عيدكم عيدنا

بقلم : ياسمين خلف

اعتدت على أكل المطاعم منذ أن كنت في السادسة من عمري، فبعد وفاة والدتي لم يتمكن والدي من أن يلعب دور الأم والأب في آن واحد. فتخبطت في حياتي كثيراً، ولم أنشأ كطفل تتلقفه أحضان أمه متى ما هُزم في مشادة طفولية مع أقرانه، ولم أعرف عندما حملت حقيبتي المدرسية الأولى أن الجوارب التي استعملها- أجلكم الله – يمكنني أن أغسلها لألبسها مرة أخرى، بل ظننت إنها ذات استعمال واحد، فألبسها إلى أن أجد البديل لأستغني عنها، كم كنت في حالة رثة ومهملة لغياب الأم في حياتي. كبرت وغدوت رجلاً ولازلت أحمل بداخلي طفلاً مكسورا لم يستطع أحد حتى اليوم أن يعوضه عن حنان الأم الذي فقده.

أياً كان، لا يمكنه أن يعوض طفلاً فقد أمه أو أبيه مهما حاول البعض وسعى جاهداً بأن يحل محلهما، فاليتم يترك جرحاً غائراً في نفس الأبناء لا يندمل، وبالذات عند من حُرموا من نعمة وجود الوالدين في سن مبكرة. ولم يجدوا من يمسك بأيديهم في تعاريج دروب الحياة.

المحظوظ منهم من يحاول أحد والديه أن يسد الفراغ العاطفي والمادي مكان الآخر المتوفى، ولكن ما مصير من يفقد الاثنين معاً؟. الأيتام من حولنا كُثر، منهم من ذاق طعم حنان الأم، أو أمان الأب لفترة من حياتهم، ومنهم من سمع عنهما ولم يشعر بدفء تلك المشاعر أبداً، ويبكي قهراً طوال حياته من فقدانه لنعمة وجود من يحبه بلا مقابل.

كل ذلك مر ببالي وأنا أشاهد فيلماً قصيراً لشباب بحرينيين نُشر عبر اليوتيوب ووسم بـ “عيدكم عيدنا”. فرغم قصر مدته -لم يتجاوز الدقيقة و47 ثانية- إلا أنه اختصر مشاعر الأيتام من الأطفال يوم العيد. نعم الحياة مستمرة رغم وجع الفقد، إلا أن للعيدية أثراً على نفسية الطفل وجزءا مهما يكمل من فرحته البريئة بالعيد ولا يمكن التغاضي عنها.

الفيلم حاول أن يلفت انتباه المجتمع إلى فئة من الأطفال فرحتهم بالعيد منقوصة من غير وجود الأب الذي يفرحهم بالعيدية، والغصة التي يشعرون بها عندما يقارنون أنفسهم بغيرهم من الأطفال ممن يتفاخرون بكم “العيادي” التي يتلقونها من آبائهم، ليجرنا إلى مسؤولية مجتمعية حيال الأطفال اليتامى من حولنا، ولا يقتصر الأمر على الـ “عيدية” فقط، بل هل تفقدنا أحوالهم في شهر رمضان المبارك وباقي سائر أيام العام؟ هل فكرنا أن نهديهم الملابس الجديدة ليلتفوا فرحين حول أنفسهم مزهوين بها؟ هل جال بخاطرنا أن نصطحبهم مع أطفالنا لشراء ما يتمنونه من هدايا وألعاب وحلويات؟ هل خطر ببالنا أن يرافقونا أيام إجازة العيد في جولاتنا الترفيهية؟ فإن لم نتمكن من أن نعوض الأيتام عما فقدوه، يمكننا على الأقل أن نخفف عنهم وطأة ذاك بـ “عيدية” ترسم البسمة على شفاههم، فقط لا تبخلوا عليهم، وعيدكم مبارك.

ياسمينة: اختموا أعمالكم الرمضانية بعمل يفرح الأيتام من الأطفال من حولكم لتفرحوا الله ونبيكم.

 

yasmeeniat@yasmeeniat.com

وصلة فيديو المقال

https://instagram.com/p/5MIaypBbgc/

بقلم : ياسمين خلف

اعتدت على أكل المطاعم منذ أن كنت في السادسة من عمري، فبعد وفاة والدتي لم يتمكن والدي من أن يلعب دور الأم والأب في آن واحد. فتخبطت في حياتي كثيراً، ولم أنشأ كطفل تتلقفه أحضان أمه متى ما هُزم في مشادة طفولية مع أقرانه، ولم أعرف عندما حملت حقيبتي المدرسية الأولى أن الجوارب التي استعملها- أجلكم الله – يمكنني أن أغسلها لألبسها مرة أخرى، بل ظننت إنها ذات استعمال واحد، فألبسها إلى أن أجد البديل لأستغني عنها، كم كنت في حالة رثة ومهملة لغياب الأم في حياتي. كبرت وغدوت رجلاً ولازلت أحمل بداخلي طفلاً مكسورا لم يستطع أحد حتى اليوم أن يعوضه عن حنان الأم الذي فقده.

