نشرت فى : يوليو 19, 2008

زواج الكبيرات

ياسمينيات
زواج الكبيرات
ياسمين خلف

ياسمين خلف قد يبدو للبعض أنني أهذي، وليكن، اعتبرونني أهذي أو حتى فاقدة للأهلية، ولكن اسمعوا تلك الترهات التي لن تغير واقعنا الذي لا يزال يقبع تحت إرثه القديم، والذي مهما حاول الانتصار للمرأة إلا انه يهمس بظلمها سواء كان ذلك عن قصد أو من دون قصد. الرجل في مجتمعنا مهما تقدم به العمر، فإن فكرة الزواج محللة له اجتماعيا، بل تجد أن البعض يدفعه إليها دفعا كي لا يكون وحيدا في خريف العمر، فهو بحاجة إلى من يؤنسه ويبدد عنه وحشة الزمان بعد أن يتسلل الشيب إلى رأسه والضعف إلى بدنه، يحتاج إلى من تبادله الحديث واستعادة الذكريات في وقت قد يتخلى عنه أبناؤه وأقرب أقربائه وأصدقاؤه، ولكن الأمر ليس بذات السهولة بالنسبة للمرأة التي حتى وأن فاتها قطار الزواج، فإن فكرة البحث عن شريك لحياتها في خريف العمر أمرا مستهجنا لدى الشريحة الكبرى في مجتمعنا، بل حتى وإن ترملت أو تطلقت، فإن الحكم عليها بالبقاء وحيدة في البقية الباقية من حياتها واقعا لا يمكن نكرانه.
قبل مدة ربما تجاوزت العامين بقليل راودتني هذه الأفكار عندما صادفت إحدى النساء الكبيرات نوعا ما في السن، كانت إحداهن مديرتي السابقة في إحدى مراحلي الدراسية، رأيتها وحيدة كما عرفتها تجوب المجمعات التجارية كالتائهة، فاتها قطار الزواج كما يعتقد أو كما يحكم مجتمعنا على من تجاوزت ربما الخامسة والثلاثين وأخرى صادفتها وهي تندب حظها وتبكي؛ لأنها لا تجد حتى من يسمعها عندما يغص قلبها بالهموم الحياتية ولا من يحمل عنها المسؤوليات ”الرجولية”، وأخرى كانت أكثر تفاءلا وربما أتعسهم حظا عندما أوهمها أحد الشباب أنه يحبها رغم الفارق الكبير في السن حتى أخذ يتعامل معها كما لو كانت بنكا متنقلا، فأوهمها بالفستان الأبيض والأطفال الذين سينادونها بماما كما هو حلم أي أنثى.
لا نستغرب أبدا من زواج الرجل الكبير من المرأة الصغيرة ”بالنسبة إليه طبعا”، ولكن الاستغراب يملؤنا من رأسنا حتى أخمص قدمينا عندما تنقلب الآية وتكون المرأة هي الأكبر في السن أو حتى لو كانت قريبة له في السن أو حتى أصغر منه لو قررت الزواج وهي كبيرة نوعا ما في العمر ”أليس هذا نوعا من الظلم الذي يوقع على المرأة؟ أليست بإنسان وبحاجة إلى من تجده قريبا إليها حتى تغمض عينيها إلى الأبد ا؟ أم أن الحكم عليها بالموت مقرر عليها ما أن يرميها نصيبها وقدرها إلى التأخر في الزواج أو حتى فقدان زوجها أو طلاقها في سن مبكر.
المشكلة ليست في المجتمع، بل إننا نحن من نخلق المشاكل لنرميها على عاتق المجتمع الذي هو من صنعنا نحن، لو نغير أفكارنا بإيجابية لحلت العديد من أزماتنا الاجتماعية، لو أوقفنا ألسنتا ودهشتنا وتعجبنا لكل ما هو غريب لارتاحت أنفس كثيرة، فهل سنصل يوما إلى تلك ”الترهات”، كما سيجدها الكثيرون أم سيطلق عليّ بالفاقدة للأهلية؟ قبل الحكم تفقدوا من حولكم لتجدوا كم من المظلومات في حياتنا.

العدد 880 السبت 15 رجب 1429 هـ – 19 يوليو 2008

ياسمينيات زواج الكبيرات ياسمين خلف قد يبدو للبعض أنني أهذي، وليكن، اعتبرونني أهذي أو حتى فاقدة للأهلية، ولكن اسمعوا تلك...

إقرأ المزيد »