نشرت فى : يوليو 23, 2015

أطباء قساة

بقلم : ياسمين خلف

كان فرحتها الأولى بعد أن فقدت جنينها الأول، طفل كفلقة القمر أو هو أجمل، وكانت لا تزال على فراشها الأبيض في المستشفى بعد مخاض الولادة الطويل، فبدلاً من أن يطمئنها الطبيب ويرفع من معنوياتها، صدمها وبلا رحمة بخبر “شكوكه” بإصابة رضيعها بمشاكل في القلب أو الكبد أو الكلى، لتصاب بحالة من الانهيار ونوبة بكاء طويلة، وهي التي للتو قد خرجت من تجربة ولادة أولى بعد رحلة حمل صعبة.

الطبيب ملاك للرحمة هذا ما رسموه في مخيلتنا على مقاعد الدراسة الأولى، وهو المفترض!، ولكن الواقع غير ذلك للأسف – ليس الجميع بالطبع ولكنهم كثر – أطباء استبدلوا قلوبهم بأحجار صلدة، تجمّدت مشاعرهم وتبلدت، ربما من كثرة الحالات المرضية التي يعايشونها يوميًا، متناسين أن دورهم النفسي لا يقل أبدًا عن دورهم العلاجي، وأن المرضى يتعلقون بأحبال الأمل بكلمة من طبيب ينفي لهم شكوكهم، لا أن يكون هو من يبث إليهم شكوكه ويُدخلهم في دوامة القلق والخوف اللذين قد يقضيان على حياتهم أسرع من المرض نفسه.

فتلك الأم، وكما تقول واصفة ردة فعلها ما إن نقل إليها الطبيب مخاوفه وشكوكه، حتى أحسّت ولثوانٍ بتوقف قلبها عن النبض، وأن ضربة أشبه بنصل الخنجر قد غرزت في قلبها!. ماذا لو أصيبت تلك الأم بصدمة قلبية، وهي التي للتو قد خرجت من غرفة عمليات الولادة؟.

مبدأ الشفافية بين المريض والطبيب له أخلاقيات في مهنة الطبيب، وليس بالأمر العشوائي الذي قد يتسبّب في هلاك المرضى نفسياً أو حتى جسمانيًا. كان الأجدى والأجدر من الطبيب أن يتأكد من شكوكه أولاً، عبر إخضاع ذاك الرضيع للفحوصات الدقيقة ليصبح متيقنًا من أمر إصابته بتلك المشاكل الصحيّة من عدمه، قبل أن يفاجئ الأم بهذا الأمر الجلل. وكان الأجدر منه أن يبث تلك الهموم للأب أو أحد المقرّبين للأم لوضعهم في الصورة إن لزم الأمر لا أن يفجع الأم بهذا الأمر وهي على سريرها الأبيض، ولم تفرح بعد برضيعها.

حتى أسلوب نقل الخبر وطريقة طرحه، والكلمات التي يستخدمها الطبيب تكون ذات أثر كبير على المريض، فقد تهدم نفسيته، وقد تسهم في رفع معنوياته وتجعله متقبلاً أكثر للمرض الذي هو فيه، وتشد من أزره لمواجهة مرحلة العلاج التي يحتاجها. فقليل من الرحمة، وكثير من التعقل يا أطباءنا رحمة بالمرضى.

ياسمينة: الطب مهنة إنسانية، من لا يجد في قلبه الرحمة فليتركها، فلا مكان لقساة القلوب بينها.

yasmeeniat@yasmeeniat.com

https://instagram.com/p/5d5x_1BbjJ/

بقلم : ياسمين خلف كان فرحتها الأولى بعد أن فقدت جنينها الأول، طفل كفلقة القمر أو هو أجمل، وكانت لا تزال على فراشها الأبي...

إقرأ المزيد »