أياً كان، لا يمكنه أن يعوض طفلاً فقد أمه أو أبيه مهما حاول البعض وسعى جاهداً بأن يحل محلهما، فاليتم يترك جرحاً غائراً في نفس الأبناء لا يندمل، وبالذات عند من حُرموا من نعمة وجود الوالدين في سن مبكرة. ولم يجدوا من يمسك بأيديهم في تعاريج دروب الحياة.

المحظوظ منهم من يحاول أحد والديه أن يسد الفراغ العاطفي والمادي مكان الآخر المتوفى، ولكن ما مصير من يفقد الاثنين معاً؟. الأيتام من حولنا كُثر، منهم من ذاق طعم حنان الأم، أو أمان الأب لفترة من حياتهم، ومنهم من سمع عنهما ولم يشعر بدفء تلك المشاعر أبداً، ويبكي قهراً طوال حياته من فقدانه لنعمة وجود من يحبه بلا مقابل.

كل ذلك مر ببالي وأنا أشاهد فيلماً قصيراً لشباب بحرينيين نُشر عبر اليوتيوب ووسم بـ “عيدكم عيدنا”. فرغم قصر مدته -لم يتجاوز الدقيقة و47 ثانية- إلا أنه اختصر مشاعر الأيتام من الأطفال يوم العيد. نعم الحياة مستمرة رغم وجع الفقد، إلا أن للعيدية أثراً على نفسية الطفل وجزءا مهما يكمل من فرحته البريئة بالعيد ولا يمكن التغاضي عنها.

الفيلم حاول أن يلفت انتباه المجتمع إلى فئة من الأطفال فرحتهم بالعيد منقوصة من غير وجود الأب الذي يفرحهم بالعيدية، والغصة التي يشعرون بها عندما يقارنون أنفسهم بغيرهم من الأطفال ممن يتفاخرون بكم “العيادي” التي يتلقونها من آبائهم، ليجرنا إلى مسؤولية مجتمعية حيال الأطفال اليتامى من حولنا، ولا يقتصر الأمر على الـ “عيدية” فقط، بل هل تفقدنا أحوالهم في شهر رمضان المبارك وباقي سائر أيام العام؟ هل فكرنا أن نهديهم الملابس الجديدة ليلتفوا فرحين حول أنفسهم مزهوين بها؟ هل جال بخاطرنا أن نصطحبهم مع أطفالنا لشراء ما يتمنونه من هدايا وألعاب وحلويات؟ هل خطر ببالنا أن يرافقونا أيام إجازة العيد في جولاتنا الترفيهية؟ فإن لم نتمكن من أن نعوض الأيتام عما فقدوه، يمكننا على الأقل أن نخفف عنهم وطأة ذاك بـ “عيدية” ترسم البسمة على شفاههم، فقط لا تبخلوا عليهم، وعيدكم مبارك.

ياسمينة: اختموا أعمالكم الرمضانية بعمل يفرح الأيتام من الأطفال من حولكم لتفرحوا الله ونبيكم.

 

yasmeeniat@yasmeeniat.com

وصلة فيديو المقال

https://instagram.com/p/5MIaypBbgc/

عن الكاتب

ياسمينيات

ياسمين خلف حاصلة على درجة البكالوريوس في تخصص الإعلام مع تخصص مساند في علم النفس من جامعة الكويت عضو في جمعية الصحفيين بمملكة البحرين أمضت أكثر من 14 سنة في القطاع الصحافي والإعلامي ، ( سبتمبر 2000- 2005 / في صحيفة الأيام ) ( 2005 - 2010 في صحيفة الوقت ). (2008- حتى الان كاخصائية إعلام ومسئولة عن مجلة آفاق الجامعية التابعة لجامعة البحرين) (2013- حتى الان كاتبة عمود في جريدة الراية القطرية ) (2013 وحتى الان مراسلة مجلة هي وهو القطرية ) شاركت في العديد من دورات التطوير المهني في البحرين وخارجها ومنها : تأهيل و إعداد الصحافيين وزارة الأعلام – مملكة البحرين فن الكتابة الصحفية جامعة البحرين فن و مهارات المقابلة الصحفية و التحقيق الصحفي جامعة البحرين أساسيات المهنة و أخلاقياتها جمعية الصحفيين – البحرين الصحافة البرلمانية جمعية الصحفيين – البحرين فن كتابة الخبر الصحفي جمعية الصحفيين – البحرين فن كتابة التحقيق الصحفي جمعية الصحفيين – البحرين دورة في اللغة الإنجليزية (3) المركز الأمريكي للثقافة و التعليم – البحرين دورة تدريبية في تكنولوجيا المعلومات اتحاد الصحفيين العرب – مصر الكتابة الصحفية مؤسسة الأيام للصحافة – البحرين دورة في اللغة الإنجليزية (2) مركز الخليج الدولي – البحرين المشاركة في اللجنة المشتركة للشباب البرلمانيين وممثلي المؤسسات الحكومية لجمعية البحرين للصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة . المشاركة في دورة حول القانون الدولي الإنساني للجنة الدولية للصليب الأحمر . دورة تدريبية حول تكنولوجيا المعلومات في الإتحاد الصحفيين العرب في القاهرة . للتواصل: yasmeeniat@yasmeeniat.com

تدوينات متعلقة

اكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.