج تأشيرة لها كي تلحق به إلى الإمارات بعد ثلاثة شهور.
يمسك خيط روايته ‘’في تلك الفترة رضخ والدي لإلحاح والدتي وقبل تزويجي ممن أحب وعندما أبلغني أهلي بقراره قلت أريد أن أسمع ذلك من والدي (…) اتصل بي ليبلغني بعدوله عن رأيه السابق’’.
لكن المفاجأة لم تكن في تحول الأب بل في التحول الذي أصاب سعيد ‘’قلت له بحسم لن أرجع ولن أتزوجها’’.
يبدو هذا محيرا أن يرفض سعيد ما كان ينتظره، سألناه عن السبب فقال ‘’أرفض أن يفرض أبي شخصيته علي (…) مهما كان القرار الذي سيترتب على تصرفي وأن كان الثمن حبي الوحيد’’.
إنها الكرامة إذاً وعندما تلتقط المحبوبة العبرة من رفض حبيبها الاقتران بها بتأثير موافقة الأب، تبادله التحية ولو إلى حين.
صمت سعيد قليلا ثم تابع ‘’البنت تعبت معي حقا وكانت ترفض جميع من يتقدم لها على رغم جمالها الصارخ والفرص الذهبية التي صادفتها إلى أن قبلت أحد المتقدمين (…) سافرت معه إلى باريس حيث يعمل (…) عرفت بذلك من والدتها، وبصراحة أصبت بصدمة قمت على أثرها أضحك بقهر (…) طلبت منها رقم هاتفها، فرفضت تعطيني خوفا من أن أتسبب لها بمشاكل’’.
أضاف ‘’لم أيأس وبحثت عن رقم هاتفها إلى أن وجدته وحادثتها (…) كنت أتمنى أن أحدثها لساعة زمن ولو كانت الأخيرة في حياتي لأؤكد لها حبي الذي لم يكتب له النجاح ويكلل بالزواج بسبب الآخرين (…) كان لي ما أردت حيث قابلتها في مقهى في باريس’’.
ما تبقى من حب
هل كان ذلك آخر لقاء بينكما؟ سألناه، هز رأسه بالنفي وأكمل روايته ‘’الصيف الماضي زرت المغرب والتقيت شقيقها صدفة فدعاني إلى منزلهم (…) هناك رأيتها والتقت عيني بعينها (…) حكت أعيننا قصة حب مطعونة’’.
يتابع ‘’قالت لي لحظات وأعود، عادت وفي يدها طفل صغير سلمتني إياه ولما سألتها عن اسمه قالت لي أسمه سعيد يا سعيد’’.
بقية القصة هي أن سعيد لم يتزوج حتى اليوم ‘’لم أقابل الفتاة التي تنسيني حبي’’ بل ويؤكد أن ‘’من الصعب أن اتخذ قرارا بالزواج’’.
ما تبقى من قصة سعيد ذكرى باقية، اسم يذكرنا بمن أحببنا ذات يوم، فالحب على رغم كل مراراته لا ينسى، قل انه لا يموت. مات قيس وماتت ليلى منذ قرون لكن قصة حبهما لاتزال تعبر التاريخ وهاهو شاعرنا قاسم حداد يتوج أسطورتهما:
‘’قل هو الحب
كأن الله لا يحنو على غيرك، لا يسمع الاك،
ولا في الكون مجنون سواك.
لكأن الله موجود لكي يمسح حزن الناس في قلبك
يفديك يما يجعل أسرارك في تاج الملاك’’.
اليوم اشتروا الورود وأهدوها لمن تحبون.

عن الكاتب

تدوينات متعلقة

اكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.